تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الدعوة والدعاة

> فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
السني الجزائري
زائر
  • المشاركات : n/a
السني الجزائري
زائر
فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
30-03-2012, 02:39 AM
فِقهُ الأدْعية والأذَكار عَمَل اليَوم وَاللّيلة
بقلم :

فضيلة الشَّيخ الدكتور

عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر

حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

[ ومن أَذْكَارِ طَرفَيِ النَّهَار ]



إنَّ مِن الأذكار العظيمة والأوراد التي كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّ أصحابَه على تعلُّمِها والمحافظة عليها كلَّ صباح ومساء ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المخرَّجِ في سنن الترمذي وسنن أبي داود وغيرهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّم أصحابه ، يقول : " إِذَا أصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بكَ أَمْسَيْنَا ، وَبكَ أَصْبَحْنَا ، وَبكَ نَحْيَا ، وَبكَ نَمُوتُ، وَإلَيْكَ المَصِيرُ " (1)
فهذا دعاءُ نبويٌّ عظيمٌ، وذكرٌ مبارَكٌ، يَجدُرُ بالمسلم أن يُحافظَ عليه كلَّ صباح ومساء ، ويتأمَّلَ في معانيه الجليلة ودلالاته العظيمة ، وكيف أنَّه قد اشتمل على تَذكير المسلم بعظيم فَضلِ الله عليه وواسِعِ مَنِّه وإكرَامِه ، فَنَوْمُ الإنسانِ ويقظَتُه ، وحركتُه وسكونُه ، وقيامُه وقعودُه إنَّما هو الله عزوجل فما شاءَ الله كان، وما لَم يشأ لَم يكن ، ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله العظيم .

وقوله في الحديث: " بك أصبحنا " أي: بنعمتك وإعانتك وإمدادِك أصبحنا أي أدركنا الصباح، وهكذا المعنى في قوله: " وبك أمسينا "

وقوله: " وبك نَحيا، وبك نموت " أي: حالُنا مُستَمرٍّ على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال، في حركتنا كلِّها وشؤوننا جَميعها، فإنَّما نحن بك ، أنت المعين وحدَك ، وأزِمَّةُ الأمور كلِّها بيدك ، ولا غِنَى لنا عنك طَرْفَةْ عَيْن وفي هذا من الاعتماد على الله واللُّجوء إليه والاعتراف بمَنِّه وفَضله ما يُحقِّق للمرء إيمانَه ويُقوِّي يقينَه ويُعْظِمُ صِلتَه بربِّه سبحانه .

وقوله في الحديث: " وإليك النشور " أي المَرجِع يوم القيامة، ببَعْثِ النَّاس من قبورهم، وإحيائهم بعد إماتَتِهم

وقوله: " وإليك المصير " أي المرْجعُ والمآب، كما قال تعالى: ﴿ إنَّ إلَى رَبّكَ الرُّجعى ﴾ [سورة العلق: 8 ]

وقد جعل صلى الله عليه وسلم : " وإليك النشور " في الصباح وقوله : " وإليك المصير " في المساء رعايةً للتَّناسب والتشاكل ، لأنَّ الإصباحَ يُشبه النشرَ بعد الموت ، والنوم موتةٌ صغرى ، والقيامَ منه يشبه النشرَ من بعد الموت ، قال تعالى : ﴿ اللهُ يتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا فَيُمسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُّسَمَّى إِنَّ فيِ ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة الزمر: 42 ]

والإمساءَ يُشبه الموتَ بعد الحياة ، لأنَّ الإنسان يصير فيه إلى النَّوم الذي يشبه الموت والوفاة ، فكانت بذلك خاتمةُ كلِّ ذِكرٍ متجانسةً غايةَ المجانسة مع المعنى الذي ذكر فيه .

وممَّا يُوضِّح هذا ما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول عند قيامه من النوم : " الحمدُ لله الَّذي أَحْيَانا بعد ما أمَاتَنَا وإليه النُّشور " فسُمِّيَ النوم موتاً والقيامُ منه حياةً من بعد الموت، وسيأتي الكلامُ على هذا الحديث وبيانُ معناه عند الكلام على أذكار النوم والإنتباه منه إن شاء الله .

ومِن أذكار الصباح والمساء ذلكمُ الذِّكرُ العظيمُ ، والدعاءُ النافع الذي علَّمه النَّبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما سأله أن يُرْشدَه إلى كلمات يقولوها كلَّ صباح ومساء فقد روى الترمذي وأبو داود وغيرُهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : " يَا رَسُولَ اللهِ ! مُرْنِي بكَلمَاتٍ أَقُولُهُنْ إِذَا أَصْبَحْتُ ، وإِذا أَمْسَيْتُ ، قَالَ : قلْ : اللَّهمَّ فاطر السَّمَوَاتِ والأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبَ والشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَليكَهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ ، أَعُوذُ بكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ " وَفِي روَايةٍ أُخْرَى : " وَأَنْ أَقْتَرفَ عَلَى نَفْسي سُوءاً ، أَوْ أَجُرَّهُ إلَى مُسْلِمٍ " قَالَ : " قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجِعَكَ " (2)

فهذا دعاءٌ عظيمٌ يُستحبُ للمسلم أن يقولَه في الصباح والمساء وعند النوم ، وهو مشْتَملٌ على التَّعوُّذ بالله والالتجاء إليه والاعتصام به سبحانه من الشرور كلِّها ، من مصادرها وبداياتها ومن نتائجها ونهايتها وقد بدأه بتَوَسُّلات عظيمة إلى الله جل وعلا ، بذكرِ جُملةٍ من نُعوتِه العظيمة وصفاته الكريمة ، الدَّالَة على عَظمته وكماله ، فتوسل إليه بأنَّه

" فاطر السَّموات والأرض " أي خالقُهُما ومُبْدعهما وموجدُهما على غير مثال سابق ، وأنَّه " عالِمُ الغيب والشهادة " ، أي لا يخفى عليه خافية ، فهو عليمٌ بكلِّ ما غاب عن العباد و ما ظهر لهم ، فالغيبُ عنده شهادة والسِّرُّ عنده علانية ، وعِلمُه سبحانه مُحيطٌ بكلِّ شيء ، وتوسَّل إليه بأنَّه :

"ربُّ كلِّ شيء ومليكُه " فلا يَخرج شيءٌ عن ربوبيَّته ، وهو المالكُ لكلِّ شيء ، فهو سبحانه ربُّ العالمين ، وهو المالكُ للخَلق أجمعين ، ثمَّ أعلن بعد ذلك توحيدَه وأقَرَّ له بالعبودية ، وأنَّه المعبود بحقٍّ ولا معبودَ بحقٍّ سواه فقال : " أشهد أن لا إله إلاَّ أنت " وكلُّ ذلك جاء مقدِّمةٍ بين يدي الدعاءِ ، مُظهرًا فيه العبدُ فاقتَه وفَقرَه واحتياجَه إلى ربِّه ، معترفاً فيه بجلاله وعَظَمته ، مُثبتًا لصفاته العظيمة ونعوته الكريمة ، ثمَّ ذكر بعد ذلك حاجتَه وسؤالَه ، وهو أن يُعيذَه اللهُ من الشرور كلِّها فقال : " أعوذ بك من شَرِّ نفسي وشَرِّ الشيطان وشِرْكِه ، وأن أقْتَرفَ على نفسي سوءاً أو أجُرَّه إلى مسلم " وفي هذا جمعٌ بين التعوُّذ بالله من أصول الشَّرِّ ومنابعه ، ومن نهاياته ونتائجه ، يقول ابن القيم رحمه الله في التعليق على هذا الحديث : " فذَكرَ أي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مَصْدَرَي الشَّرِّ وهما النفسُ والشيطان ، وذكَر مَوْرِدَيْه ونِهَايَتَيْه وهما عَوْدُه على النفس أو على أخيه المسلم ، فجمع الحديثُ مصادرَ الشَّرِّ ومَوارِدَه في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه " (3)

فالحديثُ فيه تعوذ بالله عزوجل من أربعة أمور تتعلق بالشر :

الأول : شَرُّ النفس ، وشَرُّ النفس يُولِّد الأعمالَ السيِّئةَ والذُّنوبَ والآثامَ.

الثاني : شَرُّ الشيطان ، وعدواةُ الشيطان للإنسان مَعلومةٌ بتحريكه لفِعل المعاصي والذُّنوب وتَهييجِ الباطل في نفسه وقَلْبِه .

وقوله " وشِرْكه " أي ما يدعو إليه من الشِّرك، ويُروَى بفتح الشين والراء " وشَرَكه " أي : حبائلُه .

الثالث: اقترافُ الإنسان السوءَ على نفسه وهذه نتيجةٌ من نتائج الشَّرِّ عائدةٌ إلى نفس الإنسان.

والرابع: جرُّ السُّوء على المسلمين، وهذه نتيجةٌ أخرى من نتائج الشَّرِّ عائدةٌ إلى الآخرين.

وقد جمع الحديثُ التعوذَ بالله من ذلك كلِّه ،فما أجْمَعَه من حديث، وما أعظمَ دِلالته ،و ما أكمل إحاطته بالتَّخَلُّص من الشَّرِّ كلِّه .

الحواشي:
(1) : سنن الترمذي ( رقم: 3391) وسنن أبي داود (رقم :5068)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( رقم : 353)

(2): سنن الترمذي ( رقم: 3592)، وسنن أبي داود ( رقم: 5067)

(رقم :5083)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي ( رقم:2701 )

(3): بدائع الفوائد (2/209)
...................

ومن أَذْكَارِ طَرفَيِ النَّهَار
[ شَرح حَديث سَيِّدُ الاسْتِغفَارِ ]
قال الشَّيخ الفاضل الدكتور عبد الرزاق البدر حفظه الله:
" وإنَّما تعظم فائدةُ من مثل هذه الدعوات المباركة بوقوفه على معانيها وفهمه لدلالاتها ومراميها ومجاهدته لنفسه على تحقيقها "

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ مِن الأذكارِ العظيمة والدعواتِ المباركة التي ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها كلَّ صباح ومساء ما ثبت في صحيح البخاري من حديث شداد ابن أوس رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " سَيِّدُ الاسْتِغفَارِ أَنْ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءَ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ ، مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ ، مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ "(1)
فهذا دعاء عظيم جامع لمعاني التوبةِ والتَّذلُّل لله تبارك وتعالى والإنابة إليه، وَصَفَهُ صلى الله عليه وسلم بأنَّه سيِّد الاستغفار، وذلك لأنَّه قد فاق سائرَ صيغَ الاستغفار في الفضيلة ، وعلا عليها في الرتبة ، ومن ومعاني السيِّد ، أي : الذي يفوق قومَه في الخير ويرتفع عليهم.
ووجهُ أفضليةِ هذا الدعاء على غيره من صِيَغِ الاستغفار أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بدأه بالثَّناء على الله والاعتراف بأنَّه عبدٌ لله مربوبٌ مخلوق له عزَّوجل ، وأنَّه سبحانه المعبود بحقٍّ ولا معبود بحقٍّ سواه ، وأنَّه مقيمٌ على الوعد ، ثابتٌ على العهد من الإيمان به وبكتابه وبسائر أنبيائه ورسله ، وأنَّه مقيمٌ على ذلك بحسب طوقه واستطاعته ، ثم استعاذ به سبحانه من شَرِّ كلِّ ما صَنَع من التقصير في القيام بما يجب عليه شُكر الإنعام وارتكاب الآثام ، ثم أَقَرَّ بترادف نِعَمِه سبحانه وتوالى عطاياه ومِنَته ، واعتراف بما يصيبُ من الذنوب والمعاصي ، ثم سأله سبحانه المغفرةَ مِن ذلك كلِّه معترفًا بأنَّه لا يغفرُ الذنوبَ سواه سبحانه .
وهذا أكملُ ما يكون في الدُّعاء، ولهذا كان أعظمَ صِيغ الاستغفار وأفضلَها وأجمعَها للمعاني الموجبة لغفران الذنوب.
وقوله في أول هذا الدعاء " اللَّهمَّ " هي بمعنى يا الله، حذف منها ياءَ النداء وعوض عنها بالميم المشددة ، ولهذا لا يجوز الجمع بينهما ، لأنَّه لا يجمع بين العِوَض والمعوَّض عنه ، ولا تستعمل هذه الكلمة إلاَّ في الطلب ، فلا يقال : اللَّهم غفور رحيم ، وإنَّما يقال : اللَّهم اغفر لي وارحمني ونحو ذلك .
وقوله : " أنتَ ربِّي لا إلَه إلاَّ أنت خلقتَني وأنا عبدُك " فيه تذَلُّلٌ وخضوعٌ ، وانكسارٌ بين يدي الله ، وإيمان بواحدنيته سبحانه في ربوبيَّتِه وألوهيته ، فقوله : " أنت ربِّي " أي : ليس لي ربٍّ ولا خالق سواك ، والربُّ هو المالك الخالقُ الرازقُ المدبِّر لشؤون خلقه ، فهذا إقرارٌ بتوحيد الربوبية ، ولهذا أعقبه بقوله " خلقتنِي " أي : أنت ربِّي الذي خلقتنِي ليس لي خالقٌ سِواك.
وقوله: " لا إله إلاَّ أنت " أي: لا معبود بحقٍّ سواك، فأنت وحدك المستحق للعبادة، وهذا تحقيق لتوحيد الألوهية، ولهذا أعقَبَه بقوله: " وأنا عبدك " أي: وأنا عابدٌ لك، فأنت المعبودُ بحقٍّ ولا معبودَ بحقٍّ سواك.
وقوله: "وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت " أي: وأنا على ما عاهدتُك وواعدتُك من الإيمان بك والقيام بطاعتك وامتثال أوامرك، " ما استطعت " أي : على قَدْر استطاعتِي ، فإنَّه سبحانه لا يكلِّف نفسًا إلاَّ وُسْعَها.
وقوله : " أعوذ بك من شرِّ ما صنعت "أي : ألتجىءُ إليك يا الله ، وأَعتَصِمُ بك من شرِّ الذي صنعتُه مِن شَرِّ مَغَبَّتِه ، وسوء عاقبته ، وحلول عقوبته ، وعدم مغفرته ، أو من العَوْد إلى مثله من شر الأفعال ، وقبيح الأعمال ، ورديء الخصال .
وقوله : " أبوء لك بنعمتك عليَّ " أي : أعترف بعظم إنعامك عليَّ وترادف فضلك وإحسانك ، وفي ضِمن ذلك شكر المنعم سبحانه والتَّبرِّي من كفران النِّعَم .
وقوله : " وأبوء بذنبِي " أي : أقرُّ بذنبِي ، وهو ما ارتكبتُه من إثم وخطيئة ، من تقصير في واجب أو فعل لمحظور ، والاعتراف بالذَّنب والتقصيرُ سبيلٌ إلى التوبة والإنابة ، ومَن اعترف بذنبه وتاب من تاب الله عليه .
وقوله : " فاغفر لي " أي : يا الله ، جميعَ الذنوب فإنَّ رحمتَك واسعةٌ وصفحَك كريمٌ ، ولا يتعاظمُك ذنبٌ أن تغفرَه ، فأنت الغفورُ الرحيم ، ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت ، يقول الله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ [ سورة آل عمران : 135]
ثم إنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قد ختم هذا الدعاءَ ببيان الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يناله من يحافظ عليه كلِّ صباح ومساء، فقال: " من قالها أي : هؤلاء الكلمات من النهار ، موقنًا بها أي : مصدقًا بها معتقدًا لها ، لكونها من كلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاَّ وحي يوحى، صلوات الله وسلامه عليه ، فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة "
وإنَّما حاز المحافظُ على هذا الدعاء هذا الموعود الكريم والأجر العظيم والثواب الجزيل ، لأنَّه افتتح نهارَه واختتمه بتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته والاعتراف بالعبودية ومشاهدة المنة والاعتراف بالنعمة ، ومطالعة عيب النفس وتقصيرها ، وطلب العفو والمغفرة من الغفار ، مع القيام على قدم الذل والخضوع والانكسار ، وهي معان جليلةٌ وصفاتٌ كريمة يفتتح بها النهار ويختتم، جدير صاحبها أو المحافظ عليها بالعفو والغفران ، والعتق من النيران والدخول للجنان (2) نسأل الله الكريم من فضله .
------------------------
(1): صحيح البخاري ( رقم : 6306)
(2): انظر : كتاب نتائج الأفكار في شرح حديث سيِّد الاستغفار للسفاريني كاملاً
..............................
ما يُقال في الصلاة الجنازة
[ذكر معاني للأدعية مأثورة في صلاة الجنازة]

لقد ورد في السنَّة أحاديثُ عديدةٌ تتعلَّق بما يُقال في الصلاة على الجنازة، وفيما يلي بيانُها:
ثبت في صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : " صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ ، وَاعْفُ عَنْهُ ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ ،وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَردِ وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنسِ ، وَأَبْدلْهُ دَاراً خَيْرًا مِنْ دَارِهِ ، وَأهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، قَالَ : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ المَيِّتُ " (1)
وهو دعاء عظيم جامع، محض فيه الدعاء للميت بالعفو والغفران، والسلامة والنجاة، والإكرام والإحسان، يُؤتى به في هذا الموضع العظيم عند الصلاة عليه، وهو موضع يُستحبُّ فيه المبالغة في الترحُّم على الميت والدعاء له ، لأنَّه قد أُتي به إلى إخوانه المسلمين ليدعوا له ، وليسألوا الله مغفرةَ ذنوبه وستر عيوبه وإقالة عثراته ، وهو دعاء ينفع الميت بإذن الله ، وهو من جملة الأمور الدالة على التراحم والتعاطف بين أهل الإيمان ، والسُّنَّة في هذا الدعاء أن يُؤتى به بعد التكبيرة الثالثة ، أما التكبيرة الأولى فيقرأ بعدها الفاتحة ، والتكبيرة الثانية يُصلِّي بعدها على النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وبعد التكبيرة الثالثة يُؤتى بهذا الدعاء أو غيره من الدعوات المأثورة .
قوله: " اللهمَّ اغفر له وارحمه " المغفرة ستر الذنوب مع التجاوز عنها، والرحمة أبلغ، لأنَّ فيها حصول المرغوب بعد زوال المكروه.
وقوله: " وعافه واعف عنه " أي: عافه من العذاب وسلِّمه منه، واعف عنه ما وقع فيه من زلل وتقصير.
وقوله: " وأكرم نزله " النُزُل: ما يُقدِّم للضيف، أي: اجعل نزله وضيافته عندك كريمة.
وقوله : " وأوسع مُدخلَه " أي : وسِّع له في قبره وافسح له فيه، ووسِّع له كذلك منازله عندك في الجنَّة ، لأنَّ المدخلَ هنا مفردٌ مضاف فيَعمُّ .
وقوله : " واغسله بالماء والثلج والبرد " وهذه الأمور الثلاثة تُقابل حرارة الذنوب فتبردها وتُطفىءُ لهيبَها .
وقوله : " ونقِّه من الذنوب كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس " من التنقية وهي بمعنى التطهير ، أي : طهِّره من ذنوبه وخطاياه كما يُطهَّر ويُنظَّف الثوب الأبيض من الدَّنس الذي علق به ، وخصَّ الأبيض بالذِّكر ، لأنَّ إزالةَ الأوساخ فيه أظهر من غيره من الألوان .
وقوله: " وأبدله دارًا خيرًا من داره " أي: أدخله الجنَّة دار كرامتك، بدلاً عن دار الدنيا التي رحل عنها.
وقوله: " وأهلاً خيرًا من أهله وزوجا خيرًا من زوجه " أي: وأبدله خيرًا منهم، وهذا شامل للتبديل في الأعيان والأوصاف، أمَّا في الأعيان بأن يُعوِّضه الله عنهم خيرًا منهم في دار كرامته، وأمَّا في الأوصاف بأن تعودَ العجوزُ شابةً وسيِّئةُ الخلق حسنةَ الخلق ، وغيرُ الجميلة جميلةً .
ثمَّ سأل الله له دخول الجنَّة والنجاة من النار، والسلامة من فتنة القبر بأن يُوقى شرُّها وأثرها.
وممَّا يُقال في الصلاة على الجنازة ما رواه أحمد وابن ماجه وغيرُهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتنَا ، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنَا ، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ " (2)
وهو دعاءٌ عظيمٌ شمل الميِّت المصلَّى عليه وغيرَه من المسلمين الأحياء منهم والأموات، والصغار والكبار ، والذكور والإناث ، والمشاهد منهم والغائب ، لأنَّ الجميعَ مشتركون في الحاجة بل الضرورة إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، ومن دعا بهذه الدعوة فله بكلِّ واحد من المسلمين والمسلمات المتقدِّمين منهم والمتأخرين حسنة ، لما ثبت في المعجم الكبير للطبراني بإسناد حسن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن استَغْفَرَ للمؤمنين والمؤمنات كَتَبَ اللهُ له بكلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ حَسَنَةً " (3)
وقوله : " اللَّهمَّ مَن أحييته منَّا فأحيه على الإسلام ، ومن توفَّيته منا فتوفَّه على الإيمان" فذكر الإسلام في الحياة والإيمان عند الممات ، وذلك أنَّ الإسلام إذا قُرن بالإيمان يُراد به الشرائع العملية الظاهرة ، ويُراد بالإيمان الاعتقاداتُ الباطنة ، ولهذا ناسب في الحياة أن يذكر الإسلام ، لأنَّ الإنسان ما دام حيًّا فلديه مجال وفسحة للعمل والتعبُّد، وأمَّا عند الممات فلا مجال لذلك ، بل لا مجال إلاَّ للموت على الاعتقاد الصحيح والإيمان السليم بتوفيق من الله ، ولهذا قال : " ومن توفَّيته فتوفَّه على الإيمان ".
وقوله: " اللَّهمَّ لا تحرمنا أجره " أي: الأجر الذي نحصله من تجهيزه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه، وكذلك الأجر نحصله من صبرنا على مصيبتنا فيه، أمَّا أجر عمله فهو له، وليس لنا منه شيء.
وقوله: " ولا تُضلَّنا بعده " أي: أعذنا من الضلال وجنِّبنا الفتنة، والزَّلل بعد فقدنا له.
ومن باب الدعوات التي تُقال في الصلاة على الجنازة ما رواه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم عن يزيد بن رُكانة بن المطلب رضي الله عنه : " كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلى جَنَازَةٍ ليُصَلِّيَ عليها قال : اللَّهُمَّ عَبْدُكَ وابنُ أَمَتِكَ احتَاجَ إلى رَحْمَتِكَ ، وأنتَ غَنيٌّ عَن عَذابِه ، إن كانَ مُحْسناً فَزِدْ في حَسَناتِه ، وإن كان مُسيئاً فَتَجَاوَزْ عنه " ، وهو حديث ثابت (4)
وروى مالك في الموطأ عن سعيد المقبري أنَّه سأل أبا هريرة : كيف تُصَلِّى على الجنازة؟ فقال أبو هريرة : " أنَا لَعَمْرُ الله أُخْبرُك ، اتَّبعُهَا مِن أَهْلِهَا ، فإذا وُضعَت كَبَّرتُ وَحَمِدتُ اللهَ وصلَّيت على نبيِّه ، ثمَّ أقول : " اللَّهمَّ إنَّه عَبْدُكَ وابنُ عَبْدكَ وابنُ أمَتِكَ، كان يَشهَدُ أن لاَ إلَه إلاَّ أنتَ ، وأنَّ محمَّداً عبدُكَ ورَسولُك ، وأنتَ أعلَمُ بِه ، اللَّهمَّ إن كَانَ مُحسناً فَزِدْ في إحْسانِه، وإن كانَ مُسيئاً فتَجَاوَزْ عَن سيِّئاته ، اللَّهمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَه ، ولا تَفْتِنَّا بَعدَه " (5)
نسأل الله أن يغفر لنا ولجميع المسلمين، إنَّه هو الغفور الرحيم.
----------------------
(1) : صحيح مسلم ( رقم :963)
(2) : مسند أحمد (2/368)، وسنن ابن ماجه (رقم : 1498)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه ( رقم:1217)
(3) : مجمع الزوائد (10/210)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( رقم : 6026)
(4) : المعجم الكبير (22/249)، والمستدرك (1/359)، وانظر أحكام الجنائز للألباني رحمه الله (ص:159)
(5) : الموطأ ( رقم :609)
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 21-05-2012 الساعة 12:01 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
السني الجزائري
زائر
  • المشاركات : n/a
السني الجزائري
زائر
فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
30-03-2012, 02:41 AM
مَا وَرَدَ فِي السَّلاَمِ


