تصريحات ساركوزي: من مخططات الشيطنة
24-07-2015, 02:00 PM


لا شك أن تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لا تنم عن حقد دفين تجاه الجزائر والجزائريين، بل تمثل شرارة تأجيج نار الفتنة وتوسيع لهيبها في خريطة المغرب العربي الكبير بهدف التغطية عن دوره في قتل الحياة ونشر الفوضى ووسائل الدمار في ليبيا التي أدت إلى آلاف الضحايا.
فمن الخطأ تجاهل أو صرف النظر عن الدور الذي لعبه شخصيا في بعت العبث في الجزائر على عهد رئاسته، وهذا ليس غريبا فساركوزي من نسل الذين يشغلون المركز العليا في العالم ويسيرون القوى الروحية والفكرية وتسخر شياطين الشر، أولئك الذين وصفهم الكتاب المقدس منذ آلاف السنين بالقول: (خيوطهم لا تصير ثوبا ولا يكتسون بأعمالهم، أعمالهم اعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم. ارجلهم إلى الشر تجري وتسرع إلى سفك الدم الذكي، أفكارهم أفكار إثم، في طرقهم اغتصاب وسحق، طريق السلام لم يعرفوه، وليس في مسالكهم عدل، جعلوا لأنفسهم سبلا معوجة كل من يسير فيها لا يعرف سلاما.ـ ’ اشعيا الاصحاح 59 ’)
كما أنه من الخطأ القول أن (حديث ساركوزي عن سوء موقع تونس بين ليبيا والجزائر – والكلام عن مستقبل الجزائر! هي تصريحات تنمّ عن جهل بالتاريخ وما قامت عليه علاقات الأخوّة التونسية ـ الجزائرية من تضحيات متبادلة. فالحقيقة التي لا غبار عليها هي أن كل حرف في تصريحه يهدف إلى شيطنة الوضع الجزائري، وهي إشارات تحريضية واضحة، ومساس سافر بمصداقية الأمن الجزائري .. بل وتدخل مباشر في شؤون الدولة الجزائرية ومحاولة افساد العلاقة بين الشعب ومؤسساته الوطنية).
وليست هذ هي المرة الأولى التي يحاول فيها ساركوزي خلط الأوراق بخلق التوجس والريبة بين أفراد الشعب والسلطة، سواء بالإيحاءات في المواعيد الرسمية أو بتصريحات تقلل من شان جهود وتضحيات الشعب الجزائري.
ففي السادس من مايو 2007م، كنا قد نبهنا إلى هذا وقلنا: (أن الرئيس الفرنسي اليميني ساركوزي يقوم بشطحات وخرجات استهلها بتصريحه في حصة زيارة خاصة لقناة الجزيرة العام ( 2006م) كرئيس حزب مرشح .حين استصغر الثورة الجزائرية وقال عنها أنها من صنع المخابرات الفرنسية في عهد الجمهورية الرابعة، وقلنا حينها إذا كان يريد أن بكون فرنسيا أكثر من الفرنسيين هو حر في ذلك ولكن أن يتطاول على الجزائر فهذا ما لا يتحقق له لسببين هما:
- إن الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي مازالوا هاهنا، وأبناؤهم مدركون لما يريده ساركوزي وغيره من الاستعماريين – ثم ان الجزائريين يعلمون ما قام به في ليبيا، وسوريا . هذا أمر لا يحتاج إلي شرح وطبع ساركوزي الاستعماري لم يتوقف عند الدفاع عن القانون الذي يمجد الاستعمار، ولم يقتنع بأدبيات الدبلوماسية الفرنسية على لسان رئيس الدولة الفرنسية، السابق التي رأت ضرورة تعديل ذلك القانون حفاظا على العلاقة مع الجزائر وراح يسيء الى الجزائر بقوله الوجود الفرنسي في المغرب والجزائر على الخصوص كان حلما حضاريا؟! وكأن الجزائر راح أبناؤها يتسولون يوما ما عند ساركوزي الاستعماري. وقلنا يومها: (إذا كان الحلم الحضاري الذي تحدث عنه ساركوزي قد تحقق فالجزائريون وأموال الجزائر عوامل أساسية في تكوين الحضارة الفرنسية، وهي نعمة أرادها ساركوزي دون شك أن تحيا ولن تحيا أبدا، ولا مفر لساركوزي وأمثاله من صناع الموت والاستعمار إلا أن يخضعوا للاعتراف بجرائمهم مثلما خرجوا خاسئين من الجزائر عام 1962م).
لهذا لا أختلف مع من اعتبروا تصريحات ساركوزي ، هي تصريحات تنمّ عن جهل بالتاريخ فحسب، بل اعتبرهم يجهلون الإرث الاستعماري في الجزائر ولا يعرفون كيفية التعامل معه. ويجهلون تماما أن القيادة الرشيدة هي القيادة التي تستطيع صياغة وبناء منظومة سياسة حكيمة، قادرة على رسم ممر آمن لسير نشاطها، والتصدي للقوى الخفية التي ستزيحها يوما أو تجبرها على التنازل على العرش (؟) ولن يتأتى رسم ممر آمن إلا بتوفير الموارد البشرية الكفؤة والمتخصصة (في المولاة والمعارضة) وحشد الجهود إلى جانب الموارد المادية والمالية، أما قوة سلامة التسيير فتكمن في كيفية التوفيق بين هذه الموارد وترشيد استغلالها وهيكلتها. وحشد قدراتها.
