هل الأطباء خطر على السيادة الوطنية؟
18-04-2012, 05:46 PM
هل الأطباء خطر على السيادة الوطنية؟
الطب من أنبل العلوم، وأشرف المعارف، لأن موضوعه الحفاظ على أغلى ما يملكه الإنسان= مهجته وصحته، لذا عظم شأن الطبيب في المجتمعات، فلا معقب لقوله إذا قال، ولا راد رأيه إذا رأى، تفتخر به الأسرة والأقارب وأهل الحي والأصدقاء، ويتخذه الناس قدوة وأسوة.
بعد خمسين سنة من تحرير "الأرض" الجزائرية، ما يزال "اللسان" الجزائري تحت الاحتلال الفرنسي، وإن كان اللغة الرسمية "على أوراق" دستورنا هي العربية، فإن الواقع فرض لغة رسمية أخرى أو شبه رسمية=الفرنسية، فمسؤلونا "السامون" يتكلمون في المحافل، عند تمثيل الوطن باللغة الفرنسية، ولربما أجاب بعضهم عن أسئلة الصحافة الوطنية بلغة..غير وطنية، ولربما رُفض طلبك الموجه إلى إدراة وطنية لأنه باللغة الرسمية الوطنية، ويلقن صبياننا في عهد الجزائر المستقلة منذ نعومة أظفارهم في المدارس لغة الوطن الأم في عهد الجزائر الفرنسية.
أما في الجامعات، فمخاض التعريب عسير، وشانئوه كثير، وقد حقق أحباب الفرنسية نصرا مظفرا، بأن أبقوا على التعليم باللغة الفرنسية في أنبل المعارف =علم الطب، فهو يدرس عندنا بلسان فرنسي مبين!
ولا شك أن الظواهر مؤثرة في البواطن، لذلك فإن الفترة المعتبرة التي يمضيها الطالب في الطب، يتقلب بين أحضان لغة "فولتير"، يتلقى المحاضرات بها، ويطالع المراجع بها، وينجز البحوث بها، ويمتحن بها، ويناقش أستاذه بها، ستربي فيه ملكة وحبا لهذه اللغة، لأنها مقترنة بهذا العلم النبيل الذي يحبه ويضحي في سبيل تحصيله السنوات الطوال، هذا العلم الذي أورثه مكانة اجتماعية مرموقة، وذكرا حسنا، وهذا الشغف باللغة الفرنسية لأنها صارت لغة العلم ولغة الطب، سينقلب عن قريب إلى شغف بأهلها، وكلف بمتكلميها، وطريقة تفكيرهم ومنهج حياتهم، لذلك ما أكثر ما تجد الفرنسيين في مسالخ الجزائريين من معشر الأطباء.
إن هذا الواقع "الخاطئ" هو الذي جعل مجرد تصور تدريس العلوم الطبية باللغة العربية –عند قوم- كفرا بالعلم، وضربا من الجنون، ونوعا من التخلف على وفق الفهم المغلوط لقول بعض الحكماء :" إذا عربت خربت".
وقد غفل أكثرنا عن أن كثيرا من المعارف الطبية أخذها الغرب من العلماء المسلمين، الذي كانوا يؤلفونها بلسان عربي مبين، فيتهافت طلاب المعرفة في أوروبا على تعلم العربية لينهلوا من علوم العرب الطبية.
وقد غفل أكثرنا، أن بلدانا عربية عديدة تدرس علم الطب بلغة عربية، وفيها نوابغ تستعين بهم بلدان العالمين.
وإني أحسب- من غير جزم- أن بلدانا كالصين واليابان وروسيا تدرس الطب بلغاتها، وإن لم تكن من اللغات العالمية، وإني أجزم –من غير شك- أن تلك البلدان أحكم منا في صناعة الطب وأمتن.
وقد يقول قائل ="تهافتوا على تعلم لغتنا لما كنا سادة للعالم، فلما غُلبنا تبعنا في اللسان، والمغلوب أبدا مولع بتقليد الغالب، فدعاءك إلى تعليم العلوم الطبية بالعربية في تباب، وسعيك في ضلال."
فأقول: إذا كان الموقف المأمول للمغلوب عندك -يا هذا- أن يزداد خنوعا وخضوعا واستسلاما للذل والمغلوبية فنعم إذا، فزادك الله خنوعا، وإن كان المؤمل من المغلوب أن ينهض و"ينتفض" و"يثور" على غالبه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن أول طريق النصر أن يحرر لسانه، ويحافظ على لغته، وأن يدرس بلغته الوطنية العلوم "السيادية" كالطب، إن لم يكن حبا في لغة القرآن، فنكاية في أعدائنا (أمس واليوم وغدا ).
فأقول مجيبا عن سؤال طرحته في عنوان هذا المقال: نعم، الأطباء خطر على السيادة الوطنية، لأنهم يساهمون في رواج لغة المستعمر القديم، ونَفاقها، وتزيين صورتها، حتى تبقى مستعمرة لألسنتنا إلى أبد الآبدين، وليس الذنب ذنب الأطباء المساكين، الذين فُرض عليهم التعليم بالفرنسية فرضا، فلا يجدون حيلة ولا يستطيعون سبيلا إلى إتقان هذا العلم النبيل إلا بها، إنما الذنب ذنب من آمنوا باستقلال بلادنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، بل قلوبهم "ثلاثية الألوان"، لم يهضموا بعد خروج الوطن الأم "فرنسا"، وينتظرون عودتها بالأشواق.
لماذا لا نفجع فرنسا بأن نخرج عن فلك لغتها في تعليم العلوم الطبية والتقنية، فإن كان شانئو العربية والتعريب صادقين في دعواهم السعي إلى الحفاظ على مستوى التدريس في مثل تلك العلوم، صادقون في دعواهم الوطنية والبراءة من الاستعمار، فلما لا يدرسون تلك العلوم بالإنكليزية على الأقل، فهي لغة "أكثر عالمية" من الفرنسية، ولا شيء أعظم فجيعة للفرنسيين من استبدال لغتهم بلغة غرمائهم من الإنكليز.
لا شك أن الفطام عن الفرنسية في التعليم يحتاج إلى جهاد طويل، ومخاض عسير، لكنه -والله الذي لا إله إلا هو- يستحق كل تضحية وكل تعب.
وفقنا الله تعالى لما فيه رشدنا.
بعد خمسين سنة من تحرير "الأرض" الجزائرية، ما يزال "اللسان" الجزائري تحت الاحتلال الفرنسي، وإن كان اللغة الرسمية "على أوراق" دستورنا هي العربية، فإن الواقع فرض لغة رسمية أخرى أو شبه رسمية=الفرنسية، فمسؤلونا "السامون" يتكلمون في المحافل، عند تمثيل الوطن باللغة الفرنسية، ولربما أجاب بعضهم عن أسئلة الصحافة الوطنية بلغة..غير وطنية، ولربما رُفض طلبك الموجه إلى إدراة وطنية لأنه باللغة الرسمية الوطنية، ويلقن صبياننا في عهد الجزائر المستقلة منذ نعومة أظفارهم في المدارس لغة الوطن الأم في عهد الجزائر الفرنسية.
أما في الجامعات، فمخاض التعريب عسير، وشانئوه كثير، وقد حقق أحباب الفرنسية نصرا مظفرا، بأن أبقوا على التعليم باللغة الفرنسية في أنبل المعارف =علم الطب، فهو يدرس عندنا بلسان فرنسي مبين!
ولا شك أن الظواهر مؤثرة في البواطن، لذلك فإن الفترة المعتبرة التي يمضيها الطالب في الطب، يتقلب بين أحضان لغة "فولتير"، يتلقى المحاضرات بها، ويطالع المراجع بها، وينجز البحوث بها، ويمتحن بها، ويناقش أستاذه بها، ستربي فيه ملكة وحبا لهذه اللغة، لأنها مقترنة بهذا العلم النبيل الذي يحبه ويضحي في سبيل تحصيله السنوات الطوال، هذا العلم الذي أورثه مكانة اجتماعية مرموقة، وذكرا حسنا، وهذا الشغف باللغة الفرنسية لأنها صارت لغة العلم ولغة الطب، سينقلب عن قريب إلى شغف بأهلها، وكلف بمتكلميها، وطريقة تفكيرهم ومنهج حياتهم، لذلك ما أكثر ما تجد الفرنسيين في مسالخ الجزائريين من معشر الأطباء.
إن هذا الواقع "الخاطئ" هو الذي جعل مجرد تصور تدريس العلوم الطبية باللغة العربية –عند قوم- كفرا بالعلم، وضربا من الجنون، ونوعا من التخلف على وفق الفهم المغلوط لقول بعض الحكماء :" إذا عربت خربت".
وقد غفل أكثرنا عن أن كثيرا من المعارف الطبية أخذها الغرب من العلماء المسلمين، الذي كانوا يؤلفونها بلسان عربي مبين، فيتهافت طلاب المعرفة في أوروبا على تعلم العربية لينهلوا من علوم العرب الطبية.
وقد غفل أكثرنا، أن بلدانا عربية عديدة تدرس علم الطب بلغة عربية، وفيها نوابغ تستعين بهم بلدان العالمين.
وإني أحسب- من غير جزم- أن بلدانا كالصين واليابان وروسيا تدرس الطب بلغاتها، وإن لم تكن من اللغات العالمية، وإني أجزم –من غير شك- أن تلك البلدان أحكم منا في صناعة الطب وأمتن.
وقد يقول قائل ="تهافتوا على تعلم لغتنا لما كنا سادة للعالم، فلما غُلبنا تبعنا في اللسان، والمغلوب أبدا مولع بتقليد الغالب، فدعاءك إلى تعليم العلوم الطبية بالعربية في تباب، وسعيك في ضلال."
فأقول: إذا كان الموقف المأمول للمغلوب عندك -يا هذا- أن يزداد خنوعا وخضوعا واستسلاما للذل والمغلوبية فنعم إذا، فزادك الله خنوعا، وإن كان المؤمل من المغلوب أن ينهض و"ينتفض" و"يثور" على غالبه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن أول طريق النصر أن يحرر لسانه، ويحافظ على لغته، وأن يدرس بلغته الوطنية العلوم "السيادية" كالطب، إن لم يكن حبا في لغة القرآن، فنكاية في أعدائنا (أمس واليوم وغدا ).
فأقول مجيبا عن سؤال طرحته في عنوان هذا المقال: نعم، الأطباء خطر على السيادة الوطنية، لأنهم يساهمون في رواج لغة المستعمر القديم، ونَفاقها، وتزيين صورتها، حتى تبقى مستعمرة لألسنتنا إلى أبد الآبدين، وليس الذنب ذنب الأطباء المساكين، الذين فُرض عليهم التعليم بالفرنسية فرضا، فلا يجدون حيلة ولا يستطيعون سبيلا إلى إتقان هذا العلم النبيل إلا بها، إنما الذنب ذنب من آمنوا باستقلال بلادنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، بل قلوبهم "ثلاثية الألوان"، لم يهضموا بعد خروج الوطن الأم "فرنسا"، وينتظرون عودتها بالأشواق.
لماذا لا نفجع فرنسا بأن نخرج عن فلك لغتها في تعليم العلوم الطبية والتقنية، فإن كان شانئو العربية والتعريب صادقين في دعواهم السعي إلى الحفاظ على مستوى التدريس في مثل تلك العلوم، صادقون في دعواهم الوطنية والبراءة من الاستعمار، فلما لا يدرسون تلك العلوم بالإنكليزية على الأقل، فهي لغة "أكثر عالمية" من الفرنسية، ولا شيء أعظم فجيعة للفرنسيين من استبدال لغتهم بلغة غرمائهم من الإنكليز.
لا شك أن الفطام عن الفرنسية في التعليم يحتاج إلى جهاد طويل، ومخاض عسير، لكنه -والله الذي لا إله إلا هو- يستحق كل تضحية وكل تعب.
وفقنا الله تعالى لما فيه رشدنا.
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!









.gif)



