دفاع عن الحديث النبوي
17-02-2018, 01:47 PM
دفاع عن الحديث النبوي
1/2
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
هذا مقال ماتع رائع ننشره على حلقتين، وهو للأستاذ الكاتب الجزائري:" التهاميمجوري"، نشر على:(بوابة الشروق)، وقد دافع فيه مشكورا عن الحديث النبوي الذي يتعرض لهجمة شرسة للنيل منه، ولكن تلك الحملة يائسةبائسة، وستذوب كما يذوب الماء في الملح، وفيما سبق من المحاولات: عبرة لمن يعتبر!!؟.
فليوفر الشاكون والطاعنون في السنة النبوية: وقتهم وجهدهم وأموالهم، وقبل ذلك وأهم منه: ليحذروا من تسويد صحائفهم التي سيقرؤونها يوم القيامة!!؟.
وإلى المقال:
كثر الحديث هذه الأيام عن مصداقية كتبالسنة النبوية، فمنهم شكك في روايات أبي هريرة رضي الله علنه، ومن طعن في أحاديث في البخاري، ومنهم من ردأحاديث: لمجرد أنه لم يقبلها عقله!!؟، ومنهم من اعتبر الحديث النبوي كلاما تاريخيا كأي كلام يمكن أن يتجاوزه الزمن، ولا يليق التعلق به، ونحن في مطلع الألفية الثالثة!!؟.
وما ذكره هؤلاء وأولئك ليس جديدا في تاريخ المسلمين الثقافي، وفيما جد بعد ذلك من صراع بين الشرق والغرب، وإنما هو مذكور ومكرر، فبعضه وهو قليل جدا: تناوله أهل الاختصاص في إطار النقد العلمي وفق مناهجأهل الحديث، وبعضه الآخر، وهو كثير عند جحافل من المغرضين من أقطاب المستشرقين، لا سيما في فترة الغزو الاستعماري، حيث كان ذلك من روافد الغزو الثقافي والديني، الذي كان مدعوما بالآلاف المؤلفة من قادةالتنصير والإستشراق، وإنما الجديد عند:(جماعة الحداثة في هذا العصر): أنهم يعرضون ادعاءاتهم التي يلوكونها ليلا ونهارا على:" أنها من اكتشافهم ومن إبداعهم وتجديدهم وإضافاتهم في إطار تجديد الخطاب الديني الذي يريدونه، بلا قيد ولا ضابط إلا فيما اعتبروه هم من العلم والمعرفة مما بين أيديهم من معارف قاصرة!!؟.
ونسي القوم أو تناسوا: أن للحديث النبوي علم قائم بذاته، يسمى:( علم مصطلح الحديث)، تفرع عنه الكثير من الفروع العلمية والتطبيقية، مثل تطبيقات الرواية والدراية، والجرح والتعديل، والتعادل والترجيح...إلخ.
وهو: علم لا يليق لأحد أن يتكلم في الحديث، وهو لا يعرف عنه شيئا، أو على الأقل: ليس له إلمام به، وهو: علم يجمع بين البحث في الكفاءة العلمية والقدرات العقلية والذهنية لحملةالحديث وحفاظه ورواته، ومستوى العلاقات التي بينهم، وأخير نقد المتن المنقول، ولذلك عرفوا الحديث الصحيح بقولهم الحديث الصحيح هو: "ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من غير شذوذ ولا علة".
والسند هو: تلك السلسلة من الرواة، مثل قولنا: روى مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال......
1.اتصال السند، أي: في نقل الحفاظ عن بعضهم البعض، فلا ينبغي أن يكون هناك انقطاع، فمالك في مثالنا هذا روى عن أبي الزناد وسمع منه، وأبو الزناد سمع من الأعرج، والأعرج سمع من أبي هريرة، وأبو هريرة صحابي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
2. أما العدالة والضبط، فهما متعلقان بالنظر في حال ناقلالحديث وراويه، ومستواه في الصدق والصلاح والقدرة على الحفظ..إلخ، فحتى يكون الحديث صحيحا: لا بد من أن تكون سلسلة الرواة في مستوى من العدالة والضبط بحيث يُؤْمن على حديث رسولالله من الزيادة والنقصان، وللحفاظ على هذا المسار ودقته: أنشئوا لذلك علما آخر مستقلا، وهو: علم الرجال أو علم الجرح والتعديل، ومهمة هذا العلم :حصر عدد الرواة في عصر الرواية، والنظر في حالهم كحملة للحديث النبوي، وعصر الرواية يبدأ من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نهاية عصر التدوين الذي حدد بالقرن الثالث للهجرة.