فهل نسوا او تناسوا أن الجزائر اهتمت بإنشاء منظومة سياسية وفق مقاربة الخصوصية الحضارية :( ميثاق – دستور – مجالس – تنظيمات – منظمات إلخ) أي: منظومة قانونية وهيكلية لتطوير العمل السياسي، وخلق ثقافة سياسية كانت انعكاسا لما استخلص عن ويلات الفترة الاستعمارية، منظومة حققت الانسجام إلى حين، ومكنت البلاد من الانتصار في معركة الموت أمام آلة الإرهاب الدموية خلال عقد التسعينيات.
فإذا كان الاحتلال الفرنسي قد مثل القاسم المشترك بين المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وحتى سوريا، بغض النظر عن الشكل الذي اتخذه ذاك الاحتلال، سواء مباشرا كان أو استيطانيا كحال الجزائر، أو حماية في ظل استمرار الدولة الاصلية كما هو حال المغرب. فقد ترتب على ذلك الوضع سلوك فرنسي مقيت تجلى في التعامل مع الجزائر دوما باعتبارها مقاطعة فرنسية في شمال افريقيا.
إن المتأمل في واقع الحديث عن الشراكة الجزائرية الفرنسية يختلف عن النظرية القانونية الدولية وفكرة المساعي الحميدة .. خارج عن ما شهدت البشرية في تاريخها من مظاهر التعاون على أساس من القيم والأعراف، فيها البواعث الحاضنة تقضي بالتمادد والتساعد بين طرفين، واستشعارا بالواجب تجاه الأخر
ما يجعل مبدأ التعاون بدأ أخلاقيا… تظل منطلقاته القيمية والعرفية والأخلاقية سارية المفعول على الدوام ..من هذا المنطلق يمكن القول إذن، أن الشراكة هي شكل من أشكال التعاون و التقارب بين المؤسسات الاقتصادية باختلاف جنسياتها قصد القيام بمشروع معين حيث يحفظ لكلا الطرفين مصلحتهما في ذلك، وهو ما لم يتحقق في إطار الشراكة الجزائرية الفرنسية .. ليس لأن الشركات الفرنسية ظلت إنجازاتها
ناقصة ومنقوصة فحسب، بل لأن في في سياستها " وراء الأكمة ما وراءها" وما نقرأه في زيارة المسؤولين الفرنسيين، و نراه في الموقف الفرنسي. إن التحرك السياسي هو دليل قاطع على مكر المؤسسات السياسية ... وها هو المثل الرسمي في كلمة نشرت في افتتاحية السفير في العدد 8 من بيناتنا "الرسالة الإخبارية لسفارة فرنسا بالجزائر" على الموقع الرسمي، يتحين فرصة التطاول على الجزائر ورفع مكانة اللغة الفرنسية لغة التنصير والاستغلال بالجزائر، فيفخر قائلا: (كنز اللغة الفرنسية الذي نتقاسمه) مؤكدا على دورها في الجمع بين ثقافتينا؟! .. واعتبر إيمي أن هناك تاريخ مشترك بين البلدين (مليء بالعواطف) ؟! ، ويؤكد أن (العلاقة التي تربطنا ليس لها مثيل) وأضاف بقول:" يجب علينا أن نكون في مستوى هذا الإرث، الذي أحييناه بتاريخ 15 أوت الفارط في تولون أثناء إحياء ذكرى إنزال برومانس بحضور الوزير الأول " سلال ؟! " ويضيف: (يجب أن تكون الثقافة أكثر من أي وقت مضى، في قلب علاقاتنا) أي ثقافة يريد سعادة السفير؟ هل هي التطاول وتجاوز الحدود؟
لنعود الى موضوعنا ونقول: ما من شك أن بين فرنسا والجزائر تراكمات تاريخية لها دور كبير في ترهلات ومتاهات الحاضر، علاقات، وتبادلات، وجالية البلدين في البلدين، ولكل ذلك دور فعال في توجيه العلاقات القائمة أو التي هي في طريق التكون، ولما كانت المواقف تتسم بالطابع الآني، فمن غير شك أنها تجعل تدرجات التاريخ تخضع لأبجديات تعاطي مع أمـزجة خسيسة وتؤول الى نتائج سلبية، خاصة حين تحاول بعض الأطراف تمرير أطروحات ذاتية سعيا لمكاسب خاصة على حساب المواقف العامة أو من باب "خالف تعرف".
نتذكر لما تحدث وزير المجاهدين يوما عن أصول ساركوزي اليهودية، ثارت ثائرته إلى أن اعتذر الطرف الجزائري (...) ونجحت زيارته للجزائر (! ) وتم دعمه في حملته الانتخابية، فهل ستتمكن الديبلوماسية الجزائرية من صد شيطنة ساركوزي اليوم وجعله يعتذر بعد إساءته للجزائر: (وطن، وشعب، وأمن، وسيادة). أم وراء الأكمة ما وراءها دوما؟
الحمد لله
غيمة تمطر طهرا
التعديل الأخير تم بواسطة أبو اسامة ; 24-07-2015 الساعة 05:42 PM