رد: ابن تيمية وجهوده في كشف حقيقة التتر
02-07-2017, 05:23 PM

رابعا: دور المنافقين المندسين في الصفوف، والحريصين على التحريش بين العلماء وولاة أمور المسلمين:
فها هو يَتَحدَّثُ عن فِتنَةٍ وَقعَت له، بسبب وشاية قام بها بعض المنافقين بينه وبين ولاة أمور المسلمين، فيقول:
" فإنَّ الذين أَثارَوها مِن أَعدَاءِ الإسلام، الذين يُبغِضُونه ويُبغِضُون أَوليَاءَه والمجاهِدين عنه، ويختَارُون انتِصَارَ أعدَائِه مِن التترِ ونحوهم، هُم دَبَّرُوا عليكم حِيلَةً يُفسِدُون بها مِلَّتَكم ودُولَتَكم، وقد ذَهَبَ بَعضُهم إلى بُلدَانِ التترِ، وبَعضُهم مُقِيمٌ بالشَّامِ وغيره، ولهذه القَضيَّةِ أَسرَارٌ لا يُمكِنُني أن أَذكُرَها، ولا أُسمِّي مَن دَخَلَ في ذلك حتَّى تُشَاورُوا نَائِبَ السُّلطانِ، فإن أَذِنَ في ذلك ذَكَرتُ لك ذلك، وإلَّا فلا يُقالُ ذلك له، وما أَقُولُه فاكشِفُوه أنتم".
فاسَتَعجَبُ مِن ذلك، وقال يا مولانا: ألا تُسمِّي لي أنت أَحَدًا؟، فقلت:" وأنا لا أَفعَلُ ذلك، فإنَّ هذا لا يَصلُحُ، لكن تَعرِفُون مِن حَيثُ الجُملَةِ: أنَّهم قَصَدوا فَسَادَ دِينِكم ودُنيَاكم، وجَعَلوني إمَامًا تَستُّرًا، لَعِلمِهم بأنَّي أُوَالِيكم وأَسعَى في صَلاحِ دِينِكم ودُنيَاكم، وسَوفَ -إن شَاءَ الله- يَنكَشِفُ الأَمرُ"[13].
ويضيف: " وإنَّما الخَوفُ عليكم: إذا ذَهَبَ ما أَنتُم فيه مِن الرِّياسَةِ والمالِ، وفَسَدَ دِينُكم الذي تَنَالون به سَعَادَةَ الدُّنيا والآخِرَة، وهذا كان مَقصُودُ العَدُو الذي أَثَارَ هذه الفِتنَةَ"، وقُلتُ:" هؤلاءِ الذين بمصرَ مِن الأُمرَاءِ والقُضَاةِ والمشَايخِ إخوَاني وأَصحَابي؛ أنا ما أَسَأتُ إلى أَحَدٍ مِنهم قَطُّ، ومازِلتُ مُحسِنًا إليهم، فأيُّ شَيءٍ بَيني وبَينَهم، ولكن لَبَّسَ عليهم المنَافِقون أَعدَاءُ الإسلام"[14].
"وقُلتُ له: هذه القَضِيَّةُ أَكبَرُ مما في نُفُوسِكم؛ فإنَّ طَائِفَةً مِن هؤَلاءِ الأَعدَاءِ ذَهبُوا إلى بِلادِ التتر"، فقال: إلى بلادِ التتر؟، فقلتُ:" نعم، هُم مِن أَحرَصِ النَّاسِ على تَحريكِ الشَّرِ عليكم إلى أُمورٍ أُخرَى لا يَصلُحُ أن أَذكُرَها لك"[15].

