تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية روان علي شريف
روان علي شريف
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 11-04-2007
  • الدولة : وهران الباهية - الجزائر-
  • المشاركات : 2,558
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • روان علي شريف is on a distinguished road
الصورة الرمزية روان علي شريف
روان علي شريف
شروقي
الاعتراف الأخير
30-12-2008, 12:42 PM


كانتالحياة هادئة وجميلة والأيام تمر في تسلسل بهيج كانسياب ماء الغدير الجاري بينالمروجوالمراعي ، لا شيء يعكر صفوها ولا صفو عبد الهادي الذي اعتاد على هذاالتسلسلالعادي.كان المكتب الذي يتقاسمه مع بعض الزملاء جنته الخاصة والمكان الوحيدالذيينعم فيه بالهدوء والطمأنينة ، وكلما ضاقت به الدنيا الا ووجد من يواسيه ويقفإلىجنبه حتى أضحى جزءا منه ،كان يثق في الأيام عكس بقية الخلق ويحترمها لأنها هيالتيتصنع الظروف وتضمد الجراح وتأتي بالأفراح ،فرأى فيها تجسيدا لأحلامه وطموحاته.وظل على حاله يترقبها بتفاؤل وما تحمله له إلى أن باغتته وسائل الإعلام بنبا قلبكيانهوغير من رؤيته للمستقبل ، فأحس بأن الأيام التي وضع فيها كل ثقته لم تعد قوىكماكان يعتقد واعتقد بأنها قد لا تكون بين عشية وضحاها
لقدبثت وسائل الإعلام الدوليةوالوطنيةخبرا مفاده أن الكرة الأرضية عشية هذه الألفية التي لم يبق عن انقضائهاالامائة واثنين وثلاثون يوما ، قد تشهد كسوفا وكثفت من نداءاتها حتى التهويل،حيثحثتفيها المواطنين بعدم الرؤية إلى السماء لتجنب أشعة الشمس الصادرة التي قد تؤديللعمى.
لميبق على اليوم الموعود الا يومواحدفانتابه الذعر ، ولم يهدأ له بال ، انه جد منزعج ، لم يسبق له أن رأى كسوفامنذنشأته لكنه كان يعلم من بعض الحضارات القديمة والتي كانت كلها تجمع بأن كسوفالشمسما هو الا غضب الإله على عباده ،وكلما حل كسوف الا وحلت معه اللعنةالإلهية،متمثلةفي كوارث طبيعية فتهلك القوم الضالة والظالمة وتطهر الأرض منهم ومندنسهم.
لميعد يثق في الشروحات التيقدمتهاوسائل الإعلام المرئية بغية تهدئة الأمور قبل حلول اللعنة كما كان يعتقدواعتبرهاسوى خطب سياسية ملقاة من أفواه علماء.
تذكرأحوال عالمه المعاصر الذييعيشفيه،فأوجد بأنه مليء بالتناقضات،بالمظالم والمعاصي،فيه تراق الدماء،تباحالمحرمات،عالممجنون ومتفسخ حيث لم تعد للنفس البشرية قيمتها،كثرت الحروب،القوىيأكلالظعيف وباختصار اجتمعت فيه كل العناصر التي من شأنها أن تكون سببا في هبوطاللعنةعليه وتفجيره،ثم تساءل وقال : كيف لا تأتي نهاية هذه الألفية بالانفجار وهيالتيأتت بالطاعون و الكونيتين والسيدا والخليجيتين ؟ وازدادت مخاوفه حين تذكرالكابوسالذي رآه ليلة البارحة ،حيث رأى فيما يرى النائم بأن البحر في لحظة هيجانوفيمد لا مثيل له غمر وأغرق جزءا كبيرا من مدينته،وقد هلك عدد كبير من الأهاليوالقلةالقليلة المتبقية تقاسمتها أسماك القرش والمجاعة.
أستيقظمن نومه مفزوعا،نظر إلىالساعةالمعلقة على جدار الغرفة فلم يبق على موعد الكسوف الا ثلاث ساعات تنهد فيحسرةوتساءل كالذي يكون في انتظار المقصلة التي ستهوى على رأسه وقال:أنا لم أقترفذنباوكثيرون هم أمثالي في هذا العالم ،ما مصير العالم بعد ثلاث ساعات؟ ثم أردف بلالعالملا يعنيني في شيء،ما مصير مكتبي وزميلتي نورا ؟
توضأثم صلى صلاة الصبح وظن بأنهاستكونآخر فرض له وأضرب عن شرب قهوته لأن نفسه مسدودة وتوجه إلي محطة النقل مثقلالخطوات،فشد انتباهه كثرة النوافذ المسيجة بالحديد والأبواب الخشبية التي استبدلتبأخرىحديدية ، الحديد أغزى كل شيء لم ينتبه لهذه الحقيقة الا هذا الصباح بالرغم منأنهذه الظاهرة شرع فيها من قبل ، هذا الصباح أيضا بدت حركة النقل شبه منعدمةوالمحلاتالتجارية مغلقة،حتى المقاهي والمخابز التي من المفروض أن تكون مفتوحة قددخلتفي إضراب غير معلن كأن أصحابها ظنوا بأنها نهاية العالم كما كان يعتقد،فالشارعالرئيسيأضحى مشلولا من الحركة الا من بعض الراجلين ثم اتجه إلى الكشك الوحيدالمفتوحفاشترى جريدة وظن بأنها ستكون آخر جريدة سيتصفحها،وفي قلق متزايد سارعلمعرفةالأخبار والعرق البارد يتصبب من جبينه،أهمل كل ما لم يتعلق بالكسوف وراحيلتهمالأخبار حيث جاء على صدر الصفحة الأولى ما يلي :
انتشرت حمى الكسوف فيالعالم،لقدانتحر رجل في مقتبل العمر بعد أن قضى على زوجته وأطفاله خوفا منالكسوف،لأنهكان يزعم بأنها نهاية العالم،وفي مدينة باريس توقع مصمم أزياء اختفاءالمدينةمن على سطح الأرض في كرة من اللهب،اليوم أثناء الكسوف بسبب مركبة الفضاءالروسية ّ مير ّ التي ستهوى عليها،إن لم تسارع أجهزة الأمن في التحكم فيها عن بعدوتوجيهمسارها وإسقاطها على الشواطئ الجنوبية للمتوسط ستدمر مدينة باريس عنآخرها،وقدأتستوحى كلامه من كتابات العراف المشهور ّنوستراد أموس ّ،وفي الوقت نفسهشكلسكان مدينة مرسيليا حكومة مؤقتة بدون العاصمة وسيتولون إدارة شؤون البلاد إذاماصحت التنبؤات..))
طوىالجريدة ثم تساءل في حزن : فيحالةما إذا صدقت التنبؤات وحولت المركبة من طرف سلطات العقد الاجتماعي إلى ضفافنالإسقاطهاعلى رؤوسنا فما هو مصيرنا؟أستشفع لنا صلاة الكسوف التي ستؤدى بالمساجد مناللعنة؟أيوجدمن يعيد توجيهها أو إسقاطها قبل أن تدخل مجالاتنا الإقليمية؟أليس بحرالمانشأقرب من المتوسط من باريس؟
بعدجهد جهيد وصل عبد الهادي إلىمكتبهحيث وجد المصلحة شبه مشلولة،كأن الزملاء فضلوا
مثلهالالتحاق بمن هم أعز عليهم فيهذهالأوقات الحرجة،وقد رخص للأمهات بالتغيب لحراسة أطفالهن ريثما تنتهي ظاهرةالكسوف
وماهي الا دقائق وتدخل الآنسةنوراكعادتها مبتسمة،فتبادر بالتحية وتجلس على مكتبها وتقول :إن حركة النقل جد صعبةلكننحن محظوظون لرأية ظاهرة كسوف الشمس،آه لو كان كلي لكان أجمل.
نظراليها عبد الهادي بتعجب وقالفينفسه : عجيب أمرك يا نورا رغم نباهتك الا أنك تستخفين بالأمور،أحقا أنت غيرمكترثةبما سيحدث؟
نطقعبد القادر الذي يعتبر عميدالمصلحةمن حيث الاستقامة والكفاءة والأقدمية مما جعل الجميعيكن له التقديروالاحترامأثناء التحدث وكأنه أحس بمخاوف عبد الهادي حيث حط يده على كتفه
الأيمنمطمئنا إياه وقال : حقا انهلمنظرجميل لكن للأسف أترك لكما فضل التمتع به،لأني سأحضر صلاة الكسوف بمسجد الحيالمجاوروالتي ستدوم منذ بدايته إلى نهايته ثم أغلق الباب وخرج.
كانتالساعة تشير إلى التاسعةوعشريندقيقة حيث بدأ اقتران القمر بقرص الشمس تدريجيا ورمى بظله على الأرض،فبدتالسماءوكأنها ملبدة بالغيوم واكتست العتمة سماء المصلحة فزاد اضطراب عبد الهاديولميعد هادي حتى أضحى جليا للأعين اضطرابه مما دفع بنورا الاقتراب منه ومساءلته :مابك يا عبد الهادي؟أراك مقتبضا صامتا وهذا ليس من عادتك.
الكسوف يا نورا..الكسوف،سنحترقإنتحترق باريس والأيام يا نورا..الأيام التي طالما انتظرتها وكنت أثق فيها..هلستكونيا نورا؟
بالطبع ستكون هناك أيام. أتظنبأنهانهاية العالم؟ لتحترق باريس فما دخلنا بها؟ألم تحترق قبلهابغداد وأطفالالعامريةولم يكن لها أي تأثير على جيرانها؟كلام الصحف؟انه مجرد إشهار لاتقلق،واستغفرربك فنهاية الكون ليست اليوم أو غدا،هذا لا يعلمه الا الله واعلم بأنالانسانمسير ولا مخير ،يعيش في الحياة حسب خط مرسوم له منذ البداية، وجد قبل أنيولد.
كانتهذه الكلمات لها الأثرالإيجابيعلى نفسية عبد الهادي، مما جعله يرتاح لها ويغوص في الكلام بدون انقطاع عنطفولتهالبائسة عن الحرمان عن الشقاء ،عن الريف،وعن سذاجة وطيبة أهله وعفويتهمووداعتهموعن خوفه الزائد من الأيام وتكلمت نورا هي الأخرى عن طفولتها ،عن حياتهاالتيلم تعد تطاق،عن المدينة ومدنيتها المتوحشة ،عن أضوائها الزائفة وعلاقاتهاالاجتماعيةالباردة وعن ذئابها المتوحشة وعن ضبابها وتلوثها.
لحظتهاقاطعها عبد الهادي وقال :الآنزادت ثقتي فيك ، أود أن أعترف لك بشيء يا نورا.
ليسالآن يا زميلي حالتك النفسيةتبدومهزوزة،هيا أنهض لنتأمل معا اللحظات الأخيرة فالظاهرة توشك أن تنته دون أننكونشاهدين عليها،هذا حدث تاريخي.تنهض من مكانها وتقترب من النافذة وتلبس نظاراتهاالخاصةوتنظر للسماء ثم تسلمها له ليرى بدوره ويبقيا على حالهما صامتين إلى أن أحستبشعورغريب ، شيء من الخوف وبدون شعور اقتربت منه أكثر حتى لامس جسدها جسده وقالت :فمايكون مصيرنا لو طال الكسوف ، لولا وجودك قربي لما بقيت لحظة وحدي .
وماهي الا لحظات حتى ظهر قرصالشمسكلية وانتهت الظاهرة وعادا ليجلسا بالقرب من بعضهما البعض ثم سألته :
-ها قد مر الكسوف وزالتمخاوفنا،بماذاأردت أن تعترف لي ؟أي حقيقة كنت تخفينها عني؟
-الحقيقة أن الاعتراف قرار شجاعوخطوةعملاقة نحو الانعتاق والتحرر من القيود والمخاوف التي قد نصطنعهالأنفسناحتى تضحى سدودا منيعة بيننا و بين ما نصبو إليه ..
-لا داعي للمراوغة هيا اعترف ، ماهواعترافك الأخير؟
-إني..إني أحبك يا نورا، من دونكلادلالة لي ،إن كنت مقصرا في حقك فاعف عني ،أنت كل شيء ،أنت..
تقاطعهنورا وهي في منتهى الغبطةقائلة. ّ
-أخيرا اعترفت بالحقيقة لماذا انتظرت كل هذه السنين،
لواعترفت منذ البداية لجنبتنا هذاالقلقوالخوف والشك الذي عشناه .
فيهذه الأثناء يدخل عبد القادربعدماأدى الصلاة ويبادرهما سائلا :
-كيف كان منظر الكسوف يا أولاد ؟
فتجيبهنورا وهي تنضر بطرف العينلعبدالهادي وكأنها ترد عن اعترافه الأخير ّ رائع..رائع..كان مشهد يجنن وشاعري.
-القهوة والمشروبات على حسابيالخاصيرد عبد الهادي ويستمر في حديثه ، هذه مناسبة تستحق الاحتفاء بها ثم ينهضلتنفيذما وعدهما به مناجيا نفسه ّ اليوم امتداد للغد وما دام الغد -موجود هناكأيامللحب للآمال وللأحلام.
وهران 12 أوت 1999
ان احسست بالاختناق فابحث عن الحرية حيث ما تكون لكي لا تموت.

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع
الفرق بين المدير الرجل والمديرة المرأة
مدراؤنا و مدراؤهم
سيكولوجية المدير والسكرتيرة
السكرتيرة و المدير
أمين بلخير: ربما هذا الموسم الأخير لي في الجزائر
الساعة الآن 02:47 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى