احتجت إليك ، فلن أضيع ما سمعت
04-12-2010, 06:44 PM
نجمة ترعرعت في أحضان أسرة كبيرة في أعالي القرية،تسكن منزلا كبيرا وسط حدائق طبيعية غناء، ويطل على مساحات مغطاة بأشجار الزيتون وشجيرات الريحان والرمان.... كانت نجمة صغيرة إخوتها، كغيرها من فتيات القرية، تتعلم القرآن في الكتاب، وتتلقى دروس اللغة والعلوم في المدرسة وعند العودة الى البيت تتولى بعض اشغال المطبخ واستقبال الضيوف بحوية الشباب، يغمرها جو المرح وتملأ عيونها ملامح السعادة.كان أبوها الفلاح العجوز مريضا يراوضه الشعور بقرب الأجل، حينما ناداها مبتسما تعالي... اجلسي أمامي واسمعي ما أقول لك: أنا طاعن في الس مريض جدا كما ترين، ولكنني لست أعمى. بل علمتني الحياة كيف انظر مجرياتها...إني أعاني من عدم رضا الضمير لأني كنت قد واعدت والدتك المرحومة، لكن لم أوف بوعدي. رغم أني كنت أعمل بجد للحصول على كل ما حصل حتى الآن ، مكنتني الحكمة من التغلب على الصعوبات والمعاناة.
مال الرجل العجوز والقى بجسمه على حصير كان أمامه، واتكأ على الوسائد التقليدية وأغمض عينيه لحظة. ثم استطرد قائلا :لا أرضى لك بنيتي أن ترثي خصوصياتي ولا حتى ما خلفت من مال...
نجمة: أبتاه ..هل تريد مني أن أكون مفلسة فقيرة؟.
همس الرجل العجوز: عزيزتي.. أنا اقدر مشاعرك الآن. ولكن عندما تصبحين ناضجة تفهمين، لا أريد أن أترك كل شيء بايديكم ، وانسى أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع ، فقد ساهموا في تكوين هذه الثروة ،ولابد أن تتحملوا اليوم معهم الفقر و تقاسموا المعاناة،
المهم سيكون لديك بعض مبلغ من المال كل شهر..
ابتسمت نجمة ابتسامة عريضة لما قرأته بين حروف كلماته انزعج الشيخ وهمهم "أنت تتصرفين، بغير عقل، آه.. تذكرت الآن كل شيء ،أحاف أقضي قبل أن أفعل ما أنوي ، تنقس طويلا وشحب وجهه وتشنجت عضلاته وتوقف القلب عن الحركة...أخذت نحمة تصرخ وتعدى صوتها حدود المبنى.. الحقوني.. الحقوني ..أبي أصيب بنوبة قلبية.
مات العجوز ودفن، وادعت نجمة أن أباها أوصى لها بالإرث، واستحوذت على المال والممتلكات ، وأحاطت نفسها بالخدم والحشم، واشهرت جبروتا، وفسحت المجال لملذاتها وشهواتها الصبيانية، وتدور القوم من ذلك، وانصرف عنها الجميع فصارت غريبة في هذا العالم، واصبحت أيامها جحيما لا يطاق وحياتها بلا معنى. شعور بالندم والأسى يملأ روحها، تتألم كثيرا عندما تر ى أعز الناس اليها، إخوتها ، أعمامها وباقي الأقارب يتجاهلونها ولا يفتكرها إلا من أراد تحقيق مطالبه ورغباته ، تتساءل: أأهون عليكم أن تروا هذا القلب بالجرح وصفات الندم على كل ذكرى عاشها مع أقرب الناس اليه ؟ أنسيتم ذكريات أحسست واحسستم معي فيها بلذة طعم المحبة ، أ لا ترضون أن يعيش هذا القلب بدون جرح أو ندم ..بدون أن يعاني خساره أحب الناس اليه أهله وأصدقائه؟ .
إن هذا القلب سيأتي في يوم ما متغيرا إنه الأن يراجع نفسه ،أم تراكم تظنونه يكمل الطريق الذى سلكه؟ أو يتجه إلى طريق الغدر و الخيانة ، إلى طريق المصالح؟.. ألا تعلمون أنه اذا استمر في سلوكه سوف يوصف بالغباء لأنه يعيش كالملاك بين بين شياطين البشر وأفكارهم الدنيئة وحب التخلص من كل قلب طيب، لتحقيق الأهداف والرغبات ؟.
لا تظنون ذلك ليس كبرياء مني، بل أنها خطوة قلب عرف مصيره الذي ينتظره جميع البشر، مهما كانت حياته، ثواني أو دقائق أو ساعات أو أياما أو شهورا أو سنين ، ولا احد يعلم أو يدرك متى تحين ؟!!.
