ساركوزي واليهود والنقاب
13-01-2015, 04:10 PM
ساركوزي واليهود والنقاب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
تتواصل:" الحملة الشعواء على النقاب والبرقع" بأقلام من ينتسبون للإسلام ممن يحسبون:" مثقفين؟؟؟" من:" بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا؟؟؟"، وقد تعجبت من سر إصرارهم ذلك؟؟؟، ومحاولة إيهامهم القراء بالطعن فيه، وتصويره بأنه مجرد:" عادة عربية جاهلية؟؟؟"، ثم ازدادت جرأتهم فزعموا – وبئس ما قالوا –إنه:" عادة يهودية؟؟؟".
وقد ذكرني قولهم الأخير بكون:" النقاب":عادة يهودية؟؟؟" بحدثين هامين فيهما:" ارتباط وثيق جدا" بين:" اليهود والنقاب؟؟؟".
الأول: خطاب:" ساركوزي" ذي الأصول اليهودية أمام برلمانه الفرنسي بتاريخ:(22/6/2009) حين:" تهجم بجُرأةٍ غير مسبوقة، على الإسلام، فأفتى بأنَّ:" النِّقاب": الذي يُغطي المرأةَ من رأسها إلى أخمُص قدميها، ليس:" رَمزًا دِينيًّا؟؟؟"؛ بل أسرف على نفسِه، وراح يزعم بأنَّ:" النقاب": يُشكِّل علامةَ استعباد للمرأة؟؟؟"، وبالتالي فهو:" غير مُرحَّب به في أراضي الجمهوريَّة الفرنسية".
قد نتفهم سبب هذا الطعن في:" النقاب" من:" ساركوزي: اليهودي الكافر"، لأنه:" لا ذنب بعد الكفر"، لكن أن يأتي الهجوم ممن يحسب على المثقفين المسلمين؟، فهذا أمر محير بالفعل؟؟؟، ويطرح لأجله ألف سؤال وسؤال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
الثاني: يهود:" بني قينقاع": لهم قصة شهيرة جدا مع:" النقاب"، وقد كانت سببا مباشرا لإجلاء النبي عليه الصلاة والسلام لهم من المدينة، وتفاصيلها كالآتي:
ذكر:" ابن هشام":(2/440-441) عن طريق عبد الله بن جعفر قال:
" كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ، فَعَمِدَ الصَّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا، فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ: انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، وَشَدَّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ".
وأكمل:" ابن إسحاق" سياق الحادث، فقال:
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ? حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ? فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيَّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ ? .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتَ الْفُضُولِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ? أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ? حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُرْسِلْكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيَّ، أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنِّي وَاَللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ؛ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ? هُمْ لَكَ. ".
وكان عبد الله بن أبي: لا يزال صاحب شأن في قومه، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم- شفاعته في:" بني قينقاع" على أن يجلوا عن المدينة، وأن يأخذوا معهم أموالهم عدا السلاح.
قال الأستاذ:" عبد المنعم الشحات" في ربطه بين:" الهجوم اليهودي المعاصر والقديم" على النقاب قائلا:
{ هذه اليد اليهودية هي: نفس اليد التي امتدت إلى نقاب مسلمة؛ لتنزعه في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الثاني للهجرة، فلما فشلت: دفعها الحقد والعجلة إلى التحايل لكشف سوأتها، فيهب مسلم غيور دفاعًا عن عرض أخته، فيقتلونه غدرًا، فيتحرك جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجليًا تلك القبيلة اليهودية عن المدينة، ثم تنزل عليهم العقوبة الإلهية، فيفنون عن بكرة أبيهم!؟؟.
كانت هذه هي حاصل قصة غزوة: "بني قينقاع": أول حرب بين المسلمين وبين اليهود: كما رواها:"ابن إسحاق"، و"ابن هشام"}.
ثم ذكر الأستاذ:" عبد المنعم الشحات": وقفاته على هذه الحادثة، فقال مفصلا:
{ وإليك بعض الوقفات مع هذه القصة:
الأولى: هذه القصة مما يقال فيها:" إن شهرتها تغني عن إسنادها"؛ حتى إن كل كتب السيرة القديمة والمعاصرة تقريبًا بما في ذلك كتابات لمن حاربوا النقاب فيما بعد: قد اتفقت على أن سببها:" قصة المرأة المنتقبة".
فقد أوردها الشيخ:" الغزالي" -عفا الله عنه- في:" فقه السيرة"، وأوردها الدكتور:" سيد طنطاوي"؛شيخ الأزهر سابقا في كتابه: "بنو إسرائيل في الكتاب والسنة"، ولم يستنكر أيًا منهما حين كتب ما كتب:" وجود امرأة منتقبة في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة الثانية من الهجرة، وأنها تصر على نقابها حتى وهي تخاطب الباعة.
الثانية: إذا تقرر من هذه الواقعة: وجود النقاب في:" العصر النبوي":
فليس أمام الزاعمين بعدم وجود النقاب في الإسلام إلا أحد احتمالين:
الأول: أن النقاب كان عادة قبل الإسلام، فأثبتها الإسلام واستحسنها.
الثاني: أن نقاب المسلمات في ذلك الوقت: كان بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا إذا حصرنا كلامنا في هذه الواقعة، وأما الأدلة الأخرى على مشروعية ستر الوجه فكثيرة لا تـُحصى، وأما درجة هذه المشروعية: إذا كانت الوجوب، أو الاستحباب؟، فهذه قضية غير مؤثرة في الرد على من ينهى عن النقاب؛ لأن الواجب والمستحب: كلاهما مطلوبان شرعًا: أحدهما على سبيل الإلزام، والآخر على سبيل الاستحباب، ومن ثمَّ، فلا يجوز النهي عن المستحب؛ فضلاً عن النهى عن شيء دائر بين الوجوب والاستحباب، فضلاً عن إعلان الحرب عليه!؟؟.
الثالث: وجود:" النقاب" في هذا الوقت المبكر من عمر:" التشريع
الإسلامي"، فمن المعلوم أن التشريعات التفصيلية: بدأت في السنة الثانية من:" الهجرة"، وهذا يدل على أهميته القصوى في دين الله -عز وجل-.
الرابع: تأمل في مقدار سعة ثوب المسلمة إلى الحد الذي مكَّن اليهودي من أن يربط أسفله بأعلاه دون أن تدري.
الخامس: لما عجز اليهود عن كشف وجه المسلمة: عمدوا إلى كشف سوأتها، وكان هذا منهم تعجل لخطوة كان من المفترض أن تأتي عاجلاً أو آجلاً، ولكن لما استعصت عليه الخطوة الأولى:"الوجه": انفجر بركان غضبهم، فتعجلوا بكشف السوأة، وأما في زماننا، فعندما قام:" قاسم أمين" بدعوته إلى كشف وجه المرأة، ونجح في نهاية المطاف بعد حرب ضروس مع الدعاة والمصلحين: لم يطل الزمان كثيرًا حتى خرجت علينا:" سيزا نبراوي":مرتدية لباس البحر!؟؟.
وهكذا... فمطالب اليهود:" أولها: كشف الوجه"، وقد لا يكون:" آخرها: كشف العورة"، ومن طالع مطالب:" مؤتمرات السكان": تيقن من ذلك؟؟؟.
السادس: في القصة ثلاثة فِرق:
الأول: النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلك الصحابية وهذا الصحابي الذي قتل دون عرضها وسائر جيش المسلمين فريق.
و:" اليهود": فريق ثان.
و:" المنافق عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه": فريق ثالث.
وما زالت القصة تتكرر، وعلى كل عاقل:" أن يتخذ لنفسه موقعًا، ويختر له سلفـًا؟؟؟".
السابع: أوردت "دائرة المعارف اليهودية" قصة هذه الغزوة، وأبدوا وجهة نظرهم فيها بقولهم في:(المجلد 22:صفحة:1013: الفقرة الأخيرة) أنّ:
سبب إجلاء اليهود من المدينة، ومحاربتهم بقسوة كان:" شجارًا بين: مسلمين ويهود بسوق المدينة، وهو ذاته سبب محاربة اليهود بقسوة".
فالأمر من وجهة نظر اليهود مجرد شجار حدث في سوق المدينة، ولم يكن يستحق أن يفعل بهم ما فـُعِل، وإذا كانت هذه هي نظرة اليهود لاعتداء أسلافهم على عرض المسلمات؛ فإن نظرتهم اليوم للأمور قد تغيرت، بحيث يرون أن أي مقاومة أو رفض: تعد تطرفـًا وإرهابًا، وخروجًا على المألوف، ووافقهم على هذا بعض من هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ولكن الحمد الله أن معنى:" العرض" عند المسلمين رغم ما أصابه من تشوه ما زال له شأن}.انتهى كلام الأستاذ:" عبد المنعم الشحات" باختصار، ونعلق ختاما قائلين:
أن يأتي:" الهجوم والطعن في النقاب" من:" اليهود"، فذلك أمر معقول، لأن الله تعالى يقول:[ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ]، ويقول أيضا:[ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً]، ويقول أيضا:[ لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ].
ولكن؟؟؟: أن تتواصل:" الحملة الشعواء على النقاب والبرقع" بأقلام من ينتسبون للإسلام ممن يحسبون:" مثقفين؟؟؟" من:" بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا؟؟؟".
فذلك: أمر محير بالفعل؟؟؟، ويطرح لأجله ألف سؤال وسؤال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
تقبلوا تحيتي.










