تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 11:33 AM
قال فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً» :
الباب الثاني
تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رواية
وفيه فصلان:
الفصل الأول: طريق طاووس عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنه.
الفصل الثاني: طريق علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-.
الفصل الأول
طريق طاووس عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنهعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-في قوله - عز وجل-:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه».
وفي رواية: « إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر».
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (4/1482/749-تكملة) ، وأحمد في «الإيمان»([11]) (4/160/1419) -ومن طريقه ابن بطة في «الإبانة» (2/736/1010)-، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/569) ، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/1143/6434-ط الباز)، وابن عبد البر في «التمهيد» (4/237) ، والحاكم (2/313)- وعنه البيهقي (8/20)- عن سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس به.
قال الحاكم : «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
قال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/113): «وحقِّهما أن يقولا : على شرط الشيخين؛ فإنَّ إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (6/163) عن الحاكم أنه قال: «صحيح على شرط الشيخين» ، فالظاهر أن في نسخة «المستدرك» المطبوعة سقطاً ، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم- أيضاً- ببعض اختصار».
قلت: وهو كذلك ؛ إلا أن هشام بن حجير راويه عن طاووس فيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن.
قال ابن شبرمة: «ليس بمكة مثله» ، وقال العجلي :«ثقة صاحب سنة»، وقال ابن معين: «صالح» ، وقال أبو حاتم الرازي: «يكتب حديثه»، وقال ابن سعد: «ثقة له أحاديث» ، وقال ابن شاهين: «ثقة» ، ووثقه ابن حبان، وقال الساجي: «صدوق»، وقال الذهبي: «ثقة» ، ولخصه الحافظ بقوله: «صدوق له أوهام».
وضعفه يحيى القطان، والإمام أحمد، وابن معين - في رواية-([12]).
قلت : فرجل حاله هكذا ؛ لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن ما لم يخالف، وقد روى الشيخان له واحتجا به، ومع ذلك لم يتفرد به بل توبع؛ كما سيأتي (ص59).
ثم وقفت على رسالة صغيرة الحجم ضحلة العلم([13]) لكاتبها المدعو (حسان عبد المنان)([14]) ذهب فيها إلى تضعيف هذا الأثر السلفي عن ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس - رضي الله عنهما-.
مع العلم أن هذا الأثر السلفي متفق على صحته بين العلماء الحفاظ والأئمة النقاد المشهود لهم بالعلم، ورسوخ قدمهم فيه -سلفاً وخلفاً-، ورأيت -ثمت- أن أدون ملاحظاتي على ذاك (الغمر) الذي تصدّى لما لا يحسن؛ وهدماً لما بناه هذا (المتعالم) الذي تطاول برأسه بين هؤلاء الكبراء -وعليهم-؛ فحقَّق -زعم- كتباً! وخرَّج -كذب- أحاديث! وسوّد تعليقات! وأخرج ردوداً- تنبىء عن حداثته- ، وتكلم بجرأة بالغة فيما لا قِبَلَ له به من دقائق علم المصطلح، وأصول الجرح والتعديل!!
فجاء منه فساد كبير عريض، وصدر عنه قول كثير مريض ، لا يعلم حقيقة منتهاه إلا ربه ومولاه- جل في علاه- .
فهو يتعدى على الأحاديث الصحيحة بالظن والجهل والإفساد والتخريب؛ بما يوافق هواه؛ ويلقي ما يراه بدعوى التحقيق والتخريج، والرد والتعقيب!
فلو كان عند هذا (الهدام) شيء من الإنصاف لكان منه- ولو قليلاً- تطبيق وامتثال لما قاله بعض كبار أهل العلم - نصحاً وتوجيهاً- : «لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء؛ حتى يسأل من كان أعلم منه»([15])
فوجدته قد تكلف في رد هذا الأثر السلفي تكلفاً عجيباً غريباً؛ ذكرني بصنيع أهل التعطيل في نفي أسماء الله الحسنى وصفاته العلى؛ فهو -بحقّ- رجل (مَلِصٌ)، كلّما جوبه بدليل لا مردّ له، تملَّص بتأويل له من عنده([16])، فالله حسيبه.
فقد ضعف هذا (الهدام) هذه الطريق بتكلّف بارد- في جملة ما ضعف من الأحاديث الصحيحة الكثيرة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم -.
لقد تشبث في تضعيف هذه الطريق بقول الإمام أحمد في هشام بن حجير: «ليس بالقوي» ، وبقوله: «ليس هو بذاك» ، وبتضعيف ابن معين ويحيى القطان له.
وقد جعجع في (ص20-21) بما أملاه عليه عجبه وغروره في تضعيفه ورده حديثنا هذا؛ متظاهراً بأنه بحاث محقق، وهو في أكثر الأحيان يكون مبطلاً متجنيّاً على العلم ، ومضعفاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآثار أصحابه -رضوان الله عليهم-، ومخالفاً لجماهير الحفاظ والأئمة المتقدمين والعلماء المحققين، حتى ليغلب على الظن أنه ما قام بهذا التخريج إلا لهدم السنة ، وتضعيف أحاديثها، وبخاصة ما كان منها في الحض على التمسك بالسنة، و ما كان عليه السلف الصـــالـــح-
رضي الله عنهم- ، وهو في هذا كله إما متبع لهواه { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[القصص: 50]، أو مقلِّد لأمثاله من أهل الأهواء (كالخوارج) الذين لا يتبعون أصول العلماء وقواعدهم الحديثية الفقهية.
يفعل هذا كلّه بطرق ملتوية غير علمية، وبآراء شخصية هزيلة، لا يعجز عنها أيّ مثقف ثقافة عامة ، جاهل بهذا العلم مغرور!!
ومع ذلك ؛ أقول -وبالله وحده أَصُول واًجول-: أما قول الإمام أحمد: «ليس هو بالقوي» ؛ فهذا ليس بتضعيف للراوي ألبته؛ فإنهم يعنون به: ضعف الحفظ وفتوره؛ فهو نفي لكمال القوة، وليس نفياً لأصلها، يدلك على هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في «إقامة الدليل» (3/243- الفتاوى الكبرى) عند ذكر (عتبة بن حميد الضبي البصري): «وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: «هو ضعيف ليس بالقوي» لكن هذه العبارة يقصد بها: أنه ممن ليس يصح حديثه، بل هو ممن يحسن حديثه. وقد كانوا يسمون حديث مثل هذا ضعيفاً، ويحتجون به؛ لأنه حسن، إذ لم يكن الحديث إذ ذاك مقسوماً إلا إلى صحيح وضعيف.
وفي مثله يقول الإمام أحمد: الحديث الضعيف خير من القياس؛ يعني: الذي لم يَقْوَ قوة الصحيح مع أن مخرجه حسن».
فخذها فائدة عزيزة من شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وجزاه عن الإسلام وأهله خيراً-.
وقال الإمام الحافظ الذهبي في «المقدمة الموقظة» (ص319-بشرحي): «وقد قيل في جماعات: ليس بالقوي، واحتج به.
وهذا النسائي قد قال في عدة: «ليس بالقوي» ويخرِّج لهم في «كتابه»، وقال: قولنا: «ليس بالقوي» ليس بجرح مفسد».
وقال ( ص322): « وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم : «ليس بالقوي» ؛ يريد بها: أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوِّي الثبت».
وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص385-386) في ترجمة (أحمد ابن بشير الكوفي) :«قال النسائي : ليس بذاك القوي» ... فأما تضعيف النسائي له؛ فمشعر بأنه غير حافظ».
وقال ذهبي العصر الشيخ المعلمي اليماني- رحمه الله- في «التنكيل» (1/240): «فكلمة «ليس بقوي» تنفي القوة مطلقاً، وإن لم تثبت الضعف مطلقاً، وكلمة«ليس بالقوي» إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة».
وقال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «النصيحة بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة» (ص183): «قول أبي حاتم: «ليس بالقوي»؛ فهذا لا يعني : أنه ضعيف؛ لأنه ليس بمعنى :«ليس بقوي» ؛ فبين هذا و بين ما قال فرق ظاهر عند أهل العلم».
وقال (ص254) : «وقول أحمد والنسائي فيه: «ليس بالقوي» لا ينافيه ؛ لأنه لم ينف عنه القوة مطلقاً كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم».
قلت: أما غير أهل العلم -ولا المعرفة- المختصين به؛ فلا يعلمون هذا أبداً؛ لجهلهم وقلّة باعهم، وعدم تضلعهم في هذا العلم الشريف، ولله در القائل: ليس هذا بعشك فادرجي ، وعن سبيل أهل العلم فاخرجي.
فبالله عليكم ما سيكون موقف (ابن عبد المنان) لو قال الإمام أحمد في هشام ابن حجير: «ضعيف ليس بالقوي»؟! أنا أجزم أنه سيبني عليه قصوراً عوالي؛ لكنها أوهى من بيت العنكبوت الخالي.
ومع ذلك كتم ودلَّس على قرائه؛ فقد حذف العبارة التي تستأصل شأفة هذا الدخيل على هذا العلم؛ وهي قول عبد الله بن الإمام أحمد- بعد قوله فيه: « ليس بالقوي » : قلت: هو ضعيف؟ قال: «ليس هو بذاك».
وهذا صريح جداً أن الإمام أحمد لا يضعِّفه الضعف المطلق الذي ظنه (هدام السنة) ، وإنما هو ممن لا يُصَحَّح حديثه بل يحسن، وهذا يلتقي تماماً مع ما أصّله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وأيضاً؛ نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه في «العلل» (1/130) : « هشام بن حجير مكي ضعيف الحديث» ، ثم نقل عن ابن شبرمة: « ليس بمكة أفقه منه».
فهذا محمول على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- آنفاً؛ فلا إشكال بحمد الله.
وأما ما نقله عن عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عنه؛ فضعفه جدّاً.
أقول : بتر هذا (الهدام) بقية كلام يحيى بن معين الذي يقصم ظهره، ويبين أن الإمام ابن معين اختلف نظره في هذا الراوي.
فقال- رحمه الله- : قلت ليحيى: هشام بن حجير أحب إليك من عمرو بن مسلم؟ قال: نعم.
قلت: وعمرو بن مسلم هو الجَنَدي مختلف فيه؛ ضعفه ابن معين في رواية الدوري وعبد الله بن أحمد، وقال في رواية ابن الجنيد : «لا بأس به» ، وفي «التقريب» :«صدوق له أوهام».
فهو - بشهادة الإمام يحيى بن معين- أقوى من عمرو بن مسلم الذي قال فيه: «لا بأس به»؛ فهو إذاً لا يُحمل على الضعف الشديد الذي يطرح حديثه.
ولو حُمِلَ على أنه أراد الضعف الشديد، فقد قال ابن معين عن هشام بن حجير - في رواية إسحاق بن منصور- : «صالح»، وهذا تعديل له؛ فيكون عندنا عن هذا الإمام الكبير روايتان: واحدة مضعِّفة له، وأخرى معدِّلة له، فننظر في أقوال غيره من أهل العلم؛ كي نضبط الكلام فيه.
وهذا خلاف ما فعله هذا (الهدام)؛ فإنه أوَّل كلام ابن معين: «صالح» بكلام عجيب غريب، يدل على حداثته ، وأنه غمر متطاول في هذا العلم.
فقال (ص21): « أما ما ذكره من رواية إسحاق بن منصور عن ابن معين: «صالح» ؛ فليس بتوثيق؛ لأمرين:
الأول: ما عرف من هذا الاصطلاح عن بعض المتقدمين وذكره فيمن عنده ضعف، وهذا يمكن تفصيله».
أقول : أما قوله : «صالح ؛ ليس بتوثيق»؛ فكلام باطل ورأي عاطل :
قال الإمام الذهبي في«المغني» (1/4): « لم أذكر فيه من قيل فيه:«محله الصدق» ، ولا من قيل فيه:«يكتب حديثه» ، ولا: «لا بأس به»، ولا من قيل فيه:«شيخ» أو «صالح الحديث» ؛ فإن هذا باب تعديل».
وقال في «المقدمة الموقظة» (ص318-319- بشرحي): «... فلان حسن الحديث ، فلان صالح الحديث، فلان صدوق -إن شاء الله-؛ فهذه العبارات ونحوها كلها جيدة، ليست مضعِّفة لحال الشيخ ، نعم ولا مرقيّة لحديثه إلى درجة الصحة الكاملة المتفق عليها، لكن كثير ممن ذكرنا متجاذب بين الاحتجاج به وعدمه».
وقال في «ميزان الاعتدال« (1/3-4):« ولم أتعرَّض لذكر من قيل فيه: محله الصدق، ولا من قيل فيه: لا بأس به، ولا من قيل: هو صالح الحديث، أو يكتب حديثه أو هو شيخ ؛ فإن هذا وشبهه؛ يدل على عدم الضعف المطلق».
ثم ذكر - رحمه الله- العبارات التي تقال في الرواة المقبولين وقسمها ، وذكر منها: «وصالح الحديث».
فهذا الكلام العلمي القوي من الإمام الذهبي -وهو من أهل الاستقراء العام-؛ يستأصل شأفة هذا (الهدام) (الغمر العنيد).
وكذا جعل الشيخ برهان الدين الأبناسي -رحمه الله- في «الشذا الفياح» (1/268) «صالح الحديث» من مراتب التعديل؛ فتأمل.
أما قوله: «ما عُرِفَ من هذا الاصطلاح عند بعض المتقدمين، وذكره فيمن عنده ضعف ...الخ».
