تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > أرشيف > منتدى تحريم دم المسلم

> تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير

 
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 11:33 AM



قال فضيلة الشيخ سليم الهلالي في كتابه
قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً» :
الباب الثاني
تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رواية



وفيه فصلان:
الفصل الأول: طريق طاووس عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنه.
الفصل الثاني: طريق علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-.




الفصل الأول
طريق طاووس عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنه

عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-في قوله - عز وجل-:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه».
وفي رواية: « إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر».
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (4/1482/749-تكملة) ، وأحمد في «الإيمان»([11]) (4/160/1419) -ومن طريقه ابن بطة في «الإبانة» (2/736/1010)-، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/569) ، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/1143/6434-ط الباز)، وابن عبد البر في «التمهيد» (4/237) ، والحاكم (2/313)- وعنه البيهقي (8/20)- عن سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس به.
قال الحاكم : «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
قال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/113): «وحقِّهما أن يقولا : على شرط الشيخين؛ فإنَّ إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (6/163) عن الحاكم أنه قال: «صحيح على شرط الشيخين» ، فالظاهر أن في نسخة «المستدرك» المطبوعة سقطاً ، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم- أيضاً- ببعض اختصار».
قلت: وهو كذلك ؛ إلا أن هشام بن حجير راويه عن طاووس فيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن.
قال ابن شبرمة: «ليس بمكة مثله» ، وقال العجلي :«ثقة صاحب سنة»، وقال ابن معين: «صالح» ، وقال أبو حاتم الرازي: «يكتب حديثه»، وقال ابن سعد: «ثقة له أحاديث» ، وقال ابن شاهين: «ثقة» ، ووثقه ابن حبان، وقال الساجي: «صدوق»، وقال الذهبي: «ثقة» ، ولخصه الحافظ بقوله: «صدوق له أوهام».
وضعفه يحيى القطان، والإمام أحمد، وابن معين - في رواية-([12]).
قلت : فرجل حاله هكذا ؛ لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن ما لم يخالف، وقد روى الشيخان له واحتجا به، ومع ذلك لم يتفرد به بل توبع؛ كما سيأتي (ص59).
ثم وقفت على رسالة صغيرة الحجم ضحلة العلم([13]) لكاتبها المدعو (حسان عبد المنان)([14]) ذهب فيها إلى تضعيف هذا الأثر السلفي عن ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس - رضي الله عنهما-.
مع العلم أن هذا الأثر السلفي متفق على صحته بين العلماء الحفاظ والأئمة النقاد المشهود لهم بالعلم، ورسوخ قدمهم فيه -سلفاً وخلفاً-، ورأيت -ثمت- أن أدون ملاحظاتي على ذاك (الغمر) الذي تصدّى لما لا يحسن؛ وهدماً لما بناه هذا (المتعالم) الذي تطاول برأسه بين هؤلاء الكبراء -وعليهم-؛ فحقَّق -زعم- كتباً! وخرَّج -كذب- أحاديث! وسوّد تعليقات! وأخرج ردوداً- تنبىء عن حداثته- ، وتكلم بجرأة بالغة فيما لا قِبَلَ له به من دقائق علم المصطلح، وأصول الجرح والتعديل!!
فجاء منه فساد كبير عريض، وصدر عنه قول كثير مريض ، لا يعلم حقيقة منتهاه إلا ربه ومولاه- جل في علاه- .
فهو يتعدى على الأحاديث الصحيحة بالظن والجهل والإفساد والتخريب؛ بما يوافق هواه؛ ويلقي ما يراه بدعوى التحقيق والتخريج، والرد والتعقيب!
فلو كان عند هذا (الهدام) شيء من الإنصاف لكان منه- ولو قليلاً- تطبيق وامتثال لما قاله بعض كبار أهل العلم - نصحاً وتوجيهاً- : «لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء؛ حتى يسأل من كان أعلم منه»([15])
فوجدته قد تكلف في رد هذا الأثر السلفي تكلفاً عجيباً غريباً؛ ذكرني بصنيع أهل التعطيل في نفي أسماء الله الحسنى وصفاته العلى؛ فهو -بحقّ- رجل (مَلِصٌ)، كلّما جوبه بدليل لا مردّ له، تملَّص بتأويل له من عنده([16])، فالله حسيبه.
فقد ضعف هذا (الهدام) هذه الطريق بتكلّف بارد- في جملة ما ضعف من الأحاديث الصحيحة الكثيرة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم -.
لقد تشبث في تضعيف هذه الطريق بقول الإمام أحمد في هشام بن حجير: «ليس بالقوي» ، وبقوله: «ليس هو بذاك» ، وبتضعيف ابن معين ويحيى القطان له.
وقد جعجع في (ص20-21) بما أملاه عليه عجبه وغروره في تضعيفه ورده حديثنا هذا؛ متظاهراً بأنه بحاث محقق، وهو في أكثر الأحيان يكون مبطلاً متجنيّاً على العلم ، ومضعفاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآثار أصحابه -رضوان الله عليهم-، ومخالفاً لجماهير الحفاظ والأئمة المتقدمين والعلماء المحققين، حتى ليغلب على الظن أنه ما قام بهذا التخريج إلا لهدم السنة ، وتضعيف أحاديثها، وبخاصة ما كان منها في الحض على التمسك بالسنة، و ما كان عليه السلف الصـــالـــح-

رضي الله عنهم- ، وهو في هذا كله إما متبع لهواه { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[القصص: 50]، أو مقلِّد لأمثاله من أهل الأهواء (كالخوارج) الذين لا يتبعون أصول العلماء وقواعدهم الحديثية الفقهية.
يفعل هذا كلّه بطرق ملتوية غير علمية، وبآراء شخصية هزيلة، لا يعجز عنها أيّ مثقف ثقافة عامة ، جاهل بهذا العلم مغرور!!
ومع ذلك ؛ أقول -وبالله وحده أَصُول واًجول-: أما قول الإمام أحمد: «ليس هو بالقوي» ؛ فهذا ليس بتضعيف للراوي ألبته؛ فإنهم يعنون به: ضعف الحفظ وفتوره؛ فهو نفي لكمال القوة، وليس نفياً لأصلها، يدلك على هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في «إقامة الدليل» (3/243- الفتاوى الكبرى) عند ذكر (عتبة بن حميد الضبي البصري): «وقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: «هو ضعيف ليس بالقوي» لكن هذه العبارة يقصد بها: أنه ممن ليس يصح حديثه، بل هو ممن يحسن حديثه. وقد كانوا يسمون حديث مثل هذا ضعيفاً، ويحتجون به؛ لأنه حسن، إذ لم يكن الحديث إذ ذاك مقسوماً إلا إلى صحيح وضعيف.
وفي مثله يقول الإمام أحمد: الحديث الضعيف خير من القياس؛ يعني: الذي لم يَقْوَ قوة الصحيح مع أن مخرجه حسن».
فخذها فائدة عزيزة من شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وجزاه عن الإسلام وأهله خيراً-.
وقال الإمام الحافظ الذهبي في «المقدمة الموقظة» (ص319-بشرحي): «وقد قيل في جماعات: ليس بالقوي، واحتج به.
وهذا النسائي قد قال في عدة: «ليس بالقوي» ويخرِّج لهم في «كتابه»، وقال: قولنا: «ليس بالقوي» ليس بجرح مفسد».
وقال ( ص322): « وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم : «ليس بالقوي» ؛ يريد بها: أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوِّي الثبت».
وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص385-386) في ترجمة (أحمد ابن بشير الكوفي) :«قال النسائي : ليس بذاك القوي» ... فأما تضعيف النسائي له؛ فمشعر بأنه غير حافظ».
وقال ذهبي العصر الشيخ المعلمي اليماني- رحمه الله- في «التنكيل» (1/240): «فكلمة «ليس بقوي» تنفي القوة مطلقاً، وإن لم تثبت الضعف مطلقاً، وكلمة«ليس بالقوي» إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة».
وقال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «النصيحة بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة» (ص183): «قول أبي حاتم: «ليس بالقوي»؛ فهذا لا يعني : أنه ضعيف؛ لأنه ليس بمعنى :«ليس بقوي» ؛ فبين هذا و بين ما قال فرق ظاهر عند أهل العلم».
وقال (ص254) : «وقول أحمد والنسائي فيه: «ليس بالقوي» لا ينافيه ؛ لأنه لم ينف عنه القوة مطلقاً كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم».
قلت: أما غير أهل العلم -ولا المعرفة- المختصين به؛ فلا يعلمون هذا أبداً؛ لجهلهم وقلّة باعهم، وعدم تضلعهم في هذا العلم الشريف، ولله در القائل: ليس هذا بعشك فادرجي ، وعن سبيل أهل العلم فاخرجي.
فبالله عليكم ما سيكون موقف (ابن عبد المنان) لو قال الإمام أحمد في هشام ابن حجير: «ضعيف ليس بالقوي»؟! أنا أجزم أنه سيبني عليه قصوراً عوالي؛ لكنها أوهى من بيت العنكبوت الخالي.
ومع ذلك كتم ودلَّس على قرائه؛ فقد حذف العبارة التي تستأصل شأفة هذا الدخيل على هذا العلم؛ وهي قول عبد الله بن الإمام أحمد- بعد قوله فيه: « ليس بالقوي » : قلت: هو ضعيف؟ قال: «ليس هو بذاك».
وهذا صريح جداً أن الإمام أحمد لا يضعِّفه الضعف المطلق الذي ظنه (هدام السنة) ، وإنما هو ممن لا يُصَحَّح حديثه بل يحسن، وهذا يلتقي تماماً مع ما أصّله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وأيضاً؛ نقل عبد الله بن أحمد عن أبيه في «العلل» (1/130) : « هشام بن حجير مكي ضعيف الحديث» ، ثم نقل عن ابن شبرمة: « ليس بمكة أفقه منه».
فهذا محمول على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- آنفاً؛ فلا إشكال بحمد الله.
وأما ما نقله عن عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عنه؛ فضعفه جدّاً.
أقول : بتر هذا (الهدام) بقية كلام يحيى بن معين الذي يقصم ظهره، ويبين أن الإمام ابن معين اختلف نظره في هذا الراوي.
فقال- رحمه الله- : قلت ليحيى: هشام بن حجير أحب إليك من عمرو بن مسلم؟ قال: نعم.
قلت: وعمرو بن مسلم هو الجَنَدي مختلف فيه؛ ضعفه ابن معين في رواية الدوري وعبد الله بن أحمد، وقال في رواية ابن الجنيد : «لا بأس به» ، وفي «التقريب» :«صدوق له أوهام».
فهو - بشهادة الإمام يحيى بن معين- أقوى من عمرو بن مسلم الذي قال فيه: «لا بأس به»؛ فهو إذاً لا يُحمل على الضعف الشديد الذي يطرح حديثه.
ولو حُمِلَ على أنه أراد الضعف الشديد، فقد قال ابن معين عن هشام بن حجير - في رواية إسحاق بن منصور- : «صالح»، وهذا تعديل له؛ فيكون عندنا عن هذا الإمام الكبير روايتان: واحدة مضعِّفة له، وأخرى معدِّلة له، فننظر في أقوال غيره من أهل العلم؛ كي نضبط الكلام فيه.
وهذا خلاف ما فعله هذا (الهدام)؛ فإنه أوَّل كلام ابن معين: «صالح» بكلام عجيب غريب، يدل على حداثته ، وأنه غمر متطاول في هذا العلم.
فقال (ص21): « أما ما ذكره من رواية إسحاق بن منصور عن ابن معين: «صالح» ؛ فليس بتوثيق؛ لأمرين:
الأول: ما عرف من هذا الاصطلاح عن بعض المتقدمين وذكره فيمن عنده ضعف، وهذا يمكن تفصيله».
أقول : أما قوله : «صالح ؛ ليس بتوثيق»؛ فكلام باطل ورأي عاطل :
قال الإمام الذهبي في«المغني» (1/4): « لم أذكر فيه من قيل فيه:«محله الصدق» ، ولا من قيل فيه:«يكتب حديثه» ، ولا: «لا بأس به»، ولا من قيل فيه:«شيخ» أو «صالح الحديث» ؛ فإن هذا باب تعديل».
وقال في «المقدمة الموقظة» (ص318-319- بشرحي): «... فلان حسن الحديث ، فلان صالح الحديث، فلان صدوق -إن شاء الله-؛ فهذه العبارات ونحوها كلها جيدة، ليست مضعِّفة لحال الشيخ ، نعم ولا مرقيّة لحديثه إلى درجة الصحة الكاملة المتفق عليها، لكن كثير ممن ذكرنا متجاذب بين الاحتجاج به وعدمه».
وقال في «ميزان الاعتدال« (1/3-4):« ولم أتعرَّض لذكر من قيل فيه: محله الصدق، ولا من قيل فيه: لا بأس به، ولا من قيل: هو صالح الحديث، أو يكتب حديثه أو هو شيخ ؛ فإن هذا وشبهه؛ يدل على عدم الضعف المطلق».
ثم ذكر - رحمه الله- العبارات التي تقال في الرواة المقبولين وقسمها ، وذكر منها: «وصالح الحديث».
فهذا الكلام العلمي القوي من الإمام الذهبي -وهو من أهل الاستقراء العام-؛ يستأصل شأفة هذا (الهدام) (الغمر العنيد).
وكذا جعل الشيخ برهان الدين الأبناسي -رحمه الله- في «الشذا الفياح» (1/268) «صالح الحديث» من مراتب التعديل؛ فتأمل.
أما قوله: «ما عُرِفَ من هذا الاصطلاح عند بعض المتقدمين، وذكره فيمن عنده ضعف ...الخ».
فأقول -وبالله التوفيق-: قال شيخنا أسد السنة، وناصرها العلامة الألباني -رحمه الله- في «النصيحة بالتحذير من تخريب ( ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة»( ص92): « وقد قلنا مراراً- ردّاً على ( الهدام) مثل قوله هذا: إن الإسناد الحسن فيه ضعف- ولا بُدَّ- ، ولازمه أن هناك فرقاً معروفاً بين العلماء، بين من يقول من أهل العلم: «إسناد فيه ضعف»، وبين: «إسناده ضعيف»، وأما (الهدام)؛ فلا يفرق -عمداً أو جهلاً-!».
وهذا الأسلوب الخبيث من هذا (الهدّام) يستعمله كثيراً في تضعيف الرواة؛ فهو «يُدَلِّس ولا يفصح ! ثم هو مع ذلك لا يبيِّن السبب! آمراً للقراء - بلسان حاله- بالاستسلام لحكمه الجاهل وصرفاً لهم عن اتباعهم لعلمائهم، وإلا؛ لبيَّن لهم، ولكنه يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فهو يلقي كلمته ثم يمشي، وعلى الناس أن يمشوا وراءه! الأمر الذي يدلًّ على منتهى العجب والغرور»([17]).
وأقول له: هذا الصنيع الذي تعمله هو من تضليلاتك ومراوغاتك الكثيرة ؛ فكل ثقة فيه ضعف يسير؛ يصحّ أن يقال فيه:«فيه ضعف»! حتى بعض رجال الصحيحين([18])- كما لا يخفى على العارفين بهذا العلم- ؛ ومع ذلك يكون حديثه صحيحاً محتجاً به؛ ولو في مرتبة الحسن»([19]).
وهذا حال هشام بن حجير؛ فقد وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان وابن شاهين والذهبي في «الكاشف»، وضعّفه القطان؛ ولهذا قال الحافظ: «صدوق له أوهام».
فهو- إذن- وسط؛ فـ(الهدام) بدل أن يصرح بتحسين إسناده، راوغ؛ فقال: «فيه ضعف».
ومع هذا أقول: هذا الضعف يزول، ويرتقي حديثه إلى مرتبة الصحة بالمتابعة التي ساقها (الهدّام) عقب هذه الطريق (ص22)- وهي طريق عبد الله بن طاووس الآتية -إن شاء الله (ص 59)- لكن (الهدام) لا يعترف بقاعدة أهل العلم: أن الحديث يتقوى بمجموع طرقه وشواهده([20]).
أما قوله :«الثاني: أنه يفسر بذلك توفيقاً مع الرواية السابقة عن عبد الله بن أحمد عن ابن معين، والتي فيها صراحة عدم الاحتجاج».
أقول : هذا ليس تفسيراً ، بل إبطال لكلام الإمام ابن معين ؛ وإلا لو كان منصفاً- حقّاً- متجرداً عن الهوى لما فسَّر قول الإمام ابن معين: «صالح» بالضعف، ولكن؛ هو الهوى يتجارى بأهله؛ كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه.
فنحن -الآن- عندنا قولان عن عالم إمام: قول فيه توثيق، وآخر فيه تضعيف؛ فكيف نوفق بينهما؟
على الأقل: إن لم نستطع أن نوفِّق بينهما لا نعطل أحدهما ونرجح الآخردون بيِّنة مرجِّحة، بل نبحث عن أقوال أخرى لأهل العلم تعزز بحثنا، وتبيِّن حال هذا الراوي، وإلا؛ فإننا بصنيعنا هذا نُحَمِّل كلام الأئمة ما لا يحتمل.
ناهيك أن تضعيف الإمام ابن معين له غير مفسَّر ، والجرح لا يقبل؛ ما لم يكن مفسَّراً ، بخلاف صنيع هذا (الهدام)؛ فإنه يقدِّم التضعيف غير المفسَّر على التوثيق والتعديل.
نعم؛ كلام الإمام أحمد وابن حجر مفسر، وأن الرجل فيه ضعف من قِبَلِ حفظه، بمعنى أنه ليس بالمتقن، بل وسط حسن الحديث؛ كما بينت ذلك مراراً.
وأما تضعيف الإمام يحيى القطان له؛ فلم يبيِّن سببه؛ فإنه قال: «اضرب على حديثه»؛ فلا يلغي هذا الإجمال توثيق من وثقه.
وهب أنه ضَعّفه- وهو مُتَشَدِّد في الرجال- فهناك كثير من أهل العلم وثَّقوه وقبلوا حديثه، فهو إذن من الرواة المختلف فيهم؛ فبعضهم ضعَّفه والكثير منهم وثَّقه، فماذا نصنع ؟هل نلغي هذا التوثيق من أولئك الأئمة ونقدِّم الجرح؟ أم نوفِّق بينهما؟ وهذا مما لم يُقِم له هذا(الهدّام) وزناً، فإلى الله المشتكى من تعدي هذا (الغمر) على هذا العلم.
ثم قال هذا(الهدّام) (ص20): «وقال أبو حاتم: «يكتب حديثه». قلت: وهذا مصطلح معروف لأبي حاتم فيمن لا يقوم مقام الاحتجاج ، يذكر في الضعيف ونحوه، وقد فصّل فيه ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل»، واستفيد من عبارات أبي حاتم نفسه في بعض تراجمه».
أقول : وهذا الكلام حكايته تغني عن ردِّه ؛ فإن هذا تقويلٌ لهذا الإمام، وتحميلٌ لكلامه مالا يحتمل؛ مما ينبىء عن جهل هذا الرجل بكلام أهل العلم، ويكشف عن حقيقة فهم عباراتهم فهماً يناقض حقيقتها و يفسد مغزاها، ويبدو لي أن هذا (الهدّام) شعر أن كلام أبي حاتم عليه، لا له؛ ولذلك لجأ إلى (التَّملُّصِ) منه بتحريف كلامه، وتحميله له مالا يحتمل، ألم أقل لك: إنه رجل (مَلِصٌ)؛ فالله حسيبه.

فهل مَن قيل فيه:«صدوق»؛ أو «محله الصدق»؛ أو « لا بأس به» يذكر في الضعفاء؟! سبحانك هذا بهتان عظيم من أفاك أثيم!
قال ابن إبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/37): «وإذا قيل له: إنه صدوق، أو: محله الصدق، أو: لا بأس به؛ فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية.
وإذا قيل: شيخ ؛ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه؛ إلا أنه دون الثانية.
وإذا قيل: صالح الحديث؛ فإنه يكتب حديثه للاعتبار
».
فأنت ترى أن ابن أبي حاتم جعل (الصدوق، والشيخ، وصالح الحديث) ممن يكتب حديثه، فهل من كتب حديثه من هؤلاء يذكر في الضعيف ونحوه؟! حتى لو قيل فيه: صدوق!!
وإليك -أيها القارىء- مثالاً واحداً- من بين أمثلة كثيرة- : تثبت أن أبا حاتم إذا قال في راو: صالح الحديث؛ يعني: أنه صدوق حسن الحديث، وهو ممن يكتب حديثه، وهي آخر مرتبة من مراتب التعديل التي جعلها ابنه عبد الرحمن.
قال أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل» (4/2) في ترجمة ( سعيد بن إياس الجريري): «تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديماً؛ فهو صالح، وهو حسن الحديث».
إذاً ؛ فمعنى كلام ابن أبي حاتم:«إذا قيل : صالح الحديث؛ فإنه يكتب حديثه للاعتبار» - وجعلها آخر مرتبة من مراتب التعديل- لا يعني هذا: أنه لا يحتج بحديثه، ولا بمرتبة الحسن، بل العكس هو الصواب، وخير ما يفسر به كلام الحافظ إنما هو كلامه نفسه؛ كما نقلت آنفاً عن أبي حاتم نفسه.
فما رأيكم- دام فضلكم- فيمن يفسِّر كلام أهل العلم على غير مرادهم؟.
فهل بعد هذا يصحّ أن نقول: إن قول أبي حاتم: «يكتب حديثه» لا يقام مقام الاحتجاج، وإنما يذكر في الضعيف ونحوه؟!
وليس يصحّ في الأذهان شيء


إذا احتاج النهار إلى دلي
ل


وأما قوله (ص20): «وقال ابن عيينة: لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره؛ قلت: وفي هذا تضعيف له، إذ لو كان من الثقات ما توانى عنه ابن عيينة، وإنما تعامل معه معاملة الضعفاء الذين يروي لهم عند الحاجة، وهذا أسلوب معروف عند المتقدمين... إلخ».
أقول: هذا القول ينقضه كلامه -نفسه- (ص21): «ولم يعتمده البخاري في «صحيحه»، وإنما أخرج له حديثاً واحداً متابعةً...ولم يعتمده -أيضاً- مسلم في «صحيحه»، وإنما أخرج له... في المتابعات... والشواهد».
هذا وحده يهدم ما زعمه وتأوَّله من كلام ابن عيينة- والذي ليس هو بصريح في التضعيف- فهذا (الهدام) يشهد: أن البخاري ومسلماً أخرجا له في الشواهد والمتابعات -زعم- ، فهل من يخرج له في «الصحيحين» في المتابعات والشواهد وُجِدَ عند غيره ما وُجِدَ عنده أم لا ؟ فالبخاري ومسلم رويا له في «صحيحيهما» من طريق سفيان بن عيينة عنه، فأنت تقول: أخرجا له متابعة، فلماذا لم يأخذ سفيان بن عيينة عن الذي تابع هشاماً وهو موجود عند المتابع؟ لِمَ روى عنه مباشرة مع وجود من تابعه من الثقات؟! فهل من حاجة لأن يروي -مع زعمك ضعفه- سفيان عن هشام مع وجود من تابعه ومن هو أوثق منه؟! هذا يبطل ويهدم ما حمّلت به كلام الإمام سفيان بن عيينة ما لم يحتمله.
ثم؛ مَن وضع هذه القاعدة التي ذكرتها؟ وأين هي؟ فالأخذ عن بعض الرواة لعدم وجود الحديث عند غيره ليس بلازم منه ضعف هذا الراوي؛ فتنبه!
لكن هذا الرجل في سبيل تأييد كلامه؛ يهرف بما لا يعرف، ولا يعرف ما به يهرف، فالمهم أن يؤذي بما به يهذي!
وأمّا نقله عن أبي داود: أنه ضُرب الحدّ بمكة ،فهذا ليس بتضعيف، ولا جرح قط -إن صحَّ هذا عن أبي داود-.
هذا ما وقفت عليه من تضعيف هذا (الهدّام) لهشام بن حجير.
أما جوابه عن توثيق من وثقه؛ فكلام مضحك مبكٍ؛ يدل على عِظَمِ جهله وتجاهله و مكابرته وخوضه في علم لا يحسنه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»([21]).
قال (ص21):« وأمّا ما ذكر من توثيق العجلي، وابن سعد ، وابن حبان فواحدهم قريب من الآخر ، وليسوا بالمعتمدين ككبار المتقدمين عند التفرد، فكيف عند المخالفة لهم ؟!! وكذا الساجي وابن شاهين».
قال شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- رداً على صنيع له -مثله-:
«إن هذا التعليل المذكور ليس على إطلاقه ، فكثيراً ما رأينا الحفاظ النقاد من المتأخرين يوثِّقون من تفرَّد بتوثيقه ابن حبان؛ كالإمام الذهبي، والحافظ العسقلاني، وما أظن أن الغرور وصل بك إلى أنّ تدعي: أنك أعلم منهم! أو أن تحشرهم في زمرة المتساهلين»([22]).
فكيف إذا ضُمّ إليه العجلي وابن سعد وابن شاهين والساجي؟!
وأيضاً؛ توثيق ابن حبان والعجلي وابن شاهين مقبول إذا وافقهم أحد من الحفاظ النقاد الموثوق بتوثيقهم؛ كالذهبي، والعسقلاني وأمثالهم، وهذا قد وثقه الذهبي في «الكاشف» ؛ فقال: «هشام بن حجير ثقة»، وهو مما كتمه (الهدّام) ولم يذكر لقرائه تعمية لهم عن كلام الذهبي فيه، وأيضاً؛ لم يذكر كلام الحافظ فيه في «التقريب»:«صدوق له أوهام».
وانظروا -الآن- كيف تَنَصَّلَ -بل مَلَصَ!- من مخالفة الحفاظ الذين وثَّقوا الرجل: أما ابن حبان وابن سعد وابن شاهين والعجلي؛ فدفع توثيقهم بدعوى تساهلهم، وأما الساجي ؛ فألحقه بهم! وأما توثيق الذهبي وابن حجر، فكتمهما عن القراء؛ لأنه لا جواب لديه؛ إلا أن يقول فيهما: إنهما مقلدان! والله المستعان([23]).
وأما جهله وتجاهله ومكابرته وخوضه في علم لا يحسنه؛ فليس موضع نظر وتأمل!!
فلينظر القراء الكرام كيف لا يستقر على حكم توصلاً منه إلى تضعيف الحديث من أصله، و عليه استقر رأي الحفاظ المتأخرين -كافة- الذين هم أعلم بالخلاف الذي حكاه؛ ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثه؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والحافظ ابن حجر والذهبي وغيرهم
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها


فلم يَضِرْها وأوهى قَرنَه الوعِلُ



وبالجملة ؛ لقد تيقنّت من متابعتي لتضعيفاته الظالمة للأحاديث الصحيحة الثابتة عند حفاظ الأمة؛ أن الرجل مغرم بالمخالفة والمشاكسة ، وعدم الاعتداد بقواعدهم وأحكامهم ، متشبثاً بأوهى العلل ، لو كانت كخيوط القمر!([24])
بقي أن أقول: لقد حشر (الهدّام) الساجيَّ في زمرة المتساهلين الذين لا يعتمد توثيقهم، وهذا ظلم وجنف للحافظ الساجيّ!
قال ابن أبي حاتم«في الجرح والتعديل» (3/601) عن الساجيّ:« وكان ثقة يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف العلماء وأحكام القرآن».
وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/199) و«تذكرة الحفاظ» (2/709-710) :« وللساجيّ مصنَّف جليل في علل الحديث يدلُّ على تبحُّره وحفظه».
فالساجيّ إمام نقّاد له نظره ورأيه واجتهاده ، فكيف يصحّ حشرُه في زمرة المتساهلين؟!
وأما قوله (ص21): «ولم يعتمده البخاري في «صحيحه»، وإنما أخرج له حديثاً واحداً متابعة، ولم يعتمده - أيضاً- مسلم في «صحيحه» وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد».
أقول : هذا مما لم يقله أحد قبله، وهو خلاف ما عليه الحفاظ الذين ترجموا للرجل؛ كالمزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم؛ حيث أطلقوا العزو للبخاري ومسلم ولم يقولوا:« في المتابعات ولا الشواهد» ، وهذا من دقَّتهم -رحمهم الله- التي يغفل عنها المذكور أو يتغافل عنها؛ لأنه لم يثق بعلمهم! بل صرَّح بذلك المزي؛ فقال في آخر ترجمته من «تهذيب الكمال» (30/181): «روى له البخاري ومسلم والنسائي» ، وكذا قال الذهبي والحافظ ابن حجر .
وارجع إلى الأرقام التي أشار إليها (الهدّام) ودقِّق النظر في ألفاظها ؛ فستجد الفرق بين هذه الروايات ، وتعرف أنه يوجد زيادات في رواية هشام بن حجير ليست عند من تابعه، ومع ذلك احتجَّ بها الشيخان؛ فتأمل!
وجملة القول: إن الحديث حسن لذاته -رغم أنف هذا (الهدّام)- كما تقدم تفصيله وتأصيله على الوجه التمام-.
ومما ينبغي التنبيه له: أن هذا (الهدّام) كتم تصحيح الحاكم والذهبي للحديث، وكذا الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ، واحتجاج ابن عبد البر بهذا الأثر؛ لتنكشف لنا فضيحة من فضائح هذا (الغمر المتطاول) الكثيرة، وأنه لا يقيم وزناً لتصحيح أهل العلم الكبار للأحاديث والآثار.
كما أنبه أن شيخ هذا الغمر- شعيب الأرنؤوط([25])- سكت عن تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الأثر السلفي في تحقيقه لـ«مشكل الآثار» (2/318) ؛فهو على أقل أحواله مقرّ لهما في ذلك.
فشعيب شيخه عند الموافقة! وأما عند المخالفة؛ فلا هو ولا أحد من الأئمة والحفاظ المعروفين!!! ولسان حاله يقول عن شخصه وعلمه: (لا هو إلا هو) ! نعوذ بالله من العجب والغرور([26])
قلت: ولم يتفردَّ هشام بن حجير به، بل تابعه عبد الله بن طاووس- وهو ثقة فاضل عابد- عن أبيه به بلفظ:« هي كفره، وليس كمن كفر بالله واليوم الأخر».
أخرجه الثوري في «تفسيره» (101/241) ومن طريقه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/317).
قلت: وهذا سند صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين وهو على شرطهما.
وأعلَّه محقق كتاب «سنن سعيد بن منصور» سعد بن عبد الله آل حميد في (4/1484) بالانقطاع بين الثوري وابن طاووس .
وهو وهم محض ؛ فإن الثوري سمع من عبد الله بن طاووس، وروايته عنه في «صحيح مسلم»؛ فكيف نقول : إنه لم يسمع منه؟!
وإنما وقع في هذا الوهم؛ لأن الثوري رواه مَرّةً عن معمر عن ابن طاووس به، فهل هذا إشكال؟!
فأقول: رواه عن ابن طاووس مرة مباشرة؛ ومرة بواسطة معمر، فتكون هذه الرواية من المزيد في متصل الأسانيد؛ كما لا يخفى على المشتغلين في هذا العلم.
وهذه الرواية مما لم يوردها (الهدّام) -ألبتة-، ولكنه أخفاها وكتمها عن قرائه، أهكذا تكون الأمانة العلمية أيها (الغمر المتعالم)؟!
ولو تأملت أيها القارىء في سرِّ حذف (الهدّام) لهذه الرواية؛ فإنك ستندهش جداً؛ فإن هذه الرواية هدمت رسالته، ونقضت غزله؛ فهو لم -ولن- يجد جواباً للردّ على صحتها؛ فأخفاها عن قرائه ، من باب الهرب نصف الشجاعة.
وأخرجه الإمام أحمد في «الإيمان» (4/158-159/1414)، ومحمد بن نصر المروزي في«تعظيم قدر الصلاة» (2/521/571و522/572)، والفريابي في «تفسيره» ؛ كما في «الدر المنثور» (3/87)، ومن طريقه الطحاوي (2/317-318) ، والطبري في «جامع البيان» (6/166) ، وابن بطة في «الإبانة» (2/734/1005) عن وكيع وأبي أسامة كلاهما عن الثوري عن معمر بن راشد عن عبد الله بن طاووس به بلفظ :«هي به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله».
قلت : وهذا سند صحيح.
وصححه شيخنا العلامة الإمام أسد السنة الهمام أبو عبد الرحمن الألباني - رحمه الله- في تعليقه على كتاب «الإيمان» لشيخ الإسلام ابن تيمية(ص307).
وأخرجه أحمد في «الإيمان » (4/160/1420)، وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/570)، والطبري في «جامع البيان» (6/166)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ( 4 /1143 /6435 )، و القاضي وكيع في «أخبار القضاة» (1/41) وابن بطة في «الإبانة» (2/736/1009) جميعهم عن عبد الرزاق وهذا في «تفسيره» (1/1/191): أنا معمر عن عبد الله بن طاووس به بلفظ: «هي كفر» ، قال ابن طاووس : «وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله».
ونقل الإمام الهمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله- في « حكم تارك الصلاة» (ص74) أن لفظ أثر ابن عباس هذا من رواية عبد الرزاق هو: « هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله »، وفي رواية: «كفر لا ينقل عن الملة».
أما ذاك (الهدّام) ؛ فلم يرق لهواه أن يصحح طريق الثوري؛ فقد ضعفها بعلل أوهى من بيت العنكبوت، تدل على افترائه وكذبه على الرواة الذين هم أنبل وأطهر من أن يتكلم فيهم واحد مثل هذا(الفسل)!!
قال- عامله الله بما يستحق-(ص22): «وظاهر إسناد حديث الثوري جيد!!؛ فإنهم كلُّهم ثقات!! لكن ظهرت فيه علّة معمر بن راشد الصنعاني!! فقد أخطأ في الرواية!! ومعلوم أنه يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه إذا حدَّث به خارج اليمن ؛ لأنه ما كان يصطحب كتبه! فيقع في حديثه الوهم والخطأ... إلخ».
قلت: هذا الكلام مع ركاكته وضعف إنشائه وصياغته؛ فإن حكايته تغني عن ردّه؛ فهو كلام يدل على أن قائله لا يفهم الحديث إطلاقاً، ولا يعرف علله أبداً، وحق له ذلك؛ فهو المتخصص لهدم السنة، فالغريق يتشبث ولو بِقَشّة؛ كما يقال.
وقبل الردِّ عليه لا بدَّ من إشارة؛ وهي: أنه لا يُعرف لهذا الرجل نظير في تضعيف الأحاديث النبوية والآثار السلفية، وهو وحيد دهره في اختلاق العلل والأوهام- زعم- لرواة الحديث، مما يدّل أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن وراء رسالته فتنة يسعى لنشرها ، فاللهم اطفىء نارها.
فإنه من المعروف عند أهل العلم بعامة، وأهل الحديث بخاصة: أن وهم راو ما، في حديث ما، لا يستلزم وهمه في جميع ما يرويه، ولو اتبعنا هذا الأسلوب- الخبيث- فإننا نكون بصنيعنا هذا قد حملنا معاول الهدم، ورفعناها في وجه السنة النبوية ، ونكون قد هدمنا أكثرها- عياذاً بالله من ذلك- فهذا الهدام (الجاهل) لما ضاق ذرعاً في تصحيح هذه الطريق؛ لسلامتها من جميع العلل، وثقة رجالها، وتصحيح أهل العلم لها؛ اختلق علَّة غريبة عجيبة؛ يشم منها أن هذا الرجل على أقلّ أحواله إن لم يكن دخيلاً على الإسلام والمسلمين؛ فهو عدو من أعداء السنة، خبيث يريد أن يبطل الأثر ؛ لينشر فكره وفكر شيخه المفتون به الذي قدَّم له- وهو الفكر التكفيري- وهو أخبث الأفكار التي دخلت على هذا الدين، ولعل هذا من علامات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر أن الخوارج سيستمرون، وأن فكرهم سيبقى موجوداً حتى يخرج في أعراضهم الدجال.
ماذا صنع هذا (الهدام) ؟ ضعف هذه الطريق بمعمر بن راشد الإمام الحافظ الثقة؛ فإنه لما علم أن معمراً إمام ثقة ثبت، لم يجد مناصاً منها؛ فاختلق علَّة -والله- هي -والله- من عند نفسه ، أو ممن يموِّله ويعطيه دراهم لأجل كتابة مثل هذا الكلام؛ فقال: «فيه علّة؛ معمر بن راشد الصنعاني؛ فقد أخطأ في الرواية، ومعلوم أنه يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه إذا حدّث به خارج اليمن...إلخ».
أقول: أين الدليل أن معمراً أخطأ في هذه الرواية؟ وأين الدليل أن الإمام الثوري- وهو من أوثق أهل الدنيا- سمع منه هذا الحديث في غير اليمن- على حدّ زعمه الكاذب- أو أنه سمع منه في بلد آخر؟ وأين الدليل أن ما يرويه معمر في غير اليمن ليس بمقبول وهو مردود بإطلاقه؟
كلّها أسئلة علمية مطروحة ، تُلزمه أن يجيب عليها... هذا شيء، وشيء آخر، فرواية سفيان الثوري عن معمر مشهورة في كتب السنة، وإليك بعض مواطنها:
«صحيح البخاري» (4749و5944و7083).
«صحيح مسلم» (977و979و1628).
«سنن الترمذي» (140و858و1346و1444).
«سنن النسائي» (5381).
«سنن أبي داود» (1576).
«سنن ابن ماجه» (3797).
«المسند» للإمام أحمد (1/220و3/185و6/38و40و387).

