موقف الإمام الإبراهيمي من الاستشراق
14-06-2017, 01:10 PM
موقف الإمام الإبراهيمي من الاستشراق
(1/2)
سنستعرض بتوفيق الله في هذا المتصفح بعض أقوال الشيخ العلامة:" محمد البشير الإبراهيمي" رحمه الله المتعلقة بالاستشراق والمستشرقين، فقد كشف رحمه الله في فترة مبكرة:" مكر هؤلاء وكيدهم بالإسلام والقرآن وسنة النبي العدنان"، وذلك في زمن: كان فيه الكثير من مفكري العرب والمسلمين مغالطين بحقيقة هؤلاء الماكرين المخادعين.
ويحسن بنا ابتداء: أن نبين بعض حقائق هؤلاء الأفاكين، لنفهم على ضوء ذلك رأي الشيخ العلامة:" محمد البشير الإبراهيمي" رحمه الله في الاستشراق والمستشرقين، فإلى الجزء الأول من الموضوع:
قبل وأثناء وبعد:" فترة الاستدمار": التي جثمتْ على البلاد والشعوب العربيَّة والإسلاميَّة: كانتْ هناك حركة مُريبة يقوم بها جُملة من القساوسة والباحثين الغربيين في دراسة المجتمعات المسلمة دراسةً تفصيليَّة"، ولقد بدأتْ بدراسة اللغة العربية والإسلام، إلاَّ أنَّها بعد ذلك: امتدَّتْ إلى كلِّ ما يتعلَّق بالشرق:( شعوبهم وتاريخهم، وأديانهم ولُغاتهم، وأوضاعهم الاجتماعيَّة، وبُلدانهم وسائر أراضيهم، وما فيها من كنوز وخيراتٍ وحضاراتهم، وكل ما يتعلَّق بهم)، وسُموا ب:" المستشرقين"؛ لأنهم يقومون بدراسة الشرق، وللإنصاف، فإنَّ عددًا منهم: كانتْ دراسته بحثًا عن الحقيقة، وبمنهجيَّة علميَّة: انتهتْ ببعضهم إلى الهداية إلى الإسلام، غير أنَّ هؤلاء:" قلَّة قليلة": لا يُذكرون أمام تلك الأعداد التي كانتْ دراستُهم لأهداف أخرى يَجمعها:" هدفُ الطَّعْن والتشكيك في نبوَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -، والتشكيك في أنَّ الإسلام دينٌ من عند الله:﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾.
وقد سلكوا في ذلك طُرقًا، وولَجُوا أبوابًا: زيَّفوا فيها حقائقَ، وتعسَّفوا في تأويل مواقفَ، وأنكروا حُججًا ظاهرة، وقدَّموا وأخَّروا، وشكَّكوا ونَفوا، ومن أكبر ما تعرَّض لجرائمهم تلك:( التراث: تراث الأمة العظيم الممتد من قرون طويلة، والمحفوظ في الصدور والسطور، والمملوء بصفحات بيضاءَ ناصعة، أرادوا إضعاف - بل نزْع - ثِقة المسلمين في تراثهم الذي يُمثِّل: أُسَّ تكوينهم، وتصريح صلاحيتهم، وعُنوان شَرفهم).
والمرء - من أيِّ دينٍ وبلد كان - إذا انْتُزِعتْ ثقتُه بتراثه، فلنْ يحمل له أيَّ ولاءٍ، ولنْ يَفْخر به، بل لن يتردَّدَ في تَرْك الانتماءِ له، إنْ لَم ينقلبْ عدوًّا له يَسعى في مُحاربته!!؟- كما نلاحظه من بعضهم!!؟-.
والهجوم على التراث في نتاج المستشرقين: واضحٌ وكثير بما لا يَحتاج إلى استشهادٍ؛ فقد جَمَعوا في ذلك كمًّا ليس بقليلٍ، بل يكاد يَنْحصر عملُهم فيه، ومَن قرأ عن:" الاستشراق والمستشرقين": يَلْمح بسهولة أمثلةً لذلك.
ومعركتُنا معهم مستمرَّة، وهذه:" سُنَّة التدافُع والصراع بين الحقِّ والباطل".
إن هؤلاء المستشرقين ذوو قلوب مريضةٍ طافحةٍ بالتعصب الممقوت، والتحاملِ الظالمِ ضد الإسلام، فلا يرى أصحابُها الأشياءَ على حقيقتها، ومن ثَمّ تهيمن على منهج البحثِ لديهم:" روحٌ خبيثةٌ شريرة تكره الحقَّ، وتعمل جاهدة على إطفاء نوره، أو حجْبِ سُمُوِّه وإشراقه، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا!!؟".
إنهم كمن ينظر في كتاب جميل، فلا يعنيه إلا أن يرى النقطَ السوداءَ التي لا يتجاوز عددُها في الكتاب كلِّه: أصابعَ اليد الواحدة!!؟؛ بينما يتعامى عن رؤية ألوف السطورِ الوضّاءةِ التي تُزين صفحات الكتاب بجمال أساليبها، وعذوبة كلماتها، وعظمة معانيها ومضمونها.
فنرى منهجهم قائما على التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ومصدرها الإلهي، فجمهورهم: ينكر أن يكون الرسول نبينا موحى إليه من عند الله جل شأنه، ويتخبطون في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، وبخاصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فمن المستشرقين: من يرجع ذلك إلى ((صرع!!؟)) كان ينتاب النبي صلى الله عليه وسلم حيناً بعد حين، ومنهم: من يرجعه إلى تخيلات كانت تملأ ذهن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم: من يفسرها بمرض نفسي، وهكذا، كأن الله لم يرسل نبياً قبله حتى يصعب عليهم تفسير ظاهرة الوحي، ولما كانوا كلهم ما بين يهود ومسيحيين: يعترفون بأنبياء التوراة، وهم كانوا أقل شأناً من محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ والتأثير والمبادئ التي نادى بها، كان إنكارهم لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم: تعنتاً مبعثه التعصب الديني الذي يملأ نفوس أكثرهم كرهبان وقسس ومبشرين.
ويتبع ذلك: إنكارهم أن يكون القرآن كتاباً منزلاً عليه من عند الله عزوجل، وحين يفحمهم ما ورد فيه من حقائق تاريخية عن الأمم الماضية: مما يستحيل صدوره عن أمي مثل: محمد صلى الله عليه وسلم، يزعمون ما زعمه المشركون الجاهليون في عهد الرسول من: أنه استمد هذه المعلومات من أناس كانوا يخبرونه بها، ويتخبطون في ذلك تخبطاً عجيباً!!؟.
وحين يفحمهم ما جاء في القرآن من حقائق علمية: لم تعرف وتكتشف إلا في هذا العصر: يرجعون ذلك إلى ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيقعون في تخبط أشد غرابة من سابقه!!؟، ويتبع إنكارهم لنبوة الرسول وسماوية القرآن:
1 –: إنكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله، وإنما هو ملفق – عندهم – من الديانتين اليهودية والمسيحية، وليس لهم في ذلك مستند يؤيده البحث العلمي، وإنما هي: ادعاءات تستند على بعض نقاط الالتقاء بين الإسلام والدينين السابقين.
ويلاحظ أن المستشرقين اليهود – أمثال: جولدزيهر وشاخت – هم: أشد حرصاً على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون، فيجرون وراءهم في هذه الدعوى، إذ ليس في المسيحية تشريع: يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به وأخذه منه، وإنما فيه مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كأن المفروض في الديانات الإلهية: أن تتعارض مبادؤها الأخلاقية!!؟، وكأن الذي أوحى بدين هو: غير الذي أوحى بدين آخر!!؟، فتعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
2 – التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس: متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يعهد عندهم في ديانتيهم عشر معشاره في التأكد من صحة الكتب المقدسة عندهم، وقد ناقشتهم في ذلك نقاشاً علمياً في كتابي: ((السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)).
والذي حملهم على ركوب متن الشطط في دعواهم هذه، ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماؤنا من ثروة فكرية وتشريعية مدهشة، وهم لا يعتقدون بنبوة الرسول، فادعوا: أن هذا لا يعقل أن يصدر كله عن محمد الأمي، بل هو: عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي: عدم تصديقهم بنبوة الرسول، ومنها ينبعث كل تخبطاتهم وأوهامهم.
3 – التشكيك بقيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع الهائل الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور.
لقد سقط في أيديهم حين إطلاعهم على عظمته، وهم: لا يؤمنون بنبوة الرسول، فلم يجدوا بداً من الزعم: بأن هذا الفقه العظيم: مستمد من الفقه الروماني!!؟، أي أنه: مستمد منهم – الغربيين!!؟ –، وقد بين علماؤنا الباحثون تهافت هذه الدعوى، وفي البحث الممتع الذي نشرناه للدكتور:" معروف الدواليبي" حول هذا الموضوع في أعداد المجلة للسنة الأولى: ما يكشف تهافت تلك الدعوى، وفيما قرره:" مؤتمر القانون المقارن المنعقد بلاهاي" من أن:{ الفقه الإسلامي فقه مستقل بذاته، وليس مستمداً من أي فقه آخر}: مما أفحم المتعنتين منهم، وأقنع المنصفين الذين لا يبغون غير الحق سبيلا.
4 – التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التطور العلمي، لنظل عالة على مصطلحاتهم التي تشعرنا بفضلهم وسلطانهم الأدبي علينا، وتشكيكهم في غنى الأدب العربي، وإظهاره: مجدباً فقيراً لنتجه إلى آدابهم، وذلك هو: الاستعمار الأدبي الذي يبغونه مع الاستعمار العسكري الذي يرتكبونه.
إن المستشرقين لا يكتفون بتقمّم المثالب - في ظنهم - وحجْب الحقائق عن القارئ في كتاباتهم؛ بل يُرهِبون مَن تُسوِّل له نفسُه أن يَعرِض الحقيقة بإشراقها، أو يصورَ المنهجَ الإسلاميَّ تصويرًا أمينًا صادقًا.
فإن كان عالماً من بني جِلْدتهم: رمَوْه بالتعاطف مع المسلمين تارة!!؟، وبمخالفة المنهج العلميِّ أخرى!!؟، وبالعداء للكنيسة ثالثة!!؟، بالإضافة إلى التضييق عليه!!؟، والحيلولة بين بحوثه وبين الرواج والانتشار!!؟، وإن كان طالبًا: ساقه حظُّه إلى العثِر إلى أن يتلقى العلمَ في معاهدهم، فلا يمكن أن يُسمَح له بإنصاف الإسلام، وذكر الحق مجردًا من كل هوى، وإلا تعرّض للرسوب والحرمان من الشهادة التي تقدم لنيلها غير مأسوف عليه!!؟، وقد استغلوا كثيرا من الطلبة المسلمين لخدمة أغراضهم الخبيثة!!؟.
يقول:( المستشرق: ماسينيون):
" إن هؤلاء الطلاب المسلمين الذين يصلون إلى فرنسا، يجب أن يصاغوا صياغة غربية خالصة؛ حتى يكونوا أعوانًا لنا في بلادهم".[من التبعية إلى الأصالة في مجال التعليم واللغة والقانون، أنور الجندي، ص 16].
ويقول:( المستشرق المنصر: صمويل زويمر):
" تنصير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها".[ الغارة على العالم الإسلامي، ص 30].
وهذه شهادة - بل وثيقة - صدرت عن:( أحد دعاة التخريب والإفساد في العالم، وهو: الوجودي الانحلالي: جان بول سارتر): تكشف عن اهتمامهم بصناعة:"المفكر المستغرب": الذي يقوم بترديد آراء الغربيين، وتسويقها بين قومه الشرقيين، وهي في ذات الوقت:" شهادة واحد من أهلها"، فيقول - مشيرًا إلى:" بعض طرق صناعة المفكر الشرقي في الغرب، ومجال استخدامه -:
" كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف، والأثرياء والسادة من إفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس، فتتغير ملابسهم، ويلتقطون منا بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغتنا، وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحيانًا زيجات أوروبية، ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية...
كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد!!؟، بلاد كانت أبوابها مغلقة في وجوهنا، ولم نكن نجد منفذًا إليها، كنا بالنسبة إليها رجسًا ونجسًا، لكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم؛ كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس: " الإخاء البشري"، فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي إفريقيا والشرق الأوسط أو شمالي إفريقيا..
كنا نقول: " ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان المختلفة"، وكانوا يرددون .. هذه أصواتنا من أفواههم، وحين نصمت يصمتون!!؟، إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين: لا يقولون كلمة واحدة غير ما وضعنا في أفواههم!!؟". [شبابنا في وجه الإعصار الغربي، عبد القادر عبار، مقال في مجلة الأمة، ص 21].
يتبع إن شاء الله.