التعريف بادلة الاحتفال بالمولد الشريف
06-01-2014, 09:17 PM
التعريف بأدلة مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
الجزء الأول
بقلم الشيخ عبد العالي بوعكاز
فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف أمر جائز ومشروع استحسنه العلماء والمسلمون شرقاً وغرباً قديماً وحديثاً، وليست له كيفية محددة، وإنما هو احتفال لإظهار الشكر لله والفرح بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يشتمل على تعبد ووعظ وتذكير وتلاوة قرآن والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وسماع مدائح نبوية وإطعام...
وقد ذكر العلماء أدلة عديدة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ومنها:
1- أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وقد انتفع به الكافر، فقد جاء في صحيح البخاري وغيره أنه يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته سروراً بميلاد النبيعليه الصلاة والسلام. قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى "مورد الصادي في مولد الهادي": قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشد:
إذا كان هذا كافـــراً جاء ذمه *** وتبّت يداه في الجحيم مخلدا
اتى انه في يوم الاثنين دائما *** يخفّف عنه للسرورباحمدا
فما الظن بالعبد الذي طول عمره*** باحمد مسرورا ومات موحدا
فإذا كان هذا الكافر الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بالمؤمن الموحد الذي يحتفل بذلك.
2- أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ويشكر الله تعالى فيه، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام، كما جاء في الحديث عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم الاثنين؟ فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ". رواه مسلم.
فهذا نص صريح في الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم لا يحتمل غير ذلك، وهذا تعبير عن الفرح والسرور، وأصل للفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلٌ يعبِّر عن فرحه به صلى الله عليه وسلم على طريقته.
فمعنى الاحتفال به موجود سواء كان ذلك بصيام أو قيام أو إطعام طعام أو صدقة أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو سماع شمائله الشريفة، و كل ما هو مشروع، و قد يتحقق المقصود بأي وسيلة مشروعة وللوسائل حكم المقاصد إذا كان المقصود مشروعا.
أما قول المتمسلفة هذا يدل على الصيام فقط: فهي ظاهرية محضة و تخصيص دون مخصص.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم يوم مولده ويحتفل به كل أسبوع ويشكر الله تعالى فيه فما المانع أن نعظِّم نحن يوم مولده صلى الله عليه وسلم ولو مرة في السنة.
3- أن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله تعالى: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾. وفسر ابن عباس الآية كما يلي: ( فضل الله أي العلم، ورحمته محمد صلى الله عليه وسلم لأنه تعالى قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾) أنظر "الدر المنثور" للسيوطي 4/367.
فالله أمرنا أن نفرح بالرحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الرحمات. قال الإمام الرازي في "التفسير الكبير" في تفسير قوله تعالى: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾ يونس: 58 : (يفيد الحصر، يعني يجب أن لا يفرح الإنسان إلا بذلك).
والاحتفال به صلى الله عليه وسلم ما هو إلا توطين محبته في القلوب و تطبيع النفس بإدمان الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم . والمناسبات جرس لتنبيه الغافل وتذكير الناسي.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لأجلها، وقد أصّل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بنفسه، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء سأل عن ذلك، فقيل له: إنهم يصومونه لأن الله نجى نبيهم وأغرق عدوهم في هذا اليوم فهم يصومونه شكراً لله على هذه النعمة، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منهم، فصامه وأمر بصيامه". وقد استدل أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كما جاء في فتوى له نقلها الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" والمطبوع ضمن "الحاوي للفتاوي 01/229" فقال ما نصه: (فيستفاد منه فعله الشكر لله على ما منَّ به في يوم معيَّن من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم).
5- أن المولد الشريف يبعث على الصلاة والسلام المطلوبين بقوله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أكثركم علي صلاة". وما كان يبعث على المطلوب شرعاً فهو مطلوب شرعاً. فهنيئا لمن أكثر الصلاة عليه واتخذ من مولده عادة بالإكثار من الصلاة عليه والإدمان عليها
6- أن الاحتفال بالمولد يشتمل على ذكر مولده الشريف ومعجزاته وسيرته والتعريف به صلى الله عليه وسلم ، ونحن مأمورون بمعرفته ومطالبون بالإقتداء به والتأسي بأعماله والإيمان بمعجزاته.
7- يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة وعدِّ مزاياه: "وفيه خُلِق آدم" أخرجه مالك في "الموطأ" 01/108 والترمذي 491 وقال: حسن صحيح، يؤخذ منه تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام، فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين. فقد تشرف يوم الجمعة بخلق آدم عليه السلام، فبدلالة النص وفحوى الخطاب وقياس الأولى ثبت فضل اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم
كما يؤخذ تعظيم المكان الذي ولد فيه نبي من أمر جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له: "أتدري أين صليت ؟ قال: لا، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى" كما جاء ذلك في حديث شداد بن أوس الذي رواه البزار وأبو يعلى والطبراني، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله رجال الصحيح.
8- أن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد وجرى العمل به في كل صقع من الأصقاع فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من الحديث الموقوف عن ابن مسعود رضي الله عنه: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح". أخرجه أحمد وأبو نعيم والحاكم وصححه.
9- أن الاحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والصدقة ومدح وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله الشريفة وأخباره المنيفة، وكل هذه الأمور مطلوبة شرعا ومندوب إليها وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها، وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا فهو مطلوب شرعا، وكل ما يتركب من مشروع فهو مشروع.
10- أن الله تعالى قال: ﴿وكُلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ فهذا يظهر منه أن الحكمة من قص أنباء الرسل عليهم السلام تثبيت فؤاده الشريف صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره أشد من احتياجه هو صلى الله عليه وسلم.
11- ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الانكار على فاعلها، بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجب، أو على محرّم فهــــومحرّم، أو على مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مستحب فهو مستحب، وللوسائل حكم المقاصد. وقد قسم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، ومستحبة، ومكروهة، ومباحة، ومحرمة.
والبدعة المحرمة هي ما أحدث لمخالفة السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتوِ على مصلحة شرعية.
قال الإمام الشافعي: (ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضّلالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود). والاحتفال بالمولد النبوي الشريف خالٍ من كل هذا، بل إنه يحي السنة وتشمله أدلة الشرع ويحتوي على مصالح شرعية كثيرة.
12- ليست كل بدعة محرمة، ولو كان كذلك لَحَرُم جمع أبي بكر وعمر وزيد رضي الله عنهم القرآن وكتبه في المصاحف خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القرّاء رضي الله عنهم، ولَحَرُم جمع عمررضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة القيام مع قوله: (نعمت البدعة هذه)، يعني أنها محدثة لم تكن وليس فيها رد لما مضى، ولَحَرُم التصنيف في جميع العلوم النافعة، ولوجب علينا حرب الكفار بالسهام والأقواس مع حربهم لنا بالرصاص والمدافع والدبابات والطائرات والصواريخ، ولَحَرُم اتخاذ المدارس والمستشفيات ... فمن ثم قيّد العلماء حديث كل بدعة ضلالة بالبدعة السيئة.
13- الاحتفال بالمولد النبوي إحياء لذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم ،وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة، فالسّعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح بمنى كلها حوادث ماضية سابقة يحي المسلمون ذكراها بتجديد صُوَرها في الواقع.
14- كل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يُقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين.
وقول المتمسلفة: «إن هذا لم يفعله السلف» ليس دليلا بل هو عدم دليل كما لا يخفى على من مارس علم الأصول، ولا تحريم إلا بنص، ولا نص.
15- الاحتفال بالمولد يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ولا يُنقص من أجورهم شيء" رواه مسلم. وكفانا هذا دليلا قاطعاً.
16- أن تعظيمه صلى الله عليه وسلم مشروع والفرح بيوم مولده الشريف بإظهار السرور ووضع الولائم والاجتماع للذكر وإكرام الفقراء من أظهر مظاهر التعظيم والابتهاج والفرح والشكر لله بما هدانا لدينه القويم وما منّ به علينا من بعثته عليه أفضل الصلاة والتسليم، والفرح والسرور والابتهاج بالنبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا تعظيما له، ومن عظم شيئا ابتهج له وسرَّ به.
17- قال العلامة الحافظ شمس الدين بن الجزري: (إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر لنبيهم صلى الله عليه وسلم).
18- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل الخير والبر فيها. قال ابن الحاج في "المدخل" 02/06: ( فعلى هذا فينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرّم ويعظّم ويحترم الاحترام اللائق به، وذلك بالاتباع له صلى الله عليه وسلم في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البرِّ فيها وكثرة الخيرات، ألا ترى إلى قول البخاري رحمه الله تعالى: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان؟! فنمتثل تعظيم الأوقات بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا).











