نوادرُ جحا.
02-11-2014, 06:45 PM
نوادرُ جحا.
من لا يعرف جحا ؟ ذلك الشخص الموهوب الذي يرى ما لا نرى ، الناقد الإجتماعي الذي يتسلل إلى أفكار المجتمع وممارسته فيعريها ويفضحها، يدخل البيوت بلا استئذان ، يرصد الأخطاء ويعالجها ليس بالعصى ولا العصية وإنما بالنكت الملاح ، فهو في جوهره ملح الطعام لكل الجلسات بلا استثناء ، هو اللسان المعبر عن ثقافة المجتمع ، المجتمع يقوّله ما يعجز عن قوله بنفسه ، فهو مذياع الناس وتلفازهم ... إنه مدرستهم المشاغبة ، يقول ما يقوله الناس في حلمهم ويقظتهم ، ما يقوله الناس في غرف مغلقة ... وأبواب موصدة .... من نقد الحال والأحوال ،.... وجُور الجار ، .... وتعسف القاضي ،.... و ظلم أدوات السلطان، ... وفساد الأخلاق ، ... وتعقيدات فتاوى الفقه في مجالس الفقه ومنابر القنوات الدينية .
اختصارا ... إنه المرآة العاكسة لحالة المجتمع ، فهو–أنذاك- يتربع بجدارة على ما يماثل وزارة الثقافة والإعلام في يومنا هذا .
ومن نوادره :
حمل جحا (إوزة ) مشوية إلى أمير حلب ، وأثناء سيره غلبه الجوع فأكل إحدى رجليها في الطريق ، وعندما سأله الأمير عنها ، زعم (جحا) أن الإوز كله خلقه الله برجل واحدة في حلب ، ثم أشار إلى سرب من الإوز في حديقة الأمير ، وكان الإوز قائما على قدم واحدة كعادته وقت الراحة .

نادى الأمير جنديا من حرسه وأمره أن يهجم على سرب الإوز بعصاه ،فما كاد يفعل حتى أسرع الإوز على قدميه الاثنتين ، ثم قال الأمير لجحا (( هل رأيت الآن أن الإوز في حلب خلقه الله بقدمين وليس بواحدة ؟ )).
قال جحا ((مهلا أيها الأمير ، فلو هجم حارس على إنسان بهذه العصا ، لجرى الإنسان نفسه على أربع)) .
تبدو القصة وأنها للضحك ملء الذقون ، إلا أنها تحمل في طياتها أدبا رفيعا ، وحكما بليغة ، منها :
°°°تملق الضعيف المسكين و لو ( به خصاصة ) لأولياء الأمور وتقديم الهدايا له سرا وعلانية ، وهي ظاهرة متوارثة في مجتمعاتنا .
°°° الجندي المأجور صاحب العصا الغليظة في حقيقته لا يطارد الإوز ، وإنما يطارد الغلابي من الإنس المطالبين بحقوقهم ، فهُم يردعون بالعصى ، ويُفرقون بالكريموجين ، ويطردون بالمياه الساخنة ، التي تسلخ جلودهم ، وإذا استدعى الأمر تنطلق العيارات النارية الحية للتخلص من شغبهم .
°°° فغاية (الأمير) هي إخضاع الناس لإرادته بالجبر ، بالإضطهاد والتعسف ، والقمع ، وبالعصا الغليظة ،فالقوة هي سلطان الحكم .
°°° الأمير ليس بمقدوره أن يغير طبيعة الطيور ، لكنه قادر على تغيير طبيعة البشر الذين تحت سلطانه ، فهو يقهرهم بقوة السلاح ،ويأكل حقوقهم ، ويحاسبهم على كل حق ينالونه لأنفسهم حتى تحت طائل الجوع ، فلا يجب على ( جحا ) وهو الجائع أن يأكل رجل إوزته ، لأنه مطلوب منه أن يعيش مع أكثر الجائعين من فصيلته .

















