لمصلحة من يتم إحياء مذهب الإرجاء
06-11-2008, 01:16 PM
الأنظمة العلمانية هي المستفيد الأول من هذا التوجه
لما كان التصدي لشبهات وأباطيل أهل الابتداع، وكشفها وبيان زيفها وتهافتها بالحجج الساطعة، والبراهين القاطعة التي تدل على سوء معتقدهم وبعدهم عن الحق، ومجانبتهم لنور الهدى الذي لا يخفى على من يطلبه، وتوضيح خطر منهجهم على الإسلام والمسلمين، ومناقشة أقوالهم بعمق واستقصاء وتفصيل قوي، والتحذير منهم ومن بدعهم وكتبهم، هو واجب اليوم على كل من آتاه الله قسطاً من العلم، وهداه إلى الصراط المستقيم البعيد عن الأهواء وضلالات الآراء، كان هذا المقال الذي خطه أحد طلاب العلم بالجماعة الإسلامية المقاتلة، وأرسله لـ(الفجر) للتحذير من محاولات البعض إحياء مذهب المرجئة في مسمى الإيمان الذين يحصرون الكفر في كفر التكذيب فقط، والزعم بأن ذلك هو قول أهل السنة والجماعة، و تجرأ بعضهم فادعى الإجماع في ذلك، مع توضيح اعتقاد هؤلاء (المرجئة) والنظر إلى آثاره أثناء تطبيقه وإنزاله إلى الواقع
حرب خارجية .. وداخلية
فمنذ زمن ليس بالقريب وأمتنا الإسلامية هائمة في أودية الضياع ، عائمة في أبحر التيه ، تعصف بها أمواج الأفكار يمنة ويسرة ، وتقلبها أعاصير الفتن خافضة رافعة ، فلا تكاد تنجو من عاصفة إلا لحقتها أختها ، ولا تخرج من نكبة إلا تلتها نكبات أشد وأنكى ، قد نخر الضعف عظامها ، ومزق التفرق أوصالها ، وخلخل الجهل أفكارها ، فبقيت نهبة لأيدي المكر والكيد ، وغرضاً لسهام الحقد الدفين الكامن في قلوب أعدائها ، وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، فتبجح أمامها القوي بقوته ، وطمع فيها الضعيف لضعفها مع هوانه وذلته ، حتى بلغت دركات تتفطر لها الأكباد حسرة، وتذوب منها الأفئدة كمداً ، ولولا اليقين بموعود الله ببقاء طائفة من أهل الحق ثابتين عليه داعين إليه منافحين عنه لتسلل الشك إلى القلوب ، وتسرب الريب إلى النفوس ، ويئس المصلح من الإصلاح ، ولكن ..يأبى الله إلا أن يتم نوره ويعلى كلمته ولو كره الكافرون ، فالذي تكفل بحفظ كتابه هو الحافظ لدينه، والذي أمن سنة نبيه من التحريف والتغيير والزيادة والنقص، هو المؤمِّن لشريعته من عبث العابثين ومكر الماكرين وغلو الغالين وتفريط المفرطين ودسائس المندسين، لذلك لا يملك الناظر في تاريخ الإسلام بتأمل وتدبر ، وما تعرض له المسلمون في شتى العصور من كيد ومكر ودسائس وحروب استئصالية لا مثيل لها في التاريخ ، لا يملك إلا أن يقول آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وإلا فلو كان ما تعرض له الإسلام والمسلمون من أعاصير الفتن وغوائل المحن منصبا على دين أرضي وشريعة بشرية لصارت أثرا بعد عين من أول جولة ، ألا ترى إلى الشيوعية وجيشها الأحمر العاتي الذي كانت ترهبه قوى الغرب وتضع له ألف حساب ، كيف صار؟ وإلى أي حال وصل؟ حتى غدت روسيا -وهي مهده وملجئه- تقتات مما تجود به أيدي المتصدقين.