خامسا: الاختلاف والتفرق على المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف: والتعصب بين أتباع المذاهب، والولاء والبراء على هذه الآراء إلى حدٍّ يَخرُجُ عن الشَّرع.
يقول عن ذلك: " وَثَبَت عنه في الصحيحين: أَنَّه عَلَّمَ أَبَا محذورَةَ الإِقَامَةَ شَفعًا شَفعًا، كالأَذان، فمَن شَفَّعَ الإِقَامةَ فقد أَحسَن، ومَن أَفرَدها فقد أَحسَن، ومَن أَوجَب هذا دُون هذا، فهو مُخطِئٌ ضَالٌّ، ومَن وَالى مَن يَفعَلُ هذا دُون هذا بمُجرَّدِ ذلك، فهو مُخطِئٌ ضَالٌّ، وبِلادُ الشَرقِ مِن أَسبَابِ تَسلِيطِ اللهِ التترَ عليها: كَثرَةُ التَّفرُّقِ والفِتنِ بينَهم في المذاهِبِ وغَيرِها؛ حتَّى تَجِدَ المنتَسِبَ إلى الشَّافعي يتَعصَّبُ لمذهبه على مَذهَب أبي حَنِيفَة حتى يَخرُجَ عن الدِّين، والمنتَسِبَ إلى أَبي حَنِيفَة يتَعصَّبُ لمذهبه على مَذهَب الشَّافعي وغيره حتَّى يَخرُجَ عن الدِّين، والمنتَسِبَ إلى أَحمَد يتَعُصَّب لمذهبه على مَذهَب هذا أو هذا، وفي المغرِبِ تَجِدُ المنتَسِبَ إلى مَالِكٍ يتَعصَّبُ لمذهبه على هذا أو هذا. وكُلُّ هذا مِن التَّفرُّقِ والاختلافِ الذي نهى اللهُ ورَسُولُه عنه، وكُلُّ هؤُلاءِ المتعصِّبِين بالبَاطِل، المتَّبعِين الظَّنَ وما تهوى الأَنفُس، المتَّبعِين لأَهوائِهم بغَيرِ هُدى مِن الله، مُستَحقُّون للذَّم والعِقابِ"، ثم يقول: " فإنَّ الاعتِصامَ بالجَماعَةِ والائِتلافِ مِن أُصُولِ الدِّين، والفَرعُ المتَنَازَعِ فيه مِن الفُروعِ الخَفيَّةِ، فكيف يُقدَحُ في الأَصلِ بحِفظِ الفَرعِ!!؟، وجُمهُورُ المتعصبين لا يَعرِفُون مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ إلا ما شَاءَ الله، بل يَتَمسَّكون بأَحَادِيثٍ ضَعِيفَةٍ، أو آرَاءٍ فَاسِدَةٍ، أو حِكَايَاتٍ عن بَعضِ العُلمَاءِ والشُّيوخِ قد تَكون صِدقًا وقد تَكون كِذبًا!!؟، وإن كانت صِدقًا، فليس صَاحِبُها مَعصُومًا، يَتَمسَّكُون بنَقلٍ غَيرِ مُصدَّقٍ، عن قَائِلٍ غَيرِ مَعصُومٍ، ويَدَعُون النَّقَلَ المصَدَّقَ عن القَائِلِ المعَصُومِ، وهو: ما نَقلَه الثِّقَاتُ الأَثبَاتُ مِن أَهلِ العِلمِ، ودَوَّنُوه في الكُتُبِ الصِّحَاحِ، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم"[16].

هوامش:
[1] نزهة الأنام في تاريخ الإسلام، لصارم الدين إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي، تحقيق د. سمير طبارة، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، ط1/1420هـ- 1999م: ج1/261.
[2] بيان تلبيس الجهمية: ج5/216.
[3] اقتضاء الصراط المستقيم: ج1/418.
[4] بيان تلبيس الجهمية: ج5/408.
[5] مجموع الرسائل والمسائل: ج4/39.
[6] مجموع الرسائل والمسائل: ج1/179- 180.
[7] الصفدية: ج1/236.
[8] مجموع الفتاوى: ج34/205.
[9] الفتاوى الكبرى: ج3/426.
[10] منهاج السنة النبوية: ج4/592.
[11] منهاج السنة: ج5/155.
[12] الفتاوى الكبرى: ج3/546.
[13] مجموع الفتاوى: ج3/215.
[14] مجموع الفتاوى: ج3/216.
[15] مجموع الفتاوى: ج3/217.
[16] الفتاوى الكبرى: ج2/109.


يتبع إن شاء الله.