معنى الوسطية.للشيخ القرضاوي
21-01-2014, 06:00 PM
معنى الوسطية
للشيخ يوسف القرضاوي
س: هل يمكننا التوقف عند معالم أساسية متميزة لتيار الوسطية الإسلامية الذي تتبنّاه في الفكر والدعوة ؟
ج: أهم معالم هذا التيار هي: التيسيـر في الفتوى والتبشير في الدعوة، والجمع بين السلفية والتجديد، أو بين الأصالة والمعاصرة، والموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، والمزاوجة بين الواجب والواقع (فقه الواقع)، والحوار والتعايش مع الآخرين، والتسامح مع المخالفين، وتبني الشورى والعدالة وحرية الشعوب وحقوق الإنسان، وإنصاف المرأة وتحريرها من جور التقاليد الموروثة من عصور التخلف، ومن جور التقاليد الدخيلة الوافدة من حضارة التحلُّل، وتقديم الإسلام رسالة حضارية متكاملة متوازنة لبعث الأمة وتحريرها وتوحيدها.
ماهية الوسطية الإسلامية ؟
ج: وسطية هذا التيار تقوم على موقفه المعتدل من قضايا مهمة، جنح فيها الكثيرون إلى الإفراط أو التفريط، ولكنه حرص دائماً أن يكون كما أمر الله تعالى في كتابه: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ﴾ الرحمن: 7-9، فهذا هو موقفه الثابت في قضايا الفكر والعمل: لا طغيان ولا إخسار في الميزان، فهو وسط بين دعاة المذهبية الضيِّقة ودعاة اللامذهبية المنفرطة، وسط بين أتباع التصوف وإن انحرف وابتدع، وأعداء التصوف وإن التزم واتبع.
وسط بين المحكِّمين للعقل وإن خالف النص القاطع، والمغيِّبين للعقل ولو في فهم النص، وسط بين أناس يأخذون الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وبين الذين يرفضونها بالكلية، وسط بين دعاة التشدد ولو في الفروع والجزئيات، ودعاة التساهل ولو في الأصول والكليات، وسط بين المقدِّسين للتراث وإن بدا فيه قصور البشر، والملغين للتراث وإن تجلَّت فيه روائع الهداية.
وسط بين فلسفة المثاليين الذين لا يكادون يهتمون بالواقع، وفلسفة الواقعيين الذين لا يؤمنون بالمثل العليا، وسط بين دعاة الفلسفة (الليبرالية) التي تعطي الفرد وتضخمه على حساب المجتمع، ودعاة الفلسفة الجماعية (الماركسية) التي تعطي المجتمع وتضخمه على حساب الفرد، وسط بين دعاة الثبات ولو في الوسائل والآلات .. ودعاة التطور ولو في المبادئ والغايات.
وسط بين دعاة التجديد والاجتهاد وإن كان في أصول الدين وقطعياته، ودعاة التقليد وخصوم الاجتهاد وإن كان في قضايا العصر التي لم تخطر ببال السابقين، وسط بين الذين يهملون النصوص الثابتة بدعوى مراعاة مقاصد الشريعة، والذين يغفلون المقاصد الكلية باسم مراعاة النصوص.
وسط بين دعاة الانفتاح على العالم بلا ضوابط، ودعاة الانغلاق على النفس بلا مبرِّر، وسط بين دعاة الغلو في التكفير حتى كفَّروا عامة المسلمين المتدينين، والمتساهلين فيه ولو مع صرحاء المرتدين، وسط بين المستغرقين في السياسة على حساب التربية، والمهملين كلية للسياسة بدعوى التربية، وسط بين المستغرقين في الحاضر غائبين عن المستقبل، والمبالغين في التنبؤ بالمستقبل كأنه كتاب يقرؤونه، وسط بين المقدِّسين للأشكال التنظيمية كأنها أوثان تُعبد، والمتحلِّلين من أي عمل منظم كأنهم حبات عقد منفرط، وسط بين الدعاة إلى العالمية دون مراعاة للظروف والملابسات المحلية، والدعاة إلى الإقليمية الضيقة دون أدنى ارتباط بالحركة العالمية.
وسط بين المسرفين في التفاؤل متجاهلين العوائق والمخاطر، والمسرفين في التشاؤم فلا يرون إلا الظلام، ولا يرقبون للظلام فجراً، وسط بين المغالين في التحريم كأنه لا يوجد في الدنيا شيء حلال، والمبالغين في التحليل كأنه لا يوجد في الدين شيء يسمَّى حراماً.