إن الحرب التي شنت ولا تزال تشن على الإسلام ليست محصورة في حروب الجيوش والأجناد وإن كانت هذه أبرز مظاهرها وأشهر طرقها ، بل هناك الحرب الأخطر والأدهى والأمر والتي كلما أججت نارها وارتفع أوارها على هذا الدين بقيت آثارها ملازمة له على مدى قرون عديدة ، إنها الحرب التي تكون بأيدي من ينتسبون إليه ، ويتقمصون لباسه ، وهم قائمون بين صفوف أبنائه ، فانظر مثلا إلى ما فعله التتار مع فظاعته وبشاعته وما لاقاه المسلمون منهم من قتل وتشريد وتنكيل وسلب ونهب وهتك للأعراض واقتطاع لديار المسلمين حتى وصلوا إلى دار الخلافة وغير ذلك من الأحداث الجسام مما هو مشهور ومعلوم ، كل ذلك صار تاريخا مضى وقصصا تروى ، وتذكر للاعتبار وللاستفادة من بعض الفتاوى التي صدرت من العلماء فيما يتعلق ببعض أحكامهم ، ولكن لو نظرت في المقابل إلى الداء العضال المتمثل في علم الكلام والفلسفة والمنطق وما جره على هذه الأمة من التشرذم والتفرق والنـزاع والوهن والشك والتشكيك والحيرة وغير ذلك مما بقيت الأمة تعاني منه عبر العصور وإلى يومنا هذا ، مع أن ظهوره في الأمة كان تدريجيا، إلا أنه سرى في أوصال العلوم الإسلامية جميعها سريان السم في شرايين الجسد ، وتلقفه كثير من العلماء بتلهف وشغف ، فقعدوا له القواعد وأصلوا الأصول وهم لا يدرون أنهم بأفعالهم تلك يضعون السم في العسل ، وجعلوا كثيرا من تلك الأصول قواطع عقلية قطَّعوا بها أوصال الشريعة إربا ، وجعلوها حجبا عقدت بها العلوم الشرعية بعد أن كانت سهلة ميسرة للطالبين ، فلم ينج منه توحيد ولا تفسير ولا فقه ولا أصول ولا نحو ، بل وجعلوها من ضروريات الاجتهاد التي لا غنى لعالم عنها ، ولا وثوق بعلمه ما لم يتضلع منها ، مع العلم أن فحول العلماء الراسخين فيه تصدوا له منذ نشأته ، وحاربوه في مهده ، ونبذوا المشتغلين به وهجروهم وحذروا منهم أشد التحذير ، وبينوا مخاطره وعواقبه على الدين و الأمة ، وأنه وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في طرفي نقيض ، ولكن ذلك كله لم يوقف ذلك التيار الهائج عند حده ، ولم يستأصل شأفته ويقتلع نبتته ، ولم يثن من افتتنوا به عن المضي على نهجهم ، فبقيت آثاره السيئة المدمرة إلى يومنا هذا ، وجميع كتب العلم شاهدة على ذلك ، ومثل ذلك ما اصطلح على تسميته بالتصوف ، نشأ غرسة صغيرة لا تكاد تذكر أو ترى ، ولكن البدعة تجر إلى بدعة ، والانحراف يقود إلى مثله ، فترعرعت تلك الغرسة وارتوت من ساقية البدع ، وشقت طريقها عبر التاريخ ، غير مبالية بتعالي أصوات المنكرين ، وتشنيع المشنعين ، وتفرقت وتشعبت إلى أن صارت طرائق قددا ، ومذاهب شتى ، ورجعت عبادة الأوثان وقربات المشركين تحت عباءتها وفي كنفها غضة طرية ، حتى وصل كثير من أهل التصوف إلى دركة أحجم اليهود والنصارى عنها ، وخاضوا لجة قَصُرَ المجوس عن خوض غمارها ، كالقول بوحدة الوجود ، والحلول والاتحاد ، وألفوا في ذلك الكتب المطولة والمختصرة والمنثورة والمنظومة ، فأصبحتَ ترى أكفر الخلق وأشدهم إلحادا ومحادة لله ورسوله يلقب بالإمام الأكبر أو محي الدين أو بقية الأولياء وخاتمة الأصفياء ، وصارت الصوفية في أذهان أكثر العامة واعتقاد كثير من العلماء جزءا لا يتجزأ من الدين ، فاعتنق كل واحد من أولئك العلماء طريقة من تلك الطرق ، وهكذا جل البدع التي استفحل أمرها وعظم شرها في الأمة ، ظهرت بادئ ذي بدء صغيرة وربما كان قصد أصحابها حسنا ، ونيتهم صالحة ، كالاجتهاد في القربات والزهد في الدنيا ومناصرة آل البيت ونحو ذلك ، ولكن تلك المقاصد لم تضبط بضوابط الشرع ، ولم تقيد بحدوده ، بل أطلق لها العنان ، واتبعت فيها الظنون ، فكانت عاقبتها وخيمة ، وآثارها جسيمة ، ويكفينا من الأمثلة في ذلك (الخوارج) الذين هم من أكثر الناس صلاة وصياما وقياما وتلاوة للقرآن وزهدا وتقشفا ، غير أنهم لما جاوزوا الحد ، وتنطعوا في ذلك ولم يضبطوا عباداتهم بالعلم الصحيح ، وجعلوا السنن الثابتة محكومة بأهوائهم ، كانوا كلاب أهل النار ،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم ، وبين ما لمن قتلهم أو قتلوه من الأجر ، وما ذلك إلا لأنهم سلكوا سبيلا غير سبيل المؤمنين ، وأصلوا لأنفسهم أصولا وبنوا قواعد ليست من سنن الأولين ، ثم لم يزالوا يتمادون في غيهم ، ويتناهون في انحرافهم ، حتى صاروا _ لجهلهم _ يتقربون بقتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان ، ومع ذلك كله لم يكن قصدهم هدم الدين ، بل مقصدهم الأول ودافعهم الحقيقي هو نصرته ، ولكنهم ضلوا وزاغوا حيث اعتقدوا ما ليس دينا دينا ، فوالوا وعادوا عليه وقاتلوا لأجله ، وهم في ذلك كله يتقربون إلى الله بأفعالهم ، ويرجون ثوابه ويخافون عقابه ، ولا يعلمون أنهم ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فالبدع خطرها على الإسلام كبير ، وشرها مستطير ، وهي من أعظم ما يفرق كلمة أهله ، ويفتح الباب لولوج أعدائه والوصول إلى مَقاتله
هذا وغالبا ما يكون للأحداث السياسية دخل في نشوء البدع أو تقويتها واستمرارها ، وهذا ظاهر من التتبع لبعض البدع التي انبثقت عن بعض تلك الأحداث ، وذلك إما بأن يتبنى بعض الأمراء شيئا من تلك البدع ، ويدعمها بالقوة والسلطان ، فيصبح الناس في قبولها بين راكن إليها مقتنع بها ، وبين مكره عليها ملزم بتبنيها ، وإما أن تتقوى البدع بردات الفعل القوية المقابلة للسلطة فتثير قلوب العامة وتميلها إليها ، خاصة إذا تبنى أهلها كثيرا من معاناتهم ومشاكلهم والسعي في استرداد مظالمهم ، كبدع الخوارج والروافض والجهمية وغيرها ، والاسترسال في الحديث عن ذلك وضرب الأمثلة التفصيلية يطيل بنا المقام ، ويخرج عن المقصود.
أم المشاكل .. الحكم بغير ما أنزل الله
وإذا طوينا تفاصيل صفحة الماضي مع استصحاب الصورة التي أشرنا إليها ، وانتقلنا نقلة إلى هذا العصر الذي نحيا همومه ونعيش مشاكله ، لرأينا أن أم المشاكل وأصلها التي يعاني منها الإسلام اليوم هي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، وتسلط زمر من المرتدين المتسترين بالإسلام على رقاب الأمة ، واعتناقهم لقوانين الكفر قلبا وقالبا ، وتحكيمها بين الشعوب ظاهرا وباطنا، والسعي الحثيث ليلا ونهارا بالترغيب والترهيب لسلخ الناس من دينهم ، وإبعادهم عن عقيدتهم ، وضرب الحجب التي تحول بينهم وبين معرفة ماضيهم ، وعزلهم عنه عزلا كاملا ، وإبدالهم بذلك ثقافات الغرب ومبادئه وقوانينه وسلوكه وأخلاقه وعاداته وأعرافه ، حتى بلغت كثير من بلاد المسلمين على أيدي هؤلاء الزنادقة مبلغا يعجز القلم والكلم عن وصفه ، وأوصلوا أمما بأكملها إلى حافة الهاوية ، وأوقفوها على شفا جرف هار يتمايل يمنة ويسرة ، ونكبوها في دينها ودنياها ، وتلك دركة _ لعمري _ عجز الاستعمار الغربي بحده وحديده وجده واجتهاده لعقود طويلة أن يوصل الأمة إليها، لا بل لم يطمعوا في الدنو منها.
ووسط هذا الضجيج والصخب ، ومن بين هذا الركام الثقيل ، قام أهل الحق من كل حدب وصوب ساعين لإرجاع الأمة إلى رشدها ، وتعالت أصواتهم لإنقاذها من ورطتها ، وتنبيهها من غفلتها ، فمستقل في ذلك ومستكثر، وقامت الجماعات في الأقطار الإسلامية لغاية واحدة ، وهي إقامة دولة إسلامية تحكم الخلق بشرع الله الحنيف الذي أقصاه الطغاة المارقون ، فطفح إذ ذاك ما كان يكنه المارقون من حقد وحنق على الإسلام والمسلمين ، وتمثل ذلك في الحرب الضروس التي صاروا يشنونها علنا على المتمسكين بدينهم ، فامتلأت السجون بالعلماء والدعاة والمصلحين والشباب الراجعين إلى دينهم ، وعلق خيار الناس وصفوتهم على أعواد المشانق جهارا نهارا ، وانتهكت أعراض الطاهرات العفيفات وسط دهاليز السجون المظلمة من غير حسيب أو رقيب ، وتخطف الشباب وطوردوا في مشارق الأرض ومغاربها ، وعقدت المؤتمرات والندوات والاجتماعات وتنوسيت الخلافات ، وأطبقوا على أن رجوع الشباب إلى ربهم واتصالهم بتاريخهم هو الخطر الداهم الذي يهددهم ، ولهذا اتفقت على حربه كلمتهم ، وتلاشت لأجله دعاوى عداواتهم ، وهذه أمور عرفها القاصي والداني ، وأدركتها الخاصة والعامة.
شبهات أوهى من بيت العنكبوت
فلما سلكت بعض الجماعات الإسلامية سبيل القتال لتغيير هذه الأنظمة ، وإقامة حكم الله تعالى، ورأت أن هذه السبيل يحتمها الشرع ويفرضها الواقع ، اعترض عليها البعض بأن البداية تكون بالتربية وتنشئة الناس على الدين الصحيح ، فكان محصل كلام هذا المعترض أنه يؤمن بأن هذه الأنظمة ليست شرعية ، ولا تستحق البقاء وأنه لابد من استبدال الحكم الإسلامي بها ، إلا أن الطريق إلى ذلك غير ما سلكته جماعات الجهاد ، فلما قوبلت أدلة المعترض بالرد ، وبين أنه لا تعارض ألبتة بين تربية الناس على الدين الصحيح ، وبين قتال هذه الأنظمة ، وأن تلك التربية ستكون ناقصة إلى أقصى حد مادامت هذه الأنظمة باقية على رؤوس الناس ، وأن أفضل أنواع التربية تلك التي تتم في ساحات المواجهة ومعسكرات الإعداد إذا أحسن استغلالها وأتقن استخدامها ، انتقل المعترض إلى طريقة أخرى من طرق الاعتراض ، وهي أن تكوين الجماعات وعقد البيعات لمواجهة الأنظمة الحاكمة يعد من البدع المحدثات التي لا تعرف عن أحد من سلف الأمة ، وبالتالي فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، ثم أنتم فاقدون للقدرة على خوض غمار المعركة ، فكيف تواجهون الدبابات والطائرات والأسلحة المتطورة والجيوش الجرارة المدربة ، بأسلحة بسيطة بدائية مع قلة العدد وضعف الموارد ، وما زال المعترض مقرا ومقتنعا بأن الأنظمة الحاكمة يجب تغييرها ، ويرى عدم شرعيتها ، إلا أنه يخالف في الطريقة التي تسلك في إبعادها والتوقيت الذي يتم فيه ذلك ، فلما نوقش بالأدلة الشرعية على شرعية إنشاء الجماعات ذات الإمرة والبيعة ، وأن ذلك مما كان معلوما عند السلف ، والقصص التاريخية من لدن الصحابة فمن بعدهم شاهدة على ذلك ، وأن التفكير في تغيير هذه الحكومات المتمكنة بجيوشها وقوتها من دون تنظيم وتخطيط وإمرة وسمع وطاعة لهو أمر أشبه بالوهم والخيال ، وبشأن المواجهة مع قلة العدة ضربت الأمثلة الواقعية على أن خير مصدر للسلاح هو أيدي الأعداء كما جرى في أفغانستان لما وقفوا في وجه الجيش الأحمر العاتي ، وأن المعركة تبدأ صغيرة وتتطور شيئا فشيئا إذا أحسنت إدارتها، عندها انتقل المعترض إلى نوع آخر من الاعتراض ، وهو أن الخروج على الحاكم لا يجوز ما دام باقيا على إسلامه كما هو معلوم بين علماء الأمة، والحكام القائمون على بلاد المسلمين هم مسلمون ومن ثَمَّ يحرم الخروج عليهم ، وأن فكرة الخروج على الحاكم بالسيف فكرة خارجية ، فكان هذا الاعتراض
لما كان التصدي لشبهات وأباطيل أهل الابتداع، وكشفها وبيان زيفها وتهافتها بالحجج الساطعة، والبراهين القاطعة التي تدل على سوء معتقدهم وبعدهم عن الحق، ومجانبتهم لنور الهدى الذي لا يخفى على من يطلبه، وتوضيح خطر منهجهم على الإسلام والمسلمين، ومناقشة أقوالهم بعمق واستقصاء وتفصيل قوي، والتحذير منهم ومن بدعهم وكتبهم، هو واجب اليوم على كل من آتاه الله قسطاً من العلم، وهداه إلى الصراط المستقيم البعيد عن الأهواء وضلالات الآراء، كان هذا المقال الذي خطه أحد طلاب العلم بالجماعة الإسلامية المقاتلة، وأرسله لـ(الفجر) للتحذير من محاولات البعض إحياء مذهب المرجئة في مسمى الإيمان الذين يحصرون الكفر في كفر التكذيب فقط، والزعم بأن ذلك هو قول أهل السنة والجماعة، و تجرأ بعضهم فادعى الإجماع في ذلك، مع توضيح اعتقاد هؤلاء (المرجئة) والنظر إلى آثاره أثناء تطبيقه وإنزاله إلى الواقع
حرب خارجية .. وداخلية
فمنذ زمن ليس بالقريب وأمتنا الإسلامية هائمة في أودية الضياع ، عائمة في أبحر التيه ، تعصف بها أمواج الأفكار يمنة ويسرة ، وتقلبها أعاصير الفتن خافضة رافعة ، فلا تكاد تنجو من عاصفة إلا لحقتها أختها ، ولا تخرج من نكبة إلا تلتها نكبات أشد وأنكى ، قد نخر الضعف عظامها ، ومزق التفرق أوصالها ، وخلخل الجهل أفكارها ، فبقيت نهبة لأيدي المكر والكيد ، وغرضاً لسهام الحقد الدفين الكامن في قلوب أعدائها ، وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، فتبجح أمامها القوي بقوته ، وطمع فيها الضعيف لضعفها مع هوانه وذلته ، حتى بلغت دركات تتفطر لها الأكباد حسرة، وتذوب منها الأفئدة كمداً ، ولولا اليقين بموعود الله ببقاء طائفة من أهل الحق ثابتين عليه داعين إليه منافحين عنه لتسلل الشك إلى القلوب ، وتسرب الريب إلى النفوس ، ويئس المصلح من الإصلاح ، ولكن ..يأبى الله إلا أن يتم نوره ويعلى كلمته ولو كره الكافرون ، فالذي تكفل بحفظ كتابه هو الحافظ لدينه، والذي أمن سنة نبيه من التحريف والتغيير والزيادة والنقص، هو المؤمِّن لشريعته من عبث العابثين ومكر الماكرين وغلو الغالين وتفريط المفرطين ودسائس المندسين، لذلك لا يملك الناظر في تاريخ الإسلام بتأمل وتدبر ، وما تعرض له المسلمون في شتى العصور من كيد ومكر ودسائس وحروب استئصالية لا مثيل لها في التاريخ ، لا يملك إلا أن يقول آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وإلا فلو كان ما تعرض له الإسلام والمسلمون من أعاصير الفتن وغوائل المحن منصبا على دين أرضي وشريعة بشرية لصارت أثرا بعد عين من أول جولة ، ألا ترى إلى الشيوعية وجيشها الأحمر العاتي الذي كانت ترهبه قوى الغرب وتضع له ألف حساب ، كيف صار؟ وإلى أي حال وصل؟ حتى غدت روسيا -وهي مهده وملجئه- تقتات مما تجود به أيدي المتصدقين.
إن الحرب التي شنت ولا تزال تشن على الإسلام ليست محصورة في حروب الجيوش والأجناد وإن كانت هذه أبرز مظاهرها وأشهر طرقها ، بل هناك الحرب الأخطر والأدهى والأمر والتي كلما أججت نارها وارتفع أوارها على هذا الدين بقيت آثارها ملازمة له على مدى قرون عديدة ، إنها الحرب التي تكون بأيدي من ينتسبون إليه ، ويتقمصون لباسه ، وهم قائمون بين صفوف أبنائه ، فانظر مثلا إلى ما فعله التتار مع فظاعته وبشاعته وما لاقاه المسلمون منهم من قتل وتشريد وتنكيل وسلب ونهب وهتك للأعراض واقتطاع لديار المسلمين حتى وصلوا إلى دار الخلافة وغير ذلك من الأحداث الجسام مما هو مشهور ومعلوم ، كل ذلك صار تاريخا مضى وقصصا تروى ، وتذكر للاعتبار وللاستفادة من بعض الفتاوى التي صدرت من العلماء فيما يتعلق ببعض أحكامهم ، ولكن لو نظرت في المقابل إلى الداء العضال المتمثل في علم الكلام والفلسفة والمنطق وما جره على هذه الأمة من التشرذم والتفرق والنـزاع والوهن والشك والتشكيك والحيرة وغير ذلك مما بقيت الأمة تعاني منه عبر العصور وإلى يومنا هذا ، مع أن ظهوره في الأمة كان تدريجيا، إلا أنه سرى في أوصال العلوم الإسلامية جميعها سريان السم في شرايين الجسد ، وتلقفه كثير من العلماء بتلهف وشغف ، فقعدوا له القواعد وأصلوا الأصول وهم لا يدرون أنهم بأفعالهم تلك يضعون السم في العسل ، وجعلوا كثيرا من تلك الأصول قواطع عقلية قطَّعوا بها أوصال الشريعة إربا ، وجعلوها حجبا عقدت بها العلوم الشرعية بعد أن كانت سهلة ميسرة للطالبين ، فلم ينج منه توحيد ولا تفسير ولا فقه ولا أصول ولا نحو ، بل وجعلوها من ضروريات الاجتهاد التي لا غنى لعالم عنها ، ولا وثوق بعلمه ما لم يتضلع منها ، مع العلم أن فحول العلماء الراسخين فيه تصدوا له منذ نشأته ، وحاربوه في مهده ، ونبذوا المشتغلين به وهجروهم وحذروا منهم أشد التحذير ، وبينوا مخاطره وعواقبه على الدين و الأمة ، وأنه وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في طرفي نقيض ، ولكن ذلك كله لم يوقف ذلك التيار الهائج عند حده ، ولم يستأصل شأفته ويقتلع نبتته ، ولم يثن من افتتنوا به عن المضي على نهجهم ، فبقيت آثاره السيئة المدمرة إلى يومنا هذا ، وجميع كتب العلم شاهدة على ذلك ، ومثل ذلك ما اصطلح على تسميته بالتصوف ، نشأ غرسة صغيرة لا تكاد تذكر أو ترى ، ولكن البدعة تجر إلى بدعة ، والانحراف يقود إلى مثله ، فترعرعت تلك الغرسة وارتوت من ساقية البدع ، وشقت طريقها عبر التاريخ ، غير مبالية بتعالي أصوات المنكرين ، وتشنيع المشنعين ، وتفرقت وتشعبت إلى أن صارت طرائق قددا ، ومذاهب شتى ، ورجعت عبادة الأوثان وقربات المشركين تحت عباءتها وفي كنفها غضة طرية ، حتى وصل كثير من أهل التصوف إلى دركة أحجم اليهود والنصارى عنها ، وخاضوا لجة قَصُرَ المجوس عن خوض غمارها ، كالقول بوحدة الوجود ، والحلول والاتحاد ، وألفوا في ذلك الكتب المطولة والمختصرة والمنثورة والمنظومة ، فأصبحتَ ترى أكفر الخلق وأشدهم إلحادا ومحادة لله ورسوله يلقب بالإمام الأكبر أو محي الدين أو بقية الأولياء وخاتمة الأصفياء ، وصارت الصوفية في أذهان أكثر العامة واعتقاد كثير من العلماء جزءا لا يتجزأ من الدين ، فاعتنق كل واحد من أولئك العلماء طريقة من تلك الطرق ، وهكذا جل البدع التي استفحل أمرها وعظم شرها في الأمة ، ظهرت بادئ ذي بدء صغيرة وربما كان قصد أصحابها حسنا ، ونيتهم صالحة ، كالاجتهاد في القربات والزهد في الدنيا ومناصرة آل البيت ونحو ذلك ، ولكن تلك المقاصد لم تضبط بضوابط الشرع ، ولم تقيد بحدوده ، بل أطلق لها العنان ، واتبعت فيها الظنون ، فكانت عاقبتها وخيمة ، وآثارها جسيمة ، ويكفينا من الأمثلة في ذلك (الخوارج) الذين هم من أكثر الناس صلاة وصياما وقياما وتلاوة للقرآن وزهدا وتقشفا ، غير أنهم لما جاوزوا الحد ، وتنطعوا في ذلك ولم يضبطوا عباداتهم بالعلم الصحيح ، وجعلوا السنن الثابتة محكومة بأهوائهم ، كانوا كلاب أهل النار ،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم ، وبين ما لمن قتلهم أو قتلوه من الأجر ، وما ذلك إلا لأنهم سلكوا سبيلا غير سبيل المؤمنين ، وأصلوا لأنفسهم أصولا وبنوا قواعد ليست من سنن الأولين ، ثم لم يزالوا يتمادون في غيهم ، ويتناهون في انحرافهم ، حتى صاروا _ لجهلهم _ يتقربون بقتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان ، ومع ذلك كله لم يكن قصدهم هدم الدين ، بل مقصدهم الأول ودافعهم الحقيقي هو نصرته ، ولكنهم ضلوا وزاغوا حيث اعتقدوا ما ليس دينا دينا ، فوالوا وعادوا عليه وقاتلوا لأجله ، وهم في ذلك كله يتقربون إلى الله بأفعالهم ، ويرجون ثوابه ويخافون عقابه ، ولا يعلمون أنهم ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فالبدع خطرها على الإسلام كبير ، وشرها مستطير ، وهي من أعظم ما يفرق كلمة أهله ، ويفتح الباب لولوج أعدائه والوصول إلى مَقاتله
هذا وغالبا ما يكون للأحداث السياسية دخل في نشوء البدع أو تقويتها واستمرارها ، وهذا ظاهر من التتبع لبعض البدع التي انبثقت عن بعض تلك الأحداث ، وذلك إما بأن يتبنى بعض الأمراء شيئا من تلك البدع ، ويدعمها بالقوة والسلطان ، فيصبح الناس في قبولها بين راكن إليها مقتنع بها ، وبين مكره عليها ملزم بتبنيها ، وإما أن تتقوى البدع بردات الفعل القوية المقابلة للسلطة فتثير قلوب العامة وتميلها إليها ، خاصة إذا تبنى أهلها كثيرا من معاناتهم ومشاكلهم والسعي في استرداد مظالمهم ، كبدع الخوارج والروافض والجهمية وغيرها ، والاسترسال في الحديث عن ذلك وضرب الأمثلة التفصيلية يطيل بنا المقام ، ويخرج عن المقصود.
أم المشاكل .. الحكم بغير ما أنزل الله
وإذا طوينا تفاصيل صفحة الماضي مع استصحاب الصورة التي أشرنا إليها ، وانتقلنا نقلة إلى هذا العصر الذي نحيا همومه ونعيش مشاكله ، لرأينا أن أم المشاكل وأصلها التي يعاني منها الإسلام اليوم هي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، وتسلط زمر من المرتدين المتسترين بالإسلام على رقاب الأمة ، واعتناقهم لقوانين الكفر قلبا وقالبا ، وتحكيمها بين الشعوب ظاهرا وباطنا، والسعي الحثيث ليلا ونهارا بالترغيب والترهيب لسلخ الناس من دينهم ، وإبعادهم عن عقيدتهم ، وضرب الحجب التي تحول بينهم وبين معرفة ماضيهم ، وعزلهم عنه عزلا كاملا ، وإبدالهم بذلك ثقافات الغرب ومبادئه وقوانينه وسلوكه وأخلاقه وعاداته وأعرافه ، حتى بلغت كثير من بلاد المسلمين على أيدي هؤلاء الزنادقة مبلغا يعجز القلم والكلم عن وصفه ، وأوصلوا أمما بأكملها إلى حافة الهاوية ، وأوقفوها على شفا جرف هار يتمايل يمنة ويسرة ، ونكبوها في دينها ودنياها ، وتلك دركة _ لعمري _ عجز الاستعمار الغربي بحده وحديده وجده واجتهاده لعقود طويلة أن يوصل الأمة إليها، لا بل لم يطمعوا في الدنو منها.
ووسط هذا الضجيج والصخب ، ومن بين هذا الركام الثقيل ، قام أهل الحق من كل حدب وصوب ساعين لإرجاع الأمة إلى رشدها ، وتعالت أصواتهم لإنقاذها من ورطتها ، وتنبيهها من غفلتها ، فمستقل في ذلك ومستكثر، وقامت الجماعات في الأقطار الإسلامية لغاية واحدة ، وهي إقامة دولة إسلامية تحكم الخلق بشرع الله الحنيف الذي أقصاه الطغاة المارقون ، فطفح إذ ذاك ما كان يكنه المارقون من حقد وحنق على الإسلام والمسلمين ، وتمثل ذلك في الحرب الضروس التي صاروا يشنونها علنا على المتمسكين بدينهم ، فامتلأت السجون بالعلماء والدعاة والمصلحين والشباب الراجعين إلى دينهم ، وعلق خيار الناس وصفوتهم على أعواد المشانق جهارا نهارا ، وانتهكت أعراض الطاهرات العفيفات وسط دهاليز السجون المظلمة من غير حسيب أو رقيب ، وتخطف الشباب وطوردوا في مشارق الأرض ومغاربها ، وعقدت المؤتمرات والندوات والاجتماعات وتنوسيت الخلافات ، وأطبقوا على أن رجوع الشباب إلى ربهم واتصالهم بتاريخهم هو الخطر الداهم الذي يهددهم ، ولهذا اتفقت على حربه كلمتهم ، وتلاشت لأجله دعاوى عداواتهم ، وهذه أمور عرفها القاصي والداني ، وأدركتها الخاصة والعامة.
شبهات أوهى من بيت العنكبوت
فلما سلكت بعض الجماعات الإسلامية سبيل القتال لتغيير هذه الأنظمة ، وإقامة حكم الله تعالى، ورأت أن هذه السبيل يحتمها الشرع ويفرضها الواقع ، اعترض عليها البعض بأن البداية تكون بالتربية وتنشئة الناس على الدين الصحيح ، فكان محصل كلام هذا المعترض أنه يؤمن بأن هذه الأنظمة ليست شرعية ، ولا تستحق البقاء وأنه لابد من استبدال الحكم الإسلامي بها ، إلا أن الطريق إلى ذلك غير ما سلكته جماعات الجهاد ، فلما قوبلت أدلة المعترض بالرد ، وبين أنه لا تعارض ألبتة بين تربية الناس على الدين الصحيح ، وبين قتال هذه الأنظمة ، وأن تلك التربية ستكون ناقصة إلى أقصى حد مادامت هذه الأنظمة باقية على رؤوس الناس ، وأن أفضل أنواع التربية تلك التي تتم في ساحات المواجهة ومعسكرات الإعداد إذا أحسن استغلالها وأتقن استخدامها ، انتقل المعترض إلى طريقة أخرى من طرق الاعتراض ، وهي أن تكوين الجماعات وعقد البيعات لمواجهة الأنظمة الحاكمة يعد من البدع المحدثات التي لا تعرف عن أحد من سلف الأمة ، وبالتالي فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، ثم أنتم فاقدون للقدرة على خوض غمار المعركة ، فكيف تواجهون الدبابات والطائرات والأسلحة المتطورة والجيوش الجرارة المدربة ، بأسلحة بسيطة بدائية مع قلة العدد وضعف الموارد ، وما زال المعترض مقرا ومقتنعا بأن الأنظمة الحاكمة يجب تغييرها ، ويرى عدم شرعيتها ، إلا أنه يخالف في الطريقة التي تسلك في إبعادها والتوقيت الذي يتم فيه ذلك ، فلما نوقش بالأدلة الشرعية على شرعية إنشاء الجماعات ذات الإمرة والبيعة ، وأن ذلك مما كان معلوما عند السلف ، والقصص التاريخية من لدن الصحابة فمن بعدهم شاهدة على ذلك ، وأن التفكير في تغيير هذه الحكومات المتمكنة بجيوشها وقوتها من دون تنظيم وتخطيط وإمرة وسمع وطاعة لهو أمر أشبه بالوهم والخيال ، وبشأن المواجهة مع قلة العدة ضربت الأمثلة الواقعية على أن خير مصدر للسلاح هو أيدي الأعداء كما جرى في أفغانستان لما وقفوا في وجه الجيش الأحمر العاتي ، وأن المعركة تبدأ صغيرة وتتطور شيئا فشيئا إذا أحسنت إدارتها، عندها انتقل المعترض إلى نوع آخر من الاعتراض ، وهو أن الخروج على الحاكم لا يجوز ما دام باقيا على إسلامه كما هو معلوم بين علماء الأمة، والحكام القائمون على بلاد المسلمين هم مسلمون ومن ثَمَّ يحرم الخروج عليهم ، وأن فكرة الخروج على الحاكم بالسيف فكرة خارجية ، فكان هذا الاعتراض
لا إله إلا الله محمد رسول الله
من مواضيعي
0 مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي||/ تقدم /|| : تدمير ناقلة جنود للمرتدين - ولاية د
0 بعد حرب النّجوم: أوباما يخترع حرب المصطلحات
0 بعد حرب النّجوم: أوباما يخترع حرب المصطلحات
0 أبو قتادة
0 الخوارج والحكم بغير ما أنزل الله
0 الكفر بالطاغوت، وما الواجب على كل مسلم تجاه الطواغيت وقوانينهم
0 بعد حرب النّجوم: أوباما يخترع حرب المصطلحات
0 بعد حرب النّجوم: أوباما يخترع حرب المصطلحات
0 أبو قتادة
0 الخوارج والحكم بغير ما أنزل الله
0 الكفر بالطاغوت، وما الواجب على كل مسلم تجاه الطواغيت وقوانينهم