وهي على تلك الحال ،فجأة سمعت نجمة صوت الآب وهو يكرر، لا أريدك أن تأخذي خصوصياتي وميزاتي، وكل ما ينبغي أن تعرفيه، هو: نحن نملك شيما، ونكرس أنفسنا لخدمة البشرية. لا أستطيع أن أكون معكم، لا يمكننا أن نكون معا، أنا أحبك عزيزتي، لكن ماذا أستطيع أن أفعل؟!!
هل تستطيعين تفويض امرك للخالق وتتركين كل شيء وتذهبين معي ؟!!،لا أعتقد لأن نفسيتك انطبعت بصفات من انت اليوم تعاتبينهم...
كنا نعمل من اجل الجميع، وكلكم يعمل اليوم لنفسه، احببنا الجميع واحب كل منكم نفسه وفقط، استشرنا الجميع واستبد كلكم برأيه ، ويعتقد أنه وجد طريقه في المستقبل من غير ماض ..
أطرقت نجمة لحظة، وهي تبعد شعرها الأسود الجميل المسدول على خذها تحو كتفها الأيمن.فانعكست الشمس على وجهها فبدت عيناها مشرقتين،ثم أخدت تردد: أدرك أنني هَويت من قوة نحو ضعف، وإلى هزيمة بعد نصر وحزن بعد فرح، لا أعرف مَنْ أنا ،وأجهل إلى أين أسير. ماذا أفعل بروح فاضت حبا للملذات وغرقت في بحر نشوة الهيام المقنع ؟!.. هل استمر ؟! ماذا أفعل ؟! لا حياة في سخافة ما انا عليه كفاني.. كفاني ألماً وكفاني. صراع رجولة وأنوثة، فأنا طفلة في دنيا الهوى، بل صغيرة في ثقافة الحياة وكبيرة بقلبها الصغير، فعلا أنا اليوم متعبة بسببي، بل ومتعبة غيري، أفــــــكر فلا اجد مكانة بالمجتمع الذي أطمح ان أعيش فيه. ولا اعرف كيف ألتقط أنفاسي مجدداً وأُعيد برمجة حياة فشلت أن أجد فيها توأم روحي، الذي يشاركني حزني وفرحي، ضعفي وقوتي، أنوثتي التي لم اخفها عن عيون لا تعرف الحب الصحيح، تائهة في دروب حياة افتقدنا فيها لذة الحياة. حب تأخرت لحظته، جب أقـــوى من الصداقة والأخوة، حب الله القوة الحقيقية التي تكمن في القلب وتنجي من الكروب... أقول صادقة، أنني سئمت من نفسي كل تصرف تصرفته، أريد ان أكـــــون إنسانة .إنني عازمة على أن أجعل دربي الأخير طريقا آخر يرفع حياتي نــــحو العلا....
جاءها صوت من أبها: تقدّم جميل في مَــسعاك، ولكن اسمعي ما أقول :
-أريدك أن تنسى كل كلمة تفوهت بهاقبل الآن في موضوع مادياً كان أو معنوياً، فالسعادة حرف مجهول لا نَـــــهتدي إليه ونحن نفتقد أبجدية سحر بيان العقل الذي لا يزول، دنيا وآخرة يرافقنا مرافقة الروح للجسد في حياتنا وخلال لحظات موتنا وفي آخرتنا. أهم نعم الله فلنلاقيه بقلب سليم خالٍ من الأحقاد والكراهية، خاليا من تفاهات الحياة.
-ود عي عنك السلوك الذي سخر منك وهزأ بمشاعرك الدافئة ، واعلمي أن العمل الصالح والاقتداء بالصالحين. خير إرث للسلف عن الخلف.
- أعلم إن الذكريات والأحزان وما يرافق مرحلة الطفولة من أحداث وخبرات وانفعالات، تكون فيها الخبرات السارة أكثر قابلية للاسترجاع من الخبرات المؤذية لكنها تبقى دروسا نحكم في ماهيتها عقلونا.
عندها تنهدت نجمة وقالت: أبي ثق أنني دائماً أصغي إلى صوتك الموجود داخلي وكنت أود اكتمال وصيتك، الذي كان يكسبني طمأنينة بحثتُ عَــنها طيلة عُـمري بعدك ، احتجت اليك لتجلس قربي وتحدثني عم ينفعني. فلن اضبع اليوم ما سمعت.
الحمد لله
غيمة تمطر طهرا
غيمة تمطر طهرا















