السلسلة الذهبية في الآداب النبوية الحلقة:(17). آداب الطعام:(5).
01-05-2014, 04:16 PM
السلسلة الذهبية في الآداب النبوية
الحلقة:(17). آداب الطعام:(5).
الحلقة:(17). آداب الطعام:(5).
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
آداب الطعام العرفية:(تابع).
إغلاق الشفتين عند الأكل*:
من الآداب التي ذكروها أيضاً في الأكل: إغلاق الشفتين عند الأكل وأن لا يتركهما مفتوحتين، وذلك لمعنيين: المعنى الأول: الأمن من تطاير البصاق حال المضغ، وقد يقع ذلك في الطعام فيورث قنافةً يعني: تقززاً وأذىً عند الآخرين.
وثانياً: أنه إذا ضم شفتيه لم يبق لطعامه فرقعة وصوت، فإن بعض الناس ربما ينزعج من صوت المضغ الذي يخرج من الآخرين، فإذا أطبق الشفتين أمن من تطاير البصاق، وأمن ثانياً من إصدار الصوت المزعج عند أكله للآخرين.
ألا يكون خردباناً:
وكذلك من آداب الأكل ألا يكون خردباناً، والخردبان: هو الذي يجر الخبز خوفاً أن يسبقه إليه غيره، فيجعله في شماله ويأكل بيمينه، فهذا لا شك أنه دالٌ على الشره، فالذي تكون اللقمة في يده قبل أن يبتلع التي في شدقه وعينه على الثالثة، فهذا لا شك أنه من الجشعين؛ لأن بعض الناس كأنه لا يصدق أن ما أمامه طعامٌ يمكن أن يأكله، فإذا أخذ لقمةً قبل أن يبتلع التي قبلها فهذا شره منافٍ لآداب الطعام، وتكون عينه على الثالثة أيضاً، أو تكون كلتا يديه فيهما الأكل والطعام فيأخذ من هذه لهذه ونحو ذلك، أو أنه يأخذ رغيف الخبز كله، فيجعله في يده ونحو ذلك، كلها من الأشياء التي تنافي آداب الطعام.
ترك السعال وقت الأكل:
وكذلك من الآداب التي ذكروها في حال الأكل: عدم السعال، فإذا سعل أو اضطر للسعال فإنه يحول وجهه عن الطعام ويبعده عنه، أو يجعل شيئاً على فيه حتى لا يخرج البصاق مع السعال فيقع في الطعام، فيسبب الأذى للآخرين.
وكذلك ألا يتنخم، لا يخرج النخامة أو البلغم، ولا يبصق، ولا يتمخط بحضرة الآخرين عند الطعام، ولاشك أن هذا أيضاً مما يسبب القرف لدى البعض أو الأكثرين.
ألا يصف أشياء مستقذرة عند الأكل:
وكذلك لا يذكر شيئاً فيه مستقذر، لا يصف أشياء مستقذرة إذا أكل على الأكل لا يأتي مثلاً بوصف الصراصير والجرذان والفئران، ونحو ذلك ويذكر القصص المقرفة؛ فإنها أيضاً مما يسبب نفسياً النفور من الأكل، وربما عافه بعضهم، وقال: من أجل هذه السيرة التي أتيت بها تركنا الأكل.
ألا يأكل قبل الناس:
كذلك من الآداب ألا يأكل قبل الناس، ولا يمد يده قبل الناس، ويمد يده الأكبر مثلاً ممن كانت الوليمة من أجله، أو الذي قدمه صاحب المنزل للطعام، فقد يقدم شخصاً معيناً ليبدأ أو الأكبر بالسن أو الأفضل صاحب العلم العالم، وكان الصحابة لا يمدون أيديهم إلى الطعام حتى يمد النبي صلى الله عليه وسلم يده، والذي يمد يده قبل القوم دون أن يكون هناك سبب كأن يكون هو الأكبر أو صاحب العلم والفضل أو الذي قدمه صاحب البيت فلا شك أنه إذا لم تكن هناك هذه الأسباب أو بعضها يكون جشعاً.
