رد: رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
27-11-2017, 09:48 AM

رشيد أيلال والتجني على صحيح البخاري
الجزء الثاني

ينتمي رشيد أيلال فكريا إلى ما يمكن تسميته:(المدرسة الفكرية الرافضية) التي تضم كتابا علمانيين متسترين وراء :(حرية التفكير) التي لا تقف عند حدود، بل تطال المقدس وغير المقدس، وتدعو إلى رفض النص الديني الذي شكل -كما يزعمون- على مدار التاريخ العربي الإنساني: الشخصية النقلية القاصرة عن إدراك الحقائق التي تختفي وراء النصوص، والتي لا سبيل إليها إلا بالاحتكام إلى العقل للحكم على النقل.
لذلك، يجب أن لا نعجب من كثرة الإشادة بالعقل في مؤلفات هؤلاء، وكأنه حكرٌ عليهم، حجر على غيرهم!!؟، كما في كتاب:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين): لزكريا أوزون الذي يُعدُّ واحدا من المفكرين العلمانيين الذي نجد بصمته الفكرية ظاهرة في كتاب:(صحيح البخاري، نهاية أسطورة): لرشيد أيلال، ولو أن هذا الأخير لم يُشر إلى مظاهر هذا التأثر، مكتفيا في المقدمة بالقول إنه:"مجرد باحث عن الحقيقة التي يرشده إليها عقله" حتى إنه يدعي بأنه:"يهدي هذا الكتاب إلى كل من أعيته خرافات وتناقضات المرويات، وحار أمرُه بين تمحيصها أو تقديسها!!؟"، ولكن التحري كشف لي عن خلفية التجني على صحيح البخاري عند أيلال، والتي ورثها من زكريا أوزون في كتابه:( جناية البخاري.. إنقاذ الدين من إمام المحدثين)، فما انتهيت إليه من هذا التحري ومن المقارنة بين كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة)، وبين هذا الكتاب هو: أن أيلال أعاد نسج الشبهات حول صحيح البخاري على طريقته، ولكن مضامينها مأخوذة بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشِرة من كتاب:(جناية البخاري)، سواء ما تعلق بالطعن في الروايات الواردة في صحيح البخاري، أو ما تعلق بنسخه وتناقضاتها على حد زعم أيلال وزكريا أوزون!!؟، أو ما تعلق أساسا بقضية كون السنة ناسخة للقرآن، والمفهوم الغريب الذي يعدُّ ابتداعا وبراءة اختراع لأيلال!!؟، وهو أن:"السنة قاضية على القرآن"، فقد تشابهت موضوعات الكتابين وإن اختلفت الصياغة!!؟، ولا بد أن أشير هنا إلى أن تأثير فكر زكريا أوزون واضح في كتاب:(صحيح البخاري.. نهاية أسطورة)، لأن زكريا أوزون يعدّ من كبار الرافضين للنص الإسلامي، وله سلسلة في ذلك سميتها سلسلة:( الجنايات)، ومنها:(جناية سيبويه.. الرفض التام لما في النحو من أوهام"، و:( جناية الشافعي، تخليص الأمة من فقه الأئمة)، بالإضافة إلى كتبه الساخرة من أركان الإسلام مثل:(الصلاة.. عسكرة الرحمان)، و:(الزكاة إتاوة العربان)، و:(الإسلام.. هل هو الحل؟)، و:(لفق المسلمون إذ قالوا).
والخلاصة:
أن زكريا أوزون عمد إلى أصول الفكر الإسلامي اللغوية والفقهية والعقدية فنقضها، وركز في ذلك على نقد عمالقة هذا الفكر، فحمل على:( سيبويه النحوي، والشافعي الفقيه، والبخاري المحدث)، وذلك لما يتمتع به هؤلاء من إجماع لدى الأمة، ولم يتردَّد أيلال في تكرار شبهات وترهات زكريا أوزون، وأخرج لنا في النهاية كتابا مثيرا للعجب!!؟، ولا أقول مثيرا للجدل، لأن الجدل له مقوِّماته المنهجية والمعرفية التي أجدها غائبة في هذا الكتاب، أليس من الدواهي أن يتجرأ كاتبٌ مغمور مغرور مثل: رشيد أيلال ومهندسٌ استشاري مختص في دراسات الإسمنت المسلح وأعمال التدعيم الإنشائي على صحيح البخاري الذي أطبق العلماءُ على كونه:" أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى!!؟".

أيلال ينحو منحى الشيعة.
اطلعت على كتاب:(كشف المتواري في صحيح البخاري): لمحمد جواد خليل، الذي يذكر فيه بأن ما قيل في انتقاد صحيح البخاري الذي وصل إلى حد الافتراء بأنه "كتابٌ مزوَّر!!؟" كان بسبب بعض الإضافات والإقحامات على نصّ البخاري، والتي نجدها -كما أضاف- في كتب الشيعة، حيث يقول محمد جواد خليل في مقدمة كتابه سالف الذكر:
" ..اعلم أخي أن صحيح البخاري ومسلم يعتبران من أصحِّ الكتب عند العامة، وتأتي مرتبتهما بعد القرآن مباشرة، ثم تأتي بقية الكتب، وهي السنن الأربعة، فهذه هي الكتب الستة التي يعتمد عليها أهلُ العامة، وإنني ولدى قراءتي لبعض كتب إخواني الشيعة لاحظت أنهم عندما يستشهدون بحديث في البخاري يقولون بأنه محذوف في الطبعات الجديدة منه، أو أن الطبعة التي بين أيديهم قد تلاعبت الأيدي فيها بالحديث وقامت بتحريفه، وكل ذلك وهم، وقد اختلط عليهم الأمر وذلك لأسباب منها، التبويب الرديء لصحيح البخاري، هذا بالإضافة إلى أنهم يروون بالمعنى والمضمون، ولنضرب أمثلة على ذلك:
قال الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه:(فدك في التاريخ): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني دافعٌ الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يُفتح له"، ويقول في الهامش:"لا يرجع" (البخاري، ج 5، ص 18
أقول: "كلمة "لا يرجع" لا توجد في صحيح البخاري، إذن فالسيد الشهيد روى عن المضمون، وذلك مما لا يقبله أهل العامة، والواجب أن نأتي بالنص الموجود في البخاري وبلفظه".
وهناك أمثلة أخرى عن هذا التحريف لكلام البخاري في الكتاب الذي أشرت إليه، وقد اعتمد أيلال على هذه التحريفات للطعن في صحيح البخاري، وأكبر من ذلك، فإن الذي وقفتُ عليه أنه يخلط في كثير من المواضع بين كلام البخاري وكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في:(فتح الباري)، ولذلك تصدق عليه مقولة أحد الباحثين:
"هناك من سُئل عن البخاري، فقال: لا أجد هذا في مقدمة البخاري، مع أن العام والخاص يعلم أن البخاري رحمه الله لم يجعل مقدمة لكتابه، وإنما المقدمة موجودة في "فتح الباري".

كثرة الاقتباس وغياب التأسيس.
قاصمة الظهر بالنسبة لرشيد أيلال هي:" كثرة الاقتباس وغياب التأسيس"، ولا يعني هذا: أنني أعيب عليه كثرة الاقتباس، لأن الاقتباس مما يقتضيه البحث العلمي، ولكن أعيب عليه: أنه نحا في الاقتباس منحى العوام، فجاء كتابه طافحا بالطوام، مليئا بالأوهام، لأنه يعوِّل على الاقتباس ويعجز عن التأسيس، ينقل ولا يعي ما ينقل!!؟، وقد سبقني الباحث يوسف سمرين في كتابه:( بيع الوهم.. تهافت طرح رشيد أيلال عن صحيح البخاري) إلى الإشارة إلى ذلك بما يتعارض -كما قال- مع ما جاء في العرض على خلاف الكتاب بقلم الناشر: "وإن كان المؤلف لم يأت بشيء من عنده، فإنه قد بذل جهدا مضنيا في البحث والتنقيب، الذي أخذ منه سنوات!!؟".
والمتعارف عليه: أن الغاية من البحث العلمي الجِدَّة والابتكار، فلا يُقبل ألا يأت الباحث بشيء من عنده، وإلا يصبح مجرد ناقل: لا أقل من ذلك ولا أكثر!!؟.
ومن المضحكات التي أشار إليها يوسف سمرين: أن كتاب أيلال يعجُّ باقتباسات لا حصر لها من مواقع الانترنت وبعض المقالات، ثم يقف حيالها عاجزا عن الإفاضة والإضافة، فهل هذا:( جهدُ سنين، أم هو عمل المحتالين الذين يسطون على أفكار الآخرين، ثم ينسجون منها كتابا!!؟": كما فعل أيلال الذي ادَّعى أنه حسمَ الجدل حول صحيح البخاري، وأنه قد توصل إلى ما عزب عن غيره من أن هذا الكتاب "أسطورة كانت وانتهت!!؟"، مع أن عمله في الكتاب لا يختلف منهجيا: تجاوزا عن أي عمل يقوم به المبتدئون في البحث العلمي:" ينقل من هنا وهناك، ثم يجعله نصا متراكما وفقرات آخذ بعضها بعناق بعض، ثم يخرجه إلى القراء، ليضحك على أذقانهم، ويستخف بعقولهم رافعا عقيرته: "هاؤم اقرؤوا كتابيه!!؟".