رد: ثمانون فكرة وفائدة من كتاب تحقيق الوصال بين القلب والقران
18-01-2018, 09:01 AM
42- هناك دليل واقعي واضح يؤكد على أن السبب لعدم انتفاعنا بالقرآن ليس هو: افتقادنا للتذوق اللغوي، هذا الدليل يتمثل في وجود نماذج كثيرة ممتدة عبر التاريخ الإسلامي من غير العرب ممن تعلموا اللغة العربية، فتأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وانتفعوا به انتفاعًا عظيمًا.
43- كان الشيخ فضل الرحمن الكنج مراد آبادي (م 1313هـ) يقرأ القرآن ذات يوم إذ غلبه الوجد (التأثر والاستغراق المشاعري الشديد مع الآيات)، فقال للشيخ السيد تجمل حسين: «إن اللذة التي نجدها في القرآن، لو وجدتم منها ذرة، لما صبرتم على الجلوس مثلنا، ولخرجتم تمزقون ثيابكم إلى الصحراء»، ثم قال: آه، ودخل حجرته ومرض لعدة أيام.
44- ويقول الشيخ الجليل عبد القادر الرائيفوري - أحد كبار المشايخ المعروفين في عصره - وهو يصف حال مربيه وشيخه عبد الرحيم الرائيفوري (م 1919م - الموافق 1337هـ): «لقد رأيت الشيخ يقرأ القرآن الكريم، فكان يطيل قراءته في صلاة الليل أيما إطالة، فتارة يبكي، وإذا جاء ذكر العذاب، بكى واستغفر الله تعالى وتضرع إليه تضرعا عجيبًا يتمثل حال من يسأل العفو عن جريمته في ضراعة ولهف، وإذا جاءت آية فيها ذكر رحمة الله - عز وجل - استبشر وسرَّ تارة، وهدأ صامتا أخرى».
45- يقول أبو الحسن الندوي - رحمه الله-: «لقد أثَّر (القرآن الكريم) في عقلية إقبال، وفي نفسه ما لم يؤثر فيه كتاب ولا شخصية، ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن، ويطير في أجوائه، ويجوب في آفاقه، فيخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة».
46- بديع الزمان سعيد النورسي من نماذج الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وفاضت عليه معانيه، وكتب الكثير حولها في «رسائل النور» وحفظ الله به الإسلام في تركيا فترة سقوط الخلافة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية..
47- عائشة برجت هوني التي نشأت في أسرة إنجليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة، ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه.تقول هوني:" .. لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد انتهى من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام".
48- يمكن إجمال العوامل والأسباب التي أدت إلى ضعف الإيمان والثقة بالقرآن الآتي:
أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن.
ثانيًا: طول الإلف.
ثالثًا: نسيان الهدف من نزول القرآن.
رابعًا: الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن.
خامسًا: غياب أثر القرآن.
سادسًا: كيد الشيطان.
سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن.
49- يقول عمر عبيد حسنة: «إن الصورة التي طبعت في أذهاننا، في مراحل الطفولة للقرآن أنه لا يُستدعي للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة، أو عند زيارة المقابر، أو نلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية، وهي قراءات لا تتجاوز الشفاه».
50- إن الإنسان هو: موضوع القرآن، بمعنى أن الهدف الأسمى لنزول القرآن هو: هداية الإنسان وإصلاحه والسير به في الطريق المؤدي إلى رضا الله وجنته، ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعلها الله رسالة موجزة مقارنة بما تحتويه من معان عظيمة، ليسهل حملها وقراءتها وحفظها.
51- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:« أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا دراسته عملا».
52- يقول الحسن البصري - رحمه الله-: «إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا، فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار».
53- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز هِمَّةً إلا في قوة حفظه، وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به، وكل ذلك- وإن كان حسنا - ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم، وأولى، وأحرى، وهو: فهم معانيه، والتفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته.
54- لم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحُتجب بها، أو أورادًا تُقرأ على المقابر وفي المآتم، أو ليُكتب في السطور، ويحفظ في الصدور، أو ليحُمل أوراقًا ويُهمل أخلاقًا، أو ليحفظ كلامًا ويهُجر أحكامًا، وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16)/ المائدة ٍ}.
55- ليس المقصود من القرآن: مجرد التلاوة، أو التماس البركة، وهو مبارك حقًا، ولكن بركته الكبرى في تدبره، وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء، ومن لم يفعل ذلك، واكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل، فإنه يُخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة - رضي الله عنه -: «يا معشر القراء: استقيموا، فقد سبقتم سبقًا عظيمًا، وإن أخذتم يمينًا وشمالاً، لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا».
56- إن جملة الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الحد الأدنى لختم القرآن تؤكد على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرخِّص لأحد ختمه في أقل من ثلاثة أيام، فإن قلت بأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقرأ القرآن في ركعة: لجاءك الجواب بأن هذا الأثر قد ضعَّفه الترمذي، وأقر الألباني ذلك التضعيف، فقال:" ولقد أحسن الإمام الترمذي برواية هذا الخبر والذي بعده (خبر عثمان بن عفان، وخبر سعيد بن جبير) بصيغة التضعيف، لأن الركعة مهما طالت لا يمكن أن يقرأ فيها القرآن الكريم كاملا، فضلا عما في ذلك من مخالفته لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود والقيام، وحاشا لسيدنا عثمان أن يفعل مثل ذلك".
قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: أقول: هذا هو الصواب الموافق للسنة.
57- إذا ما نظرنا إلى كتب فضائل القرآن نجد في أغلبها أخبارًا عجيبة عن بعض السلف بأن فلانًا كان يختم في رمضان ستين ختمة، وآخر كان يختم ختمة فيما بين الظهر والعصر، ويختم ختمة أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وآخر كان يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات، وأكثر من هذا وأكثر، ومن لا يصدق هذا الكلام، فعليه بالنظر في كتب فضائل القرآن ليتأكد بنفسه.
فهل هذا كلام يُعقل؟!، هل يمكن لأحد أن يختم القرآن بين صلاتي المغرب والعشاء؟!.
إن متوسط المسافة الزمنية بين انتهاء صلاة المغرب حتى صلاة العشاء تقرب من ساعة من الزمن، أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في دقيقتين!!؟.
58- هذه الأخبار التي تورد ختم القران في اليوم أو اليومين مرات عديدة وغيرها، مهما قيل في صحتها أو عدم صحتها، فهي:
أولاً: تخالف الهدى النبوي.
ثانيًا: تصطدم مع قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)/ سورة ص }.
ثالثًا: لا يمكن تصديقها مهما ادعى البعض وجود بركة في الوقت عندهم، ولعل السبب وراء تناقل هذه الآثار -دون التثبت من صحتها- هو استثارة همم المسلمين في الانكباب على القراءة، والانشغال بها.
59- لقد نجح الشيطان نجاحًا كبيرًا في استدراج الأمة وإبعادها عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وهذا لم يتم في يوم وليلة، بل كان استدراجًا هادئًا بطيئًا عبر القرون المتعاقبة حتى وصل إلى الحال الذي وصل إليه الآن.
60- إن هدف الشيطان هو: إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، من خلال:
*في البداية: يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن، إما بالتسويف، أو بإشغاله بأمر آخر، فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة:
*مدخل التعب والنعاس.
*مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات، ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.
*مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.
*مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها، ليترك القراءة.
*مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.
*مدخل تخويفه من تدبر القرآن.

يتبع إن شاء الله.
التعديل الأخير تم بواسطة طَيْفٌ رَحَلْ ; 02-02-2018 الساعة 02:49 AM سبب آخر: تصحيح الآيات القرآنية وإيرادها تامة .. /