دولـة الخلافـة دولـة بشريـة وليست دولـة إلهيـة
روى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«
كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: ما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، واعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» (رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وأحمد بن حنبل).
الدولة الإسلامية هي
الخلافـة، وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا، فإذا بويع لخليفة بيعة صحيحة في أي بلد من بلاد المسلمين، وأقيمت
الخلافـة، فإنه يحرم على المسلمين في كل بقاع الدنيا أن يقيموا خلافة أخرى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«
إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». و
الخلافـة هي لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، بالأفكار التي جاء بها الإسلام والأحكام التي شرعها، ولحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، بتعريفهم الإسلام ودعوتهم إليه، والجهاد في سبيل الله. ويُقال لها أيضاً
الإمامة وإمارة المؤمنين. فهي منصب دُنيوي وليست منصباً أخروياً. وهي موجودة لتطبيق دين الإسلام على البشر ولنشره بين البشر، وهي غير النبوة قطعاً.
فالنبوة منصب إلهي يعطيها لمن يشاء، يتلقى فيها النبي أو الرسول الشرع من الله بواسطة الوحي، بينما
الخلافـة منصب بشري، يُبايع فيه المسلمون من يشاؤون ويُقيمون عليهم خليفة مَنْ يُريدون من المسلمين. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان حاكماً، يطبق الشريعة التي جاء بها. فكان يتولى النبوة والرسالة، وكان في الوقت نفسه يتولى منصب رئاسة المسلمين في إقامة أحكام الإسلام. وقد أمره الله بالحكم، كما أمره بتبليغ الرسالة؛ فقال له:
﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾، وقال: ﴿
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾، كما قال له: ﴿
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾، وقال:
﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾، وقال:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ﴾.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتولى منصبين:
- مَنصِب النبوة والرسالة.
- ومَنصِب رئاسة المسلمين في الدنيا لإقامة شريعة الله التي أوحي له بها.
أما
الخلافـة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يتولاها بشر، وهم ليسوا أنبياء. فيجوز عليهم ما يجوز على البشر من الخطأ، والسهو، والنسيان، والمعصية، وغير ذلك؛ لأنهم بشر. فهم ليسوا معصومين؛ لأنهم ليسوا أنبياء ولا رسلاً. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الإمام (الخليفة) يمكن أن يخطئ، كما أخبر بأنه يمكن أن يحصل منه ما يُبَغِّضُه للناس، من ظلم، ومعصية، وغير ذلك، بل أخبر بأنه قد يحصل منه كفر بواح، وعندها لا يطاع، بل يُقاتَل. فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«
إنما الإمام جُنة، يقاتل من ورائه ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه»، وهذا يعني أن الإمام غير معصوم، وأنه جائز عليه أن يأمر بغير تقوى الله. وروى مسلم عن عبد الله (هو ابن مسعود) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«
إنها ستكون بعدي أثرة تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منّا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم». وروى البخاري عن جُنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدّثْ بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«
دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعَنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بَواحاً عندكم من الله فيه برهان». وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«
ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله. فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» رواه الترمذي. فهذه الأحاديث صريحة في أنه يجوز على الإمام (الخليفة) أن يخطئ، وأن ينسى، وأن يعصي. ومع ذلك فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلزوم طاعته ما دام يحكم بالإسلام، ولم يحصل منه كفر بواح، وما لم يأمر بمعصية؛ ولذلك فإن الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يخطئون ويصيبون، وليسوا معصومين أي ليسوا أنبياء حتى يقال إن
الخلافـة دولة إلهية، بل هي دولة بشرية يبايع فيها المسلمون خليفة لإقامة أحكام الشرع الإسلامي.
والسلام عليكم