فأقول -وبالله التوفيق-: قال شيخنا أسد السنة، وناصرها العلامة الألباني -رحمه الله- في «النصيحة بالتحذير من تخريب ( ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة»( ص92): « وقد قلنا مراراً- ردّاً على ( الهدام) مثل قوله هذا: إن الإسناد الحسن فيه ضعف- ولا بُدَّ- ، ولازمه أن هناك فرقاً معروفاً بين العلماء، بين من يقول من أهل العلم: «إسناد فيه ضعف»، وبين: «إسناده ضعيف»، وأما (الهدام)؛ فلا يفرق -عمداً أو جهلاً-!».
وهذا الأسلوب الخبيث من هذا (الهدّام) يستعمله كثيراً في تضعيف الرواة؛ فهو «يُدَلِّس ولا يفصح ! ثم هو مع ذلك لا يبيِّن السبب! آمراً للقراء - بلسان حاله- بالاستسلام لحكمه الجاهل وصرفاً لهم عن اتباعهم لعلمائهم، وإلا؛ لبيَّن لهم، ولكنه يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فهو يلقي كلمته ثم يمشي، وعلى الناس أن يمشوا وراءه! الأمر الذي يدلًّ على منتهى العجب والغرور»([17]).
وأقول له: هذا الصنيع الذي تعمله هو من تضليلاتك ومراوغاتك الكثيرة ؛ فكل ثقة فيه ضعف يسير؛ يصحّ أن يقال فيه:«فيه ضعف»! حتى بعض رجال الصحيحين([18])- كما لا يخفى على العارفين بهذا العلم- ؛ ومع ذلك يكون حديثه صحيحاً محتجاً به؛ ولو في مرتبة الحسن»([19]).
وهذا حال هشام بن حجير؛ فقد وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان وابن شاهين والذهبي في «الكاشف»، وضعّفه القطان؛ ولهذا قال الحافظ: «صدوق له أوهام».
فهو- إذن- وسط؛ فـ(الهدام) بدل أن يصرح بتحسين إسناده، راوغ؛ فقال: «فيه ضعف».
ومع هذا أقول: هذا الضعف يزول، ويرتقي حديثه إلى مرتبة الصحة بالمتابعة التي ساقها (الهدّام) عقب هذه الطريق (ص22)- وهي طريق عبد الله بن طاووس الآتية -إن شاء الله (ص 59)- لكن (الهدام) لا يعترف بقاعدة أهل العلم: أن الحديث يتقوى بمجموع طرقه وشواهده([20]).
أما قوله :«الثاني: أنه يفسر بذلك توفيقاً مع الرواية السابقة عن عبد الله بن أحمد عن ابن معين، والتي فيها صراحة عدم الاحتجاج».
أقول : هذا ليس تفسيراً ، بل إبطال لكلام الإمام ابن معين ؛ وإلا لو كان منصفاً- حقّاً- متجرداً عن الهوى لما فسَّر قول الإمام ابن معين: «صالح» بالضعف، ولكن؛ هو الهوى يتجارى بأهله؛ كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه.
فنحن -الآن- عندنا قولان عن عالم إمام: قول فيه توثيق، وآخر فيه تضعيف؛ فكيف نوفق بينهما؟
على الأقل: إن لم نستطع أن نوفِّق بينهما لا نعطل أحدهما ونرجح الآخردون بيِّنة مرجِّحة، بل نبحث عن أقوال أخرى لأهل العلم تعزز بحثنا، وتبيِّن حال هذا الراوي، وإلا؛ فإننا بصنيعنا هذا نُحَمِّل كلام الأئمة ما لا يحتمل.
ناهيك أن تضعيف الإمام ابن معين له غير مفسَّر ، والجرح لا يقبل؛ ما لم يكن مفسَّراً ، بخلاف صنيع هذا (الهدام)؛ فإنه يقدِّم التضعيف غير المفسَّر على التوثيق والتعديل.
نعم؛ كلام الإمام أحمد وابن حجر مفسر، وأن الرجل فيه ضعف من قِبَلِ حفظه، بمعنى أنه ليس بالمتقن، بل وسط حسن الحديث؛ كما بينت ذلك مراراً.
وأما تضعيف الإمام يحيى القطان له؛ فلم يبيِّن سببه؛ فإنه قال: «اضرب على حديثه»؛ فلا يلغي هذا الإجمال توثيق من وثقه.
وهب أنه ضَعّفه- وهو مُتَشَدِّد في الرجال- فهناك كثير من أهل العلم وثَّقوه وقبلوا حديثه، فهو إذن من الرواة المختلف فيهم؛ فبعضهم ضعَّفه والكثير منهم وثَّقه، فماذا نصنع ؟هل نلغي هذا التوثيق من أولئك الأئمة ونقدِّم الجرح؟ أم نوفِّق بينهما؟ وهذا مما لم يُقِم له هذا(الهدّام) وزناً، فإلى الله المشتكى من تعدي هذا (الغمر) على هذا العلم.
ثم قال هذا(الهدّام) (ص20): «وقال أبو حاتم: «يكتب حديثه». قلت: وهذا مصطلح معروف لأبي حاتم فيمن لا يقوم مقام الاحتجاج ، يذكر في الضعيف ونحوه، وقد فصّل فيه ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل»، واستفيد من عبارات أبي حاتم نفسه في بعض تراجمه».
أقول : وهذا الكلام حكايته تغني عن ردِّه ؛ فإن هذا تقويلٌ لهذا الإمام، وتحميلٌ لكلامه مالا يحتمل؛ مما ينبىء عن جهل هذا الرجل بكلام أهل العلم، ويكشف عن حقيقة فهم عباراتهم فهماً يناقض حقيقتها و يفسد مغزاها، ويبدو لي أن هذا (الهدّام) شعر أن كلام أبي حاتم عليه، لا له؛ ولذلك لجأ إلى (التَّملُّصِ) منه بتحريف كلامه، وتحميله له مالا يحتمل، ألم أقل لك: إنه رجل (مَلِصٌ)؛ فالله حسيبه.
فهل مَن قيل فيه:«صدوق»؛ أو «محله الصدق»؛ أو « لا بأس به» يذكر في الضعفاء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم من أفاك أثيم!
قال ابن إبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/37): «وإذا قيل له: إنه صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا بأس به؛ فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل: شيخ ؛ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه؛ إلا أنه دون الثانية.
وإذا قيل: صالح الحديث؛ فإنه يكتب حديثه للاعتبار».
فأنت ترى أن ابن أبي حاتم جعل (الصدوق، والشيخ، وصالح الحديث) ممن يكتب حديثه، فهل من كتب حديثه من هؤلاء يذكر في الضعيف ونحوه؟! حتى لو قيل فيه: صدوق!!
وإليك -أيها القارىء- مثالاً واحداً- من بين أمثلة كثيرة- : تثبت أن أبا حاتم إذا قال في راو: صالح الحديث؛ يعني: أنه صدوق حسن الحديث، وهو ممن يكتب حديثه، وهي آخر مرتبة من مراتب التعديل التي جعلها ابنه عبد الرحمن.
قال أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل» (4/2) في ترجمة ( سعيد بن إياس الجريري): «تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديماً؛ فهو صالح، وهو حسن الحديث».
إذاً ؛ فمعنى كلام ابن أبي حاتم:«إذا قيل : صالح الحديث؛ فإنه يكتب حديثه للاعتبار» - وجعلها آخر مرتبة من مراتب التعديل- لا يعني هذا: أنه لا يحتج بحديثه، ولا بمرتبة الحسن، بل العكس هو الصواب، وخير ما يفسر به كلام الحافظ إنما هو كلامه نفسه؛ كما نقلت آنفاً عن أبي حاتم نفسه.
فما رأيكم- دام فضلكم- فيمن يفسِّر كلام أهل العلم على غير مرادهم؟.
فهل بعد هذا يصحّ أن نقول: إن قول أبي حاتم: «يكتب حديثه» لا يقام مقام الاحتجاج، وإنما يذكر في الضعيف ونحوه؟!
وليس يصحّ في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
وأما قوله (ص20): «وقال ابن عيينة: لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره؛ قلت: وفي هذا تضعيف له، إذ لو كان من الثقات ما توانى عنه ابن عيينة، وإنما تعامل معه معاملة الضعفاء الذين يروي لهم عند الحاجة، وهذا أسلوب معروف عند المتقدمين... إلخ».
أقول: هذا القول ينقضه كلامه -نفسه- (ص21): «ولم يعتمده البخاري في «صحيحه»، وإنما أخرج له حديثاً واحداً متابعةً...ولم يعتمده -أيضاً- مسلم في «صحيحه»، وإنما أخرج له... في المتابعات... والشواهد».
هذا وحده يهدم ما زعمه وتأوَّله من كلام ابن عيينة- والذي ليس هو بصريح في التضعيف- فهذا (الهدام) يشهد: أن البخاري ومسلماً أخرجا له في الشواهد والمتابعات -زعم- ، فهل من يخرج له في «الصحيحين» في المتابعات والشواهد وُجِدَ عند غيره ما وُجِدَ عنده أم لا ؟ فالبخاري ومسلم رويا له في «صحيحيهما» من طريق سفيان بن عيينة عنه، فأنت تقول: أخرجا له متابعة، فلماذا لم يأخذ سفيان بن عيينة عن الذي تابع هشاماً وهو موجود عند المتابع؟ لِمَ روى عنه مباشرة مع وجود من تابعه من الثقات؟! فهل من حاجة لأن يروي -مع زعمك ضعفه- سفيان عن هشام مع وجود من تابعه ومن هو أوثق منه؟! هذا يبطل ويهدم ما حمّلت به كلام الإمام سفيان بن عيينة ما لم يحتمله.
ثم؛ مَن وضع هذه القاعدة التي ذكرتها؟ وأين هي؟ فالأخذ عن بعض الرواة لعدم وجود الحديث عند غيره ليس بلازم منه ضعف هذا الراوي؛ فتنبه!
لكن هذا الرجل في سبيل تأييد كلامه؛ يهرف بما لا يعرف، ولا يعرف ما به يهرف، فالمهم أن يؤذي بما به يهذي!
وأمّا نقله عن أبي داود: أنه ضُرب الحدّ بمكة ،فهذا ليس بتضعيف، ولا جرح قط -إن صحَّ هذا عن أبي داود-.
هذا ما وقفت عليه من تضعيف هذا (الهدّام) لهشام بن حجير.
أما جوابه عن توثيق من وثقه؛ فكلام مضحك مبكٍ؛ يدل على عِظَمِ جهله وتجاهله و مكابرته وخوضه في علم لا يحسنه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»([21]).
قال (ص21):« وأمّا ما ذكر من توثيق العجلي، وابن سعد ، وابن حبان فواحدهم قريب من الآخر ، وليسوا بالمعتمدين ككبار المتقدمين عند التفرد، فكيف عند المخالفة لهم ؟!! وكذا الساجي وابن شاهين».
قال شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- رداً على صنيع له -مثله-:
«إن هذا التعليل المذكور ليس على إطلاقه ، فكثيراً ما رأينا الحفاظ النقاد من المتأخرين يوثِّقون من تفرَّد بتوثيقه ابن حبان؛ كالإمام الذهبي، والحافظ العسقلاني، وما أظن أن الغرور وصل بك إلى أنّ تدعي: أنك أعلم منهم! أو أن تحشرهم في زمرة المتساهلين»([22]).
فكيف إذا ضُمّ إليه العجلي وابن سعد وابن شاهين والساجي؟!
وأيضاً؛ توثيق ابن حبان والعجلي وابن شاهين مقبول إذا وافقهم أحد من الحفاظ النقاد الموثوق بتوثيقهم؛ كالذهبي، والعسقلاني وأمثالهم، وهذا قد وثقه الذهبي في «الكاشف» ؛ فقال: «هشام بن حجير ثقة»، وهو مما كتمه (الهدّام) ولم يذكر لقرائه تعمية لهم عن كلام الذهبي فيه، وأيضاً؛ لم يذكر كلام الحافظ فيه في «التقريب»:«صدوق له أوهام».
وانظروا -الآن- كيف تَنَصَّلَ -بل مَلَصَ!- من مخالفة الحفاظ الذين وثَّقوا الرجل: أما ابن حبان وابن سعد وابن شاهين والعجلي؛ فدفع توثيقهم بدعوى تساهلهم، وأما الساجي ؛ فألحقه بهم! وأما توثيق الذهبي وابن حجر، فكتمهما عن القراء؛ لأنه لا جواب لديه؛ إلا أن يقول فيهما: إنهما مقلدان! والله المستعان([23]).
وأما جهله وتجاهله ومكابرته وخوضه في علم لا يحسنه؛ فليس موضع نظر وتأمل!!
فلينظر القراء الكرام كيف لا يستقر على حكم توصلاً منه إلى تضعيف الحديث من أصله، و عليه استقر رأي الحفاظ المتأخرين -كافة- الذين هم أعلم بالخلاف الذي حكاه؛ ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثه؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والحافظ ابن حجر والذهبي وغيرهم
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها
فلم يَضِرْها وأوهى قَرنَه الوعِلُ
وبالجملة ؛ لقد تيقنّت من متابعتي لتضعيفاته الظالمة للأحاديث الصحيحة الثابتة عند حفاظ الأمة؛ أن الرجل مغرم بالمخالفة والمشاكسة ، وعدم الاعتداد بقواعدهم وأحكامهم ، متشبثاً بأوهى العلل ، لو كانت كخيوط القمر!([24])
بقي أن أقول: لقد حشر (الهدّام) الساجيَّ في زمرة المتساهلين الذين لا يعتمد توثيقهم، وهذا ظلم وجنف للحافظ الساجيّ!
قال ابن أبي حاتم«في الجرح والتعديل» (3/601) عن الساجيّ:« وكان ثقة يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف العلماء وأحكام القرآن».
وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/199) و«تذكرة الحفاظ» (2/709-710) :« وللساجيّ مصنَّف جليل في علل الحديث يدلُّ على تبحُّره وحفظه».
فالساجيّ إمام نقّاد له نظره ورأيه واجتهاده ، فكيف يصحّ حشرُه في زمرة المتساهلين؟!
وأما قوله (ص21): «ولم يعتمده البخاري في «صحيحه»، وإنما أخرج له حديثاً واحداً متابعة، ولم يعتمده - أيضاً- مسلم في «صحيحه» وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد».
أقول : هذا مما لم يقله أحد قبله، وهو خلاف ما عليه الحفاظ الذين ترجموا للرجل؛ كالمزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم؛ حيث أطلقوا العزو للبخاري ومسلم ولم يقولوا:« في المتابعات ولا الشواهد» ، وهذا من دقَّتهم -رحمهم الله- التي يغفل عنها المذكور أو يتغافل عنها؛ لأنه لم يثق بعلمهم! بل صرَّح بذلك المزي؛ فقال في آخر ترجمته من «تهذيب الكمال» (30/181): «روى له البخاري ومسلم والنسائي» ، وكذا قال الذهبي والحافظ ابن حجر .
وارجع إلى الأرقام التي أشار إليها (الهدّام) ودقِّق النظر في ألفاظها ؛ فستجد الفرق بين هذه الروايات ، وتعرف أنه يوجد زيادات في رواية هشام بن حجير ليست عند من تابعه، ومع ذلك احتجَّ بها الشيخان؛ فتأمل!
وجملة القول: إن الحديث حسن لذاته -رغم أنف هذا (الهدّام)- كما تقدم تفصيله وتأصيله على الوجه التمام-.
ومما ينبغي التنبيه له: أن هذا (الهدّام) كتم تصحيح الحاكم والذهبي للحديث، وكذا الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ، واحتجاج ابن عبد البر بهذا الأثر؛ لتنكشف لنا فضيحة من فضائح هذا (الغمر المتطاول) الكثيرة، وأنه لا يقيم وزناً لتصحيح أهل العلم الكبار للأحاديث والآثار.
كما أنبه أن شيخ هذا الغمر- شعيب الأرنؤوط([25])- سكت عن تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الأثر السلفي في تحقيقه لـ«مشكل الآثار» (2/318) ؛فهو على أقل أحواله مقرّ لهما في ذلك.
فشعيب شيخه عند الموافقة! وأما عند المخالفة؛ فلا هو ولا أحد من الأئمة والحفاظ المعروفين!!! ولسان حاله يقول عن شخصه وعلمه: (لا هو إلا هو) ! نعوذ بالله من العجب والغرور([26])
قلت: ولم يتفردَّ هشام بن حجير به، بل تابعه عبد الله بن طاووس- وهو ثقة فاضل عابد- عن أبيه به بلفظ:« هي كفره، وليس كمن كفر بالله واليوم الأخر».
أخرجه الثوري في «تفسيره» (101/241) ومن طريقه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/317).
قلت: وهذا سند صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين وهو على شرطهما.
وأعلَّه محقق كتاب «سنن سعيد بن منصور» سعد بن عبد الله آل حميد في (4/1484) بالانقطاع بين الثوري وابن طاووس .
وهو وهم محض ؛ فإن الثوري سمع من عبد الله بن طاووس، وروايته عنه في «صحيح مسلم»؛ فكيف نقول : إنه لم يسمع منه؟!
وإنما وقع في هذا الوهم؛ لأن الثوري رواه مَرّةً عن معمر عن ابن طاووس به، فهل هذا إشكال؟!
فأقول: رواه عن ابن طاووس مرة مباشرة؛ ومرة بواسطة معمر، فتكون هذه الرواية من المزيد في متصل الأسانيد؛ كما لا يخفى على المشتغلين في هذا العلم.
وهذه الرواية مما لم يوردها (الهدّام) -ألبتة-، ولكنه أخفاها وكتمها عن قرائه، أهكذا تكون الأمانة العلمية أيها (الغمر المتعالم)؟!
ولو تأملت أيها القارىء في سرِّ حذف (الهدّام) لهذه الرواية؛ فإنك ستندهش جداً؛ فإن هذه الرواية هدمت رسالته، ونقضت غزله؛ فهو لم -ولن- يجد جواباً للردّ على صحتها؛ فأخفاها عن قرائه ، من باب الهرب نصف الشجاعة.
وأخرجه الإمام أحمد في «الإيمان» (4/158-159/1414)، ومحمد بن نصر المروزي في«تعظيم قدر الصلاة» (2/521/571و522/572)، والفريابي في «تفسيره» ؛ كما في «الدر المنثور» (3/87)، ومن طريقه الطحاوي (2/317-318) ، والطبري في «جامع البيان» (6/166) ، وابن بطة في «الإبانة» (2/734/1005) عن وكيع وأبي أسامة كلاهما عن الثوري عن معمر بن راشد عن عبد الله بن طاووس به بلفظ :«هي به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله».
قلت : وهذا سند صحيح.
وصححه شيخنا العلامة الإمام أسد السنة الهمام أبو عبد الرحمن الألباني - رحمه الله- في تعليقه على كتاب «الإيمان» لشيخ الإسلام ابن تيمية(ص307).
وأخرجه أحمد في «الإيمان » (4/160/1420)، وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/570)، والطبري في «جامع البيان» (6/166)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ( 4 /1143 /6435 )، و القاضي وكيع في «أخبار القضاة» (1/41) وابن بطة في «الإبانة» (2/736/1009) جميعهم عن عبد الرزاق وهذا في «تفسيره» (1/1/191): أنا معمر عن عبد الله بن طاووس به بلفظ: «هي كفر» ، قال ابن طاووس : «وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله».
ونقل الإمام الهمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله- في « حكم تارك الصلاة» (ص74) أن لفظ أثر ابن عباس هذا من رواية عبد الرزاق هو: « هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله »، وفي رواية: «كفر لا ينقل عن الملة».
أما ذاك (الهدّام) ؛ فلم يرق لهواه أن يصحح طريق الثوري؛ فقد ضعفها بعلل أوهى من بيت العنكبوت، تدل على افترائه وكذبه على الرواة الذين هم أنبل وأطهر من أن يتكلم فيهم واحد مثل هذا(الفسل)!!
قال- عامله الله بما يستحق-(ص22): «وظاهر إسناد حديث الثوري جيد!!؛ فإنهم كلُّهم ثقات!! لكن ظهرت فيه علّة معمر بن راشد الصنعاني!! فقد أخطأ في الرواية!! ومعلوم أنه يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه إذا حدَّث به خارج اليمن ؛ لأنه ما كان يصطحب كتبه! فيقع في حديثه الوهم والخطأ... إلخ».
قلت: هذا الكلام مع ركاكته وضعف إنشائه وصياغته؛ فإن حكايته تغني عن ردّه؛ فهو كلام يدل على أن قائله لا يفهم الحديث إطلاقاً، ولا يعرف علله أبداً، وحق له ذلك؛ فهو المتخصص لهدم السنة، فالغريق يتشبث ولو بِقَشّة؛ كما يقال.
وقبل الردِّ عليه لا بدَّ من إشارة؛ وهي: أنه لا يُعرف لهذا الرجل نظير في تضعيف الأحاديث النبوية والآثار السلفية، وهو وحيد دهره في اختلاق العلل والأوهام- زعم- لرواة الحديث، مما يدّل أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن وراء رسالته فتنة يسعى لنشرها ، فاللهم اطفىء نارها.
فإنه من المعروف عند أهل العلم بعامة، وأهل الحديث بخاصة: أن وهم راو ما، في حديث ما، لا يستلزم وهمه في جميع ما يرويه، ولو اتبعنا هذا الأسلوب- الخبيث- فإننا نكون بصنيعنا هذا قد حملنا معاول الهدم، ورفعناها في وجه السنة النبوية ، ونكون قد هدمنا أكثرها- عياذاً بالله من ذلك- فهذا الهدام (الجاهل) لما ضاق ذرعاً في تصحيح هذه الطريق؛ لسلامتها من جميع العلل، وثقة رجالها، وتصحيح أهل العلم لها؛ اختلق علَّة غريبة عجيبة؛ يشم منها أن هذا الرجل على أقلّ أحواله إن لم يكن دخيلاً على الإسلام والمسلمين؛ فهو عدو من أعداء السنة، خبيث يريد أن يبطل الأثر ؛ لينشر فكره وفكر شيخه المفتون به الذي قدَّم له- وهو الفكر التكفيري- وهو أخبث الأفكار التي دخلت على هذا الدين، ولعل هذا من علامات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر أن الخوارج سيستمرون، وأن فكرهم سيبقى موجوداً حتى يخرج في أعراضهم الدجال.
ماذا صنع هذا (الهدام) ؟ ضعف هذه الطريق بمعمر بن راشد الإمام الحافظ الثقة؛ فإنه لما علم أن معمراً إمام ثقة ثبت، لم يجد مناصاً منها؛ فاختلق علَّة -والله- هي -والله- من عند نفسه ، أو ممن يموِّله ويعطيه دراهم لأجل كتابة مثل هذا الكلام؛ فقال: «فيه علّة؛ معمر بن راشد الصنعاني؛ فقد أخطأ في الرواية، ومعلوم أنه يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه إذا حدّث به خارج اليمن...إلخ».
أقول: أين الدليل أن معمراً أخطأ في هذه الرواية؟ وأين الدليل أن الإمام الثوري- وهو من أوثق أهل الدنيا- سمع منه هذا الحديث في غير اليمن- على حدّ زعمه الكاذب- أو أنه سمع منه في بلد آخر؟ وأين الدليل أن ما يرويه معمر في غير اليمن ليس بمقبول وهو مردود بإطلاقه؟
كلّها أسئلة علمية مطروحة ، تُلزمه أن يجيب عليها... هذا شيء، وشيء آخر، فرواية سفيان الثوري عن معمر مشهورة في كتب السنة، وإليك بعض مواطنها:
«صحيح البخاري» (4749و5944و7083).
«صحيح مسلم» (977و979و1628).
«سنن الترمذي» (140و858و1346و1444).
«سنن النسائي» (5381).
«سنن أبي داود» (1576).
«سنن ابن ماجه» (3797).
«المسند» للإمام أحمد (1/220و3/185و6/38و40و387).
وعلى رأيه الباطل -هذا-؛ فإننا سنضعف جميع روايات معمر؛ لأنه يخطىء ويهم ويضطرب -على حد زعمه-، على أن الإمام الحافظ الثوري - راوي هذا الأثر عن معمر - سمع من معمر في اليمن ؛فانتفى ما يتشبث به هذا (الدّعي) من وهم معمر في غير اليمن؛ فقد قال الحافظ العجلي في «تاريخ الثقات» (435/1611-ط دار الكتب العلمية) :«معمر بن راشد أبو عروة، بصري سكن اليمن، رجل صالح يروي عن ابن المبارك ، سكن صنعاء وتزوج بها ، رحل إليه سفيان الثوري، وسمع منه هناك، وسمع هو من سفيان ..».
وهذا نصٌّ صريح من هذا الإمام: أن سفيان سمع من معمر في اليمن ، وأنه رحل إليه ؛ فهو صحيح الحديث إذا حدث داخل اليمن باعتراف (الهدام) نفسه؛ ولذلك أخرج أصحاب كتب السنة من رواية سفيان عن معمر.
لكن ماذا فعل (الهدام)؟ قال (ص23):«..قد رواه سفيان الثوري وهو كوفي، وأقام بمكة، وتحول إلى البصرة ، فأقام ومات فيها..» ولم يتعرض أبداً لكلام العجلي هذا ألبتة فأين هذا من الأمانة العلمية؟! وهو قد رأى هذا النص بعينه في «تهذيب الكمال» (28/309) ولكن كتمه على قرائه؛ لأنه يعرف أنهم لا يبحثون خلفه، ولا يتحققون من كلامه -كما خُيِّل إليه أو وسوس له-!
وقوله: إن معمراً (يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه)، من يحكم على خطئه ووهمه واضطرابه: آلحفاظ الراسخون في هذا العلم؛ أم الجهلة الأغمار ممن لا يحسنون فهم كلام أهل العلم؟!
وكلام أهل العلم في وهم معمر وخطئه؛ إنما هو في حديثه الذي حدث به في البصرة ، وسفيان الثوري لم يسمع منه في -بلده البصرة- بل رحل إليه، فسمع منه في اليمن؛ كما تقدم في كلام العجلي.
ثم قال هذا (الهدام): «لأنه ما كان يصطحب كتبه؛ فيقع في حديثه الوهم والخطأ...».
أقول : هذا الكلام فيه تفصيل ، قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (3/168): «فحديثه الذي حدَّث به في غير بلده - يعني: اليمن- مضطرب؛ لأنه كان يحدِّث في بلده من كتبه على الصحة، وأما إذا رحل ؛ فحدَّث من حفظه بأشياء وَهِمَ فيها، اتفق على ذلك أهل العلم به؛ كابن المديني والبخاري وأبي يعقوب بن شيبة وغيرهم...».
ونحوه قال الإمام أحمد؛ كما سيأتي.
فمعمر إذا روى حديثه في اليمن ؛ فهو حجة ؛ لأنه كان يحدث من كتبه على الصحة، وحديثنا هذا من هذا القبيل ؛ فإن سفيان الثوري سمع من معمر باليمن؛ كما تقدم.
وأما إذا روى حديثاً خارج بلده، فإنه يحدِّث من حفظه فَيَهِمُ بأشياء، وليس في كلّ ما يروي، وهذا أمر مهم لم يفهمه ذاك (الهدام) -فضلاً عن أن يفصّله- بل أعلّ جميع ما يرويه معمر في خارج اليمن، ثم أمرٌ آخر؛وهو ما استنبطناه من كلام الحافظ نفسه: أن الذي حكم على وهم معمر في بعض ما يرويه هم الحفاظ النقاد؛ كابن المديني والبخاري ونحوهما ، ليس غمراً جاهلاً لا يحسن صناعة الكلام فضلاً عن معرفة أصول علم الحديث وعلله الخفية التي قد تخفى على بعض الحفاظ كابن حبان والحاكم، فكيف بمن ليس بحافظ - بل سيّئ الحفظ والفهم، وقليل العلم والأدب مع أهله؟!-.
فالحاصل: أن ما رواه معمر خارج بلده من حفظه قد يَهِمُ في بعضها، لكن ليس في كلِّها، ثم لا بدّ أن يكون عندنا نصّ صريح من أهل العلم النُّقاد في الحكم بوهمه؛ وهذا مفقود تماماً في حديثنا هذا.
ولتعلم أخي القارىء؛ أنه لم يقل هذا الكلام أحد قبل هذا الهدام، بل على العكس ؛ فإن روايته هذه التي بين أيدينا حدَّث بها في اليمن، وحدَّث بها عن أكثر شيوخه ملازمة واتقاناً؛ وهو عبد الله بن طاووس؛ قال ابن أبي خثيمة؛ كما في «تهذيب التهذيب» (10/245) و«هدي الساري» (ص571-ط دار المنار): «سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين؛ فخالفه إلا عن الزهري و ابن طاووس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم»، ولذلك أخرج الجماعة من روايته عن ابن طاووس، هذا شيء.
وشيء آخر: أن الوهم والاضطراب والخطأ المزعوم في رواية معمر؛ إنما هو -حقيقة- فيما إذا حدَّث عن ثابت البناني وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وقتادة والأعمش ونحو هذا الضرب([27]).
أما روايته عن ابن طاووس -كما في حديثنا هذا-؛ فهي مستقيمة بنصِّ الإمام الحافظ ابن معين؛ فهل بقي بعد هذا البيان وجود لكلام هذا المتهافت؟! وهل بقي له أي قيمة علمية تذكر؟!
وهذا -كلُّه- لم يتطرق له الهدام في «رسالته» ألبتة- عامله الله بما يستحق-.
ثم هذه الأوهام والأخطاء المنسوبة لمعمر: هل هي على إطلاقها أم بتفصيل على نحو ما ذكر أهل العلم ؟!
ولذلك قال الإمام الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/154):« أحد الأعلام الثقات ، له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن» .
فهذا نص صريح أن أوهام معمر معروفة، وهي قليلة في سعة ما حدَّث، ولو كان هذا الأثر من أوهامه ؛ لبيّنه أهل العلم ولذكروه ، مع اشتهار هذا الأثر بين أهل العلم وتداوله فيما بينهم، وقبولهم له في عقائدهم.
ثم ذكر( الهدام)- على حدِّ زعمه- ما يؤيد ما ذهب إليه من وهم معمر؛ فضرب مثلاً على ذلك في حديث إسلام غيلان، وتحته عشر نسوة([28]).
أقول: ضَرْبُه هذا مثلاً يدل على جهله، وقلة علمه في هذا الفن الشريف؛ فقد بيّنا سابقاً أن حكم أهل العلم على وهم معمر في حديث ما، لا يستلزم وهمه في سائر ما روى، فالسؤال الذي نطرحه : مَن مِنْ أهل العلم حكم على وهم معمر في حديثنا هذا؟ وأين نصُّهم؟ بل على العكس؛ فإنهم كلهم متفقون مجمعون على ثبوته؛ لا اختلاف بينهم في ذلك ولا تفاوت.
ثم هذا المثال لا يلتقي -ألبتة- حديثنا هذا؛ فإن هذا (الهدّام) نقل عن الحافظ ابن حجر: أن من رواه عن معمر، إنما سمع منه بالبصرة.
قلت: وهذا بخلاف حديثنا؛ فإن معمراً حدث بحديثنا هذا في اليمن؛ إذ الراوي عنه -وهو سفيان الثوري- ممن رحل إليه إلى اليمن وسمع منه، فأين هذا من ذاك؟!
وحسبك أن تعلم -أخي القارىء- أن حديث إسلام غيلان لم يروه الثوري عن معمر، ولم يذكروا أن الثوري رواه عنه؛ لتعلم الفرق بين المثالين.
ثم أورد أمراً آخر يؤيد -زعم- ما ذكره، وهو: أن معمراً يَهِمُ ويسوء حفظه في الرواية عن كثير من الثقات، مما يؤكد أنه في غير اليمن إذا حدَّث وقع منه الوهم والغلط...الخ.
وفي هذا الكلام - المكرر بعض الشيء- تهافت واضح؛ فإن (الهدام) ذكر (ص24) أسماء الرواة الثقات الذين يهم معمر فيهم إذا روى عنهم، وليس فيهم واحد ممن روى معمر هذا الحديث عنه؛ فإن عبد الله بن طاووس شيخ معمر في حديثنا هذا متفق على توثيقه، وروايته عنه في «الصحيحين»؛ فهي مستقيمة؛ كما قال ابن معين، ولم ينص أحد من أهل العلم على وهم معمر في حديثه عن شيخه ابن طاووس... ولم يذكر (الهدام) هذا ألبتة؛ ولذلك اختار الحافظ في «التقريب» هذا الكلام ؛ فقال: «معمر بن راشد...ثقة ثبت فاضل؛ إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً»؛ ولذلك لم يخرج الشيخان في «صحيحيهما» شيئاً من روايته عنهم -إلا ما توبعوا عليه-، وأخرجا له من روايته عن ابن طاووس؛ فتأمل([29])!!
وأعود وأذكر حقيقة كتمها (الهدام) -ضمن ما كتم من حقّ-، وهي: أن سفيان سمع هذا الحديث من معمر في اليمن، ثم لماذا كتم (الهدام) هذا النقل عن العلماء مع أنه في الصفحة نفسها التي نقل عن أهل العلم تضعيفهم لرواية معمر عن بعض الثقات، الأمر الذي يؤكد ما ذكرنا مراراً: أن هذا الرجل يذكر ما له ويكتم ما عليه؛ وما أجمل ما رواه الدارقطني في «سننه» (1/26) عن وكيع قال: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم»!
ثم ذكر هذا (الهدام) (ص25): أن الذي جعله يحكم بخطأ معمر في هذه الرواية : أن عبد الرزاق رواها عن معمر على الصواب، ولم يذكر ما ذكره الثوري، وعبد الرزاق من أوثق الناس في معمر.
قلت: سبيل أهل العلم بالحديث -حقَّاً- أنهم يحكمون للحديث بالصحة إذا كان إسناده متصلاً، و رجاله ثقات، ولم يكن شاذاً ولا مُعَّلاً، فهنا عندنا روايتان عن معمر: أحدهما مفصلة، والأخرى مجملة، والذي روى المفصلة هو الإمام سفيان الثوري، والذي روى المجملة هو عبد الرزاق، فأين الإشكال؟ وأين وجه الخطأ في رواية الثوري حتى تُقَدَّمَ روايةُ عبد الرزاق عليه؟!
على أننا لو قدمنا رواية الثوري على رواية عبد الرزاق لما أبعدنا النُّجْعَة؛ بل هو الأصح والأقرب إلى منهج أهل الحديث لأمور:
1-أن الإمام الثوري أوثق بكثير من عبد الرزاق، وأثبت منه في معمر، ولكي لا أطيل النقل عن أهل العلم في ذلك؛ مكتفياً بما ذكره الحافظ ابن حجر في «التقريب» في ترجمتيهما فقال- رحمه الله- في ترجمة (سفيان) : «ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة».
وقال في ترجمة(عبد الرزاق) :«ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره؛ فتغير، وكان يتشيع».
ثم إن الإمام الثوري- وقد لُقِّب بأمير المؤمنين في الحديث- شيخ عبد الرزاق؛ لقي معمراً ولازمه قبل عبد الرزاق؛ فهو قديم اللقاء به، وهو أوثق من تلميذه بكثير.
2-أن عبد الرزاق تكلم فيه عدد من أهل العلم، ولو أردت أن أحذو حذو (الهدام) في أسلوبه؛ لضعفت جميع أحاديثه، ويكفينا هنا أن الأئمة: ابن عدي والعقيلي والذهبي ذكروه في كتبهم المختصة في نقد الرجال -أو من تُكُلِّم فيه- بخلاف الثوري المجمع على ثقتة، والذي لم يتكلم فيه أحد ألبتة.
3-أنه لا تعارض بين روايتيهما؛ فالثوري إمام ثقة حجة زاد، والأصل أن الزيادة من الثقة مقبولة، فكيف بأمير المؤمنين في الحديث؟! وعليه نقول: إن الروايتين صحيحتان على الوجهين؛ لا تعارض بينهما، وهذا الجمع بين الروايتين أولى -بكثير- من تخطئة الرواة بدون حجة أو دليل.
ثم ذكر (الهدام) (ص26) عن الإمام أحمد -رحمه الله- قوله: «حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إليّ من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر؛ -يعني: باليمن-، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة».
أقول : ذكر الهدام -نفسه- (ص23): أن سفيان الثوري كوفي وأقام بمكة ثم تحول إلى البصرة، فأقام ومات بها، فهو -إذاً- ليس من أهل البصرة ممن عناهم الإمام أحمد، ثم إن الثوري سمع من معمر باليمن؛ كما نقلته عن العجلي ، فهل يصح أن يكون هذا النص مؤيِّداً لزعمه؟ بل هو يهدم أسّه، وقد فصلت فيما مضى مسألة سماع الثوري من معمر ، وروايته التي في اليمن وغيرها فلا أعيد ، الأمر الذي ينبهنا أن هذا (الهدام) لا يدري ما يكتب ؛ فهو يهدم رسالته بيده ، فمتى شاء جعل الثوري كوفياً، ومتى شاء جعله مكياً ، ومتى شاء جعله بصرياً ولكنه لم يجعله يمنياً- وهكذا يفعل الجهل بأهله-!
ثم رأيت عبد الرزاق -نفسه- روى الأثر عن شيخه سفيان الثوري عن رجل عن طاووس عن ابن عباس قال: «كفر لا ينقل عن الملة».
أخرجه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/ 573)([30]).
والرجل هو عبد الله بن طاووس ؛ كما في سائر الروايات عن الثوري؛ كما تقدَّم ، وهذا يؤكِّد ما قرَّرته -من قبل- أن رواية سفيان أصح ، والله أعلم.
أما ذاك الهدام (الفسل) ؛ فإنه حكم على هذه الرواية بالخطأ، إما من الناسخ أو الراوي عن عبد الرزاق دون أن يذكر أي دليل على كلامه، وإنما عزاه إلى الروايات التي ليس فيها ذكر ابن عباس، وقد فصَّلت الكلام عليها سابقاً- بحمد الله- بما يروي الغليل ويشفي العليل ويكبت الشانئ الدخيل.
وذكر أن الرجل المجهول؛ هو سعيد المكي؛ كما عند الطبري والمروزي وابن بطة.
فأقول لهذا (المتعالم): إن رواية سعيد المكي؛ هي عن طاووس من قوله، بينما رواية الرجل هي عن ابن عباس ،فأين هذا من ذاك؟! ثم لِمَ لَمْ تجعل الرجل هو عبد الله بن طاووس؛ كما رواه الثوري -نفسه- في « تفسيره» عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؟! وعبد الله بن طاووس مشهور الرواية عن أبيه، وهي رواية موصولة كما ترى! بل إنك كتمت هذه الرواية ولم تتعرض لها، أهكذا العلم؟ أهكذا يكون النقل من النصوص؟ فإلى الله المشتكى من زمان يتكلم فيه الرويبضة ، ومن زمان يجيء فيه أغمار متطاولون يعيثون في كتب السلف -أهل الحديث- فساداً!!
ثم هنا تنبيه آخر: وهو أن هذا (الهدام) ذكر أن الإمامين الطبري والمروزي أخرجا هذه الرواية .
وهذا وحده يكفي لبيان جهله وعدم تفريقه بين الطرق ؛ فطريق الطبري عن طاووس من قوله، وطريق المروزي عن ابن عباس من قوله؛ فهذا موقوف، وذاك مقطوع، وبينهما فرق؛ فتأمل!!
من مواضيعي
0 سلسلة الرد على شبهات دعاة التحزب والانتخابات
0 هنا نجمع كل ما يتعلق بشرح حديث الافتراق((..وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة))
0 جمع كتب وصوتيات في بيان المنهج السلفي ورد التهم حوله
0 الحجج الدقيقة في الرد على من اتهم السلفيين باحتكار الحقيقة!
0 صد العدوان ورد البهتان على من قال : أنتم علماء سلطان
0 خبر عاجل: استشهاد الأخ الجزائري اسماعيل من مدينة واد سوف في دماج
0 هنا نجمع كل ما يتعلق بشرح حديث الافتراق((..وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة))
0 جمع كتب وصوتيات في بيان المنهج السلفي ورد التهم حوله
0 الحجج الدقيقة في الرد على من اتهم السلفيين باحتكار الحقيقة!
0 صد العدوان ورد البهتان على من قال : أنتم علماء سلطان
0 خبر عاجل: استشهاد الأخ الجزائري اسماعيل من مدينة واد سوف في دماج