ولعصر التدوين هذا مراحل:
مرحلته الأولى: كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتسمت هذه المرحلة بالحفظ كما هي عادة العرب، الذين لم يعرف عنهم التدوين؛ بل كان بعض الصحابة يخافون التدوين: خوفا على اختلاطه بالقرآن، ومع ذلك وجد من دون الحديث بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حياته، مثل عبد اللهبن عمرو بن العاص الذي كانت له وثيقة دَوَّن فيها بعض الأحاديث تعرف عند أهل الاختصاص بـ:"الصادقة".
والمرحلة الثانية، وهي: مرحلة بداية التدوين بأمر من الخليفة:" عمر بن عبدالعزيز": الذي خاف على السنة من الضياع والاندراس، فأمر بتدوين الحديث النبوي، وأول من استجاب لهذا النداء هو: الإمام:" ابن شهابالزهري" رحمه الله المتوفى سنة 124 هـ، ومع انه كره التدوين، وقال بهذه المناسبة:"أكرهونا هؤلاء الأمراء على كتابة الأحاديث"، وذلك لأنه كان يرى ذلك مخالفا للسنة، وربما اعتبره ابتداعا في الدين، فقد نقل المستشرق المجري: جولد تزيهر هذه العبارة وحرفها!!؟، وقال على لسان الإمام الزهري:"أجبرونا هؤلاء الأمراء على كتابة أحاديث"، فحذف (الـ) من الأحاديث؛ لأن هذا المستشرق: جولد تزيهر قرر في أبحاثه: أن تدوين الحديث كان بإيعاز من بني أمية، كموقف سياسي ودسوا من الأحاديث الكثير، ووضعوا أحاديث لتزكية سياساتهم، لضمان مساندتهم سياسيا!!؟- حسب زعمه طبعا-.
والطريق الممهدة لهذه المرحلة: كانت تركز على الاهتمام بمعرفة الرجال الذين تصدوا لهذه المهمة، وهم رجال الرواية، وابتداء من الفتنة الكبرى: تناقل العلماء عبارة توحي بالحث على تخصيص طائفة من العلماء لهذا الفن، فقالوا لبعضهم البعض:"سموا لنا رجالكم، ونسمي لكم رجالنا"، وانطلقت عملية الاهتمام بالرواية والجمع فيما يعرف بالرحلة في طلب الحديث، فأضحى هؤلاء الرجال يشدون الرحال ويقطعون مئات وآلاف الكيلومترات من أجل سماع الحديث من رواة عرفوا برواية الحديث.
وبعد مرحلة الشروع بالتدوين التي كانت على يد الإمام الزهري، جاءت مرحلة التدوين وتقييد كل المرويات التي كانت في صدور الناس، واستمرت العملية إلى نهاية القرن الثالث، فوضع الإمام مالك المتوفى في سنة 197هـ كتابه الموطأ، وهو: أول كتاب في الحديث، ثم أبو داوود الطيالسي المتوفى سنة 204هـ الذي صنف كتابه المسند، وبعده الإمام أحمد المتوفى سنة 241هـ، الذي صنف المسند هو أيضا، ثم كانت كتب السنة الستة المشهورة: البخاري متوفى سنة 256هـ، مسلم متوفى 261هـ، ابن ماجة متوفى 273هـ، أبو داود متوفى 275 هـ ، الترمذي279هـ، النسائي متوفى 303هـ..
3. وآخر ركني الحكم على الحديث:"الشذوذ والعلة"، وهما من الأمور التي قد تخفى على البعض، لخفائها ولتعلقها بأمور أخفى من مجرد اتصال السند ومستوى الرواة عدالة وحفظا.