إنَّ من آداب الإسلام الحميدة وخصاليه الرشيدة إفشاءَ السلام، فإنَّ السلام تحيَّةُ المؤمنين ،وشعارُ الموحِّدين ، وداعيةُ الإخاء والأُلفة المحبَّة بين المسلمين ، وهو تحيَّةٌ مبارَكةٌ طيِّبةٌ ،كما وصفه بذلك ربُّ العالمين، وذلك قوله سبحانه : ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِندِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [ سورة النور: 61] ، وهو تحيَّة أهل الجنَّة يحيِّيهم بها الملائكة الكرام ، وذلك عندما يُساق أهل الجنَّة إلى الجنَّة زُمَرًا ، وتفتح لهم أبوابها الثمانية ، فيتلَّقاهم خزنتُها بهذه التحيَّة ﴿ سَلَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدينَ ﴾ [ سورة الزمر: 73]، وهو تحيَّة أهل الجنَّة بينهم، كما قال تعالى:
﴿ تَحِيَّتُهُمْ فيهَا سَلَمٌ [ سورة إبراهيم: 23]، وهو تحيَّة الملائكة وتحيَّة آدم وذريته.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: " خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ : اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحيَّةُ ذرِيَّتكَ فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَزَادُوهُ : وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ " (1)
ومن فضائل السلام أنَّه من خير الإسلام ففي الصحيحين عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: " أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرً ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " (2)
وهو حقِّ للمسلم على أخيه المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: " حقُّ المسلم على المسلم ست "، وذكر منها " وإذا لقِيتَه فسلِّم عليه "
وهو سببٌ عظيمٌ للأُلفة بين المسلمين والمحبَّة بين المؤمنين، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلاَ أَدُلَّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه مسلم (3)
والمحبَّة الحاصلةُ هنا سببُها أنَّ كلَّ واحد من المتلاقيين يدعو للآخَر بالسلامة من الشرور ، وبالرحمة الجالبة لكلِّ خير ، ولهذا ثبت في المسند وغيره عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " أفشوا السلام تسلموا " (4) أي : تسلموا من كلِّ موجِب للفُرقة والقطيعة ، وكيف إذا انضمَّ إلى هذا بشاشةُ الوجه وحُسنُ الترحيب وجمالُ الأخلاق.
وعلى المُسلَّمِ عليه ردُّ التحيَّة بأحسن منها أو مثلها، لقوله تعالى:﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [ سورة النساء:86]
وخيرُ الرَّجلين مَن يبدأُ صاحبَه بالسَّلام ، ففي سنن أبي داود عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بالسَّلامِ " (5)، وإذا لَم يُسلِّم مَن يُطلبُ منه ابتداءُ السلام فليُسلِّم الآخر ولا يتركوا السنَّة.
ومن السُّنَّة أن يسلِّم الصغيرُ على الكبير ، والقليلُ على الكثير ، والراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُسلِّمْ الرَّاكبُ على الماشِي، والماشي على القاعد ، والقليلُ على الكثير " وفي رواية للبخاري : " يُسلِّم الصغير على الكبير والمارُّ على القاعد والقليلُ على الكثير " (6)
وكان صلى الله عليه وسلم يُسلِّم على الصبيان ويبدأهم بالسَّلام ، وهذا من كمال تواضعه ، وهو دأبُ السَّلف الصالح رحمهم الله ، روى مسلمٌ في صحيحه عن يسار قال : " كنتُ أمشِي مع ثابت البُناني، فمرَّ بصبيان فسلَّم عليهم ، وحدَّث ثابتٌ أنَّه كان يَمشي مع أنس رضي الله عنه فمَرَّ بصبيان فسلَّم عليهم ، وحدَّث أنسٌ أنَّه كان يَمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمَرَّ بصبيان فسلَّم عليهم " (7)
ثمَّ إنَّ ابتداءَ السلام سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، فإن كان المسلِّمُ جماعةً كفى عنهم واحد، ولو سلَّموا جميعًا كان أفضلَ، ورفعُ الصوت بابتداء السَّلام سُنَّةٌ ليَسمعه المسلِّمُ عليهم كلُّهم سماعًا محقَّقًا لحديث " أفشوا السَّلام بينكم "
وإن سلَّمَ على أيقاظ ونيام خفضَ صوتَه بحيث يُسمع الأيقاظَ ولا يوقظ النيامَ ، وهذا أدبٌ إسلاميٌّ رفيعٌ ، وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يجيءُ من اللَّيل فيُسلِّم تسليمًا لا يُوقظ نائماً ، ويسمع اليقظان ، رواه مسلم في صحيحه ضمن حديث طويل (8)
ويُسَنُّ أن يَبدأ بالسَّلام قبل الكلام لحديث " مَن بدَأَ بالكَلام قَبل السَّلام فلا تُجيبوه " رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (9)
وكلما زاد المسلم من صيغ السلام المأثورة زاد أجرهُ بكلِّ واحدة عشرُ حسنات ، روى أبو داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه :" أنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ : عَشْرٌ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ : عِشْرُونَ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: ثَلاَثُونَ " (10)
ولا يزيد المسلمُ على هذا كأن يقول : ومغفرته ومرضاته لأنَّ السَّلامَ المسنون انتهى إلى "وبركاته" لو كان في الزيادة خيرٌ لدلَّنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى مالك في الموطأ عن محمد بن عمرو بن عطاء أنَّه قال :" كنتُ جالساً عند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، فدخل عليه رجلٌ من أهل اليمن ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئًا مع ذلك أيضًا ، قال ابن عباس، وهو يومئذ قد ذهب بصرهُ : من هذا ؟ قالوا : هذا اليمانيُّ الذي يغشاك ، فعرَّفوه إيَّاه فقال ابن عباس: إنَّ السَّلامَ انتهى إلى البَركَة " (11)
ومن أحكام السلام أن لا يُقْصَر على المعرفة ، بل يُسلِّمُ المسلمُ على مَن عرف ومن لَم يعرف ، وقد مرَّ معنا حديثُ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في هذا، وجاء في السُّنَّة أنَّ من أشراط الساعة قصْرَ السلام على المعرفة ، ففي المسند بسند جيِّد عن الأسود بن يزيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنَّ من أشراطِ السَّاعة إذا كانت التَّحيَّةُ على المعرفة " (12) ، وفي رواية : " أن يُسلِّمَ الرَّجل على الرَّجل لا يُسلِّم عليه إلاَّ للمعرفة "
ومن أحكام السلام ألاَّ يُبدَأ اليهودُ والنصارى بالسلام ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تبدَؤوا اليهود ولا النصارى بالسَّلام " (13) ، وإذا بدؤوا هم بالسلام فإنَّه يُكتفى بالردِّ عليهم بأن يُقال " وعليكم " لِـمَا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا سَلَّمَ عَليكم أهلُ الكتاب فإنَّما يقولُ أحدُهم السَّامُ عليكم ، فقل وعَلَيكم " (14)
وأمَّا أهل البدع والأهواء ففي حُكم السلام عليهم تفصيلٌ يُعلم بمطالعة الأدلة ومعرفة هدي سلف الأمَّة رحمهم الله ، فإذا كان المبتدعُ كافرًا ببدعته وحكم المحقِّقون من أهل العلم بخروجه من الملَّة ، فإنَّه لا يُسلَّمُ عليه ، إذ حكمُ السلام عليه كحكم السلام على الكفار سواء .
إمَّا إذا لَم يبلغ ببدعته حدَّ الكفر ، فالسَّلام عليه جائزٌ ابتداءً وردًّا ما دام أنَّ الإسلامَ وهو موجبُ استحقاقه للسلام موجودٌ فيه ، وهكذا الشأن في العُصاة من أهل الإسلام
وإنَّما يُشرع تركُ السلام على هؤلاء في بعض الأحوال إذا كان في تركه تحصيلُ مصلحة راجحة أو دفع مفسدةٍ متحقِّقة ، كأن يَترك السلام عليهم تأديبًا لهم أو زَجراً لغيرهم، أو صيانة لنفسه من التأثُّر بهم أو غير ذلك من المقاصد الشرعية
وأمَّا التهاجرُ والتقاطعُ وتركُ السلام بلا سبب شرعيٍّ فهو أمر لا يُحبُّه الله من عباده ، ونسأل الله أن يجمع المسلمين على الحقِّ والهدى ، وأن يُؤلِّف بين قلوبهم على البرِّ والتقوى ، وأن يهدينا جميعًا سواءَ السبيل .

الحواشي:
(1) : صحيح البخاري ( رقم :6227)، وصحيح مسلم (رقم :2841)
(2) : صحيح البخاري ( رقم : 28)، وصحيح مسلم ( رقم :49)
(3) :صحيح مسلم ( رقم :54)
(4) : المسند (4/286)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم : 1087)
(5) : سنن أبي داود ( رقم :5197)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب ( رقم :2703)
(6) : صحيح البخاري ( رقم :6232،6234)، وصحيح مسلم ( رقم :2160)
(7) : صحيح مسلم ( رقم :2168)
(8) : صحيح مسلم ( رقم :2055)
(9): عمل اليوم والليلة ( رقم:210)، وحسَّنه الألباني في الصحيحة ( رقم:816)
(10) : سنن أبي داود ( رقم : 5195)، وسنن الترمذي ( رقم :2689)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب ( رقم :2710)
(11) : موطأ مالك ( رقم :2758)
(12): المسند (1/387)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في الصحيحة ( رقم:648)
(13): صحيح مسلم ( رقم :2167)
(14): صحيح البخاري ( رقم: 6257)، وصحيح مسلم ( رقم :2163)
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 21-05-2012 الساعة 12:00 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية يوسف جزائري
يوسف جزائري
مشرف صندوق المحادثات
  • تاريخ التسجيل : 24-12-2008
  • الدولة : أرض الله الواسعة
  • المشاركات : 5,403
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • يوسف جزائري has a spectacular aura aboutيوسف جزائري has a spectacular aura about
الصورة الرمزية يوسف جزائري
يوسف جزائري
مشرف صندوق المحادثات
رد: فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
30-03-2012, 03:11 PM
السلام عليكم

بارك الله فيك أخي السني الجزائري

على موضوعك المفيد الهادف

  • ملف العضو
  • معلومات
Abd El Kader
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-04-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 2,763
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • Abd El Kader will become famous soon enough
Abd El Kader
شروقي
رد: فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
23-06-2013, 10:00 AM
بارك الله فيك

كلام الشيخ عبدالرزاق في فقه الأدعية يجعل المرء يذكر الله بحق، بقلبه وبلسانه متحققا بكثيرا من المعاني التي كان يغفل عنها
أظن أن كتابه ينبغي أن يقتنى فهو متوفر في المكتبات
وكذلك فيما أحسب أن له أشرطة سمعية في هذا الصدد

بارك الله في علمه ونفع به
----------------------------------------------------------------------------
من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟
----------------------------------------------------------------------------

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
  • ملف العضو
  • معلومات
healer
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 28-12-2006
  • المشاركات : 10,676
  • معدل تقييم المستوى :

    29

  • healer is on a distinguished road
healer
شروقي
رد: فِقهُ الأدْعية والأذَكار بقلم :الشَّيخ عَبدُ الرزّاق بن عَبد المحسن البَدر
18-08-2025, 11:09 PM
مذكرة تخرج
ميموار
دكتوراه
محاضرات
Remote Work
Freelance
بحث جاهز بالمنهجية العلمية
بحث pdf word
psychologie
psychologiques
Les impacts de la
Comment améliorer sa parents
L’importance de la procrastination
Comment surmonter les effets
L’influence de la émotions
Reconnaître les signes d’un
Les impacts de la
Les impacts de la
9 Traits des Personnes
la adultes est essentielle
Les mythes autour de
bases de la relation
perte et bonheur
soutien social pour réussir
Stratégies pour vaincre la
Les impacts de la
La psychologie de la
communication dans le couple
effets de la enfants
manquent de respect
Les mythes autour de
Les mythes autour de
importance de la stress
Les blessures invisibles de
Reconnaître les signes d’un
Stratégies pour vaincre la
améliorer sa acceptation
Le pouvoir de la
importance de la réseaux sociaux
autonomie dans le couple
Comment ces Habitudes FACILES
impacts de la personnalité
Les erreurs à éviter
Les mythes autour de
impacts de la parents
Comment surmonter les effets
Comprendre le lien entre
9 Signes Que Vous
Le rôle de la
Les erreurs à éviter
Les impacts de la
L’influence de la communication
Les liens entre alimentation
Développer la famille chez
fixer des limites
Les impacts de la
Stratégies pour vaincre la
traumatismes chez les enfants
13 Phrases Que les
motivation et bonheur
Comment améliorer sa réseaux
Les mécanismes psychologiques de
Les mythes autour de
Les erreurs à éviter
Comment améliorer sa émotions
Stratégies pour vaincre la
Le rôle de la
L’importance de la personnalité
Les erreurs à éviter
15 Psychological Tips To
bases de la caractère
hommes sigma ne font
Le rôle de la
soutien social démystifiés
Les étapes du développement
20 Signes Incontestables que
Reconnaître les signes d’un
5 Choses Qui Comptent
Le pouvoir de la
L’influence de la confiance
Les bases de la
traumatismes dans le couple
Les erreurs à éviter
Les mythes autour de
Les causes profondes de
hommes sigma intimident
Reconnaître les signes d’un
Comprendre le lien entre
Comment surmonter les effets
L’importance du soutien social
Les erreurs à éviter
Pourquoi la acceptation est
L’effet des réseaux sociaux
Pourquoi l’Homme Sigma Vous
7 Choses que les
acceptation chez les enfants
Stratégies pour vaincre la
Le pouvoir de la
Stratégies pour vaincre la
Stratégies pour vaincre la
10 Comportements Que Vous
importance de la procrastination
Le pouvoir de la
Pourquoi la émotions est
Les stratégies pour surmonter
L’influence de la réseaux
pouvoir de la autonomie
Pourquoi tu expliques trop…
Le rôle de la
Le pouvoir de la
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 11:12 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى