نُوفَمْبَـرُ وَ اَلـسِّنِـينُ اَلْـعِجَآفْ / بِقَلَمْ وَالِدِي
31-10-2012, 03:21 PM
نوفمبر والسنين العجاف ...
الزمن يجري ... الأيام تتسارع ... الكل في دهشة من دوران الزمن المرعب ... لا أحد بإمكانه أن يطاول الزمن ....
بلد اسمه الجزائر ... اسم تحن إلى نطقه الشفاه ... بلد حباه الله كل سبل الرفاهية والسعادة ... الجمر الذي اشتعل وهجه خلال أول نوفمبر وما تلاه لم يستطع أن يبقى الوهج مشتعلا بنفس القوة ... بنفس الإرادة .... بنفس العزيمة ... لأجل الجزائر حدث ذات يوم والجزائر بلد مستعمر من قبل أصدقاء اليوم... أن قام رجال ... بل أبطال بإشعال الشرارة الأولى ... بل الحلم الأول ... حلم التصادم مع القوى الإستعمارية أذن كانت هناك شرارة الثورة ... وحلم الوقوف في وجه المستعمر دون خجل ... وأيامها ضحى الأبطال والبطلات بكل ما يملكون بالمال ... بالولد ... بالنفس ... وأمدهم الله بالعون وطول النفس ... وقوة الإرادة ... فصبروا على المحن ... وقاوموا الشدائد ... وشوا الدروب الوعرة أمام مرأى أقوى قوة استعمارية آنذاك ، يحدوهم في ذلك تحقيق أمل الأمة ... وتسليم المشعل المتقد بالحرارة ... بالإيمان ... الإيمان بقضية عدالة الجزائر ... الإيمان ببلد اسمه الجزائر من أجمل بلدان العالم ... سلاحهم البسيط تغلب على الأسلحة المتطورة ... لأن دفاعهم مستمد من القلب ... لأجل هدف مقدس ... وطريق مرسوم بالدم ... بالألم ... بالدموع ... آه يا بلدي الجزائر ... ولأنني لم أكن محظوظا ، لأنني من جيل الإستقلال ... وحرمني سوء حظي من حظور ولو يوم من أيام الثورة الخالدة ... ورؤية رجالها الذين يختلفون عن باقي الرجال ... لم أكن أعلم هل من سوء حظي أو من حسن حظي له أحضر ذلك؟ ... لكن في قريتنا وفي كل القرى المحيطة بنا ... وفي كل شبر من تراب جبال الأوراس الأشم ... الأوراس الواقف يتحدى التاريخ ويسخر من الحضارة التي تريد أن تعيد إلينا الإستعمار ثانية ... وتطلب من الأوراس أن يحتضن الثوار مرة أخرى ، بعدما احتضنهم في المعركة المصيرية الخالدة ... أنا واحد من أبناء الأوراس حيث شربت من منبع الحكايات الشعبية حول عظمة الثورة وعظمة مفجرها ... كنت صغيرا أتعلق ببرنوس أبي حفظه الله ... و أطلب منه أن يحكي لي مزيدا من تلك الأحداث ... من تلك الأساطير التي جسدها أبطال الثورة ... كان يقف كمن طعن في مكان ما من جسده أو كمن سلب منه جزء من حياته و يرد علي : ( يا بني إن الثورة كانت أعظم مما تتصور ... كانت الثورة شيئا لا تستطيع وصفه أو التحدث عن عظمته وقدسيته ... كانت الثورة شيئا آخر يختلف عن الدروس المكتوبة على أوراق كتب التاريخ ... كانت عظمة تنطق بعظمة صانعيها ) ، وكنت بصعوبة بالغة أفهم بعض الكلام مما كان يود أبي قوله ... و الحقيقة كانت دائما تبقى له و يحتفظ بها لنفسه حكرا عليه ... آه عليك يا جزائر لم نكن نصدق أن الآباء يخدعون الأبناء ... وأن الذين كانوا ثوارا أصبحوا أشرارا اليوم ... وارتكبوا باسم نوفمبر كل الحماقات ... كل السخافات ... وضحكوا على شعب الجزائر ... باسم نوفمبر هدمت أسر ... وروعت أسر ... وأصبحنا نجهل كيف نعيش ؟... ولمن نعيش ؟.... ولماذا نعيش ؟... وبدأت السهام ؛ سهام الغدر و الخيانة تغرس بكل دقة في قلب الجزائر ... ولأن الجزائر قلبها عظيم عظمة أبنائها وواسع اتساع صحاريها فقد ضمت كل أولئك وهؤلاء ولم تجرح أحدا منهم ، كيف وهي الأم الحنون والأب البار لجميع أبنائها