وعلى رأيه الباطل -هذا-؛ فإننا سنضعف جميع روايات معمر؛ لأنه يخطىء ويهم ويضطرب -على حد زعمه-، على أن الإمام الحافظ الثوري - راوي هذا الأثر عن معمر - سمع من معمر في اليمن ؛فانتفى ما يتشبث به هذا (الدّعي) من وهم معمر في غير اليمن؛ فقد قال الحافظ العجلي في «تاريخ الثقات» (435/1611-ط دار الكتب العلمية) :«معمر بن راشد أبو عروة، بصري سكن اليمن، رجل صالح يروي عن ابن المبارك ، سكن صنعاء وتزوج بها ، رحل إليه سفيان الثوري، وسمع منه هناك، وسمع هو من سفيان ..».
وهذا نصٌّ صريح من هذا الإمام: أن سفيان سمع من معمر في اليمن ، وأنه رحل إليه ؛ فهو صحيح الحديث إذا حدث داخل اليمن باعتراف (الهدام) نفسه؛ ولذلك أخرج أصحاب كتب السنة من رواية سفيان عن معمر.
لكن ماذا فعل (الهدام)؟ قال (ص23):«..قد رواه سفيان الثوري وهو كوفي، وأقام بمكة، وتحول إلى البصرة ، فأقام ومات فيها..» ولم يتعرض أبداً لكلام العجلي هذا ألبتة فأين هذا من الأمانة العلمية؟! وهو قد رأى هذا النص بعينه في «تهذيب الكمال» (28/309) ولكن كتمه على قرائه؛ لأنه يعرف أنهم لا يبحثون خلفه، ولا يتحققون من كلامه -كما خُيِّل إليه أو وسوس له-!
وقوله: إن معمراً (يخطىء ويهم ويضطرب في حديثه)، من يحكم على خطئه ووهمه واضطرابه: آلحفاظ الراسخون في هذا العلم؛ أم الجهلة الأغمار ممن لا يحسنون فهم كلام أهل العلم؟!
وكلام أهل العلم في وهم معمر وخطئه؛ إنما هو في حديثه الذي حدث به في البصرة ، وسفيان الثوري لم يسمع منه في -بلده البصرة- بل رحل إليه، فسمع منه في اليمن؛ كما تقدم في كلام العجلي.
ثم قال هذا (الهدام): «لأنه ما كان يصطحب كتبه؛ فيقع في حديثه الوهم والخطأ...».
أقول : هذا الكلام فيه تفصيل ، قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (3/168): «فحديثه الذي حدَّث به في غير بلده - يعني: اليمن- مضطرب؛ لأنه كان يحدِّث في بلده من كتبه على الصحة، وأما إذا رحل ؛ فحدَّث من حفظه بأشياء وَهِمَ فيها، اتفق على ذلك أهل العلم به؛ كابن المديني والبخاري وأبي يعقوب بن شيبة وغيرهم...».
ونحوه قال الإمام أحمد؛ كما سيأتي.
فمعمر إذا روى حديثه في اليمن ؛ فهو حجة ؛ لأنه كان يحدث من كتبه على الصحة، وحديثنا هذا من هذا القبيل ؛ فإن سفيان الثوري سمع من معمر باليمن؛ كما تقدم.
وأما إذا روى حديثاً خارج بلده، فإنه يحدِّث من حفظه فَيَهِمُ بأشياء، وليس في كلّ ما يروي، وهذا أمر مهم لم يفهمه ذاك (الهدام) -فضلاً عن أن يفصّله- بل أعلّ جميع ما يرويه معمر في خارج اليمن، ثم أمرٌ آخر؛وهو ما استنبطناه من كلام الحافظ نفسه: أن الذي حكم على وهم معمر في بعض ما يرويه هم الحفاظ النقاد؛ كابن المديني والبخاري ونحوهما ، ليس غمراً جاهلاً لا يحسن صناعة الكلام فضلاً عن معرفة أصول علم الحديث وعلله الخفية التي قد تخفى على بعض الحفاظ كابن حبان والحاكم، فكيف بمن ليس بحافظ - بل سيّئ الحفظ والفهم، وقليل العلم والأدب مع أهله؟!-.
فالحاصل: أن ما رواه معمر خارج بلده من حفظه قد يَهِمُ في بعضها، لكن ليس في كلِّها، ثم لا بدّ أن يكون عندنا نصّ صريح من أهل العلم النُّقاد في الحكم بوهمه؛ وهذا مفقود تماماً في حديثنا هذا.
ولتعلم أخي القارىء؛ أنه لم يقل هذا الكلام أحد قبل هذا الهدام، بل على العكس ؛ فإن روايته هذه التي بين أيدينا حدَّث بها في اليمن، وحدَّث بها عن أكثر شيوخه ملازمة واتقاناً؛ وهو عبد الله بن طاووس؛ قال ابن أبي خثيمة؛ كما في «تهذيب التهذيب» (10/245) و«هدي الساري» (ص571-ط دار المنار): «سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين؛ فخالفه إلا عن الزهري و ابن طاووس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم»، ولذلك أخرج الجماعة من روايته عن ابن طاووس، هذا شيء.
وشيء آخر: أن الوهم والاضطراب والخطأ المزعوم في رواية معمر؛ إنما هو -حقيقة- فيما إذا حدَّث عن ثابت البناني وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وقتادة والأعمش ونحو هذا الضرب([27]).
أما روايته عن ابن طاووس -كما في حديثنا هذا-؛ فهي مستقيمة بنصِّ الإمام الحافظ ابن معين؛ فهل بقي بعد هذا البيان وجود لكلام هذا المتهافت؟! وهل بقي له أي قيمة علمية تذكر؟!
وهذا -كلُّه- لم يتطرق له الهدام في «رسالته» ألبتة- عامله الله بما يستحق-.
ثم هذه الأوهام والأخطاء المنسوبة لمعمر: هل هي على إطلاقها أم بتفصيل على نحو ما ذكر أهل العلم ؟!
ولذلك قال الإمام الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/154):« أحد الأعلام الثقات ، له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن» .
فهذا نص صريح أن أوهام معمر معروفة، وهي قليلة في سعة ما حدَّث، ولو كان هذا الأثر من أوهامه ؛ لبيّنه أهل العلم ولذكروه ، مع اشتهار هذا الأثر بين أهل العلم وتداوله فيما بينهم، وقبولهم له في عقائدهم.
ثم ذكر( الهدام)- على حدِّ زعمه- ما يؤيد ما ذهب إليه من وهم معمر؛ فضرب مثلاً على ذلك في حديث إسلام غيلان، وتحته عشر نسوة([28]).
أقول: ضَرْبُه هذا مثلاً يدل على جهله، وقلة علمه في هذا الفن الشريف؛ فقد بيّنا سابقاً أن حكم أهل العلم على وهم معمر في حديث ما، لا يستلزم وهمه في سائر ما روى، فالسؤال الذي نطرحه : مَن مِنْ أهل العلم حكم على وهم معمر في حديثنا هذا؟ وأين نصُّهم؟ بل على العكس؛ فإنهم كلهم متفقون مجمعون على ثبوته؛ لا اختلاف بينهم في ذلك ولا تفاوت.
ثم هذا المثال لا يلتقي -ألبتة- حديثنا هذا؛ فإن هذا (الهدّام) نقل عن الحافظ ابن حجر: أن من رواه عن معمر، إنما سمع منه بالبصرة.
قلت: وهذا بخلاف حديثنا؛ فإن معمراً حدث بحديثنا هذا في اليمن؛ إذ الراوي عنه -وهو سفيان الثوري- ممن رحل إليه إلى اليمن وسمع منه، فأين هذا من ذاك؟!
وحسبك أن تعلم -أخي القارىء- أن حديث إسلام غيلان لم يروه الثوري عن معمر، ولم يذكروا أن الثوري رواه عنه؛ لتعلم الفرق بين المثالين.
ثم أورد أمراً آخر يؤيد -زعم- ما ذكره، وهو: أن معمراً يَهِمُ ويسوء حفظه في الرواية عن كثير من الثقات، مما يؤكد أنه في غير اليمن إذا حدَّث وقع منه الوهم والغلط...الخ.
وفي هذا الكلام - المكرر بعض الشيء- تهافت واضح؛ فإن (الهدام) ذكر (ص24) أسماء الرواة الثقات الذين يهم معمر فيهم إذا روى عنهم، وليس فيهم واحد ممن روى معمر هذا الحديث عنه؛ فإن عبد الله بن طاووس شيخ معمر في حديثنا هذا متفق على توثيقه، وروايته عنه في «الصحيحين»؛ فهي مستقيمة؛ كما قال ابن معين، ولم ينص أحد من أهل العلم على وهم معمر في حديثه عن شيخه ابن طاووس... ولم يذكر (الهدام) هذا ألبتة؛ ولذلك اختار الحافظ في «التقريب» هذا الكلام ؛ فقال: «معمر بن راشد...ثقة ثبت فاضل؛ إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً»؛ ولذلك لم يخرج الشيخان في «صحيحيهما» شيئاً من روايته عنهم -إلا ما توبعوا عليه-، وأخرجا له من روايته عن ابن طاووس؛ فتأمل([29])!!
وأعود وأذكر حقيقة كتمها (الهدام) -ضمن ما كتم من حقّ-، وهي: أن سفيان سمع هذا الحديث من معمر في اليمن، ثم لماذا كتم (الهدام) هذا النقل عن العلماء مع أنه في الصفحة نفسها التي نقل عن أهل العلم تضعيفهم لرواية معمر عن بعض الثقات، الأمر الذي يؤكد ما ذكرنا مراراً: أن هذا الرجل يذكر ما له ويكتم ما عليه؛ وما أجمل ما رواه الدارقطني في «سننه» (1/26) عن وكيع قال: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم»!
ثم ذكر هذا (الهدام) (ص25): أن الذي جعله يحكم بخطأ معمر في هذه الرواية : أن عبد الرزاق رواها عن معمر على الصواب، ولم يذكر ما ذكره الثوري، وعبد الرزاق من أوثق الناس في معمر.
قلت: سبيل أهل العلم بالحديث -حقَّاً- أنهم يحكمون للحديث بالصحة إذا كان إسناده متصلاً، و رجاله ثقات، ولم يكن شاذاً ولا مُعَّلاً، فهنا عندنا روايتان عن معمر: أحدهما مفصلة، والأخرى مجملة، والذي روى المفصلة هو الإمام سفيان الثوري، والذي روى المجملة هو عبد الرزاق، فأين الإشكال؟ وأين وجه الخطأ في رواية الثوري حتى تُقَدَّمَ روايةُ عبد الرزاق عليه؟!
على أننا لو قدمنا رواية الثوري على رواية عبد الرزاق لما أبعدنا النُّجْعَة؛ بل هو الأصح والأقرب إلى منهج أهل الحديث لأمور:
1-أن الإمام الثوري أوثق بكثير من عبد الرزاق، وأثبت منه في معمر، ولكي لا أطيل النقل عن أهل العلم في ذلك؛ مكتفياً بما ذكره الحافظ ابن حجر في «التقريب» في ترجمتيهما فقال- رحمه الله- في ترجمة (سفيان) : «ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة».
وقال في ترجمة(عبد الرزاق) :«ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره؛ فتغير، وكان يتشيع».
ثم إن الإمام الثوري- وقد لُقِّب بأمير المؤمنين في الحديث- شيخ عبد الرزاق؛ لقي معمراً ولازمه قبل عبد الرزاق؛ فهو قديم اللقاء به، وهو أوثق من تلميذه بكثير.
2-أن عبد الرزاق تكلم فيه عدد من أهل العلم، ولو أردت أن أحذو حذو (الهدام) في أسلوبه؛ لضعفت جميع أحاديثه، ويكفينا هنا أن الأئمة: ابن عدي والعقيلي والذهبي ذكروه في كتبهم المختصة في نقد الرجال -أو من تُكُلِّم فيه- بخلاف الثوري المجمع على ثقتة، والذي لم يتكلم فيه أحد ألبتة.
3-أنه لا تعارض بين روايتيهما؛ فالثوري إمام ثقة حجة زاد، والأصل أن الزيادة من الثقة مقبولة، فكيف بأمير المؤمنين في الحديث؟! وعليه نقول: إن الروايتين صحيحتان على الوجهين؛ لا تعارض بينهما، وهذا الجمع بين الروايتين أولى -بكثير- من تخطئة الرواة بدون حجة أو دليل.
ثم ذكر (الهدام) (ص26) عن الإمام أحمد -رحمه الله- قوله: «حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إليّ من حديث هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر؛ -يعني: باليمن-، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة».
أقول : ذكر الهدام -نفسه- (ص23): أن سفيان الثوري كوفي وأقام بمكة ثم تحول إلى البصرة، فأقام ومات بها، فهو -إذاً- ليس من أهل البصرة ممن عناهم الإمام أحمد، ثم إن الثوري سمع من معمر باليمن؛ كما نقلته عن العجلي ، فهل يصح أن يكون هذا النص مؤيِّداً لزعمه؟ بل هو يهدم أسّه، وقد فصلت فيما مضى مسألة سماع الثوري من معمر ، وروايته التي في اليمن وغيرها فلا أعيد ، الأمر الذي ينبهنا أن هذا (الهدام) لا يدري ما يكتب ؛ فهو يهدم رسالته بيده ، فمتى شاء جعل الثوري كوفياً، ومتى شاء جعله مكياً ، ومتى شاء جعله بصرياً ولكنه لم يجعله يمنياً- وهكذا يفعل الجهل بأهله-!
ثم رأيت عبد الرزاق -نفسه- روى الأثر عن شيخه سفيان الثوري عن رجل عن طاووس عن ابن عباس قال: «كفر لا ينقل عن الملة».
أخرجه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/ 573)([30]).
والرجل هو عبد الله بن طاووس ؛ كما في سائر الروايات عن الثوري؛ كما تقدَّم ، وهذا يؤكِّد ما قرَّرته -من قبل- أن رواية سفيان أصح ، والله أعلم.
أما ذاك الهدام (الفسل) ؛ فإنه حكم على هذه الرواية بالخطأ، إما من الناسخ أو الراوي عن عبد الرزاق دون أن يذكر أي دليل على كلامه، وإنما عزاه إلى الروايات التي ليس فيها ذكر ابن عباس، وقد فصَّلت الكلام عليها سابقاً- بحمد الله- بما يروي الغليل ويشفي العليل ويكبت الشانئ الدخيل.
وذكر أن الرجل المجهول؛ هو سعيد المكي؛ كما عند الطبري والمروزي وابن بطة.
فأقول لهذا (المتعالم): إن رواية سعيد المكي؛ هي عن طاووس من قوله، بينما رواية الرجل هي عن ابن عباس ،فأين هذا من ذاك؟! ثم لِمَ لَمْ تجعل الرجل هو عبد الله بن طاووس؛ كما رواه الثوري -نفسه- في « تفسيره» عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس؟! وعبد الله بن طاووس مشهور الرواية عن أبيه، وهي رواية موصولة كما ترى! بل إنك كتمت هذه الرواية ولم تتعرض لها، أهكذا العلم؟ أهكذا يكون النقل من النصوص؟ فإلى الله المشتكى من زمان يتكلم فيه الرويبضة ، ومن زمان يجيء فيه أغمار متطاولون يعيثون في كتب السلف -أهل الحديث- فساداً!!
ثم هنا تنبيه آخر: وهو أن هذا (الهدام) ذكر أن الإمامين الطبري والمروزي أخرجا هذه الرواية .
وهذا وحده يكفي لبيان جهله وعدم تفريقه بين الطرق ؛ فطريق الطبري عن طاووس من قوله، وطريق المروزي عن ابن عباس من قوله؛ فهذا موقوف، وذاك مقطوع، وبينهما فرق؛ فتأمل!!


  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 01:04 PM
الفصل الثاني
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس

وقد توبع طاووس- عليه- عن ابن عباس؛ تابعه علي بن أبي طلحة عنه بلفظ :« من جحد ما أنزل الله؛ فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم ؛ فهو ظالم فاسق».
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/1142/6426و1146/6450) عن المثنى بن إبراهيم الآملي وأبي حاتم الرازي كلاهما عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة به.
قلت: وهذا سند حسن؛ رجاله ثقات، وفي معاوية بن صالح وعلي بن أبي طلحة كلام يسير لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن.
وقد أعلَّ (الهدام) هذه الطريق (ص34) بالانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس ، والضعف الذي في علي بن أبي طلحة ، والكلام الذي في عبد الله ابن صالح.
وليس هذا كله بشيء- إن شاء الله- عند التحقيق العلمي:
أما الانقطاع ؛ فقد قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/339): «علي بن أبي طلحة... روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد».
وقال -أيضاً- في «العجاب في بيان الأسباب» (1/207-ط دار ابن الجوزي): «وعلي؛ صدوق لم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه؛ فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة»([31]).
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (3/134): « أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد ؛ فلم يذكر مجاهداً بل أرسله عن ابن عباس».
وقال: «...روى معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس تفسيراً كبيراً ممتعاً».
وقال أبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص75) :«والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعناً؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه ثقة صدوق».
وقال السيوطي في«الإتقان» (2/188):« قال قوم : لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير ، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير؛ قال الحافظ ابن حجر : بعد أن عرفت الواسطة- وهو ثقة- ؛ فلا ضير في ذلك».
أما ضعف علي بن أبي طلحة؛ فكلُّ صدوق فيه ضعف ولا بد، وإلا؛ فَلِمَ ينزل عن مرتبة الثقة؟ وهذا معروف لا يحتاج لبيان، وقد فصلت -بعض الشيء - في هذا فيما تقدم؛ فلا أعيد.
أما الكلام الذي في عبد الله بن صالح شيخ البخاري؛ فهو كثير طويل لكن لشيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر- رحمه الله - كلمات رائعات تجمل الكلام فيه ؛ فقال في «هدي الساري» (ص414)- بعد ذكر الكلام فيه- : «ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً ثم طرأ عليه فيه تخليط؛ فمقتضى ذلك: أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كـ( يحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة ، وأبي حاتم) ؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه؛ فيتوقف فيه» أ.هـ.
قلت : وهذا منها ؛ فإن من الرواة المشار إليهم في كلام الحافظ أبا حاتم الرازي، وقد رواه هنا عن عبد الله بن صالح ، وروايته عند ابنه في «التفسير»؛ فثبت الأثر وبطل النظر، ولله الحمد والمنّة على الإسلام والسنّة.
وَهَب -جدلاً- أن هذه الطريق أُعلت بالانقطاع؛ لكن لا بأس بها في المتابعات والشواهد ؛ كما لا يخفى ، ولكن(الهدام) لا يعترف بقاعدة تقوية الحديث بمجموع طرقه وإن كان فيها ضعفاً ؛ فهو مكابر ماكر!
فهذا شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/114) مع إعلاله بالانقطاع -فيما اجتهد به- لم يسكت، بل قال: «لكنّه جيّد في الشواهد».
فانظر البون الشاسع بين كلام العلماء المخلصين الصادقين، وبين الناشئة الجهلة المتعالين الكاذبين!!
وبالجملة ؛ فمقولة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-: «كفر دون كفر» ثابتة -رواية ودراية-؛ وإذا لم تصح؛ فلا يصح شيء!
وأختم هذا الباب بنصائح علمية؛ لتكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في «المقدمة الموقظة» (ص320-بشرحي): «والكلام في الرّواة يحتاج إلى ورع تامّ، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث، وعلله، ورجاله.
ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة.
ثم أهمّ من ذلك أن نعلم بالاستقراء التّامّ: عرف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه، ومقاصده بعباراته الكثير
ة».
وقال -أيضاً- في «تذكرة الحفاظ» (1/4): «ولا سبيل إلى أن يصير العارف يزكي نقلة الأخبار ويحرجهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم، مع التقوى والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان. وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها


ولو سودت وجهك بالمداد



قال الله تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً، وإلاّ فلا تتعنَّ.
وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب.
وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، ولا يحيق المكر السَّيِّء إلا بأهله، فقد نصحتك.
فعلم الحديث صلف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت لا أراهم إلا في كتاب، أو تحت التراب».
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في «نزهة النظر» (ص73): «وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل؛ فإنه إن عدّل أحداً بغير تثبُّت، كان كالمثبت حكماً ليس بثابت؛ فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب.
وإن جرّح بغير تحرُّز أقدم على الطعن من مسلم بريء من ذلك، ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً
».


  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 01:08 PM
الآثار السلفية الموافقة لتفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

وفيه فصلان:
الأول: عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-.
الثاني: طاووس اليماني -رحمه الله-.







الفصل الأول
عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-

وقد صحّ هذا الأثر عن جمع من جِلَّة التابعين، ممن تلقوا العلم عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، مما يدلُّك على أنهم للصحابة في فهم الكتاب والسنة مقتفون، وأنهم على آثارهم ماضون.
قال عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق»
أخرجه الإمام أحمد في «الإيمان» (4/159-160/1417و161/1422) وفي «مسائل أبي داود» (ص209)، والطبري في «جامع البيان» (6/165و166)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدرالصلاة» (2/522/575)، وابن بطة في «الإبانة» (2/735/1007و736-737/1011)، وابن أبي حاتم في «تفسيره»(4/1149/6464)، والقاضي وكيع في «أخبار القضاة» (1/43) من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء به.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات، وصححه شيخنا الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/114).
أما ذاك (الهدام) ؛ فلم يرفع رأساً لهذا الأثر، ولم يأبه به؛ بل ضعَّفه بجهل بالغ وكذب سابغ؛ مُعِلاً إياه بعلل باردة مثله، وبشبهات خبيثة لا تصدر إلا من شاكلته.
فقال (ص29): «وهذا الإسناد رجاله ثقات؛ إلا ما يخشى من تدليس ابن جريج عن عطاء ؛ ولم يصرح بالسماع .
ومسألة رواية ابن جريج عن عطاء: هل هي محمولة على السماع أم لا؟ موضع نزاع!
!».
أقول: ابن جريج معروف بالتدليس مع جلالته وثقته، لكن استثنى أهل العلم روايته عن عطاء بخاصة ؛ فقد روى ابن أبي خثيمة بسند صحيح عن ابن جريج أنه قال: «إذا قلت: قال عطاء؛ فأنا سمعته منه، وإن لم أقل: سمعت»([32]).
قال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني - رحمه الله - في «إرواء الغليل» (4/244): «وهذه فائدة هامّة جدّاً، تدلنا على أن عنعنة ابن جريج عن عطاء في حكم السماع».
وقال - أيضاً- (5/202): «وهذه فائدة عزيزة ؛فاحفظها ؛ فإني كنت في غفلة منها زمناً طويلاً ، ثم تنبهت لها ؛ فالحمد لله على توفيقه».
وقال في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم»: «مدلس، ولكن قد صحَّ عنه أنه قال: (وذكر ما تقدم). فإذا قيل في قوله: (عن عطاء ) أنه كقوله: (قال عطاء) ؛ فلا يضرّ عدم تصريحه بالسماع؛ كما هو ظاهر، ولعل هذا من الأعذار في إخراج الشيخين لحديثه المعنعن عن عطاء».
وقال في «الصحيحة» (1/86) : «فهذه فائدة هامة، وهل قوله: (عن عطاء) حكمها واحد أم يختلف؟ الظاهر- عندي- الأول، والله أعلم».
ثم ذكر (المأفون) (ص30) أن الإمام أحمد قال: «كلّ شيء قال ابن جريج: قال عطاء أو عن عطاء؛ فإنه لم يسمعه من عطاء.
أقول: ذكر هذا النقل عن الإمام أحمد ابنُ عبد الهادي في «بحر الدم» (ص278) من رواية ابن إبراهيم، ففي الاستدلال بهذا النقل عن الإمام أحمد نظر من وجوه:
الأول: لم يعيُّن الإمام أحمد من هو عطاء! هل هو ابن أبي رباح أو ابن أبي مسلم الخراساني؟
وعندي- والله أعلم- أنه الثاني ؛ فهو الذي قيل فيه: إن ابن جريج لم يسمع منه، بخلاف ابن أبي رباح؛ فإن الإمام أحمد أثبت رواية ابن جريج عنه، وأنه لازمه سنين، وأنه من أثبت الناس في ابن أبي رباح.
قال علي بن المديني:« سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني؛ فقال : ضعيف، قلت ليحيى : إنه يقول: أخبرني ، قال: لا شيء ، كله ضعيف؛ إنما هو كتاب دفعه إليه» ذكره الحافظ في «التهذيب» (6/406)وغيره.
فهذا نص صريح أن في سماع ابن جريج من الخراساني نظراً؛ لأنه روى عنه من كتاب دفعه إليه.
الثاني: أن ابن جريج أخبر عن نفسه أنه إذا روى عن عطاء خبراً ما؛ فإنه سمعه منه، وإن لم يصرح بالسماع، كيف لا وقد لازمه أكثر من خمس عشرة سنة، والرجل أدرى بحاله و بنفسه من غيره؛ فلا يلغي كلام أحمد- إن سلمنا أنه أراد: ابن أبي رباح- كلام ابن جريج؛ لأن ابن جريج أدرى بنفسه وبحاله من الإمام أحمد بلا ريب.
الثالث: أن كلام ابن جريج مثبت للسماع، وكلام أحمد ناف، والمثبت مقدم على النافي؛ كما هو معلوم، وبخاصة أن لابن جريج أحاديث في «الصحيحين» عن عطاء بن أبي رباح، ولم يصرح بالسماع فيها.
ثم قال (المأفون): «لعل ما ذكر عن أحمد أقرب إلى الصواب لأمرين:
الأول: ما علم من أن ابن جريج ترك عطاء بن أبي رباح في آخر عمره؛ كما ذكر علي بن المديني، وهذا يستدعي أن يروي أشياء عن عطاء من أصحابه أو...!».
قلت: هكذا يلقي الكلام على عواهنه ، ويحمّل كلام أهل العلم ما لا يحتمل، ويستنبط من كلامهم فهماً باطلاً عاطلاً لم يقله أحد قبله بل قالوا خلافه، وإنما يفعل ذلك للتشكيك؛ وهذا مما لا يعجز عنه أجهل الناس وأخبث الناس، وحكاية كلامه هذا يغنينا عن الرد عليه؛ لوضوح تفاهته وسقوطه، لكني- مع ذلك- أضع بين أيدي القراء تفسير أهل العلم لكلام ابن المديني؛ ليرى القارىء الكريم الفرق بين كلام أهل العلم من الفحول وبين كلام الأغمار أمثال هذا الجهول.
قال الإمام الحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/86-87) ، و«تاريخ الإسلام» (7/423-ط دار الكتاب العربي) : «قال علي بن المديني: كان عطاء اختلط بأخره، تركه ابن جريج وقيس بن سعد . قلت: لم يعن علي بقوله تركه هذان الترك العرفي، ولكنه كبر وضعفت حواسه، وكان قد تكفيا منه وتفقها وأكثرا عنه؛ فَبَطّلا؛ فهذا مراده بقوله: تركاه».
وقال في «ميزان الاعتدال» (3/70): «لم يعن الترك الاصطلاحي، بل عنى أنهما بَطّلا الكتابة عنه، وإلا؛ فعطاء ثَبْتٌ رِضَىً».
وعليه؛ فابن جريج حدث بهذا الحديث ورواه عن عطاء قبل اختلاطه؛ لأن ابن جريج لم يكتب عنه في اختلاطه -بنص كلام الإمام الذهبي- فأين العلة، وأين الوهم والخطأ؟ وإنما هو العفن استفحل في رؤوس القوم وأفهامهم.
ثم قال (المأفون): «الثاني: منازعة راو مجهول له في الرواية» ثم ذكر ما أخرجه الطبري والقاضي وكيع من طريق حماد بن سلمة عن أيوب بن أبي سهلة ! عن عطاء به ، قال: « وأيوب بن أبي سهلة؛ هذا مجهول ، لا يعرف له غير هذا الخبر...».
قلت: وهذا من أسلوبه الخبيث في هدم السنة؛ فإنه يقدم رواية المجهول الضعيف- بزعمه- على رواية الثقة الثبت خلافاً لقاعدة علماء المصطلح؛ بل العقلاء جميعاً.
على أنه لا تعارض بينهما (ولا منازعة)، بل هي متابعة لابن جريج منه، وهذا مما كتمه (الهدام) عن البقية الباقية من قرائه!؛ ليحملهم على تقليد جهله، ويصرفهم عن اتباع أهل العلم والبصيرة من علمائهم الذين صححوا هذا الأثر، وأصلوا به -وأمثاله- عقائدهم.
فأين المخالفة؟
ومن خالف من؟

لكن هذه التعابير اللولبية والإنشاءات الحلزونية التي يحدثها هذا الهدام الجهول: هي من باب التكلف والتنطع المنهي عنه؛ كما في الحديث الصحيح: «هلك المتنطعون».
وإلا ؛ فلماذا أعرض عن الاصطلاح العام المعروف عند علماء الإسلام أن رواية الثقة تقدم- بلا خلاف- على رواية المجهول؟!
لا لشيء سوى حبّ المشاكسة والمخالفة الذي حاد به عن سبيلهم -غاية وأسلوباً-، لكنه ينطلق في كل ما يكتب من تلك القاعدة اليهودية الدخيلة: (الغاية تسوغ الوسيلة)؛ ولذلك لا بدّ من الوصول إلى (مآربه) بكل(مكر ودهاء وحيلة).




  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 01:10 PM
الفصل الثاني
طاووس اليماني - رحمه الله-

قال: «ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله»([33]).
وعنه- أيضاً- قال: « ليس بكفر ينقل عن الملة».
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166) والإمام أحمد في «مسائل أبي داود» (ص209)، و«الإيمان» (4/160/1418)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/574)، وابن بطة في «الإبانة» (2/735/1006) من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن سعيد المكي عن طاووس .
قلت: وهذا سند صحيح؛ رجاله ثقات، وسعيد المكي يحتمل أنه ابن حسان القرشي المخزومي، أو ابن زياد الشيباني، وكلاهما مكي ذكرا في تلاميذ طاووس؛ لكن الذي أرجحه: أنه ابن حسان القرشي المخزومي؛ فقد ذكروا في ترجمته أن سفيان الثوري يروي عنه بخلاف الشيباني؛ فلم يذكروه ، والله أعلم.
وابن حسان المخزومي ثقة؛ وثقه النسائي وأبو داود وابن معين ويعقوب بن سفيان وابن حبان.
وابن زياد الشيباني ؛ وثقه ابن معين وابن حبان والعجلي، وروى عنه جمع.
وهذا الأثر صححه شيخنا- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/114).
أما ذاك المتعالم(الهدام)؛ فإنه لم يَرُقْ له تصحيح هذا الأثر؛ فأعلّه بجهالة سعيد المكي، ونفى أن يكون واحداً ممن ذكرناهما، وادّعى بجهل بالغ أن سعيداً المكي: هو آخر ذكره البخاري في «التاريخ الكبير»، ولم يذكر فيه جرحاً أو تعديلاً.
فأقول لهذا الغمر: اعلم أن من اسمه سعيد المكي ويروي عن طاووس، أكثر من واحد، فليس لنا من سبيل لترجيح واحد من هؤلاء الرواة إلا بقرينة واضحة صريحة؛ كمعرفة الراوي عنه مثلاً، أو تسميته في بعض الطرق، وحديثنا هذا من هذا القبيل: فالذي يرجح أنه ابن حسان المخزومي هو أنه شيخ الثوري، وقد ذكروا ضمن تلاميذ المخزومي سفيان الثوري، بخلاف جميع من ظن أنه الذي روى عن طاووس.
وأخيراً أقول: يا ليت الجاهل سكت؛ لأراحنا، ووفرّ علينا جهداً طويلاً في الرد عليه وعلى أعداء السنة، ولقد قيل قديماً: لو سكت من لا يدري لسقط الخلاف.
وليعلم هذا (الهدام) وشيخه (المفتون به) أن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة ، وأن الله سيقيض لهذا الدين من يذب عن حياضه، وعن صفائه شاء من شاء وأبى من أبى، وأنه مهما حاول أعداء الله تشكيك الناس بدينهم، فإنا إن شاء الله صابرون مرابطون للذبّ عن سنة نبينا وديننا بالطريقة الشرعية المناسبة، وفي الوقت المناسب: {وإن عدتم عدنا}.
وإني لأعلم أن بعضاً من إخواننا دعاة السنة- أو الحريصين عليها- قد يقولون في أنفسهم:أليس في هذا الرد إشهار لهذا الجاهل، وتعريف بهذا(الهدام)، أليس في هذا الرد غلظة وقسوة عليه؟!
فأقول : فكان ماذا؟! أليس واجباً كشف جهل الجاهل للتحذير منه؟!
أليس هذا- نفسه- طريق علماء الإسلام- منذ قديم الزمان- لنقض كل منحرف هجّام، ونقد كلّ متطاول هدّام؟!
ثم ؛ أليس السكوت عن مثله- ونحوه شيخه- سبيلاً يغرر به العامة والدهماء ، والهمج الرعاع؟!
فليكن -إذاً- ما كان ؛ فالنصيحة أس الدين ، وكشف المبطل صيانة للحقِّ المبين،وبيان جهل الأغمار المتطاولين؛ نصر لدين رب العالمين {ولينصرن الله من ينصره}... ولو بعد حين([34]).
ومع هذا كله؛ فإنا نسأل الله -سبحانه- له ولشيخه المفتون به الهداية إلى الحق، والرجوع إلى الصواب، والاستقامة على نهج السنة وأهلها.




  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 01:15 PM
مسرد العلماء الأعلام الذين صرحوا بصحة
تفسير عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أو احتجوا به

يكفي القارىء الكريم أن يعلم: أنّ أهل السنّة والجماعة من أصحاب الحديث والأثر أتباع السلف الصالح متفقون على تلقي هذا الأثر عن حبر الأمة ابن عباس- رضي الله عنهما- بالقبول، ومجمعون على صحته؛ فهم عاملون به، داعون إليه:
1- قال الحاكم - رحمه الله - في «المستدرك» (2/393) :«هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
2- ونقل الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في «تفسير القرآن العظيم» (2/64) عنه قوله: «صحيح على شرط الشيخين»، واحتج به([35]).
3- وقال شيخ المفسرين الطبري -رحمه الله- في«جامع البيان» (6/166-167): «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبراً عنهم أولى.
فإن قال قائل: فإن الله -تعالى ذكره- قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصاً؟!
قيل: إن الله -تعالى- عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، هو بالله كافر؛ كما قال ابن عباس
».
4- قال الإمام القدوة محمد بن نصر المروزي - رحمه الله -في «تعظيم قدر الصلاة» (2/520): «...ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله، لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام، من ذلك قول ابن عباس في قوله: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}».
5- وقال الإمام أبو المظفر السمعاني -رحمه الله- في «تفسير القرآن» (2/42): «قال ابن عباس: الآية في المسلمين وأراد به كفر دون كفر، واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله؛ فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم.
وللآية تأويلان:
أحدهما معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً وجحداً فأولئك هم الكافرون.
والثاني معناه: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم
».
6- وذكره الإمام البغوي -رحمه الله- في «معالم التنزيل» (3/61) وثبته -جازماً به- بقوله: «وقال ابن عباس وطاووس: ليس بكفر ينقل من الملة، بل إذا فعله؛ فهو به كافر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر».
7- وقال أبو بكر بن العربي - رحمه الله- في «أحكام القرآن» (2/624-625): «اختلف فيه المفسرون؛ فمنهم من قال: الكافرون والظالمون والفاسقون كلّه لليهود، ومنهم من قال: الكافرون للمشركين، والظالمون لليهود، والفاسقون للنصارى، وبه أقول ؛ لأنه ظاهر الآيات ، وهو اختيار ابن عباس، وجابر بن زيد ، وابن أبي زائدة، وابن شبرمة.
قال طاووس وغيره: ليس بكفر ينقل من الملَّة، ولكنه كفر دون كفر، هذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله؛ فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية؛ فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين
».
8- وقال القرطبي -رحمه الله- في «الجامع لأحكام القرآن»(6/190): «..فأما المسلم فلا يكفر، وإن ارتكب كبيرة . وقيل : فيه إضمار ؛ أي: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردّاً للقرآن ، وجحداً لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فهو كافر ؛ قاله ابن عباس ومجاهد...».
9- وقال البقاعي- رحمه الله- في «نظم الدرر» (2/460) « ولما نهى عن الأمرين، وكان ترك الحكم بالكتاب إما لاستهانة أو لخوف أو رجاء أو شهوة، رتب ختام الآيات على الكفر والظلم والفسق، قال ابن عباس - رضي الله عنهما- من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقرّ؛ فهو ظالم فاسق».
10- وذكره الواحدي في «الوسيط» (2/191) :« وقال طاووس: قلت لابن عباس: ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر؟ قال هو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله».
11- وقال صديق حسن خان - رحمه الله- في «نيل المرام من تفسير آيات الأحكام»(2/472): « وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم- وصححه- والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس في قوله -تعالى- هذا؛ قال: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، وإنه ليس كفراً ينقل من الملة بل كفر دون كفر».
12- وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله- في «أضواء البيان» (2/101): «...وروي عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : ليس الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم،والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ قاله ابن كثير»
13- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام- رحمه الله- في «الإيمان» (ص45): «وأما الفرقان الشاهد عليه في التنزيل: فقول الله -عز وجل-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة:44]، وقال ابن عباس: «ليس بكفر ينقل من الملة»، وقال عطاء بن أبي رباح: «كفر دون كفر» .
فقد تبيَّن لنا إذا كان ليس بناقل عن ملّة الإسلام أن الدين باق على حاله، وإن خالطه ذنوب، فلا معنى له إلا أخلاق الكفار وسنتهم.. لأن من سنن الكفار الحكم بغير ما أنزل الله.
ألا تسمع قوله:{أفحكم الجاهلية يبغون} [ المائدة:50]، تأويله عند أهل التفسير: أن من حكم بغير ما أنزل الله، وهو على ملّة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية، إنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون
».
14- وقال أبو حيان- رحمه الله- في «البحر المحيط» (3/492) «{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ظاهر هذا العموم، فيشمل هذه الأمة، وغيرهم ممن كان قبلهم، وإن كان الظاهر: أنه في سياق خطاب اليهود، وإلى أنه عامة في اليهود وغيرهم، ذهب ابن مسعود وإبراهيم وعطاء وجماعة ، ولكن كفر دون كفر، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق، يعني: أن كفر المسلم ليس مثل كفر الكافر، وكذلك ظلمه وفسقه لا يخرجه ذلك عن الملة، قاله ابن عباس وطاووس».
15- وأورد أبو عبد الله بن بطة في «الإبانة» (2/723) باباً فيه ذكر الذنوب التي يصير صاحبها إلى كفر غير خارج به من الملة.
ثم ذكر (2/733-737) الحكم بغير ما أنزل الله، وساق الآثار عن ابن عباس وابن مسعود ، والتابعين الدالة على أنه كفر أصغر غير ناقل عن الملّة.
16- وقال ابن عبد البر- رحمه الله- في «التمهيد» (4/237): «وقد جاء عن ابن عباس -وهو أحد الذين روي عنهم تكفير تارك الصلاة-، أنه قال في حكم الحاكم الجائر: كفر دون كفر. ثم ساقه بإسناده».
17- وقال الخازن في «تفسيره» (1/310-مختصره):«فقال جماعة من المفسرين:«إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار، ومن غيّر حكم الله من اليهود؛ لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال: إنه كافر، وهذا قول ابن عباس، وقتادة والضحاك، ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب...».
18- وقال جمال الدين القاسمي - رحمه الله- في «محاسن التأويل» (6/1998): «كفر الحاكم بغير ما أنزل الله بقيد الاستهانة والجحود له، وهو الذي نحاه كثيرون وأثروه عن عكرمة وابن عباس».
19- وقال الشيخ السعدي- رحمه الله- في «تيسير الكريم الرحمن» (2/296-297): «فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفراً ينقل عن الملّة، وذلك إذا اعتقد حلّه وجوازه، وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد...{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. قال ابن عباس: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق»؛ فهو ظلم أكبر عند استحلاله، وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل له».
20- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (7/312): «وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة؛ كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملّة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة».
وقال في (7/522): «وقال ابن عباس وغير واحد من السلف في قوله- تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {فأولئك هم الفاسقون}{فأولئك هم الظالمون} كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري وغيرهما
».
وقال (7/350-351): «وقد يكون مسلماً، وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية؛ كما قال الصحابة - ابن عباس وغيره: كفر دون كفر، وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره... وهذا -أيضاً- مما استشهد به البخاري في «صحيحه»»([36]).
وقال (7/67): « قال ابن عباس وأصحابه:كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكذلك قال أهل السنة؛ كأحمد بن حنبل وغيره».
وقال (11/140): «وقال غير واحد من السلف: كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق ، وشرك دون شرك».
21- وقال ابن قيم الجوزية - رحمه الله- في «مدارج السالكين»(1/335-336): « فأما الكفر ؛ فنوعان: كفر أكبر ، وكفر أصغر.
فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار.
والأصغر : موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود... وهذا تأويل ابن عباس وعامة الصحابة في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؛ قال ابن عباس:«ليس بكفر ينقل عن الملة، بل إذا فعله، فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر» .
وكذلك قال طاووس.
وقال عطاء: «هو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق».
ثم فصل -رحمه الله- حكم الذي لا يحكم بما أنزل الله بكلام رائع رائق سيأتي بتمامه - إن شاء ال
له-([37]).
22- وقال شيخنا أسد السنة العلامة الألباني- رحمه الله- في «الصحيحة» (6/109-116): «وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر»، صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس- رضي الله عنه-، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم.
ولا بد من ذكر ما تيسر لي عنهم؛ لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة ، ونحا نحو الخوارج الذين يكفّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي- وإن كانوا يصلّون ويصومون
-» .
ثم ساق -رحمه الله- بعض الآثار المتقدمة ، وخرجها ، وبين صحتها.
23-قال أستاذنا الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- في تعليقه على كتاب «التحذير من فتنة التكفير»(ص68-69) :« لكن لما كان هذا [ الأثر ] لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون : هذا الأثر غير مقبول! ولا يصحّ عن ابن عباس! فيقال لهم : كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل ، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل .
ثم هب أن الأمر كما قلتم : إنه لا يصح عن ابن عباس؛ فلدينا نصوص أخرى تدلّ على أن الكفر قد يطلق ولا يراد به الكفر المخرج عن الملّة ؛ كما في الآية المذكورة ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:« اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
وهذه لا تُخرج من الملّة بلا إشكال، لكن كما قيل: قلّة البضاعة من العلم، وقلّة فهم القواعد الشرعية العامة : هي التي توجب هذا الضلال.
ثم شيء آخر نضيفه إلى ذلك ، وهو: سوء الإرادة التي تستلزم سوء الفهم؛ لأن الإنسان إذا كان يريد شيئاً؛ لزم من ذلك أن ينتقل فهمه إلى ما يريد، ثم يحرِّف النصوص على ذلك.
وكان من القواعد المعروفة عند العلماء أنهم يقولون: استدل ثم اعتقد لا تعتقد ثم تستدل؛ فتضل.
فالأسباب ثلاثة، هي :
الأول: قلّة البضاعة من العلم الشرعي.
الثاني: قلّة فقه القواعد الشرعية.
والثالث: سوء الفهم المبني على سوء الإرادة.
وأما بالنسبة لأثر ابن عباس؛ فيكفينا أن علماء جهابذة ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم- وغيرهما- كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه ؛ فالأثر صحيح».
فيا أيها القراء الكرام! هل يدخل في عقل مسلم أن هؤلاء العلماء الأجلاء كلّهم متساهلون، أو مقلّدون ، أو على الأقل مخطئون، وذاك (الهدام الفسل) و(شيخه المفتون به) هما الإمامان المجتهدان المصيبان؟!! وهما- والله- لا يصلحان أن يكونا تلميذين لأحد تلاميذهم... ووالله -وتالله-: إننا لفي زمان تكلّم (الرويبضة)؛ كما أخبر الصادق المصدوق، فماذا يقال عمن يفعل هذا؟!
وأقول هنا نصيحة لهذا الغمر الجاهل وشيخه المفتون به: ما قاله عبيد الله بن الحسن العنبري- رحمه الله- :«لأن أكون ذنباً في الحقّ أحبّ إليّ من أن أكون رأساً في الباطل
»([38]).
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- : «إنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتَّبع ولا نبتدع ؛ ولن نضلّ ما تمسكنا بالأثر»([39]).
وأقول ما قاله الإمام الأوزاعي - رحمه الله- ناصحاً منبهاً:« اصبر نفسك على السنة ،وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم»([40]).





