السلسلة الذهبية في الآداب النبوية الحلقة:(22). آداب المساجد:(4)
12-05-2014, 02:27 PM
السلسلة الذهبية في الآداب النبوية
الحلقة:(22). آداب المساجد:(4)
الحلقة:(22). آداب المساجد:(4)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
من آداب المسجد: عدم الصف بين السواري.
وليس من الأدب الصف بين السواري في المسجد: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طرداً)، كما جاء عن معاوية بن قرة عن أبيه، والحديث في صحيح مسلم لماذا؟ لأن السواري تحول بين الناس وبين وصل الصف وتسويته، فيصبح الصف مقطعاً بالأعمدة والسواري، لكن إذا دعت الحاجة إلى هذا، كأن يكون المسجد صغيراً، فيكون في صلاة الفجر والظهر والعصر فيه سعة، فلا نصلي بين الأعمدة، لكن في صلاة العشاء والجمعة نحتاج أن الناس يصفون بين السواري، فنقول: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس به، وهذا يوجد في الحرم، وقت الزحام، بعض الصفوف تتخللها السواري، مسافات متقاربة، لكن إذا كان الصف مثل هذا الصف الذي في الحرم، الصف بين الساريتين فقط، أي: هنا عمود وهنا عمود والصف بينهما، ولا يوجد بعد العمودين شيء، فهذا لا يعتبر صفاً تتخلله السواري، وإنما هو صف كامل ليس بمقطوع -لم تقطعه السواري- لأن عرض الصف ما بين الساريتين، وليحذر المصلي أن يقف في صف متأخر مع وجود أمكنة في الصفوف الأولى، لأن هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معقباً على هذه الظاهرة السيئة التي نجدها خصوصاً في مكة، أناس يصلون خارج الحرم، ويوجد فراغ في الداخل، والبعض يصلون عند الباب والبعض على الرصيف، وبعض أصحاب المحلات يصلي أمام الحانوت، حتى يفتح حانوته بعد السلام مباشرة، يقول شيخ الإسلام: ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه.
إذاً لو رأيت جماعة يصلون خارج الحرم، ويوجد فراغ في داخل الحرم، فلو تخطيت رقابهم فلا حرج عليك؛ لأنهم قد أسقطوا حرمتهم بهذا الإهمال والكسل الذي فعلوه، في أن يصلوا في الخارج، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له، وقال: بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف، وصفوا خارج المسجد، فإن اتصلت الصفوف حينئذٍ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم، وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء.
وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة؛ فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، لكن لو صلوا خلف جدار المسجد بحيث امتلأ المسجد وصلوا خلف الجدار، ويسمعون الصلاة والتكبير تصح صلاتهم، وقال: فمن صلَّى في مؤخر المسجد مع خلو ما يلي الإمام كانت صلاته مكروهة.
إذاً: يجب الاهتمام بتسوية الصفوف، حتى ما جاء في السنة، وكان عمر يُوكِّلُ رجلاً أو رجلين لتسوية الصفوف.
من آداب المسجد: متابعة الإمام وعدم الوقوف.
وكذلك فإن من الآداب: أن الإنسان إذا دخل المسجد وجماعة تصلي، فلا يقف بدون صلاة، فبعض الناس إذا دخل المسجد والإمام في السجود وقف في الصف بدون صلاة، فيفوت الأجر، بل يدخل مع الإمام ولو لم تعد ركعة، أليس إذا سجدت تؤجر على السجود ووضع الجبهة على الأرض لله رب العالمين؟ ألست تؤجر على تسبيح السجود؟! ألست تؤجر على دعاء السجود؟! إذاً: لماذا تضيع هذه الفرصة؟! وقوله عليه الصلاة والسلام: (فما أدركتم فصلوا) يدل على أنك تدخل مع الإمام في أي مكان كان فيه الإمام: (فما أدركتم فصلوا) أدركت سجدة، ركعة، ركوعاً، رفعاً من الركوع، جلسة بين السجدتين: (فما أدركتم فصلوا)، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في شرحه: واستدل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها.
وعن معاذ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) رواه الترمذي، وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي، وفي السلسلة الصحيحة وبهذا أخذ من رأى أن المأموم إذا جاء في التشهد الأخير يدخل مع الإمام؛ لأن عموم الحديث يقتضي هذا.
يا شيخ! إذا كنا داخلين جماعة، وصلينا جماعة ثانية؛ لأننا نعرف أن الإمام في التشهد الأخير؟.
الجواب:
ما أدراك أن أجر الدخول مع الإمام في التشهد الأخير أكثر من الجماعة الثانية؟ لأن أجر الجماعة الثانية ليست مثل الأولى إطلاقاً، فيمكن يكون الامتثال لحديثه عليه الصلاة والسلام بالدخول مع الإمام في أي موضع، أكثر من الجماعة الثانية.
وعلى أية حال، هذه مسألة اجتهاد كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، فلو أنه انتظر لا ينكر عليه، لا يقال: ارتكبت حراماً، ولكن حتى الذي انتظر، لا يشرع له أن يحدث جماعة قبل أن يسلم الإمام، لئلا يكون هناك جماعة ثانية في المسجد في الوقت نفسه، وهذا لا شك أن فيه شق للمسلمين وتفريق، وهذا أمر مذموم شرعاً.
إذا كان الإمام قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو في الجلسة يبن السجدتين، أو في التشهد، فليدخل معه على الحال التي هو عليها، فإن اجتهد وكان معه أناس كثيرون وفيهم أناس من أهل الفضل، وجاء في التشهد الأخير فانتظروا إلى أن يسلم الإمام فصلوا فلا بأس عليهم.
من آداب المسجد: عدم حجز مكان فيه.
ومن آداب المسجد ألا يحتجر فيه مكاناً، فقد اعتاد بعض الناس أن يحجز مكاناً؛ لفرش سجادة أو وضع عصاً ونحوها وهو في منزله أو في عمله، وهذا الظاهرة تكثر في الحرم في رمضان وفي غيره، يفرشون سجاجيد ولا يكتفون بحجز مكان لأنفسهم؛ بل يحجز مكاناً لنفسه وأقاربه وأصدقائه وربما حجز بعضهم أماكن للمال في أماكن معينة في الحرم، فإذا جئت تجلس تدفع خمسين ريالاً لتجلس، يقوم بذلك أناس معروفون تجدهم جالسين، يأتي إلى الحرم مبكراً ويحجز مكاناً ثم يستلم خمسين ريالاً، وهي بحسب المواسم، إذا كان في ليلة سبع وعشرين تبدأ التسعيرة ترتفع، وهذا يفعله بعض من لا خلاق له في الدنيا والآخرة.
والمصلي مأمور بالتقدم إلى المسجد والقرب من الإمام بنفسه لا بعصاه وسجادته، مأمور بأن يقترب من الإمام بنفسه، ثم إن العمل هذا لا شك أنه فيه ظلم من عدة جهات: 1 - الناس في بيوت الله سواء، فما هو حق هذا الشخص الذي يتقدم على غيره.
2 - قد يؤدي إلى تعطيل مكان في المسجد لا يصلي فيه إلا مثل البعير، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا.
3 - ربما يكون من أسبابه أن تتحول العبادة إلى عادة، نفس المكان نفس المكان نفس المكان، ربما تتحول إلى عادة، وفيه مشابهة للبعير، وقد نهينا عن مشابهة البهائم والدواب.
4 - يؤدي إلى شيء من الشهرة والرياء والسمعة.
5 - بعض الناس يؤدي حجزه هذا إلى التساهل بالصلاة لأنه يعرف أن مكانه محجوز، ويتراخى عن الاستعداد والحضور.
6 - يؤدي إلى تخطي رقاب الناس بغير حق وهذا إثم آخر.
7 - فيه ترفع على الآخرين، وإحساساً بالفارق.
8 - فيه الاعتداء على حقهم في التقدم، فأخذه منهم وسلبهم حق لهم.
9 - أنه يسبب الشحناء والبغضاء، وكم من أناس حاولوا أن يرفعوا بعض المفارش وصارت خصومات بينهم.
10 - قد يؤدي أيضاً إلى عدم تسوية الصفوف، هذا المكان محجوز وتقام الصلاة وهو محجوز، والمكان يشغل فرجة في الصف، فرق بين هذا المتكاسل الظالم لنفسه ولغيره، وبين من جاء مبكراً فجلس ثم احتاج أن يقوم لحاجة، كأن يتوضأ ويرجع، فجعل مكان جلوسه غطاء رأسه، أو كتاب أو مفرش، فذهب بسرعة ثم رجع، هذا شغل يسير، لا أن يذهب ويطعم وينام، يذهب لحاجة، ومن سبق إلى مكان في المسجد فهو أحق به، ولا يجوز إقامته منه، سواء كان شريفاً أو وضيعاً، غنياً أو فقيراً، صغيراً أو كبيراً، وفي الحديث: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر) والناس في المباح سواء، ومن غصب فالغصب حرام، وصلاته في هذا المكان باطلة عند جمعٍ من أهل العلم.
من آداب المسجد: عدم هجر المسجد القريب.
ومن آداب المسجد أيضاً: ألا يهجر المسجد الذي يليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليصلي أحدكم في مسجده ولا يتتبع المساجد) رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
هجر المسجد أو الذهاب إلى مسجد أبعد يؤدي إلى سلبيات، منها: هجر المسجد الذي يليه، وإذا كان كل واحد من جماعة المسجد سيذهب إلى مسجد آخر، وهذا وهذا، فإن ذلك يؤدي إلى قلتهم، ثم ربما يؤدي إلى خلو المسجد وعدم عمارته.
ومن السلبيات أيضاً: إيحاش صدر الإمام وإساءة الظن به، أو الوقوع في عرضه، أو يقول الناس: لماذا فلان لا يصلي وراء الإمام؟ الإمام هذا فيه مشكلة فيه كذا لماذا يتركونه ويذهبون إلى غيره؟ فيؤدي إلى إلصاق التهم بالإمام ونحو ذلك.
ثم إن الشريعة جاءت لتأليف القلوب، فإذا كان هذا الفعل فيه كسر لقلب إمامك أو جماعة مسجدك، فجبر قلوبهم أولى من أن تقول: الأبعد أفضل، وأمشي زيادة، لأن مقصد الشرع تأليف القلوب، وهو أكبر من المقصد في زيادة الخطا إلى المسجد الأبعد، وظاهرة تخطي المساجد تحدث في رمضان، لأن بعض الناس يتتبعون حسن الصوت، وربما أدى ذلك إلى هجر بعض المساجد، فيقع في نفس الإمام ما يقع، أو في نفس من بنى المسجد ما يقع، لما هُجِرَ مسجده.
تتبع المساجد من أجل حسن الصوت فيه تفصيل: إذا كان يؤدي إلى مفاسد منع، ونقول له: اجلس في مسجدك ولا تتبع المسجد الآخر من أجل الصوت، وإذا كان لا يؤدي إلى مفاسد، قال: أنا سأذهب إلى مسجد كذا، وجماعة مسجدنا في حينا كثيرة، والشيوخ والعامة كثر، فلو ذهبت وذهب معي عشرة لا يحدث شيء للمسجد، وانتفت السلبيات، ولن يغلق المسجد، ولن يهجر، ولن يحدث بينه وبين الإمام وجماعة المسجد شيء، فلو ذهب لا حرج عليه، ولو كان يؤدي إلى مفاسد فلا يذهب، هذا التفصيل في قضية تتبع المساجد من أجل الصوت.
أما إذا وجد غرض صحيح لتخطي الإنسان مسجده إلى مسجد آخر، مثل أن يكون إمام مسجده لا يقيم الفاتحة، أو لا يطمئن في صلاته، أو يرتكب بعض المخالفات الشرعية، أو يجاهر ببدعة، أو يجاهر بمعصية، أو أنه سيذهب إلى مسجد آخر ليحضر درساً، أو محاضرة، أو أن المسجد الآخر يصلي بسرعة وهو مستعجل، أو أن المسجد الآخر يصلي متأخراً وصاحبنا متخلف.
إذاً: هناك أسباب فلو ذهب إلى المسجد الأبعد لهذه الأسباب، فلا بأس بذلك.
ومن آداب المسجد: ألا يؤذي المصلين، لا بالرائحة، ولا بوضع النعال في مكان غير مناسب، ولا بتخطي الرقاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (اجلس فقد آذيت) وربما فاته أجر الجماعة كلها بسبب هذا الإيذاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة، لا يوم الجمعة ولا غيرها.
إذاً: بعض الناس يأتي ويقول: أدخل والله ييسرها، وهذا خطأ، فإذا وجد فرجة يتقدم إليها، والذين لم يتقدموا أسقطوا حقهم في منع التخطي، لماذا لم يتقدموا لسدها؟ فهو يتقدم لسدها ولا حرج عليه، واشترط بعض العلماء أن يكون ممر لا تلتصق فيه ركبتا المتجاورين، إذا كان يوجد فرجة في الأمام موجودة، وتقدم فسدها، وإذا لم تكن فرجة موجودة فلا يتقدم؛ لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، واختار التحريم، فأما إذا تركت فرج في الصفوف فلا حرج في اختراق الصفوف لسد هذه الفرج والقيام في تلك الصفوف.
من آداب المسجد: عدم مضايقة المصلين بالمزاحمة.
ومن آداب المساجد ألا يضايق الإنسان المصلي، وهذا يحدث عند عدد من الشباب الحريصين على الخير، يريد أن ينافس على الصف الأول فيتقدم إلى فرجة لا تتسع لعصفور، فيزحم الصف ثم يكون من بجواره أكتافه أمامه، وقد يكون شيخاً فيتأذى، وهذا من إيذاء المسلمين، وإيذاء المسلمين بغير ما اكتسبوا حرام.
وقد يسبب خلل في تسوية الصف؛ لأنه لم يستوِ المنكب بالمنكب، وكيف يستوي المنكب بالمنكب وهو قد فرض نفسه في المكان الضيق، وأي أجر سيرجى له ولو كان صادقاً لجاء مبكراً؟ أما أن يأتي متأخراً ويريد أن يقحم نفسه في الصف الأول إقحاماً، وأن يتعسف في ذلك، ويدخل في هذا الضيق ويؤذي المصلين الذين بجانبيه، فهذا لا يجوز، والأصل -كما قلنا- إن الناس إذا جاءوا للمسجد يصفون في الصف الأول، ولو قبل الإقامة بنصف ساعة، أو بساعة، ولو في الجمعة، فعليهم أن يصفوا في الصف الأول فالأول، ثم من الأدب ألا يمر بين يدي المصلي وهذا معروف.
وهناك آداب تكون يوم الجمعة، يكون موضعها في آداب الجمعة، وإن كانت تشترك مع غيرها من الصلوات في باب سد الفرج وخصوصاً عند إقامة الصلاة، فإن أناساً يأتون من مكان بعيد من اليمين أو الشمال ويدخلون في الفرجة بحيث لا يدعون مجالاً للشخص الذي في الخلف مباشرة لسده، إذا كان الذي في الخلف لم يتقدم، وكان متكاسلاً والفرجة موجودة وهو جالس ينتظر، يتقدم غيره، وهو الذي فوت على نفسه، لكنه تقدم، فجاء رجل من خلفه يريد أن يسابقه ويدخل عليه، فلا شك أن هذا فيه إثارة للشحناء، ومسألة إثارة الشحناء والبغضاء يجب أن تراعى وألا تكون في المسجد، ولذلك تكلموا في بحث طويل: لو تنافس اثنان على فرجة، فليتركها له أو لا، ومن أجل تلافي الشحناء والبغضاء قد يكون أجره أكثر من أن يسبقه هو، فينبغي مراعاة هذه المفسدة، وفي المقابل ينبغي مراعاة عدم التكاسل في التقدم لسد الفرج.
إذا كان يوجد كلام في مكتبة داخل المسجد غير الذكر؟ نقول: إذا كانت المكتبة من المسجد فحكمها حكم المسجد، ليس فيها كلام، أما إذا كانت المكتبة بابها إلى الخارج، وليس لها باب إلى المسجد وقد يكون لها أحكام مختلفة، لكن المكتبة داخل حدود المسجد وبابها مفتوح إلى المسجد، ليس للخارج حكمها حكم المسجد.







