الإمام ابن باديس ومسألة بناء المساجد على القبور
22-07-2017, 02:22 PM
الإمام ابن باديس ومسألة بناء المساجد على القبور
بعد حادثة:" دفن إمام مسجد عين مران بفناء المسجد: بناء على وصية منه!!؟": صدع أهل التوحيد بكلمة الحق: مبينين بطلان هذه الوصية الشنيعة والواقعة الفظيعة،وقد تكلمأهل التوحيدكعادتهم في بيانهم للمسائل الشرعية بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة وأقوال سلف علماء الأمة، فانبرى:" دعاة القبورية في ثوب البهتان والزور كعادتهم: ملبسين مدلسين مضللين مفترين بأن:" النهي عن بناء المساجد على القبور هي: دعوة الوهابية!!؟"، ورد فعل هؤلاء القبوريين غير مستغرب، فقد قال الله تعالى عن أسلافهم:
[وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ].
وردا على هؤلاء القبوريين المفترين المتمسحين كذبا وزورا بمذهب الإماممالكرحمهالله، وهو المذهب المعتمد في الجزائر، ولأنه قد تقرر بأن:" لكل قوم وارثا": ننشر كلامالإمام المصلح المجدد:" عبد الحميد بن باديس" رحمه الله الذي رد على أسلاف هؤلاء الجزائريين: كما ورد في آثاره المنشورة، وإلى المقصود بتوفيق المعبود:
قال الإمام رحمه الله كما في:( الآثار:2/246-249):
" بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ مَنْ فِعْلِ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْه ِوَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقال:
«إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه الشيخان رحمة الله عليهما.
الشرح:
هذا الحديث أحد الأحاديث الكثيرة المستفيضة التي جاءت في التحذير من بناء المساجد على القبور، والتنبيه على أن ذلك يؤدي إلى عبادتها والتأكيد لذلك بذكر ما كان ممن قبلنا من ذلك وما أداهم إليه، فأخبر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث: أن أصحاب تلك الكنيسة كانوا يبنون المساجد على قبور صلحائهم ويصورون صورهم، وإنما يفعلون ذلك: تعظيما لهم واستئناسا بصورهم، وليعبدوا الله تعالى عند قبورهم تبركا بهم، فكانوا بسبب فعلهم من بناءالمساجد على القبور ونحتهم للصور: شرار الخلق عند الله يوم القيامة، لأن تعريف المسند إليه بالإشارة- وهو أولئك- يفيد أن المشار إليه الموصوف بصفات- وهي: بناء المساجد على القبور وتصوير الصور- حقيق وجدير بما يذكر بعد اسم الإشارة- وهو قوله:" شرار الخلق"- من أجل اتصافه بتلك الصفات، وذلك لأن القبر المعظم ببناء المسجد عليه والصورة المعظمة لتمثيلها ذلك الصالح: يصيران مما يعبد ويعتقد فيه النفع والشر والعطاء والمنع، فيدعو ويسأل ويطلب منه الحوائج، وتخشع عنده القلوب، وتنذر له النُّذور، وهذه من العبادة التي لا تكون إلا لله، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-: أن وداً وسواعا ويغوث ويعوق ونسراً التي كانت أصناما لقوم نوح وعبدتها العرب من بعدهم: كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا: أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك- الذين نصبوها، وتنسخ وتغير العلم- عبدت.
فعلم من هذا: أن ما يكون موضوعا في أصله بقصد حسن، يمنع وينهى عنه: إذا كان يؤدي بعد ذلك إلى مفسدة.
الأحكام:
هذا الحديث: نص صريح في المنع من بناء المساجد على قبور الصالحين وتصوير صورهم، وفيه الوعيد الشديد على ذلك، ونظيره حديث جندب- رضي الله عنه- عند مسلم- رضي الله عنه- سمع رسولالله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول- قبل أن يموت عليه السلام بخمسة أيام-:
«ألا وأن من كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».
تطبيق:
هذه هي: حالتنا اليوم، معشر مسلمي الجزائر، وأحسب غيرنا مثلنا، نجد أكثر أو كثيرا من مساجدنا مبنية على القبور المنسوب أصحابها إلى الصلاح، ومنهم: من كانوا معروفين بذلك، ومنهم: المجهولون!!؟.
فإن قيل: إنما بنيت المساجد على تلك القبور: للتبرك بأصحابها، لا لعبادتهم!!؟.
قلنا: إن النهي جاء عاما لبناء المسجد على القبر بقطع النظر على قصد
صاحبه به، ولو كانت صورة البناء للتبرك مرادة بالنهي، لاستثناها الشرع، فلما لم يستثنيها: علمنا أن النهي على العموم، وذلك لأنها - وإن لم تؤد إلى عبادة المخلوق في الحال-، فإنها في مظنة أن تودي إلى ذلك في المآل. وذرائع الفساد تسد، لا سيما ذريعة الشرك ودعاء غير الله التي تهدمصروح التوحيد.
وانظر إلى ما جاء في حديث ابن عباس في أصنام قوم نوح، وكيف كان أصل وضعها؟، وكيف كان مآلها؟، وتعال إلى الواقع المشاهد: نتحاكم إليه، فإننا نشاهد جماهير العوام يتوجهون لأصحاب القبور ويسألونهم وينذرونلهم ويتمسحون بتوابيتهم، وقد يطوفون بها، ويحصل لهم من الخشوع والابتهال والتضرع: ما لا يشاهد منهم إذا كانوا في بيوت الله التي لا مقابر فيها!!؟، فهذا هو: الذي حذر منه الشرع قد أدت إليه كله، وهبها لم تؤد إلى شيء منه أصلا، فكفانا عموم النهي وصراحته والعاقل من نظر بإنصاف، ولم يغتر بكل قول قيل!!؟.
إيمان وامتثال:
علينا أن نصدق بهذا الحديث بقلوبنا، فنعلم أن بناءالمساجد على القبور من عمل شرار الخلق: كما وصفهم النبي- صلى الله عليه وآله وسام-، وأن تنطق بذلك ألسنتنا: كما نطق به هذا الحديث الشريف، وأن نبني عليه أعمالنا، فلا نبني مسجداً على قبور، ولا نعين عليه، وأن ننكره كما ننكر سائر المنكرات حسب جهدنا، ومن أعظم الإنكار: تبليغ هذا الحديث بنصه، وتذكير الناس به، والعمل على نشره حتى يصير معروفا عند عامة الناس وخاصتهم، إذ لا دواءللبدع الشيطانية إلا نشر السنة النبوية، ولا نستعظم انتشار هذه البدعة وكثرة ناصريها، فإنهاما انتشرت وكثر أهلها إلا بالسكوت عن مثل هذا الحديث والجهل به!!؟.
ولنكن في إرشادنا مقتصرين على إيراد لفط الحديث وشرحه على أنه واضح مفهوم بنفسه- دون أن نمس شيئا من شؤون أولئك المقبورين، فإنهم إخواننا سبقونا بالإيمان، فلهم علينا حق الدعاء والاستغفار، فإذا عملنا كلنا على هذا من حسن قصد ومحبة في الخير للمسلمين: رجونا أن يؤيدنا الله تعالى، ويجعل النفع بأيدينا.
[وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ](1).
__________
(1) ش: ج5، م 7، ص 295 - 297 محرم 1350 هـ- ماي 1931م.
ملاحظة:
ما ختم به الإمام رحمه الله نصيحته من الاقتصار على:" إيراد لفط الحديث وشرحه على أنه واضح مفهوم بنفسه ": يصدق على قبوريي زمانه الذين غلب عليهم الجهل، وأما قبوريي زماننا الذي فشا فيه العلم، وانتشرت النصائح والإنكار بخصوص هذه المسألة، فنجدهم مصرين على نشر تلكالبدعة ونصرها بكل ما أوتوا: قصد إفساد توحيد المسلمين، وأكل الدنيا بالدين، والله بما يعملون محيط.
ولأن الخطب عظيم، والمنكر جسيم: وجب على من ولاه الله أمور المسلمين أن يغير ذلك المنكر: بإعادة دفن ذلك الإمام في مقابر المسلمين كما تنص عليه قوانين الدولة الجزائرية.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه.