ألا يطأطئ رأسه حال الأكل على الإناء:
ومن الآداب: ألا يطأطئ رأسه على الإناء حال الأكل، وإنما يجعل شيئاً من المسافة بينه وبين الأكل.
ومنها: ألا ينفض يديه على الطعام، بعض الناس وخصوصاً الذين يأكلون الرز من هذه (التباسي) وهذه الأواني فإنه يأكل وينفض يديه بعد كل لقمة على هذا الإناء ثم يأكل وينفض يديه وهكذا، وربما نفضهما على من بجانبه، على أية حال هذا أيضاً من الأشياء التي تسبب النفور، وربما وقع شيءٌ على ثوب الجليس أو على طعامه فيسبب تقذراً.
إذا أكل بطيخاً ألا يخلط القشر باللبِّ:
وكذلك من آداب الطعام ألا يخلط -إذا أكل بطيخاً- يخلط القشر باللب، والأشياء التي تقشر كثيراً لا يخلط القشر ببقية الفاكهة، وكذلك لا يلقي بالقشور بعيداً؛ فربما نالت أحداً أو صدمته أو تقاطر منها شيءٌ من القشرة المرمية على الآخرين، فلا يلقي بها على المائدة.
وكذلك ذكرنا عدم خلط النوى بالتمر، وكذلك كل ما كان مثل التمر، كالبرقوق مثلاً لا يخلط النوى بالثمرة، لا يخلط ما أكل بما لم يأكل، طبعاً أنتم ترون الآن -أيها الإخوة- أن هذه الأشياء فيها دقة بالغة، ولا شك أن بعض الناس يقولون: هل في الشريعة ذوق؟ مثل هذه الأشياء ربما كان بعض الناس لا يتصورون أن هذه تكلم عنها العلماء، لكنهم تكلموا عنها وذكروها وفصلوا فيها تفصيلاً عجيباً، كل الأشياء التي تخطر ببال الإنسان من القضايا المتعلقة بالذوق والأدب والنظافة، والبعد عن القرف والتقزز والقنافة وما يكرهه الآخرون كلها مذكورة ومكتوبة، مما يدل على الأدب في هذه الشريعة وأن العلماء فهموا ذلك ودونوه، وكانوا يلاحظون من الواقع الأشياء التي تنافي الأدب أو التي هي من الأدب فينصون عليها، ولو ما وردت فيها الأحاديث لكنهم ذكروها.
وقلنا: إنه لا يتصرف بالطعام في غير الأكل إذا كان ليس هو صاحب الطعام، ولذلك قالوا: لا يطعم الهر والقط وغيره إلا إذا أذن صاحب البيت.
أن يختار لنفسه من الطعام الحلو:
وكذلك من الأشياء التي ذكروها: أن يختار لنفسه من الطعام الحلو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى والعسل، ولاشك أن هذا من الطباع ولا يلزم الإنسان به.
أن الآكل إذا شبع لا يرفع يده قبل القوم:
ومن الآداب أيضاً: أنه ينبغي للآكل إذا شبع ألا يرفع يده قبل القوم الذين لم يكتفوا منه، كما إذا كان هناك شخصٌ جائع أو شخصٌ جاء متأخراً فلو وقفوا أو توقفوا عن الطعام كلهم لأحرجوا هذا المتأخر، فيضطر لرفع يده معهم ولم يحصل له الاكتفاء من الطعام.
تليين الجانب وخفض الجناح مع الضيف:
وكذلك ينبغي للآكلين أن يلينوا جانبهم ويخفضوا جناحهم لمن يأكل معهم، ولا يؤثروا أنفسهم بشيءٍ دون بعضهم البعض، وذكروا حتى من آداب الأكل مسامرة ومآنسة الضيف الآكل، إذا كان الكلام مما يجعله ينبسط ويرتاح في أكله وطعامه، فإذا كان السكوت يجعل هناك جواً من الوحشة يخيم على الآكل فقد لا يكون مرتاحاً أثناء الطعام فقالوا: إنه يأتي بالحكايات على الأكل التي في سماعها إيناسٌ للآكل، وإطالةٌ لجلسته.
تصغير اللقمة وجودة المضغ:
وكذلك ذكروا من آداب الطعام ألا يمسح يديه بالخبز وقالوا: إنه داخلٌ في حديث (أكرموا الخبز) وتقدم أن هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة.
وأيضاً من آداب الطعام: تصغير اللقمة، وجودة المضغ قبل البلع، لأن بعض الناس يبلع بدون مضغٍ جيد، فهذا يضره من جهة ويدل على شرهه من جهة، لأنه يريد أن يأكل أكثر كمية في أقل وقت.
وقد سئل النووي رحمه الله عن مسألة وهي: هل ورد حديثٌ في تصغير اللقمة؟ فقال: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتصغير اللقمة ولا بتدقيق المضغ، ولكن نقل عبادي في الطبقات عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: في الأكل أربعة أشياء فرض، وأربعة سنة، وأربعة أدب، أما الفرض: فغسل اليد، والقصعة، والسكين، والمغرف، والسنة: الجلوس على اليسار، وتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، ولعق الأصابع، والأدب: أن لا تمد يدك حتى يمد من هو أكبر منك، والأكل مما يليك، وقلة الكلام، هذا مما نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى، فإذاً تصغير اللقمة، وجودة المضغ من آداب الطعام.
ألا يقيم الآكل قبل أن يفرغ من الطعام:
وكذلك ألا يقيم الآكل قبل أن يفرغ من الطعام، واختلفوا في الضيف هل يملك الطعام الموضوع للأكل أم لا يملكه؟ ثم قالوا: إذا امتلكه فمتى يمتلكه؟ هل إذا وضع بين يديه، أو إذا تناوله بيده، أو إذا أدخله فيه؟ وقد ينبني على هذا دقائق وفروع فقهية، لكن بعضها فيه مبالغات، كما قالوا: لو أكل الضيف تمراً وطرح النوى فنبتت شجرة فلمن هي؟ فعش أيها الضيف ويا صاحب المنزل حتى تنبت الشجرة ثم سل عن هذا الحكم.
ألا يحمل شيئاً إلا بإذن المضيف:
من آداب الطعام أيضاً: أنه لا يحمل معه شيئاً من بيت الذي أضافه إلا بإذن صاحب البيت؛ لأنه أذن له أن يأكل ولم يأذن له أن يحمل، والطعام طعامه والمال ماله، وإذا علم رضاه جاز له أن يدعو غيره وأن يأخذ معه ويحمل وأن يأكل على الشبع، فإذا علم رضا صاحب البيت وكان صديقاً له أو أخاً ويعلم أنه لا يمانع في ذلك فعله.
ألا يأكل وحده:
وكذلك من آداب الأكل: ألا يأكل وحده ما أمكن ذلك، بل إنه يدعو من يمكن دعوته خصوصاً من الصالحين (لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) وقد يصادف صالحاً يدعوه معه؛ فيكون داخلاً في حديث إطعام الطعام الذي هو من أسباب دخول الجنة، ولعله يصيب من هذا الرجل دعوةً صالحةً تنفعه نفعاً عظيماً، وأيضاً الأكل أن يأكل لوحده ليس من دلائل الإيثار، ومشاركة الآخرين، ولذلك كان بعض السلف رحمهم الله، إذا حضر الطعام وهو لوحده يلتمس من يأكل معه، يبحث وربما مشى مسافة حتى قيل: إن بعضهم إذا كان يريد الأكل يمشي الميل والميلين يلتمس من يتغدى معه، ولاشك أن على رأس هؤلاء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان مشهوراً بإكرام الضيوف.
أن يأكل صاحب المنزل مع الضيف:
وكذلك من آداب الطعام: أنه إذا كان الضيف يستحي من الأكل لوحده فإنه ينبغي على صاحب المنزل أن يأكل معه، وجرى في عادات بعض الناس أنهم يضعون الطعام ويمشون، وقد يصيب الحرج الآكلين ويريدون أن يجلس معهم صاحب البيت، ليأنسوا ولا يشعروا بالحرج لكن هو يصر على العادات والتقاليد ويمشي من المكان.
وهذا ليس من الدين في شيء، هذا يرجع إلى حال الضيوف فإن كانوا ممن يرون أن تجلس معهم اجلس معهم، وإن كانوا لا مانع عندهم أن تذهب اذهب، لكن أن تقول: أنا سأحكم العادات والتقاليد، ونحن عاداتنا ما نجلس مع الضيف عند الأكل، ولو كان الضيف يريدك أن تجلس، إذاً هذا من قلة الأدب وليس من الأدب في شيء، ضع العادات على جنب وخذ ما جاء في الشريعة التي أمرت أو حثت على الإيناس واللطف وحسن العشرة، فإذا كان من حسن العشرة أن تجلس مع الضيوف فاجلس معهم وكل معهم، وآنسهم.
البدء بالطعام قبل الصلاة:
وكذلك ذكروا من آداب الطعام: أنه إذا حضر الطعام لا يذهب للصلاة ويترك الطعام، وإنما يبدأ بالطعام لأن البدء به فيه إذهاب ما في نفسه من الشوق للطعام الذي قد يشغله عن الخشوع في الصلاة.
أن يأخذ ما سقط من الأكل:
وكذلك من آداب الأكل: أن يلقط ما سقط خصوصاً من حبات الرز، الذين يأكلون الرز في هذه الأيام لا يكلفون أنفسهم مطلقاً في لقط حبات الرز الساقطة، فترمى وتجمع مع السماط وترمى، ولا شك أن هذا إهدار للنعمة وإهانة لها، ولم يتقزز الإنسان من شيء هو السبب فيه وهو الذي أسقطه والسبب في تناثره، فلماذا لا يجمعه؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت اللقمة من أحدكم فيأخذها وليمط عنها الأذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان) فلماذا لا يلتقطون حبات الأرز التي وقعت ويأكلونها؟ وهناك في العالم الذين يتمنون حبة رز؛ بل ربما تبع بعضهم نملة حتى يراها تذهب إلى شيء في الأرض من حبة شعير أو قمح صغير فيأخذه قبله، إذا كثرت النعمة عند الناس استهانوا بها ولا يعرفون قيمتها إلا إذا فقدوها.
وما يورده بعض العامة لأولادهم (من أن اللقمة تتبع صاحبها يوم القيامة وتجري وراءه إذا لم يلتقطها) ليس له مستند صحيح، ولذلك لا ينبغي أن نخوف الناس بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وعندنا من الصحيح ما يغني عنها.
وكذلك: (الإناء يستغفر للاعقه) هذا حديث معروف أنه ليس ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هناك ما يغني عنه في لعق الإناء من الأحاديث التي وردت.
أن لا يأكل عند رجل يشتهي الطعام وينظر إليه:
ومن آداب الأكل: أن لا يأكل بحضرة شخص يشتهي الطعام وينظر إليه، حتى ولو كان خادماً، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا أكل والخادم موجود أن يناوله منه أو يشاركه فيه، إما أن يجلسه معه أو على الأقل يناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه، فالخادم هو الذي طبخ وتعرض للدخان والحر والنار التي طبخ بها، فلا أقل من أن يشرك أو يعطى من الطعام.
وبعض الناس يأكلون وغيرهم ينظر إليهم بتشهي الطعام، ولكن لسبب أو لآخر لا يجعلونه يشارك معهم، فذكر أهل العلم كراهية أنه يأكل بحضرة من يشتهي الطعام دون أن يشاركه فيه، حتى قالوا: ولو كان قطاً.
حتى قال بعضهم: فإن في نظرة هذا من السموم التي ربما أثرت في الآكل، نظرة المتشهي للطعام ولو كان قطاً قد يكون فيها شيء، ولذلك يرمى له بشيء.
عدم الأكل في السوق:
ثم من آداب الأكل: قضية الأكل في السوق، وذكروا أن الأكل في السوق من خوارم المروءة وأنه إذا فعل ذلك سقطت شهادته، لكن هذه المسألة تعتمد على الزمن والوقت، يمكن يكون في وقتٍ مضى الأكل في السوق عيب كبير جداً والذي يأكل في السوق هذا إنسان ما عنده مروءة، إنسان دنيء، ولا يبالي أن يأكل أمام الناس وهم يمشون ويذهبون، ولاشك أن فيه شيءٌ من الدناءة فعلاً، خصوصاً الذين يأكلون السندوتشات وهم يمشون في السوق، أو في الأسواق والشوارع، لا شك أن فيه شيء من الدناءة وقلة المروءة.
لكن الآن جعلت مطاعم فيها طاولات منفصلة، ولا يمر عليك الناس الغادين والرائحين، السوق في الماضي كان الأكل فيه دناءة وقلة مروءة؛ لأنه يأكل أمام الناس الغادي والرائح، والأكل ينبغي أن يكون فيه شيء من الاحتشام والآداب التي يصعب تطبيقها في السوق، وخصوصاً إذا كان يتمشى ويأكل، فليس من الأدب أن يأكل ويتمشى بين الناس.
أما الشرب فإنهم رخصوا فيه، قالوا: لنقص زمنه لأنه لا يأخذ إلا شيئاً يسيراً، ثم قد يحتاج يصيبه العطش ويحتاج وقد جوزوا للمعتكف أن يخرج على بيته للأكل والشرب، ولو كان معتكفاً ما دام لم يحضر معه طعاماً وما تيسر إحضار الطعام معه.
تنظيف الأسنان بعد الأكل:
كذلك من آداب الأكل: أن يتخلل بعد الطعام ويستعمل السواك أو العود لتنظيف الأسنان وإخراج ما بها، وفي عصرنا هذا الفرشاة ومعجون الأسنان.
ثم إن بعضهم: فرقوا بين الشيء الذي يخرج من الأسنان هل يبتلع أم لا؟ فقال بعضهم: إذا أخرجه بالخلال استحب طرحه وكره ابتلاعه، وإن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه، ونقلوا ذلك عن الشافعي رحمه الله، ولم يظهر لي الفرق وما هو السبب في هذا؟ ولعل الأكل الذي يكون بين الأسنان نتيجة طول اللبث أو المكث فإنه يحدث له تغير أو رائحة؛ فإذا ابتلعه ربما يكون له ضرراً عليه، فهذا النوع من العالق الذي يطول مكثه يحتاج إلى عود إلى إخراجه، لكن الذي يخرج باللسان قد يكون مما يسهل إخراجه، ولذلك إذا خرج باللسان فلم يكن قد حدثت له فترة مكث في الفم، فما حصل له هذا التغير أو النتن، والله أعلم.
النوم بعد الغداء والمشي بعد العشاء:
وكذلك من الأشياء أيضاً فإنهم ذكروا مسألة النوم بعد الأكل، وقال بعض أهل العلم: يستحب من جهة الطب النوم بعد الغداء، والمشي بعد العشاء، وقالت العرب: تعشى وتمشى، وتغدى وتمدى.
طبعاً: تعشى وتمشى، واضح التمشية بعد العشاء، ولا ينام حتى ربما يهضم طعامه لأن نومه طويل، والغداء في وسط أو في أول النهار، وبعده قيلولة، تغدى وتمدى، والأصل طبعاً تمدد، لكن اختصر على دالٍ واحدة.
وكما في قوله تعالى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة:33] قالوا: هي أصلها يتمطط، فكان من علم الأولين بالطب أن النوم بعد الغداء مفيد والعشاء لابد من المشي بعده، وهذا موجود في أمثال العامة اليوم، حتى بنفس اللفظ هذا، مثل قديم لكنه ساري المفعول، تعشى وتمشى، وتغدى وتمدى.
وأيضاً: مما ذكره الأطباء في الماضي التي دونها أهل العلم أن يعرض نفسه على الخلاء قبل النوم، يعني: إذا أكل قبل أن ينام يدخل الخلاء حتى لا يحتبس فيه البول والغائط فيضره ذلك؛ لأن النوم قد يأخذ وقتاً طويلاً، فيدخل الخلاء قبل أن ينام.