دون استثناء ... وبقيت تلك السهام في جسد الجزائر وفي قلبها المتسامح حتى تعفنت الجروح ... وبانت القروح وكادت أن تخرج الروح ... و المشكل أن أبناء الأمس آباء اليوم يضحكون ... يسهرون ... يتسامرون ... وعن الطامة الكبرى لاهون .... وحدث أن انتفضت الجزائر ... وارتعشت كعصفور مذبوح ... فلم تستطع الوقوف على رجليها ، لأن رجليها كانوا من صنع رجالها ... ومجدها كان قد صنع من عبير أرواح أبنائها المخلصين ... و مادام الإخلاص في زماننا عملة نادرة إن لم نقل عملة صعبة وبذلك صعب على الجزائر النهوض لمواجهة التحديات المحيطة بها ... وصعب عليها حتى ضم أبنائها إلى صدرها بعد أن انحرف الأبناء أقصد الآباء عن الطريق المرسوم ... والهدف المزعوم ... هدف جعل الجزائر في مصادف الدول المتقدمة ... والأمم الراقية ... عذرا يا سيدي نوفمبر رمز البطولة والفداء ... رمز الشهامة والإباء ... الآباء لم يحترموا العهود ونحن أصحاب حلم موؤود ، لم نشك للحظة يا نوفمبر أن تنقلب الموازين ... وتتغير المفاهيم ويصبح عدو الأمس صديق اليوم ... و أن نصبح متهافتين على العدو اللدود (عفوا) أقصد الأم الحنون ... ماذا نقول لك يا نوفمبر وذكراك على الأبواب ... هل أن الأمانة وصلت إلينا محرفة عن موضعها ؟... أم نحن الذين لم نكن أصلا أهل أمانة ؟!... آه يا بلدي الحبيب يا جزائر ... من مفارقات الزمن العجيبة و الغريبة أن يصبح البلد الأكثر مقاومة للذل والخضوع و البلد الذي دفع بأكثر أبنائه إلى الموت من أجل الحرية و الكرامة ، أن يصبح ذات البلد الذليل وصاحب الجسد العليل والذي يطلب دواءه من عند عدو شجع وبخيل ... هل كتب على الجزائر السواد ؟... هل كتب على أبناء الجزائر الأحرار الشقاء الأبدي .... هل وجد اسم الجزائر ليكون مرادفا للتعاسة ... والفقر ... والفاقة ... والحرمان ؟! ما أتعسنا ونحن نرى جسد الجزائر الحبيبة ينزف دما ولا نستطيع أن نقدم له العلاج ... ما أذلنا ونحن نسمع صرخات الجزائر تستنجد لتخليصها من قبضة الوحوش الآدمية وكلنا عن ذلك مشغول ... والكل لا يدري ماذا يفعل أو ماذا يقول ؟... عذرا يابلدي الحبيب ستشتغل آلة الزمن الجزائري لوحدها بمعزل عن بقية الأزمان في كل بقاع العالم ... غدا سيعود للشباب وعيه وأمله وهداه وسينتفض الشباب الجزائري ... وسينهض من أجلك و لأجلك يريد تخليصك من يدي جلاديك وسيكون في الموعد مع التاريخ ... غدا سينفض الشباب عن ذاكرته غبار السنين الجائرة ... ووجع الأيام الغابرة وسيقف وقفة رجل واحد من أجل بلد واحد وهو الجزائر ... وسيعاد القطار إلى سكته والماء إلى مجراه وستعود للجزائر نظارتها ... إشراقتها ... ريشتها التي عرفت بها بين سائر الأمم ... وسيرفع رأس العروس (الجزائر) عاليا حتى يقرأ كل الناس اسم الجزائر في حبات المطر المتناثر ، وفي طيات السحاب العابر ... وبين ذرات الضباب الحائر ... كل ذلك غدا يا جزائر ... سنفدي بأرواحنا كل شبر من ثراكِ ... و سنسهر الليالي الطوال من أجلك ي جزائر ، لقد قتلنا حُبّكِ يا جزائر ... وغرست فينا جذور الحب اتجاهك ... فكيف نتخلى عن أم حنون أعطت لنا كل ما تملك ... وكيف نخون أما سقتنا لبنا وهواء وخيرا أنقذنا من كل المهالك ... سيعود ربيعك البهيج يا جزائر و نكون نحن وأنت على موعد مع التاريخ ... وسنفرح نحن وتفرحين أنت و يفرح كل الأبناء ... كل الآباء ... كل المخلصين من أبنائك يا جزائر.
بقلم والدي / بــروآل امْحمّـدْ
فـي : 1993 م
