أمسية أدبية
24-06-2008, 07:21 AM
وصلتني دعوة لحضور أمسية أدبية ، يبدو أن النادي الأدبي لدار الشباب الأمير خالد وفق في إيجاد موهبة شعرية جديدة بالمدينة ، يتعلق الأمر بفتاة تخرجت حديثا من الجامعة و لديها بعض الأعمال المنشورة عبر الصحف الوطنية ، يبدوأنها لا تعرف حقيقة الركود الثقافي الذي يسود مدينة لا تحتفل سوى بالتظاهرات الوطنية لأنها تخضع لتعليمات حكومية ، أما الشأن الثقافي فلم يعد من سلم أولويات الهيئات المعنية بالأمر وبالأخص عندما تكون هذه الجهات غير مؤهلة أصلا للإشراف على القاطرة الثقافية.
- مرحبا الأستاذ صالح لم نراك منذ مدة طويلة.
- ربما كان منشغلا بكتابة الرواية التي طالما تكلم عنها.
- أبدا لم أكتب شيء منذ شهور ، البطالة التي أعيشها جعلتني أجمد كل نشاطاتي الفكرية.
- نحن سعداء جدا بحضورك اليوم معنا يا رجل ....
- القاعة شبه فارغة ، أين إختفى المهتمون بالفكر والأدب؟
- ومنذ متى كانت الجماهير تزحف نحو المنابر الأدبية؟ ، الناس أصبحوا مشغولين بالهموم اليومية والماديات ، تقريبا نفس الوجوه تحضر ولكن اليوم نتوقع أن يزيد عددهم لأن الآنسة صابرين شاعرة جديدة لا يعرفها الكثيرون.
- أنا واحد من الذين فوجئوا بهذا الإسم الجديد ، أرجو أن تكون شاعرة بحق وليست مجرد متشاعرة أحضرها لكم المولع بالنساء الشاعر عاشور ، أعرف نزواته التي طالما جعلتنا نضيع وقتنا من أجل تحقيق أغراضه.
- إطمئن يا صالح ، ليس له علاقة بالموضوع ، أنا الذي برمجتها لا أعرفها شخصيا ولكنني قرأت بعض كتاباتها المنشورة بالصفحات الأدبية لقد زارتني الى مكتبي الأسبوع الماضي و أحضرت لي الكثير من القصاصات .
- النشر في الصفحات الأدبية لم يعد معيارا ، فالأمر أصبح يخضع لإعتبارات تجارية و شخصية ، وحتى المشرفين على هذه المساحات الأدبية ليسوا بنقاد بل مجرد أقلام محسوبة على الساحة الأدبية.
- أرجو أن لا تحكم عليها قبل الإستماع لمختاراتها الشعرية هذه الأمسية.
بدأت بعض الوجوه الغير معروفة تتوافد على القاعة ، يبدو أن توقعات المنظمين في محلها ، بالرغم من كثرة الجمعيات الثقافية إلا أن الوضع يعكس سباتا أبديا النوادي الأدبية فشلت في إستقطاب المبدعين الشباب.
بمجرد دخول الآنسة صابرين القاعة حتى إنصبت نحوها الأنظار ، كانت ترتدي لباسا كلاسيكيا يدل على مدى رومانسيتها ، عيناها كبيرتان تثيران الإنتباه وتقاسيم وجهها ترسل الى كل المشاهدين برقيات الحب والتواصل .
جلست صابرين بمواجهة الجمهور وأخدت تحضر نفسها لنقل المستمعين الى شواطئ الكلمة الصادقة والمعبرة ، قام أحد المنظمين بإلقاء كلمة ترحيبية وقدم بطاقة تعريفية حول الشاعرة الجديدة ، هذه الأخيرة ما فتئت توزع إبتسامات مجانية ربما قد تؤثر على كل المهتمين بما ستجود به هذه الأمسية .
لم يكن لقصتنا بداية
كانت نهايتنا بداية
لقاءنا الأول أتذكر
الكلمات تجمدت والنظرات تبددت
قلبي أسير وعودك
حياتي رهن قيودك
حبي تحت الإقامة الجبرية
ليتك لم تكن حبيبي
صعبا أن يعدم الشعور يا حبيبي
إهتزت القاعة بالتصفيق ، قد يتخيل المستمع بأنه الحبيب المقصود ، المدينة تشهد كسادا عاطفيا كبيرا فمن الصعب أن يجد المرء على المباشر فتاة تتكلم عن الحب و عذاب العشاق ويبدو أن صابرين أحست بمدى تشوق الحضور لكل ما هو رومانسي فواصلت مقاطع جد ملتهبة حتى أحس الجميع بأنها بصدد عرض سيرتها الذاتية نظرا لمقدار الصدق والتفاعل الكامل مع كل كلمة نارية تطلقها نحو المستمعين وبدت كقائد المعركة الذي يصول ويجول في الميدان.
بمجرد فتح باب التعليقات للجمهور حتى تهاطلت المجاملات من كل حدب وصوب ، قدر المرأة أن تلقى الترحاب في أي ميدان تدخله ، فالرجال في بلادنا يعشقون الجنس اللطيف ، فالقاعة بأكملها منبهرة بهذه الفاتنة ولم يتدخل أي ناقد ليوضح المقاييس الفنية للقصائد التي تم عرضها.
- السيد صالح لم نسمعك اليوم ....
أردت أن أسبح عكس التيار و لكنني فضلت أن أكون مسالما ، فالفتاة تبدو مبتدئة و من المستحسن تشجيعها على الكتابة في مدينة مصابة بشلل فكري مزمن.
- أبدا ،أردت الإستماع الى أغلب التدخلات حتى يتسنى لي معرفة الإنطباعات العامة للأخوة الحضور فقط.
- و ماهو رأيك أيها المبدع في ما سمعته اليوم؟
- الحقيقة ، أن يكتب المرء في هذا الزمن الرديء يعتبر نوعا من النضال النادر ومن جهة أخرى أن تكون لدينا إمرأة مبدعة كالآنسة صابرين فإن الأمر يعتبر مكسبا كبيرا للمنطقة ، فأنتم تعرفون وضعية الأدب النسائي ببلادنا.
كانت صابرين سعيدة جدا بما قلت وعلت وجهها إبتسامة ملائكية تدل على مدى سعادتها بأي تدخل يزيد من رصيدها الفكري والمعنوي .
و فجأة نهض شخص غريب في آخر القاعة و طلب الكلمة ...
- الآنسة صابرين لم نسمع منك سوى قصائد رومانسية والحياة كما تعرفين سيدتي ليست مجرد حب وهيام هناك العديد من القضايا التي تشغل بال الناس حبذا لو تكتبين حول معاناة الإنسان وتحرير الأوطان.
لم تتوقع صابرين أن يظهر سابح ضد التيار وظهر عليها نوع من الإرتباك ولكن أحد المنظمين سارع الى رمي طوق النجاة.
- نشكرك كثيرا ، الآنسة صابرين كتبت في أ غلب المواضيع ولكنها اليوم ركزت على القصائد التي لاقت نجاحا عبر الصفحات الأدبية.
ولكن صابرين أرادت رفع التحدي وسارعت الى قراءة قصيدة ، كانت بمثابة المفاجأة التي قلبت كل الموازين.
ما بال بلادي أضحت حزينة؟
نوفمبر وحيدا بين الشهور
وطن حررناه بأيدينا
مزقناه حتى فرح أعادينا
الشهيد يعاتبنا ولن يغفر لنا خطاينا
السياسة مأساة مآسينا
والديمقراطية كانت السيف الي قضى علينا
هدمنا ما بنيناه في سنينا
و أضحى الإرهاب حامينا
أين أنت يا زمن السلم ؟
متى تشرق شمسك من جديد يا بلادي؟
فليرحل الجوع و الخوف
وتعود العصافير الى الوادي
فرح مناصري الشاعرة التي إستطاعت أن تثبت تنوع أداءها ، فإهتزت القاعة من جديد ولم يجد صاحب السؤال المحرج سوى أن ينضم الى قافلة المؤيدين في حين كانت إبتسامة الرضى تعلو وجوه منظمي الأمسية الذين وفقوا في إستضافة شاعرة ، إستطاعت أن تشد الأنظار وتثبت بأن المدينة حبلت فكرا وأدبا بعد عقم دام طويلا.
كانت بالفعل أمسية رائعة أعادتني الى أيام زمان و جعلتني أنسى همومي ومشاكل الحي ، عالم الأدب يجعل المرء يحلق في فضاءات ممتعة تتناقض مع المساحات الواقعية الضيقة المشوبة بالحزن والملل.
- أستاذ صالح ...لحظة من فضلك..
يبدو أن مسلسل المتعة لم ينته بعد، الشاعرة تطلبني ربما تريد أن تتأكد من مدى جدية آرائي حول قصائدها ، من الواضح أنها فتاة قادمة من جزيرة الرومانسية وقد أكون سندباد أدبي تبحث عنه....
- مرحبا ، أنا في خدمتك...
- لقد سمعت عنك الكثير وقرأت معظم أعمالك التي كنت تنشرها في بعض الجرائد الوطنية.
- هذا لطف منك أن تقرأي لكاتب مغمور مثلي.
- يا سيد صالح كفاك تواضعا ، إن القصص القصيرة التي كنت تنشرها كانت تنتقل من غرفة الى أخرى في الحي الجامعي، لست المعجبة الوحيدة بما تكتب.
- ربما أنت مهتمة بكتاباتي لأنني إبن بلدتك فقط.
- صدقني الإبداع لا يخضع لمقاييس جهوية أو شخصية ، لو تترجم أعمالك الى لغات عالمية سيكون لك معجبين عبر مختلف القارات.
- إذا واصلت على هذا المنوال ستترجم أشعارك قبل قصصي أيتها الشاعرة الموهوبة.
- لا تخشى شيئا ستنال جائزة نوبل للأدب قبلي بكل تأكيد.
- - مادامت القضية أصبحت شائكة لهذا الدرجة ، أكون سعيد جدا لو تقبلي دعوتي لشرب كوب من العصير.
- - على الرحب والسعة ، لا يمكن لعاقل أن يرفض شرابا منعشا في هذا الجو الحار جدا.
مشيت رفقة صابرين تحت أنظار معجبيها الذين أبدعوا في التصفيق لها ،حتى المنظمون بدت عليهم ملامح الحيرة ، فقد خطفت الفتاة أمام أعينهم و توجهت بها الى ركن بعيدا وهادئ ، من أجل سماع قصائد جد خاصة لا يحصل عليها سوى من ينال رضى الشاعرة الموهوبة.
من مواضيعي
0 رجل دولة ................قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 نهاية ظالم ......قصة بقلم بوفاتح سبقاق
0 مزاوجة نقدية بين ''جسر للبوح وآخر للحنين'' وبين ''الإعصار الهادئ''
0 صاحب الرواية الأكثر إزعاجا في 2009 يتحدث عن تجربته الإبداعية
0 عا جل ....رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية
0 عاجل ...رحيل الروائي الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية








