رحلة
18-04-2008, 07:47 AM
صعدت مع الصاعدين .. واستغربت في أمر انضباطهم وتنظيمهم وصعودهم بتؤدة واحترام، لا عراك ولا شتيمة أو سباب، لأول مرة أراهم لا يتدافعون، وما أثارني أكثر هي نظافتهم..
استويت في مقعد من المقاعد.. بقي بعضها شاغرا.. انطلقت بنا الحافلة.. تناول أحدهم مكبر الصوت، وراح يتكلم باللغة الإنجليزية التي لا أفهمها.. الكل صامت إلا هو كان يتحدث على ما يبدو حول المكان، لأنه كان يشير بإصبعه إلى بعض الجهات من الشارع الذي كانت تلتهمه الحافلة النظيفة التهاما..
جابت بنا بعض شوارع المدينة ثم أخذت وجهتها نحو الكورنيش، فبدا لنا البحر مرتميا على سفح الجبل المحاذي للمدينة من الجهة الخلفية، كان المنظر رائعا وخلابا..فاندفع أغلبهم يلتقطون صورا للبحر، ولبعض الزوارق والسفن التي تنتشر في لجته الزرقاء المتلاطمة أمواجها..
كان الحوار يدور بين كل اثنين، فيتبادلان إعجابهما الشديد بالمناظر الطبيعية الآسرة، يظهر ذلك في صيحاتهم الشديدة، معبرين بالحركة حينا وبالآهات حينا آخر..
فجأة أحسست بالغربة، فأنا في مؤخرة الحافلة بلا أنيس، الكل يصطحب خليلته إلا أنا.. أدركت أنني أخطأت الركوب، فالحافلة التي كان يجب علي أن أركبها كانت في الشارع الموازي، وخلقها غير هذا الخلق، فهذا الرهط الأزعر لا مكان لي بينهم..
شعرت بالعرق البارد يتصبب، وخجلت من نفسي، ولكن كيف السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة، فالطريق الذي كان علي أن اسلكه إلى مدينتي يقع في الاتجاه الآخر، والحافلة تنهب الآن الأرض نهبا متجهة بي إلى حيث لا أدري..!!
أنا الآن كالمختطف، بل كالمتسلل خفية وسط ركاب، بل كالجاسوس بينهم.. ارتعدت فرائصي، وشعرت بلساني لا يقدر على التفوه بكلمة واحدة.. وتخيلت كيف يكون مصيري إن عبرت لهم عن وجودي بينهم بطريق الخطإ.. وتصورت حالتي وهم يدققون النظر فيّ، ولا يصدقون ما يرون وما يسمعون..!!
استلقيت على قفاي، أغمضت عيني، تخيلتهم كيف يقودونني إلى الشرطة، كيف أقنعهم بخطئي في الركوب..
أشعر بالكلمات النابية التي يتفوه بها المحقق معي، يقودونني إلى الزنزانة، يتهمونني بالإرهاب، أتفحص جيوبي لأتأكد من خلوها من المتفجرات.. أتأكد مما أحمله .. لا شئ معي سوى كتيب اقتنيته من مكتبة صغيرة بثمن بخس يتحدث عن الصحوة .. فزعت منه.. الصحوة !!! أنتِ من يحكم علي بالمؤبد..!! لا بد لي من التخلص منه، كيف؟؟.. فكرت في أن أبتلعه، أن أرميه تحت المقاعد.. ثم تشجعت وتركته معي..
بدأت الشمس تميل إلى الغروب، أين أبيت الليلة؟ المبلغ الزهيد في جيبي لا يمكنني من أي شئ..
توقفت الحافلة أمام النزل الفخم، نزلوا، تبعتهم وكأنني واحد منهم، بشرتي النقية لم تفضحني، ولباسي الأنيق لا يفرق كثيرا عنهم.. توزعوا في البهو الطويل وقصد كل إلى غرفته.. هذا نزلهم وقد عادوا إليه.. أما أنا فرحت أجوب النزل صعودا ونزولا، ثم انتحيت جانبا فوجدت صالونا كبيرا فارغا، ارتميت على الأريكة وقابلت الشاشة، كان فيلما رائعا، تابعته.. داهمتني سنة، نمت نوما عميقا..
أقبل الصباح الجميل.. فتحت عيني على الطاولة الكبيرة الطافحة بما لذ وطاب.. عوضت عشائي، وشربت قهوتي.. وانصرفت متسللا إلى الخارج..
سألت أول من قابلت في الشارع عن اسم هذه المدينة، عرفت أنني في الغرب فسألته عن موقف حافلات الشرق..









