مع سلسلة أسباب النجاة:السبب الثاني:الإخلاص لله في العمل
15-11-2008, 04:38 PM
مع سلسلة أسباب النجاة
السبب الثاني الإخلاص لله في العمل
والإخلاص: هو أن يقصد العبد في كل أعماله وجه الله والدار الآخرة والإخلاص هو أجل صفة يوصف بِها العبد، لذا فقد أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه ج بإخلاص العبادة له وحده فقال عز و جل: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:11].
كما أمر الأمة كلها أن تكون مخلصة في أعمالها لله رب العالمين فقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البينة:5].
وبجانب الأمر بالإخلاص، فقد حذر الله الناس الرياء لأنه مناف للإخلاص حيث جاء في الحديث القدسي الذي يرويه ج عن ربه -تبارك وتعالى- أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه). ومما هو جدير بالذكر له والتنبيه عليه أن للإخلاص أهميته في الشرائع السماوية كلها إذ هو سمة كل رسول وصفة كل نبي، حيث قال تعالى في وصف كليمه ونجيه موسى عليه السلام : ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾ [مريم:51]. وقال لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ -2, أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِص﴾ [الزمر: من الآية2، 3].
ثم إن الأعمال التي كلف بِها العباد أمرًا ونَهيًا، تحليلاً وتحريمًا، أدبًا وسلوكًا، لا تقبل منهم إلا بشرطين.
أولهما الصواب: بحيث يكون العمل موافقًا لشرع الله المنَزل على أنبيائه ورسله.
وثانيهما الإخلاص: وهو أن يكون العمل الذي يقوم به العبد خالصًا لله لا رياء فيه ولا سمعة.
وحيث قد عرفنا أهمية الإخلاص، وأثره الطيب على أعمال العباد، فإنه ينبغي أن نعرف شيئًا من ثمراته النافعة، وفوائده العظيمة.
فأقول -وبالله تعالى التوفيق-:
من تلكم الثمرات والفوائد ما يلي :
العناية الربانية بالمخلصين لله في أعمالهم في كل زمان ومكان ذلك لأن الله يستجيب دعاءهم، ويقضي حاجاتِهم، ويفرج كرباتِهم ويكون معهم بنصره وحفظه وتأييده ورعايته، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي
عبد الرحمن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم.
قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجرة يومًا فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتُهما نائمين فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه.
وقال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتُها على نفسها، فامتنعت مني حتى ألمت بِها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها، -وفي رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنَّهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري. فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والدقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئًا؛ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يَمشون) متفق عليه.
قلت: ما أجل هذا الحديث وما أجمل القصة التي تضمنها، وما أعظم الأهداف التي جاء لتحقيقها كيف لا ؟! وهو كلام الصادق المصدوق الذي زكاه ربه بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى -3, إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
نعم، لقد تضمن هذا الحديث أمورًا جليلة واشتمل على مسائل مهمة أذكر منها ما يلي:
1. الدعوة إلى الإخلاص في العمل، إذ إن الإخلاص في العمل يعتبر أقوى سبب من أسباب النجاة من مخاوف الدنيا والبرزخ والآخرة.
2. الحث على البر بالوالدين والإحسان إليهما قولاً وفعلاً، إذ هو واجب عظيم من واجبات هذا الدين، وحق أصيل من حقوق أقرب الناس إليك وهما والداك، ولا غرابة أن يكون هذا الأمر كذلك، فلقد قرن الله عز وجل طاعة الوالدين بطاعته في كتابه العزيز حيث قال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: من الآية36]. كما قرن شكرهما بشكره في قوله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ﴾ [لقمان: من الآية14].
وبجانب الأمر ببر الوالدين جاء النهي عن عقوقهما وإيذائهما حيث قال سبحانه: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيْمًا -23, وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:24].
3. الإرشاد إلى التحلي بفضيلة العفاف، والابتعاد عن المحرمات لاسيما بعد القدرة على فعلها، وأن يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة والرغبة فيما عند الله من الثواب لمن ترك شيئًا لله.
4. حصول الكرامات للأولياء والصالحين الذين اتصفوا بصفة الإيْمان الصادق والتقوى الحقيقية المعنيين بقول ربِّهم سبحانه: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -62, الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ -63, لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [يونس:62-64].
ولذا ما حصل من الأمور الخارقة للعادة على أيدي هذا الصنف من الناس فهو كرامة من الله عز وجل ، كما حصل لهؤلاء النفر، وكما حصل لأصحاب الكهف الذين جاءت قصتهم مفصلة في سورة الكهف من قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ [الكهف:9] ... إلى نِهاية قوله: ﴿فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: من الآية22].
وكما حصل لأسيد بن حضير. وعباد بن بشر رضي الله عنه حينما خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فافترق النور معهم.
فهذا النور الذي أضاء لهما من خوارق العادات، ثم تفرقه بتفرقهما كذلك وهو إكرام من الله لهما، ولَم يكن ذلك بأيديهما ولا بحولهما ولا بقوتِهما، ولا بطلب منهما، وكان بعض السلف إذا حصلت له كرامة يستغفر الله عز وجل وغير ذلك كثير.
أما ما وقع ويقع من الأمور الخارقة للعادة على أيدي الفساق والسحرة والكهان وإخوان الشياطين، فهو من قبيل الابتلاء والامتحان لهم، ولمن ابتلي بالغرور بِهم من سذج الخلق الذين لَم يفرقوا بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، ولَم يميزوا بين الكرامات الشرعية والأحوال الشيطانية, والله المستعان.
من مواضيعي
0 سلسلة الرد على شبهات دعاة التحزب والانتخابات
0 هنا نجمع كل ما يتعلق بشرح حديث الافتراق((..وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة))
0 جمع كتب وصوتيات في بيان المنهج السلفي ورد التهم حوله
0 الحجج الدقيقة في الرد على من اتهم السلفيين باحتكار الحقيقة!
0 صد العدوان ورد البهتان على من قال : أنتم علماء سلطان
0 خبر عاجل: استشهاد الأخ الجزائري اسماعيل من مدينة واد سوف في دماج
0 هنا نجمع كل ما يتعلق بشرح حديث الافتراق((..وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة))
0 جمع كتب وصوتيات في بيان المنهج السلفي ورد التهم حوله
0 الحجج الدقيقة في الرد على من اتهم السلفيين باحتكار الحقيقة!
0 صد العدوان ورد البهتان على من قال : أنتم علماء سلطان
0 خبر عاجل: استشهاد الأخ الجزائري اسماعيل من مدينة واد سوف في دماج