  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 02:20 PM
الهامش:

([12])انظر :«الجرح والتعديل» (9/53-54) ، و«تاريخ الثقات» للعجلي (457/1729)، و«الثقات» لابن شاهين(250/1536) ، و«طبقات ابن سعد» (5/484)، و«الثقات» لابن حبان(7/567)، و«تهذيب الكمال» (30/179-181)، و«الكاشف» (2/335/5958) و«تهذيب التهذيب» (11/33)، و«التقريب» (2/317).
([13]) «القول المبين في تضعيف مقولة ابن عباس« كفر دون كفر» على آية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}» قدّم لها : محمد إبراهيم شقرة (!)
([14]) ولمعرفة قَدْرِ هذا المتعالم الهدام المتطفل على علم الحديث؛ انظر -غير مأمور- كتاب شيخنا محدث العصر الألباني- رحمه الله- الموسوم بـ «النصيحة بالتحذير من تخريب (ابن عبد المنان) لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة».
([15]) انظر: «النصيحة» (ص6-7).
([16]) انظر: «الصحيحة» (1/906-907).
([17]) «النصيحة» (ص175).
([18]) كما هو واقع في حديثنا هذا.
([19]) «النصيحة» (ص126).
([20]) وهذا الأمر نعرفه عنه قديماً؛ فمرة -قبل نحو عشرين سنة، ولم يكن حاله مكشوفاً كالآن- سأل شيخنا -باستغراب واستنكار- عن هذه القاعدة؛ فأجابه شيخنا - رحمه الله-: ألم تقرأ قوله -تعالى- {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهماالأخرى} [البقرة: 282]؛ فبهت، وفَغَرَ فاه.
وبهذه المناسبة أذكر أن هذا الهدام كتب -وهو في بواكير الصبا- رسالة في هدم النَّحو والصرف سماها: «الإعراب في هدم الإعراب وبيان ما فيه من خراب، ومباحث أخرى في الباب».
([21]) «الصحيحة» (1/940-941).
([22]) «النصيحة» (ص71).
([23]) «الصحيحة« (1/940-941).
([24]) «الصحيحة» (1/941) بتصرف.
([25]) انظر مقدمة محمد شقرة لرسالته: « القول المبين» (ص6).
([26]) «النصيحة» (ص40).
([27]) انظر: «تهذيب التهذيب» (10/245)، «هدي الساري» (ص571-572).
([28]) ومن أجل تضعيفه لحديث غيلان -هذا- يهمس لبعض من يلوذ به بجواز تزوّج الرجل المسلم أكثر من أربع نساء!! ...إنها آثار التشيُّع.
([29]) انظر -لزاماً- «هدي الساري» (ص571-572- دار المنار).
([30]) وقد ذكره الهدام في «رسالته» (ص27)، وعزاه له (برقم 273) وقد قال شيخنا -رحمه الله- في صنيع له -مثله- في «النصيحة» (ص14): «الأمر الذي يشعرك أنه لا يحسن النقل فضلاً عن البحث والتخريج، وهو في هذا كله يتظاهر أن ذلك من كدِّ يمينه وعرق جبينه! وإنما هو -حقيقة- ممن تقدمه من المخرِّجين السابقين أو اللاحقين، وقد يضيف- أحياناً- مصدراً جديداً أو رقماً؛ ستراً لسرقته، ولكن الأمر كما قيل:« من أسر سريرة ألبسه الله رداءها» ، وكما قال الشاعر:
ومهما تكن عند إمرىء من خليقة


وإن خالها تخفى على الناس تعلم»



([31]) انظر -غير مأمور-: «فتح الباري» (8/438-439).
([32]) ذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (6/406).
([33]) تقدم تخريجه (ص 60).
([34]) «النصيحة» (ص7-8) بتصرف.
([35]) وجدت بالتتبع والاستقراء أن نقل ابن كثير -رحمه الله- لأقوال الحاكم وعدم مخالفته إيّاها موافقة له، لأنه إذا خالف بيَّن وإذا وافق ذكر القول، ومن كان عنده زيادة علم؛ فليدلنا عليه.
وهذا كلّه يهدم اعتراض (الهدام) (ص43-44) حيث زعم أن ابن كثير لم يوافق الحاكم؛ لأن الساكت لا ينسب إليه قول!
([36]) مراده - رحمه الله- تبويب الإمام البخاري في «صحيحه»: ( باب كفران العشير، وكفر دون كفر).
قال القاضي ابن العربي المالكي؛ كما في «فتح الباري» (1/83): «مراد المصنف؛ يعني: البخاري: أن يبين أن الطاعات؛ كما تسمى إيماناً؛ كذلك المعاصي تسمى كفراً ؛ لكن حيث يطلق عليها الكفر: لا يراد الكفر المخرج من الملة».
([37]) (ص 116).
([38]) انظر:«الإبانة»(2/882) و«تاريخ بغداد» (10/308).
قلت: ولكن عجبي لا ينقضي من شيخه المفتون به؛ فلقد كان رأساً في الحقّ؛ فَلِمَ رضي أن يكون ذنباً في الباطل؟! نسأل الله لنا ولهما الهداية.
([39]) «حلية الأولياء» (1/80).
([40]) انظر: «الإبانة» (2/882) ، و«الشريعة» (ص58)، و«السنة» للخلال (3/568)، و« سير أعلام النبلاء» (8/543).
  • ملف العضو
  • معلومات
أبو عبد الرحمن يوسف
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 13-12-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 1,991
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • أبو عبد الرحمن يوسف is on a distinguished road
أبو عبد الرحمن يوسف
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 06:31 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف1441 مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك اخي جمال
وو الحمد لله الذي وفقك لايجاد الكتاب الذي كنت تبحث عنه
والشكر الموصول لك لأنك من ساعدني على إيجاد الكتاب فجزاك الله خيرا
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 06:39 PM
قرة العيون
في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً»

لفضيلة الشيخ سليم الهلالي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن محاسن دين الله وفضائل تطبيقه وثمار الحكم به والتحاكم إليه؛ تثير ساكن شوق المؤمنين به، ويشعل حبُّها لهيب حرصهم عليه؛ فلذلك شُغفت قلوبهم توقاً إلى إقامة حكم الله في أرض الله، واستئناف حياة إسلامية راشدة على منهاج النبوة ؛ لأن وجوب إقامة شرع الله وتطبيق أحكامه في كلّ زمان ومكان لا يختلف فيه اثنان من المسلمين؛ لأنه محل إجماعهم -من جهة- ومرتبط بالتوحيد -من جهة أخرى-
وبينما هم يطلبون ذلك يعلمون يقيناً: أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها؛ فعضوا على كتاب الله وصحيح سنة رسوله، بفهم السلف الصالح بالنواجذ.
لأن فهم الوحيين بفهم السلف ليس نافلة أو منّة، بل هو فرض واجب وحتم لازم؛ فهو حرز من مضلات الهوى، وعصمة من فتنة الشهوات والشبهات.
ومن أهمِّ ذلك فهم السلف الصالح لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44]، وقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة:45]، وقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}[ المائدة: 47].
ولقد سقط أتباع السلف دعاة منهجهم في تأويل هذه الآيات الكريمة على المقولة الذهبية المنقولة عن الخبير الخرّيت؛ الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين والعلم في التأويل ؛ فكان حبر الأمة وترجمان القرآن؛ فهدؤوا إلى قوله، واطمأنوا إلى تفسيره؛ لما فيه من سعة إحاطة، ودقّة نظر، وحسن تأويل؛ يجلّي مراد الله في كتابه، ويوضح مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، ويصرخ الواحد منهم -مطمئناً- بأعلى صوته: هذا هو فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس بينهم اختلاف أو تفاوت.
ولذلك لم يزل أهل العلم الأكابر على ذلك؛ لأن الحق سلسلة ذهبية مترابطة الحلقات، متراصة الصفوف، منضبطة الأحكام، دقيقة الإحكام، لا يعتريها زيغ، ولا يفسدها تردّد، ولا يقطعها انحراف، بل الثبات نورها، والهدى سبيلها، والصواب واسطة عقدها.
وتناقل أخيار الخلف هذا الفهم عن أئمة السلف، وورثوه كابراً عن كابر، وتسليم كفٍّ بكف!
...حتى كنا بأخرة ؛ فنبتت نابته سوء يتصل سَمْتُهم بسلفهم الطالح من شاكلة ذي الخويصرة التميمي ونسله؛ ممن نبغت على أيديهم فتنة التكفير في صدر هذه الأمة، وظنت هذه الشرذمة أنها على شيء من العلم والتحقيق، ولكنها وأيم الله -ووالله وتالله- لا تحسن إلا تسويد الصفحات بكلام مزوّر مزوّق، وتكرار القول بباطل منمّق، وصنع المتاهات ووضع العقبات؛ ليتردى فيها كلّ معوّق، فأداها غرورها إلى الطعن في ثوابت العقيدة والمنهج تحت دعاية براقة من التجديد وباسم صياغة العقل السلفي!
ومن ذلك طعنهم -أو تشكيكهم- في هذه المقولة الذهبية -رواية أو دراية- التي أجمع عليها علماء السنة والجماعة، واتفقوا على تلقيها بالقبول؛ لأنها من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولما كان الردّ على أهل البدع، وبيان باطلهم، وكشف زخرفهم؛ استمراراً لمعركة التأويل التي قادها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث وضعوا أسيافهم على عواتقهم، فأبادوا خضراء الخوارج يوم النهروان: وضعت هذا الكتاب الموسوم بـ«قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- لقوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} روايةً ودرايةً ورعايةً»؛ راجياً الله -عزّ وجلّ- أن يجعله قرة أعين إخواننا السلفيين؛ أهل الحديث والأثر، وشجى في حلوق الخوارج التكفيريين، وأفراخهم من الحزبيين والحركيين، وهداية للمسترشدين ، ونصحاً لعامة المسلمين وأئمتهم المرضيِّين، وصيانةً لكتاب الله من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ إنه -سبحانه- ولي ذلك والقادر عليه.
وقد جعلت كتابي هذا سبعة أبواب.
الباب الأول: طلائع الكتاب:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: حماية الثوابت من تحريف النوابت.
الفصل الثاني: معركة التأويل.
الفصل الثالث: منار السبيل في بيان منزلة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- في التأويل.
الباب الثاني: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رواية:
وفيه فصلان:
الفصل الأول: طريق طاووس عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-، وتفصيل الطرق عنه.
الفصل الثاني: طريق علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-.
الباب الثالث: الآثار السلفية الموافقة لتفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-.
وفيه فصلان:
الأول: عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-.
الثاني: طاووس اليماني -رحمه الله-.
الباب الرابع: مسرد العلماء الذين صرّحوا بصحة تفسير عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أو احتجوا به.
الباب الخامس: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما - لآيات الحكم دراية:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول : كفر دون كفر.
الفصل الثاني: هل الحكم بغير ما أنزل الله -مطلقاً من غير تفصيل- كفر ينقل عن الملة؟
الفصل الثالث: تناقضات الحركيين الجدد.
الباب السادس: آيات سورة المائدة في الحكم بغير ما أنزل الله.
الفصل الأول: تحرير النقول في أسباب النزول.
الفصل الثاني: من المقصود بهذه الآيات؟
الفصل الثالث: المناقشة والترجيح.
الباب السابع: كشف الشبهات وردُّ الاعتراضات.
الباب الثامن: تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم رعاية.


حمل الكتاب
http://www.spaadyshare.com/21evbr122it5/qorrat%20al%203oun.rar
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-05-2008
  • الدولة : البليدة
  • العمر : 37
  • المشاركات : 7,183
  • معدل تقييم المستوى :

    25

  • جمال البليدي is on a distinguished road
الصورة الرمزية جمال البليدي
جمال البليدي
شروقي
رد: تصحيح أثر ابن عباس"كفر دون كفر" ردا على دعاة القاعدة وأتباع التكفير
03-10-2008, 08:18 PM
الباب الخامس
تفسير عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- لآيات الحكم دراية



وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: كفر دون كفر.
الفصل الثاني: هل الحكم بغير ما أنزل الله -مطلقاً، من غير تفصيل- كفر ينقل عن الملة؟
الفصل الثالث: تناقضات الحركيين الجدد.




الفصل الأول
كفر دون كفر


اعلم أيها المحبّ- لا زلت موصولاً بما تحبّ- أن تفسير عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- لو لم يصحّ رواية؛ فهو صحيح دراية([41])؛ فإن آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين تؤصله، وتشهد له، وتؤكده.
فمن المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة: أن الكفر مراتب أو كفر دون كفر، وهذا ما يقتضيه استقراء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذه المسألة المهمة الأصيلة والجمع بينهما في ذلك، وهاك البيان:
أولاً- سمى رسول اللهصلى الله عليه وسلم بعض الذنوب كفراً؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([42]).
وقوله : « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([43]).
وجعل الله مرتكب هذا الذنب من المؤمنين ، قال -تعالى-: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} [البقرة:178].
وبالجمع بين الآية والأحاديث يتبين: أن المراد كفر دون كفر؛ يدّلك على ذلك أمور:
1-«فلم يُخْرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد: أخوّة الدين بلا ريب»([44]).
2-ذكر التخفيف بعد عفو ولي المقتول، ولو كان كفراً ينقل من الملّة لما خفف حكمه -قولاً واحداً-.
3-ذكر الرحمة بعد التخفيف، والمغفرة من آثارها، والله لا يغفر أن يشرك به شيئاً، وإنما يغفر ما دون ذلك، فتبين أن هذا الذنب دون الشرك؛ فهو كفر لا ينقل من الملة.
وقال -تعالى-: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [ الحجرات: 9و10].
فبالجمع بين هذه الآية والأحاديث السابقة يتبين: أن المراد كفر دون كفر؛ يدل على ذلك أمور:
1-أنه جعل المتقاتلين من المؤمنين.
2-أنه وصفهم بأنهم إخوة ، والمراد: أخوة الدين بلا ريب.
3-أنه جعلهم أخوة المصلحين بين الفئتين ، ولا شك أنها أخوة الإيمان التي جمعتهم.
4-أنه وصف الفئة المعتدية بالطائفة الباغية؛ وهي تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله، وهو الصلح، ولو كانت كافرة بفعلها كفراً ينقل عن الملّة لوجب قتالها حتى تؤمن بالله.
5-وقد ثبت في حكم الفئة الباغية ، أنها لا تسبى نساؤها، ولا يقسم فيؤها، ولا يتبع هاربها، ولا يقضى على جريحها ، ولو كانت كافرة؛ فحكمها غير ذلك، كما هو معلومٌ بالضرورة من فقه غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك جاءت أحاديث صحيحة صريحة في اعتبار أن المتقاتلين من المسلمين؛ كقولهصلى الله عليه وسلم في سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما-:« ابني هذا سيد؛ ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين».([45]).
وقد أصلح الله به بين فرقتين من المسلمين عندما تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنهما- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما- سنة(40هـ) المسمى عام الجماعة؛ لأن كلمة المسلمين اجتمعت وتوحدت بعد افتراق.
ولو صح أن ذنب الاقتتال كفر مخرج من الملة للزم تكفير الصحابة - رضي الله عنهم- وهذا باطل! ولهذا عندما زلق قدم الخوارج في هوة التكفير حكموا على بعض الصحابة بذلك، نعوذ بالله من الخذلان وعدم التوفيق والحرمان.
ثانياً- نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن مرتكبي بعض المعاصي مثل الزنى والسرقة وشرب الخمر؛ فقال-: «لا يزني الزاني حين يزني؛ وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها؛ وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق؛ وهو مؤمن»([46])
«إذ لو كان كفراً ينقل عن الملّة؛ لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا تجري الحدود في الزنى والسرقة وشرب الخمر، وهذا معلوم بطلانه وفساده من دين الإسلام...ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل، بل يقام عليه الحدّ، فدلّ على أنه ليس بمرتدٍّ»([47]).
وقال الإمام أبو عبيد -رحمه الله- في «الإيمان» (ص88-89) في ردِّه على مكفري المسلم بالمعصية:
«ثم قد وجدنا الله -تبارك وتعالى- يكذّب مقالتهم، وذلك أنه حكم في السارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه؛ ما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من بدّل دينه فاقتلوه»([48]).
أفلا ترى أنهم لو كانوا كفّاراً؛ لما كانت عقوباتهم القطع والجلد؟
وكذلك قول الله فيمن قتل مظلوماً: { فقد جعلنا لوليه سلطاناً} الآية [الإسراء:33]، فلو كان القتل كفراً؛ ما كان للولي عفو، ولا أخذ دية، ولزمه القتل».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في «مجموع الفتاوى»(7/287-288):



«وكذلك كل مسلم يعلم أن شارب الخمر والزاني والقاذف والسارق لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجعلهم مرتدين يجب قتلهم ، بل القرآن والنقل المتواتر يبين أن لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام؛ كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع يد السارق، وهذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا مرتدين لقتلهم، فكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم».
قلت : فإذا كانت المعاصي لا تزيل إيماناً ولا توجب كفراً مخرجاً من الملة فالمراد بنفي الإيمان الوارد في هذه الأحاديث؛ هو نفي كمال الإيمان الواجب لا أصل الإيمان، يدلك على ذلك دليل وشاهد:
أما الدليل؛ فهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان؛ وكان كالظلة؛ فإذا انقلع منه رجع إليه الإيمان»([49]).
وأما الشاهد؛ فهو مناظرة جرت بيني وبين أحد رؤوس التكفير -قديماً- حول هذه الأحاديث، حيث استدل بها على تكفير الزاني وشارب الخمر والسارق..الخ.
فانتصرت لمذهب أهل السنة والجماعة باللغة.
قلت له: هذه الأحاديث لا تدل على مرادك من الناحية اللغوية؛ فضلاً عن الآثار السلفية الواردة عن الصحابة والتابعين.
فقال: كيف ذلك؟
قلت: لأن من المقرر عند أهل اللغة أن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال.
فهذه الجملة بيّنت حال الزاني والسارق وشارب الخمر وهو يقارف الإثم والفحشاء، فإذا انخلع من معصيته عاد إليه إيمانه؛ فبهت ولم يَحْرِ جواباً.
قال الإمام أبو عبيد- رحمه الله- في «الإيمان»(ص90-91)
«فإن قال [قائل]: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن ، واسم الإيمان غير زائل عنه؟
قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً، ولا عملت عملاً، وإنما وقع معناهم ههنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم وغير عامل في الإتقان، حتى تكلَّموا به فيما هو أكثر من هذا ،وذلك كرجل يعقّ أباه ويبلغ منه الأذى؛ فيقال: ما هو بولده، وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ والزوجة والمملوك، وإنما مذهبهم في هذه المزايلة من الأعمال الواجبة عليهم من الطاعة والبّر.
وأما النّكاح والرّقّ والأنساب، فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماؤها، فكذلك هذه الذنوب التي يُنفى بها الإيمان ، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه الحكم عليهم.
وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنَّة
»([50]).
وقد بسط هذه المعاني بسطاً وافياً، وأصَّل هذه القاعدة تأصيلاً كافياً، وبينَّها بياناً شافياً الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في «الصلاة وحكم تاركها» (ص72-78) : فقال:« وههنا أصل آخر، وهو: أن الكفر نوعان:
كفر عمل.
وكفر جحود وعناد
([51]).
فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً ؛ من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه.
وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.
وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان([52])، وإلى ما لا يضاده:
فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النَّبيِّ، وسبه؛ يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله ، وترك الصلاة ؛ فهو من الكفر العملي قطعاً ([53])، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه.
فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر -بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم-، ولكن هو كفر عمل، لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يسمي الله -سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ، ولا يطلق عليها اسم الكفر ، وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني، والسارق ، وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفي عنه اسم الإيمان؛ فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.
وكذلك قوله: « لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض([54])» فهذا كفر عمل.
وكذلك قوله: « من أتى كاهنا فصدقه، أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد»([55]).
وقوله:« إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما»([56]).
وقد سمى الله -سبحانه وتعالى- من عمل ببعض كتابه وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به، وكافراً بما ترك العمل به؛ فقال -تعالى-: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 84و85]؛ فأخبر -سبحانه- أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به، والتزموه ، وهذا يدل على تصديقهم به، أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقاً ، وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب ، ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أُخذ عليهم في الكتاب ، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق ، كافرين بما تركوه منه. فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي.
وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في قوله في الحديث الصحيح: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([57])؛ ففرّق بين قتاله وسبابه، وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به والآخر كفراً، ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي ، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة ، وإن زال عنه اسم الإيمان.
وهذا التفصيل؛ هو: قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله ، وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم؛ فانقسموا فرقين:
فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار([58]).
وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان([59]).
فهؤلاء غَلَوْا .
وهؤلاء جَفَوْا .
وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل، فها هنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم.
قال سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44]: «ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه».
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] قال: «هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه ، ورسله».
وقال في رواية أخرى عنه: «كفر لا ينقل عن الملة».
وقال طاووس: «ليس بكفر ينقل عن الملة».
وقال وكيع: عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، فسق دون فسق».
وهذا الذي قاله عطاء بَيِّنٌ في القرآن، لمن فهمه، فإن الله- سبحانه- سمّى الحاكم بغير ما أنزله كافراً ، وسمّى جاحد ما أنزله على رسوله كافراً، وليس الكافران على حدّ سواء([60]).
وسمّى الكافر ظالماً؛ كما في قوله -تعالى-: {والكافرون هم الظالمون} [البقرة: 254]، وسمّى متعدي حدوده في النكاح، والطلاق، والرجعة، والخلع؛ ظالماً، فقال: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} [ الطلاق: 1] وقال نبيّه يونس: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [ الأنبياء: 87]، وقال صفيُّه آدم: {ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: :23] وقال كليمه موسى: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} [ القصص: 16]. وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم([61]).
ويسمى الكافر فاسقاً؛ كما في قوله:{ وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} [ البقرة :26و27] الآية، وقوله: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}[ البقرة: 99]، وهذا كثير في القرآن.
ويسمى المؤمن فاسقاً؛ كما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات:6] نزلت في الحكم بن أبي العاص، وليس الفاسق كالفاسق، وقال -تعالى-: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} [ النور: 4]، وقال عن إبليس :{ففسق عن أمر ربه} [ الكهف: 50]، وقال : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق}[ البقرة: 197]، وليس الفسوق كالفسوق.
والكفر كفران، والظلم ظلمان، والفسق فسقان، وكذا الجهل جهلان:
جهل كفر؛ كما في قوله -تعالى-: { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199].
وجهل غير كفر ؛ كقوله -تعالى-: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} [النساء: 17].
كذلك الشرك شركان:
شرك ينقل عن الملة، وهو الشرك الأكبر.
وشرك لا ينقل عن الملة، وهو الشرك الأصغر، وهو شرك العمل؛ كالرياء.
وقال -تعالى- في الشرك الأكبر:{إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار} [ المائدة:72]، وقال : { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق} [ الحج : 31].
وفي شرك الرياء:{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [الكهف:110]
ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم: « من حلف بغير الله؛ فقد أشرك»([62]).
ومعلوم أن حَلِفَه بغير الله لا يخرجه عن الملة ، ولا يوجب له حكم الكفار.
ومِن هذا قوله صلى الله عليه وسلم :«الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل»([63]).
فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة ، وإلى ما لا ينقل عنها.
وكذا النفاق نفاقان:
نفاق اعتقاد ، ونفاق عمل.
فنفاق الاعتقاد: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار.
ونفاق العمل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان»([64]).
وفي «الصحيح» -أيضاً- : «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان»([65])
فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكَمَلَ؛ فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ، فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كَمَلَت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها ، فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.
وكلام الإمام أحمد يدل على هذا ، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصرِّ على الكبائر، يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، وهل يكون مصرّاً من كانت هذه حاله؟قال: هو مصر، مثل قوله «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ، يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ونحو قوله: «لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»([66])، ونحو قول ابن عباس في قوله - تعالى-:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة :44]. قال إسماعيل؛ فقلت له: ما هذا الكفر؟
قال: كفر لا ينقل من الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض؛ فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه»([67]).

 
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع
مدخل للعلوم القانونية السداسي الاول لطلاب السنة الاولى
الساعة الآن 06:36 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى