من كتاب الإسلام والإيمان والإحسان والواقع المعيش- الصـلاة -
26-04-2012, 12:47 PM
الصلاة عبادة مشتركة بين الديانات، وهي لون من ألوان الإبتهال إلى الله. وكلمة الصلاة لم يستحدثها الإسلام بل استعملها العرب قبل الإسلام بمعنى الدعاء والإستغفار(1)، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمُ إِنَّ صَلَواتِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾(التوبة/103)، وصل عليهم في هذه الآية تعني ادع لهم واستغفر لهم(2)، وهي مشتقة من الصلة لأنها تصل الإنسان بخالقه وتقربه من رحمة ربه(3).
أما الإسلام فأطلق لفظ الصلاة على الصورة المعهودة من العبادة التي علمها الرسول للمسلمين وهي: أقوال وأفعال يقصد بها تعظيم الله، مفتتحة بالتكبير( الله أكبر) ومختتمة بالتسليم( السلام عليكم ) بشروط خاصة وضعها لذلك(4).
والصلاة عبادة عملية فعلية بدنية؛ يتقرب بها العبد إلى ربه عن طريق أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح، وعمل القلب من خشوع وخضوع، والأقوال هي الإحرام والقراءة والتسبيح والدعاء والسلام ونحو ذلك، أما الأفعال فهي القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه بشرائط مخصوصة، هذا بالنسبة للصلوات الخمس المفروضة والمسنونة والنوافل، أما صلاة الجنازة ففيها تكبيرة وسلام دون ركوع ولا سجود، وسجود التلاوة فيه السجود فقط(5).
فرضت الصلوات الخمس - بمكة ليلة الإسراء قبل الهجرة إلى المدينة بسنة – في الأوقات المعروفة وهي وقت الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وأول الفرائض التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم هو الظهر(6)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّه عَزّ وَجَلّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جاء بِهنّ لَم يُضَيِّعْ منْهُنّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحقّهِنّ كانَ لَهُ عِنْدَ اللَّه عَهْدٌ اَنْ يُدْخِلَهُ الْجنّةَ، وَمَنْ لَمْ ياْتِ بهنّ فَلَيْسَ لَهُ عنْدَ اللَّه عَهْدٌ اِنْ شاءَ عَذَّبَهُ وَاِنْ شَاءَ اَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ »(7).
هناك صلوات مسنونة مؤكدة وهي صلاة الوتر ورغيبة الفجر والعيدان والكسوف والاستسقاء، وغير مؤكدة وهي تحية المسجد والرواتب مع الفرائض وركعتان بعد الوضوء وصلاة الضحى والتراويح وقيام الليل وماعدا ذلك فهو نفل، والنفل صلاة مطلقة بالليل أو بالنهار، أما صلاة الجمعة فواجبة(8)، قال الله تعالى في شأنها: ﴿ يَاأَيُّهَا الذِينَ ءَآمَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَّوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوِاْ اِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمُ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(الجمعة/9).
سميت الجمعة بهذا الإسم "جمعة" لأنها مشتقة من الجمع، ففي مثل هذا اليوم من كل أسبوع يجتمع أهل الإسلام بالمساجد الجامعة، وفيه كمل جميع الخلائق، وهو اليوم السادس من السنة التي خلق الله فيها السموات والأرض، وفيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه(9)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمتَن اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغََافِلِينَ »(10)، وقال أيضا: «
الغسل للجمعة واجب قال عليه الصلاة وسلام: « الغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتََنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبا إِنْ وَجَدَ »(12)، وقال: « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ اَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفِرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ اِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ اِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى »(13).
جاء في فرضية الجمعة قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم ناصحا أمته فقال: « يَأَيُّهَا النَّاسُ ! تُوبُوا إلَىَ اللَّهِ قَبْلَ أنْ تََمُوتُوا. وَبَادِرُوا بِِِالأَعْمَالِِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أنْ تُشْغَلُوا. وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا إلََى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا، أوْ جُحُودًا لَهَا، فَلاََ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَلاَ بَارَكَ لَهُ فِي أمْرِهِ. ألاَ، وَلاَ صَلاَةََ لَهُ، وَلاَ زَكَاةََ لَهُ وَلاَ حَجَّ لَهُ، وَلاَ صَوْمَ لَهُ، وَلاَ بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ. فَمَنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. ألاَ، لاَ تَؤُمَّنَّ امْرَأةٌ رَجُلاً. وَلاَ يَؤُمَّ أعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا. وَلاَ يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلاَّ أنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ »(14).
الصلاة هي أهم أركان الدين الإسلامي، وهي العمود الذي لا يقوم هذا الدين إلا به، وخمس صلوات في اليوم تطهر النفوس وتنظفها من الذنوب والآثام كما يطهر الغسل بالماء النقي خمس مرات في اليوم الأجسام وينظفها من جميع الأقذار(15)، قال صلى الله عليه وسلم: « فَاِنَّ الصَّلاَةَ تُذْهِبُ الذُّنُوبَ كَمَا يُذْهِبُ الْمَاءُ الدَّرَنَ »(16)، وهي أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وأجلها قدرا وأعظمها شأنا، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال: « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا »...(17).
الصلاة هي إشعار القلب بعظمة الإله فاطر السموات والأرض، فهي تعظيم له بالخشوع والخضوع لعظمته الخالدة وعزته الأبدية، فيكون القلب منه على وجل، يأتمر بأمره وينتهي عما نهاه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، أما من كان يصلي وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية وملاذه الجسمانية، فإن صلاته لم تثمر في الحقيقة الثمرة المطلوبة منها(18)، والصلاة المطلوبة هي التي قال الله سبحانه وتعالى في شأنها: ﴿ قَدَ اَفْلَحَ الْمُومِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾(المومنون/2،1).
لا يكون المرء مصليا لربه حقا إلا إذا كان قلبه حاضرا مملوءا بخشية الله وحده، بعيدا عن الوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن كان كذلك، تصلح أعماله الظاهرة والباطنة وتقوى علاقته بربه(19)، قال تعالى: ﴿ اَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾(العنكبوت/45)، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، هي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظما ربه، خائفا منه، راجيا رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة(20)، قال تعالى: ﴿ إِنَّنِىَ أَنَا اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِىَ ﴾(طه/14)، فمن كان قلبه غافلا عن ربه لا يكون ذاكرا له، وبذلك لا يكون مصليا صلاة حقيقية، بل يقوم بحركات فارغة من كل معنى تعبدي، يفكر في أمور الدنيا ومتاعها وهذا هو الواقع لدى البعض(21)، والصلاة الحقيقية تتطلب الخشوع الذي هو استحضار عظمة الله ولذة مناجاته، ومحاولة طرد الأفكار التي تتنازع المصلي أثناء صلاته.
من أعظم النعم – لو كنا نعقل – هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رافعة لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا، ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، وتملأ جوانحنا بالرضا، أما أولائك الذين جانبوا المسجد، وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء(22) ﴿ وَالذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ ﴾(محمد/8).
إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن ، وأخذ الهم بتلابيبك ، فقم حالا إلى الصلاة، تثب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة – بإذن الله- باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم، ومطاردة فلول الإكتئاب.
إذا ضاق الصدر، وصعب الأمر، وكثر المكر، فاهرع إلى المصلى فصل.
إذا أظلمت في وجهك الأيام، واختلفت الليالي، وتغير الأصحاب، فعليك بالصلاة.
كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر قال « أرحنا بالصلاة يا بلال » فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته(23)، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ ءَآمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(البقرة/153)، فالصلاة علاج ناجع لأمراضنا النفسية إن أتينا بها على الوجه الصحيح، فهي دعاء موجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه إن أحسن الدعاء.
الصلاة تطهر النفس وتزكيها، وتؤهل العبد لمناجاة الله تعالى في الدنيا ومجاورته في الدار الآخرة كما أنها تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر(24)، قال تعالى: ﴿ اَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾(العنكبوت/45).
إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولا، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة(25).
تشتمل الصلاة على جل أنواع العبادة كالإعتقاد بالقلب والإنقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود إليه والأطراح بين يديه. وعلى أقوال اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والإستغفار والإستغاثة والإستعانة والإفتقار إلى الله تعالى والثناء عليه والإعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر. وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والإعتدال والخفض والرفع وغير ذلك(26).
الصلاة في الإسلام لا تعدلها أية عبادة أخرى، فمن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين، وهي أول ما أوجبه الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من العبادات ليلة المعراج من غير واسطة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله(27)، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقة الدنيا، جعل يقول- وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة - : « الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم »، وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله(28).
للصلاة : شروط الوجوب: وهي البلوغ وعدم الإكراه على تركها، وشروط الصحة: وهي الطهارة من الحدث والخبث، والإسلام واستقبال القبلة وستر العورة، وشروط الوجوب والصحة معا: وهي بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والعقل ودخول وقت الصلاة وعدم فقدان الطهورين وعدم النوم والغفلة والخلو من دم الحيض والنفاس(29).
فرائض الصلاة عند المالكية خمسة عشر فرضا، وهي: 1- النية، 2- تكبيرة الإحرام، 3- القيام لها في الفرض دون النفل، لأنه يصح الإتيان به من قعود ولو كان المصلي قادرا على القيام، فتكبيرة الإحرام يصح الإتيان بها من قعود في هذه الحالة، 4- قراءة الفاتحة، 5- القيام لها في صلاة الفرائض، 6- الركوع، 7- الرفع منه، 8- السجود، 9- الرفع منه، 10- السلام، 11- الجلوس بقدره، 12- الطمأنينة، 13- الإعتدال في كل من الركوع والسجود والرفع منهما، 14- ترتيب الأداء، 15- نية إقتداء المأموم(30).
سنن الصلاة عند المالكية أربع عشرة سنة، وهي: 1- قراءة ما زاد على أم القرآن بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته، 2- القيام لها في الفرض، 3- الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه،4- السر فيما يسر فيه، 5- كل تكبيرات الصلاة ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض، 6- كل تسميعة، 7- كل تشهد، 8- كل جلوس للتشهد، 9- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، 10- السجود على القدمين، وعلى الركبتين والكعبين، 11- رد المقتدى على إمامه السلام، وعلى من على يساره إن كان به أحد شاركه في إدراك ركعة مع الإمام على الأقل، 12- الجهر بتسليمة التحليل، 13- إنصات المقتدي للإمام في الجهر، 14- الزائد عن القدر الواجب من الطمأنينة(31).
أما مندوبات الصلاة عند المالكية فهي ثمانية وأربعون(32).
لم أتطرق لمندوبات الصلاة ولا لمكروهاتها ومبطلاتها بالتفصيل لأن موضوع البحث يتعلق بالدين الإسلامي والواقع الذي يعيشه المسلمون، وعليه اقتصرت على ذكر شروط الصلاة وفرائضها وسننها فقط لأنها هي الأساس.
للصلاة فضل كبير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما ذكره ابن عساكر وابن القيم : أن رجلا من الصالحين لقيه لص في إحدى طرق الشام، فأجهز عليه ليقتله، فطلب منه مهلة ليصلي ركعتين، فقام فافتتح الصلاة، وتذكر قول الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾. فرددها ثلاثا، فنزل ملك من السماء بحربة فقتل المجرم، وقال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه(33) فالصلاة التامة تنجي صاحبها من مصائب الدنيا ومن أهوال يوم القيامة.
والصلاة يستوي فيها الكبير والصغير والقوي والضعيف والغني والفقير والرفيع والوضيع، قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: « يستوي الجميع في هذا المسجد استواء واحدا، ويقفون موقفا واحدا، ويخشعون خشوعا واحدا، ويكونون جميعا في نفسية واحدة؛ وليس هذا وحده، بل يخرون إلى الأرض جميعا ساجدين لله؛ فليس لرأس على رأس ارتفاع، ولا لوجه على وجه تمييز؛ ومن ثم فليس لذات على ذات سلطان. وهل تحقق الإنسانية وحدتها في الناس بأبدع من هذا؟ ولعمري أين يجد العالم صوابه إلا ههنا؟ »(34).
وعن العبادات وأولها الصلاة يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله « والعبادات تفقد وجهتها السماوية وقيمتها الروحية ونتائجها الإجتماعية عندما تمارس حركات بدنية وحسب »(35)، وقال: « رفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل »، وقال أيضا: « لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها! وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله عندما تسجد جوارحهم، وتحرك أنفس ما في كيانهم- وهو القلب واللب- عندما تتحرك ألسنتهم..
أما إذا وقفت العبادات عند القشور الظاهرة، والسطوح المزورة، فإنها ترفع خسيسة ولا تشفي سقاما »، ومما قاله كذلك: « إن المنحرفين يسترون- بركعات ينقرونها- فتوقا هائلة في بنائهم الخلقي وصلاحيتهم النفسية، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر، ويتربصون بهم العقاب لا المتاب، وهم يسمعون أن شعب الإيمان سبعون شعبة، بيد أنهم لا يعرفون فيها رأسا من ذنب، ولا فريضة من نافلة، والتطبيق الذي يعرفون هو وحده الذي يقرون »(36)، اللهم طهر أنفسنا وأجسادنا بالصلاة واجعلها قرة أعيننا، واجعل اللهم ظواهرنا كبواطننا آمين.
ــــــــــــ
(1)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(2)- ينظر تفسير ابن كثير، الجزء الثالث ص448.
(3)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(4)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(5)– ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص175-176.
(6)– كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص179.
(7)- كتاب الموطأ، ص111.
(8)– ينظر منهاج المسلم، ص. 206،236.
(9)– ينظر تفسير ابن كثير، الجزء السابع ص9.
(10)- مختصر صحيح مسلم، ص113.
(11)- منهاج المسلم، ص236.
(12)- مختصر صحيح البخاري، ص118.
(13)- مختصر صحيح البخاري، ص118.
(14)– سنن ابن ماجة، المجلد الأول ص343.
(15)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص172.
(16)– سنن ابن ماجة، الجزء الأول ص447.
(17)- مختصر صحيح البخاري، ص86، تتممة الحديث(...قَالَ: ثُمَّ اَىٌّ؟ قَالَ: « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ » قَالَ: ثُمَّ اَىٌّ؟ قَالَ: « الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي).
(18)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(19)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(20)- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(21)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(22)– لاتحزن، ص35.
(23)– لاتحزن، ص34،169.
(24)– منهاج المسلم، ،ص205.
(25)– لاتحزن، ص35.
(26)– معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، الجزء الثاني ص41.
(27) ينظر فقه السنة، الجزء الأول ص78.
(28)- فقه السنة، الجزء الأول ص78
(29)– ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص177.
(30)– كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص208.
(31)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة المجلد الأول ص243.
(32)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب المجلد الأول ص268.
(33)– لاتحزن، ص169.
(34)– وحي القلم، الجزء الأول ص318.
(35)- علل وأدوية، ص48.
(36)- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، ص114،109،66.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم برواية ورش.
- عفيف عبد الفتاح طبارة، روح الصلاة في الإسلام، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الثامنة 15 آذار سنة1978.
– الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير الجزء الثالث والتاسع، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة السادسة1404هـ - 1984م.
- عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، المجلد الأول.
- الإمام مالك بن أنس، كتاب الموطأ، والإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، كتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ، قدم لهما وراجعهما ونسقهما فاروق سعد، منشورات دار الأفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية1401هـ -1981م.
- أبوبكر جابر الجزائري، منهاج المسلم، دار الكتاب الحديث.
– الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، مختصر صحيح مسلم دار الإمام مالك الجزائر، الطبعة الأولى1428هـ -2007م.
- الإمام زين الدين أحمد بن عبد الطيف الزبيدي، مختصر صحيح البخاري المسمى التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، دار الإمام مالك الجزائر، الطبعة الأولى1428هـ -2007م.
- الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، سنن ابن ماجة، المجلد الأول 1395هـ - 1975م، دار إحياء التراث العربي.
- د. عائض القرني، لاتحزن، مكتبة العبيكان.
– الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد الجزء الثاني، جماعة إحياء التراث.
- السيد سابق، فقه السنة، الجزء الأول- العبادات-، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى1397هـ - 1977م.
- مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم الجزء الأول، دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
- محمد الغزالي، علل وأدوية، دار الشهاب للطباعة والنشر باتنة- الجزائر، الطبعة الثانية 1406هـ -1986.
- محمد الغزالي، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة الجزائر.
بوداود جلولي
.../...
أما الإسلام فأطلق لفظ الصلاة على الصورة المعهودة من العبادة التي علمها الرسول للمسلمين وهي: أقوال وأفعال يقصد بها تعظيم الله، مفتتحة بالتكبير( الله أكبر) ومختتمة بالتسليم( السلام عليكم ) بشروط خاصة وضعها لذلك(4).
والصلاة عبادة عملية فعلية بدنية؛ يتقرب بها العبد إلى ربه عن طريق أفعال الجوارح من ركوع وسجود، وفعل اللسان من قراءة وتسبيح، وعمل القلب من خشوع وخضوع، والأقوال هي الإحرام والقراءة والتسبيح والدعاء والسلام ونحو ذلك، أما الأفعال فهي القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه بشرائط مخصوصة، هذا بالنسبة للصلوات الخمس المفروضة والمسنونة والنوافل، أما صلاة الجنازة ففيها تكبيرة وسلام دون ركوع ولا سجود، وسجود التلاوة فيه السجود فقط(5).
فرضت الصلوات الخمس - بمكة ليلة الإسراء قبل الهجرة إلى المدينة بسنة – في الأوقات المعروفة وهي وقت الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وأول الفرائض التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم هو الظهر(6)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّه عَزّ وَجَلّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جاء بِهنّ لَم يُضَيِّعْ منْهُنّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحقّهِنّ كانَ لَهُ عِنْدَ اللَّه عَهْدٌ اَنْ يُدْخِلَهُ الْجنّةَ، وَمَنْ لَمْ ياْتِ بهنّ فَلَيْسَ لَهُ عنْدَ اللَّه عَهْدٌ اِنْ شاءَ عَذَّبَهُ وَاِنْ شَاءَ اَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ »(7).
هناك صلوات مسنونة مؤكدة وهي صلاة الوتر ورغيبة الفجر والعيدان والكسوف والاستسقاء، وغير مؤكدة وهي تحية المسجد والرواتب مع الفرائض وركعتان بعد الوضوء وصلاة الضحى والتراويح وقيام الليل وماعدا ذلك فهو نفل، والنفل صلاة مطلقة بالليل أو بالنهار، أما صلاة الجمعة فواجبة(8)، قال الله تعالى في شأنها: ﴿ يَاأَيُّهَا الذِينَ ءَآمَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَّوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوِاْ اِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمُ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(الجمعة/9).
سميت الجمعة بهذا الإسم "جمعة" لأنها مشتقة من الجمع، ففي مثل هذا اليوم من كل أسبوع يجتمع أهل الإسلام بالمساجد الجامعة، وفيه كمل جميع الخلائق، وهو اليوم السادس من السنة التي خلق الله فيها السموات والأرض، وفيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه(9)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمتَن اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغََافِلِينَ »(10)، وقال أيضا: «
الغسل للجمعة واجب قال عليه الصلاة وسلام: « الغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتََنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبا إِنْ وَجَدَ »(12)، وقال: « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ اَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفِرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ اِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ اِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى »(13).
جاء في فرضية الجمعة قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم ناصحا أمته فقال: « يَأَيُّهَا النَّاسُ ! تُوبُوا إلَىَ اللَّهِ قَبْلَ أنْ تََمُوتُوا. وَبَادِرُوا بِِِالأَعْمَالِِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أنْ تُشْغَلُوا. وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا إلََى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا، أوْ جُحُودًا لَهَا، فَلاََ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَلاَ بَارَكَ لَهُ فِي أمْرِهِ. ألاَ، وَلاَ صَلاَةََ لَهُ، وَلاَ زَكَاةََ لَهُ وَلاَ حَجَّ لَهُ، وَلاَ صَوْمَ لَهُ، وَلاَ بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ. فَمَنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. ألاَ، لاَ تَؤُمَّنَّ امْرَأةٌ رَجُلاً. وَلاَ يَؤُمَّ أعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا. وَلاَ يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلاَّ أنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ »(14).
الصلاة هي أهم أركان الدين الإسلامي، وهي العمود الذي لا يقوم هذا الدين إلا به، وخمس صلوات في اليوم تطهر النفوس وتنظفها من الذنوب والآثام كما يطهر الغسل بالماء النقي خمس مرات في اليوم الأجسام وينظفها من جميع الأقذار(15)، قال صلى الله عليه وسلم: « فَاِنَّ الصَّلاَةَ تُذْهِبُ الذُّنُوبَ كَمَا يُذْهِبُ الْمَاءُ الدَّرَنَ »(16)، وهي أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى وأجلها قدرا وأعظمها شأنا، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال: « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا »...(17).
الصلاة هي إشعار القلب بعظمة الإله فاطر السموات والأرض، فهي تعظيم له بالخشوع والخضوع لعظمته الخالدة وعزته الأبدية، فيكون القلب منه على وجل، يأتمر بأمره وينتهي عما نهاه، وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني، أما من كان يصلي وقلبه غافل عن ربه، مشغول بشهواته النفسانية وملاذه الجسمانية، فإن صلاته لم تثمر في الحقيقة الثمرة المطلوبة منها(18)، والصلاة المطلوبة هي التي قال الله سبحانه وتعالى في شأنها: ﴿ قَدَ اَفْلَحَ الْمُومِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾(المومنون/2،1).
لا يكون المرء مصليا لربه حقا إلا إذا كان قلبه حاضرا مملوءا بخشية الله وحده، بعيدا عن الوساوس الكاذبة أو الخواطر الضارة، ومن كان كذلك، تصلح أعماله الظاهرة والباطنة وتقوى علاقته بربه(19)، قال تعالى: ﴿ اَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾(العنكبوت/45)، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، هي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظما ربه، خائفا منه، راجيا رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله، وتأثر قلبه بخشيته، لأن الله سبحانه إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة(20)، قال تعالى: ﴿ إِنَّنِىَ أَنَا اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِىَ ﴾(طه/14)، فمن كان قلبه غافلا عن ربه لا يكون ذاكرا له، وبذلك لا يكون مصليا صلاة حقيقية، بل يقوم بحركات فارغة من كل معنى تعبدي، يفكر في أمور الدنيا ومتاعها وهذا هو الواقع لدى البعض(21)، والصلاة الحقيقية تتطلب الخشوع الذي هو استحضار عظمة الله ولذة مناجاته، ومحاولة طرد الأفكار التي تتنازع المصلي أثناء صلاته.
من أعظم النعم – لو كنا نعقل – هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رافعة لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا، ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، وتملأ جوانحنا بالرضا، أما أولائك الذين جانبوا المسجد، وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء(22) ﴿ وَالذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالهمْ ﴾(محمد/8).
إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن ، وأخذ الهم بتلابيبك ، فقم حالا إلى الصلاة، تثب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة – بإذن الله- باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم، ومطاردة فلول الإكتئاب.
إذا ضاق الصدر، وصعب الأمر، وكثر المكر، فاهرع إلى المصلى فصل.
إذا أظلمت في وجهك الأيام، واختلفت الليالي، وتغير الأصحاب، فعليك بالصلاة.
كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر قال « أرحنا بالصلاة يا بلال » فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته(23)، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَذِينَ ءَآمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(البقرة/153)، فالصلاة علاج ناجع لأمراضنا النفسية إن أتينا بها على الوجه الصحيح، فهي دعاء موجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه إن أحسن الدعاء.
الصلاة تطهر النفس وتزكيها، وتؤهل العبد لمناجاة الله تعالى في الدنيا ومجاورته في الدار الآخرة كما أنها تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر(24)، قال تعالى: ﴿ اَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾(العنكبوت/45).
إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولا، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة(25).
تشتمل الصلاة على جل أنواع العبادة كالإعتقاد بالقلب والإنقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود إليه والأطراح بين يديه. وعلى أقوال اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والإستغفار والإستغاثة والإستعانة والإفتقار إلى الله تعالى والثناء عليه والإعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر. وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والإعتدال والخفض والرفع وغير ذلك(26).
الصلاة في الإسلام لا تعدلها أية عبادة أخرى، فمن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين، وهي أول ما أوجبه الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من العبادات ليلة المعراج من غير واسطة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله(27)، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقة الدنيا، جعل يقول- وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة - : « الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم »، وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله(28).
للصلاة : شروط الوجوب: وهي البلوغ وعدم الإكراه على تركها، وشروط الصحة: وهي الطهارة من الحدث والخبث، والإسلام واستقبال القبلة وستر العورة، وشروط الوجوب والصحة معا: وهي بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والعقل ودخول وقت الصلاة وعدم فقدان الطهورين وعدم النوم والغفلة والخلو من دم الحيض والنفاس(29).
فرائض الصلاة عند المالكية خمسة عشر فرضا، وهي: 1- النية، 2- تكبيرة الإحرام، 3- القيام لها في الفرض دون النفل، لأنه يصح الإتيان به من قعود ولو كان المصلي قادرا على القيام، فتكبيرة الإحرام يصح الإتيان بها من قعود في هذه الحالة، 4- قراءة الفاتحة، 5- القيام لها في صلاة الفرائض، 6- الركوع، 7- الرفع منه، 8- السجود، 9- الرفع منه، 10- السلام، 11- الجلوس بقدره، 12- الطمأنينة، 13- الإعتدال في كل من الركوع والسجود والرفع منهما، 14- ترتيب الأداء، 15- نية إقتداء المأموم(30).
سنن الصلاة عند المالكية أربع عشرة سنة، وهي: 1- قراءة ما زاد على أم القرآن بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية من الفرض الوقتي المتسع وقته، 2- القيام لها في الفرض، 3- الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه،4- السر فيما يسر فيه، 5- كل تكبيرات الصلاة ما عدا تكبيرة الإحرام، فإنها فرض، 6- كل تسميعة، 7- كل تشهد، 8- كل جلوس للتشهد، 9- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، 10- السجود على القدمين، وعلى الركبتين والكعبين، 11- رد المقتدى على إمامه السلام، وعلى من على يساره إن كان به أحد شاركه في إدراك ركعة مع الإمام على الأقل، 12- الجهر بتسليمة التحليل، 13- إنصات المقتدي للإمام في الجهر، 14- الزائد عن القدر الواجب من الطمأنينة(31).
أما مندوبات الصلاة عند المالكية فهي ثمانية وأربعون(32).
لم أتطرق لمندوبات الصلاة ولا لمكروهاتها ومبطلاتها بالتفصيل لأن موضوع البحث يتعلق بالدين الإسلامي والواقع الذي يعيشه المسلمون، وعليه اقتصرت على ذكر شروط الصلاة وفرائضها وسننها فقط لأنها هي الأساس.
للصلاة فضل كبير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما ذكره ابن عساكر وابن القيم : أن رجلا من الصالحين لقيه لص في إحدى طرق الشام، فأجهز عليه ليقتله، فطلب منه مهلة ليصلي ركعتين، فقام فافتتح الصلاة، وتذكر قول الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾. فرددها ثلاثا، فنزل ملك من السماء بحربة فقتل المجرم، وقال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه(33) فالصلاة التامة تنجي صاحبها من مصائب الدنيا ومن أهوال يوم القيامة.
والصلاة يستوي فيها الكبير والصغير والقوي والضعيف والغني والفقير والرفيع والوضيع، قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: « يستوي الجميع في هذا المسجد استواء واحدا، ويقفون موقفا واحدا، ويخشعون خشوعا واحدا، ويكونون جميعا في نفسية واحدة؛ وليس هذا وحده، بل يخرون إلى الأرض جميعا ساجدين لله؛ فليس لرأس على رأس ارتفاع، ولا لوجه على وجه تمييز؛ ومن ثم فليس لذات على ذات سلطان. وهل تحقق الإنسانية وحدتها في الناس بأبدع من هذا؟ ولعمري أين يجد العالم صوابه إلا ههنا؟ »(34).
وعن العبادات وأولها الصلاة يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله « والعبادات تفقد وجهتها السماوية وقيمتها الروحية ونتائجها الإجتماعية عندما تمارس حركات بدنية وحسب »(35)، وقال: « رفض الإسلام قبول العبادات المعزولة عن مكارم الأخلاق المخلوطة بمنكر القول والعمل »، وقال أيضا: « لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها! وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله عندما تسجد جوارحهم، وتحرك أنفس ما في كيانهم- وهو القلب واللب- عندما تتحرك ألسنتهم..
أما إذا وقفت العبادات عند القشور الظاهرة، والسطوح المزورة، فإنها ترفع خسيسة ولا تشفي سقاما »، ومما قاله كذلك: « إن المنحرفين يسترون- بركعات ينقرونها- فتوقا هائلة في بنائهم الخلقي وصلاحيتهم النفسية، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر، ويتربصون بهم العقاب لا المتاب، وهم يسمعون أن شعب الإيمان سبعون شعبة، بيد أنهم لا يعرفون فيها رأسا من ذنب، ولا فريضة من نافلة، والتطبيق الذي يعرفون هو وحده الذي يقرون »(36)، اللهم طهر أنفسنا وأجسادنا بالصلاة واجعلها قرة أعيننا، واجعل اللهم ظواهرنا كبواطننا آمين.
ــــــــــــ
(1)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(2)- ينظر تفسير ابن كثير، الجزء الثالث ص448.
(3)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(4)- روح الصلاة في الإسلام، ص23.
(5)– ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص175-176.
(6)– كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص179.
(7)- كتاب الموطأ، ص111.
(8)– ينظر منهاج المسلم، ص. 206،236.
(9)– ينظر تفسير ابن كثير، الجزء السابع ص9.
(10)- مختصر صحيح مسلم، ص113.
(11)- منهاج المسلم، ص236.
(12)- مختصر صحيح البخاري، ص118.
(13)- مختصر صحيح البخاري، ص118.
(14)– سنن ابن ماجة، المجلد الأول ص343.
(15)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص172.
(16)– سنن ابن ماجة، الجزء الأول ص447.
(17)- مختصر صحيح البخاري، ص86، تتممة الحديث(...قَالَ: ثُمَّ اَىٌّ؟ قَالَ: « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ » قَالَ: ثُمَّ اَىٌّ؟ قَالَ: « الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي).
(18)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(19)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(20)- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(21)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص173.
(22)– لاتحزن، ص35.
(23)– لاتحزن، ص34،169.
(24)– منهاج المسلم، ،ص205.
(25)– لاتحزن، ص35.
(26)– معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، الجزء الثاني ص41.
(27) ينظر فقه السنة، الجزء الأول ص78.
(28)- فقه السنة، الجزء الأول ص78
(29)– ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص177.
(30)– كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، المجلد الأول ص208.
(31)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة المجلد الأول ص243.
(32)- ينظر كتاب الفقه على المذاهب المجلد الأول ص268.
(33)– لاتحزن، ص169.
(34)– وحي القلم، الجزء الأول ص318.
(35)- علل وأدوية، ص48.
(36)- مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، ص114،109،66.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم برواية ورش.
- عفيف عبد الفتاح طبارة، روح الصلاة في الإسلام، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الثامنة 15 آذار سنة1978.
– الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير ابن كثير الجزء الثالث والتاسع، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة السادسة1404هـ - 1984م.
- عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، المجلد الأول.
- الإمام مالك بن أنس، كتاب الموطأ، والإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، كتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ، قدم لهما وراجعهما ونسقهما فاروق سعد، منشورات دار الأفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية1401هـ -1981م.
- أبوبكر جابر الجزائري، منهاج المسلم، دار الكتاب الحديث.
– الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، مختصر صحيح مسلم دار الإمام مالك الجزائر، الطبعة الأولى1428هـ -2007م.
- الإمام زين الدين أحمد بن عبد الطيف الزبيدي، مختصر صحيح البخاري المسمى التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، دار الإمام مالك الجزائر، الطبعة الأولى1428هـ -2007م.
- الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، سنن ابن ماجة، المجلد الأول 1395هـ - 1975م، دار إحياء التراث العربي.
- د. عائض القرني، لاتحزن، مكتبة العبيكان.
– الشيخ حافظ بن أحمد حكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد الجزء الثاني، جماعة إحياء التراث.
- السيد سابق، فقه السنة، الجزء الأول- العبادات-، دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى1397هـ - 1977م.
- مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم الجزء الأول، دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
- محمد الغزالي، علل وأدوية، دار الشهاب للطباعة والنشر باتنة- الجزائر، الطبعة الثانية 1406هـ -1986.
- محمد الغزالي، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة الجزائر.
بوداود جلولي
.../...








