لقد مررت صدفة على الموضوع، ولم أرد أن أتجاوزه إلا بالتوقف عنده، وعليه أردت أن أبادر بالإجابة على سؤال المرشد العام للموقع، وأقول الآتي:
حين النظر الى الرسالة التي نشرها رئيس الحكومة الجزائرية السابق أحمد بن بيتور، وكشف فيها عن الضغوط التي مورست عليه ودفعته الى تقديم استقالته، يصعب التغاضي عن بعض ما ورد فيها من نقاط تبدو كافية لتبرير ما أقدم عليه الوزير الاول المستقيل.
الخبير الاقتصادي البارز يقول انه وجه نفسه مجردا من الصلاحيات التي يخوله اياها الدستور، الأمر الذي منعه من تأدية مهامه بالحزم والوضوح اللازمين، ثم يضيف أنه لاحظ طريقة في الحكم، بواسطة الأوامر، من اطارات الادارة الرئاسية، وصفها بالحكومة الموازية.
حين التمعن في هذا الكلام، ووضعه في اطار «الثورة التغييرية» الشاملة التي يمارسها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وتستهدف رجالات الجيش والقضاء والولاة ورؤساء البلديات والدبلوماسيين في الخارج، يسهل فهم «الاقالة غير المباشرة» التي طالت بن بيتور.
اعتراف بن بيتور بعجزه عن تأدية مهامه بحزم ووضوح، كفيل بتصور الوضعية غير اللائقة التي كان الرجل يعيشها، فهو لم يتمتع بحقه الدستوري في اختيار الفريق الذي يعمل الى جانبه، وقد يكون ذلك سببا وجيها في عجز الوزير الأول عن تحقيق التجانس الكافي بينه وبين وزرائه.
لو ترك بن بيتور مكتبه دون توضيح هذه الملابسات، لكان أخطأ، هو الآخر، في حق نفسه وفي حق أي حكومة جزائرية تأتي بعده.
حزم الرئيس بوتفليقة في مراقبة الحكومة وتغييرها دون تردد أمر عظيم، يؤدي لا محالة الى تحسين أداء كل الوزارات ومحاربة الفساد المستشري في البلاد، لكن ما أشار اليه بن بيتور يمثل أبسط حق يخوله القانون لمسؤول في منصب رئيس الحكومة، وتستدعيه دولة المؤسسات التي يؤكد على ضرورة بنائها رئيس الجمهورية ذاته.
وقد ساهم سلاح «رجال الدولة» الذي أشهره الرئيس بوتفليقة، منذ قدومه، في زرع هيبة الدولة لدى الطبقة السياسية بمختلف أحزابها ومستقليها، وصار الكل يحرص على ابراز «مواصفات رجل الدولة» في شخصه وأدائه، كما مكن هذا السلاح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعاد اليه الكثير من دوره المفقود. لكن جزائر بحاجة الى مناصب كثيرة قوية وصحيحة، تمارس كلها حقوقها الدستورية، وتحافظ على التوازن بين المؤسسات المختلفة مادامت منتخبة وتعمل في اطار الدستور.
ان التغيير الحكومي الذي استهدف حكومة بن بيتور لم يمض مدتها ثمانية أشهر يؤكد حقيقة أن أزمة الاستقرار السياسي التي تعاني منها الجزائر، لا تزال تنهك قدرة البلد على الخروج من وضعيته غير الطبيعية على الرغم من التغييرات الكبيرة التي أنجزها الرئيس بوتفليقة.
لقد حقق الرئيس الجزائري بجدارة الاستقرار الأمني. ولكن جهوده، التي نالت تقدير الكثيرين، لن تكتمل دون تحقيق الاستقرار السياسي، من خلال مراعاة ذلك الخط الرفيع الذي يفصل بين الحزم المطلوب والسماح للمؤسسات بممارسة دورها، دون تدخل مباشر، في عملها اليومي..
هذا تقيمي للمعالجة التي تعامل بها الرئيس مع رئيس حكومته والله أعلم..