وهذه الشروط أو الأركان الثلاثة التي ينبغي أن تتوفر في الحديث الصحيح، لكونها أعمدة المحافظة على حديثالرسول صلى الله عليه وسلم من الضياع، فاتصال السند يحافظ على جانب، ولكنه لا يكفي وحده، للحفاظ على صحة الحديث، فقد يكون السند متصلا، ولكن الرواة فيهم من هو دون المستوى في العدالة أو الضبط، كأن يكون ليس ثقة، أو هو صالح وعالم، ولكن ذاكرته لا تسعفه، وقد يكون السند متصلا والناقلون ثقاة وحفاظا، ولكن في الحديث علة معينة أو شذوذ في سنده أو متنه، كأن يكون مخالفة للأقوى والأشهر مثلا...إلخ.
ورغم هذه الدقة في وضع الضوابط الحامية للحديث النبوي حتى لا يختلط الحديث النبوي بكلام الناس، فإن علماء الحديث لم يكتفوا بهذه الشروط الضابطة، وإنما ذهبوا يدققون ويفصلون في تلك الشروط, فاتصال السند مثلا كيف يتحقق منه؟:
قال بعضهم: يكفي أن نعرف الراوي والمُرْوى عنه: أنهما قد تعاصرا، أي: عاشا في عصر واحد، فإذا ثبتت المعاصرة بين عالمين أحدهما يروي عن الآخر: يكفي لإثبات السند، وسواء في ذلك: قال حدثنا أو أخبرنا أو عن أو انه قال...، كل ذلك سواء، لأن كل هذه العبارات كافية لإثبات السند بين متعاصرين، ولكن البخاري الذي تحوم حوله شطحات الشاطحين، قال:" لا، المعاصرة لا تكفي لاتصال السند"؛ لأن مجرد المعاصرة لا تعني اللقاء، وإنما لا بد من ثبات اللقاء بينهما أي بين المتعاصرين ولو مرة واحدة؛ لأن مجرد اللقاء ولو مرة واحدة قد يأخذ عنه كل ما يحفظ من حديث، ولذلك يعتبر البخاري أن عبارة حدثنا هي: العبارة الأقوى والأثبت في الاتصال، ولذلك: اعتبر صحيحالبخاري:أصح كتاب بعد كتابالله.
أما فيما يتعلق بالعدالة والضبط عند أهل الحديث، فقد حولوا الطبيعة البشرية التي هي كثيرة التقلب والتغير والتبدل، إلى ما يشبه المعادلات الرياضية، فوضعوا مصطلحات كثيرة بلغت المئات من العبارات الدقيقة المعبرة عن مستويات الرواة في العدالة والحفظ كقولهم:( ثقة ثقة، أو ثقة ثبت، أو إمام في الحديث، أو صدوق، أو يحفظ حديثه ولا يروى، أو كذاب، أو ضعيف، أو ليس بشيء، أو مدلس، أو اختلط في آخر عمره، أو إذا روى عن فلان لا يقبل...إلخ)، وهذه العبارات وغيرها حاول علماء الجرح والتعديل اختصارها في عبارات علمية دقيقة وموجزة كمصطلحات معبرة عن مستويات الرواية والرواة، مقسمة إلى 12 مرتبة، ست مراتب تعبر عن التعديل، وهي المعبرة عن مستويات الروايات المقبولة، وست مراتب تعبر عن مستويات الرواياتالمردودة.
والغاية من هذه المستويات: أنهم سيحتاجونها في التعارض والترجيح بين الروايات، فالحكم على حديث بأنه صحيح أو ضعيف من جهة السند مثلا هو: حكم ابتدائي مثل الحكم القضائي، الذي يمكن أن ينقض ويعدل بظهور أدلة جديدة؛ لأن الحكم عن حديث انطلاقا من سند معين هو: حكم مبني على مرتبة من المراتب الـ12 المشار إليها، ولكن يمكن أن يوجد سند آخر لهذا الذي حكم عليه بالضعف أو الصحة مثلا، فيرتقي أو ينزل بقرائن أخرى قد توجد هنا أو هناك.
يتبع إن شاء الله.