رد: هام جدا: جامع المقالات الكاشف لمغزى استبدال الفصحى باللهجات
12-08-2015, 10:56 AM
شدّد على التجنّد للدفاع عن الهوية عبد القادر فضيل لـ"الشروق":
الرئيس بوتفليقة لن يقبل بإدراج العامية في المدرسة
-ليس هناك أي أساس بيداغوجي أو علمي لتدريس العامّية.
-تدريس العامية سيخلق بيئاتٍ لغوية تمهد لتفكيك الوحدة الوطنية.
-تأثير الثقافة الفرنسية لا يزال يحرك المسؤولين عن التربية في بلادنا.
-تدريس التلميذ بالعامية في السنتين الأولى والثانية ابتدائي لا يهيئه لتعلم الفصحى لاحقاً.
-هناك علاقة مدروسة ومقصودة بين تدريس الدارجة في السنتين الأولى والثانية ابتدائي وبداية تعلّم الفرنسية في السنة الثالثة، أي أنهم يسعون إلى فصل التلميذ عن الارتباط بلغته، ليتهيأ للتعامل المُريح مع اللغة الفرنسية.
استبعد الدكتور عبد القادر فضيل أن يقبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مناقشة مقترح إدراج العاميّة، لإدراكه أنّ هذه القضية فوق الجميع، لكنه دعا في المقابل، إلى تدخل الحكومة لحسم الجدل القائم في الساحة الوطنية، وأن يكون موقفها واضحا للعيان، وفي حوار مع "الشروق"، شدّد المفتش السابق للتربية على ضرورة تعبئة كافة الفعاليات الثقافية والمدنية للدفاع عن مكونات الهوية.
كيف استقبلتم توصية ندوة تقييم الإصلاحات التربوية والمتعلقة بإدراج العامية الدارجة في التعليم الابتدائي؟
لا أعتبر الاقتراح الوارد في آخر جلسات الندوة والخاص بتبني اللغة الدارجة في تعليم أطفال السنوات الأولى توصية، لأن التوصية تعبر عن اهتمامات المشاركين وآرائهم، وتلخص ما دار في النقاش، وهذا لم يتم، بشهادة كل من شاركوا في الورشات العشر أو في تتبع المحاضرات.
لهذا فقد استقبلت هذا الاقتراح الغريب، مثل غيري من المهتمين بالتعليم باندهاش كبير، وتساءلت في وقتها، هل المسؤولون الذين صرّحوا بهذه الفكرة واعون بما يقولون؟ وهل الوزيرة المسؤولة لها موقف واضح ومحدد من هذه الفكرة؟ وهل تدري أنها تجاوزت صلاحياتها؟ وسوف تتلقى تنبيها من السلطة العليا؟ وهل يجوز لأي مسؤول أن يقترح فكرة حول موضوع نوع اللغة التي تُعلّم للأطفال؟ وهل يجوز أن ينطلق المسؤول من قناعاته الشخصية؟ لأن الموضوع يتجاوز الوزيرة، ويتجاوز مجلس الحكومة ولا يرتبط برئاسة الجمهورية، لأن موضوع اللغة موضوع يتعلق بسيادة الأمة واهتمامات المجتمع، ولابد أن يُعالج من خلال المبادئ العامة التي تحدد وجهة المجتمع وأركان هويته.
هل ترون أن مثل هذه الأطروحات لها أساس علمي أو بيداغوجي؟
إن مثل هذه الأطروحات بعيدة عن الفكر العلمي، وغير منسجمة مع التوجّه البيداغوجي الصحيح، ومخالفة لقواعد التفكير التربوي التي هدفها الأساسي هو ترقية وعي المتعلم بقيمة اللغة، وبأهمية البناء اللغوي الصحيح.
وما يقوله بن رمضان وزميله باسم المفتشية العامة للوزارة، بأن هذا الاقتراح الذي عرضاه في الندوة الصحفية، قائمٌ على أساس القواعد البيداغوجية، هذا غير صحيح، لأن البيداغوجية لا تهتم بنوع اللغة، إنما تهتمّ بطريقة التعامل مع الأطفال، وتوجههم نحو ما يريده المجتمع، وتنتقي الأساليب التي تسهم في ترقية تفكيرهم، وهذا ليس له علاقة باللغة التي اختارها المجتمع لتكون رمز هويته وأداة تفكيره، فاللغة هي لسان المجتمع، ومهمة المدرسة أن تمكن المتعلم من معرفة هذه اللغة، وهنا تدخل الطرائق والأساليب.
وإبعاد اللغة العربية الفصحى التي هي لغة المدرسة ولغة التفكير الحضاري لا يعتبر شأنا بيداغوجيا.
هل توجد نظرياتٌ لسانية موثوق بها تؤيد هذه الفكرة؟
- النظريات اللسانية التي تُطرح في هذا الموضوع لا تتعلق بتحديد نوع اللغة التي نختارها لتعليم الأطفال والتعليم بها، ولا بتفضيل مستوى تعبيري على آخر، لأن اللغة لها وظائف يحددها المجتمع وحاجات الإنسان وصلته بالمجتمع، وقواعد هذا العلم شرحتها الدراسات التي بيّنت قيمة اللغة وأهمية البحث في مجال ترقية الاستعمال اللغوي، وهذه القواعد كشفت عنها الدراسات والأبحاث التي رافقت الحضارة العربية الإسلامية، والجانب الذي يطرحه علماء التربية في مجال تعليم اللغة هو مراعاة مكتسبات الطفل في بداية التعليم، لأن الانطلاقة من هذه المكتسبات لا يعني أننا نساير الرصيد الذي جاء به، أو الرصيد الذي يجري العمل به في الشارع أو في محيط البيت، إنما يعني أن نبقي منه ما هو صالح وسليم، ونوجه اهتمامنا لتصحيح ما يجب أن يصحح وينظم التعابير التي تحتاج إلى تنظيم ونثري أفكار الطفل ورصيده من العبارات ليتأهل للتعامل مع لغة المدرسة.
أما حينما نختار الدارجة ونجعلها هي اللغة التي يتعلمها ويتعلم بها في السنوات الأولى، فإن ذلك لا يهيّئه لتعلّم لغة المدرسة التي هي لغة المجتمع واللغة الجامعة.
ألا ترى أن هناك تلاعبا مقصودا بالألفاظ المستعمَلة، من خلال تصريحات الوزيرة وشرح المفتش العام، حين يذكران" لغة الأم" أحيانا و"اللغة المدرسية" أحيانا أخرى، والهدف هو تمرير فكرة الدارجة أو العامية، مع أن هناك فرقا بينهما؟
التلاعب واضحٌ ومقصود من خلال تحليل الاقتراح، فعندما نستمع إلى ما تقوله الوزيرة ويشرحه المفتشان العامان اللذان حاولا إقناع المستمعين بهذا الاقتراح، حينما نستمع إلى أقوالهم نلمس التلاعب المقصود بذكر بعض الألفاظ مثل لغة الأم التي يريدون الانطلاق منها وتكريسها في مجال التعلم اللغوي ،والمغالطة نفسها هي التي يعتمدونها في الحديث عن لغة المدرسة. ولغة المدرسة ليست هي لغة الأم، ولا تستطيع هذه اللغة أن توصل الطفل إلى هضم لغة المدرسة، إلا إذا تعلم قوالب لغوية تتجاوز لغة الأم في مفرداتها ومعانيها وتراكيبها، إن ما ذُكر في مجال ربط المدرسة بالبيت لم يحدد نوع العلاقة التي تجعل لغة البيت مهيأة للمدرسة، ثم إن هناك خلطا في الاستعمال بين المصطلحين (الدارجة والعامية)، فلم يفصح المتحدثون عن توضيح الفرق بين الكلمتين، فالدارجة هي لغة الشارع وما يتعامل به الناس في الأسواق وفي الحياة اليومية، وهي لغة خليط، بعض مفرداتها فرنسية وبعضها إسبانية وبعضها من لغات أخرى، والعامية مستوى آخر يفوق الدارجة، لأن العامية عربية في معظم مفرداتها وفي أهم تراكيبها، وبسيطة في مستوى تنظيمها، وليس فيها اهتمام بالقواعد الإعرابية، وهذه هي اللغة التي جرى الحديث عنها في بعض أقطار المشرق العربي، ودعا إليها بعض الأدباء واعتبروها تراثا يمكن الاهتمام به، وهي مستعملة في مستويات معينة وليست في مجال التعليم.
والحجة التي ذكروها سببا للاهتمام بالدارجة في بداية التعلم هي الصعوبة التي تواجه المتعلم المبتدئ، والتي تجعله يصطدم بوضع لغوي بعيد عما كان قد ألفه، واعتماد الدارجة هو السبيل لإزالة هذه الصعوبة وجعل الطفل يقبل على التعلم، ويتهيأ لمعرفة لغة المدرسة.
إن هذه الحجة واهية ولا أساسا له ، لأن اللغة العربية اليوم أصبح انتشارها واسعا والوضع الذي هي عليه لا يجعل المتعلم يحسّ بنوع من الغرابة، فالاستعمالات اللغوية القريبة من الفصحى منتشرة في محيطنا حتى ولو كانت محرّفة أو غير منظمة، إن وسائل الإعلام ساهمت في تطوير الرصيد اللغوي وفي تقريب اللغة من المواطنين الصغار، وعززت برامج في التلفزة المخصصة للأطفال واقع استعمال اللغة العربية، فالقصص التي تبث يوميا والخاصة بالأطفال، مكنت أبناءنا من معرفة جانب مهمّ من اللغة، وإذن لا يقال بأن الطفل يلاقي صعوبة في تعلمه العربية الفصيحة، وإذا قلنا هذا فكيف يتعلم أطفال المناطق التي تتحدث بالأمازيغية؟ هل نعتبر الدارجة التي يستعملونها في بيوتهم هي اللغة المعتمدة؟ وكيف يكون هذا ممهدا لتعلم لغة المدرسة؟ وفي هذه الحال لا نعلمهم العربية الدارجة وإنما نعلمهم الأمازيغية.
لماذا لا يطرح الإشكال الذي يواجه أطفالنا حين يشرعون في تعلم اللغة الفرنسية، إذ تم استثناء تدريس الفرنسية من استعمال العامية، إذا كانت الحجة هي صعوبة الرصيد اللغوي الذي يجده التلميذ في المدرسة؟
لم يطرحوا موضوع تعليم الفرنسية مع أنها هي المشكلة التي تواجه أطفالنا بعد دخولهم المدرسة، هذا يؤكد أن المسألة ليست بيداغوجية كما يقولون، إنما هو موقفٌ خاص تجاه اللغة العربية، أما اللغة الفرنسية فهي عندهم ليست غريبة عن المجتمع، بل هي"قريبة من الجزائريين"، كما عبّر عن ذلك بن زاغو منذ سنوات عديدة، مع أن المنطق يفرض أن لا تقدم اللغة الفرنسية إلا بعد أن يتعلم الطفل ثلاث سنوات، هكذا يرى المربون، أما أن نجعل الطفل يتعلم الفرنسية بعد سنتين من التعلم، فهذا يدفعه إلى تعلم لغة تختلف كل الاختلاف عن لغته، في أصواتها وفي طريقة كتابتها وفي قواعدها ونظام التعبير بها وفي مجالات استعمالها، إنها تختلف عن اللغة العربية وعن الدارجة، فهذا لا يتحدثون عنه ولا يطرحونه فهو بالنسبة إليهم أمر ليس غريبا.
هل ترون وجود علاقة بين الدعوة إلى تعليم الدارجة في السنتين الأولى والثانية وبداية تعلم الفرنسية في السنة الثالثة؟
هناك علاقة مدروسة ومقصودة بين تدريس الدارجة في السنتين الأولى والثانية ابتدائي وبداية تعلّم الفرنسية في السنة الثالثة، أي أنهم يسعون إلى فصل التلميذ عن الارتباط بلغته، ليتهيأ للتعامل المُريح مع اللغة الفرنسية؛ فالاكتفاء بالدارجة أسلوب يهيّئ الطفل للإقبال على تعلّم الفرنسية، لأن تعلمه العربية الفصيحة في السنوات الأولى، يعزز اهتمامه بهذه اللغة، ويكسبه رصيدا لغويا يجعله قادرا على التواصل بها، ولهذا يصطدم معلم الفرنسية بتذليل الصعوبات التي يجدها التلميذ في استخدام اللغة الفرنسية، وتركيزهم على الدارجة يترك المجال فسيحا لتعلم الفرنسية.
إذن هذه الخطوة الجيّدة تمثل استئنافا للعمل بمقترحات لجنة بن زاغو؟
إن الذي يتمعن في هذا الاقتراح وفي غيره من الاقتراحات الواردة في الندوة الوطنية، يجده سعيا مركزا لتعميق الأفكار التي جاء بها تقرير لجنة بن زاغو، ولكن ما تمخضت عنه الندوة لم يبرر الجوانب الإيجابية، ولم يجدد الجوانب السلبية التي تحدثنا عنها أكثر من مرة، وهي واضحة للعيان، وما يسمونه "إصلاحا" لا يمكن اعتباره كذلك، لأنه لم يصلح وضعا فاسدا، ولم يعالج أمرا سيئا، إنما هو مجموعة تغييرات هدّمت أكثر مما بنت، لأنها مست المبادئ والاتجاهات التي كانت أساس النظام التربوي في السابق، وقد مس التغيير أمورا كثيرة.
بماذا تفسر هذه الردة التي عاشها النظام التربوي بعد التخلي عن توجهات التعليم الأساسي وهل تقنعك فكرة الضغوط الخارجية؟
ما يلاحظ في واقعنا التعليمي أن هناك ردة لغوية وتربوية مست المدرسة والمواد التعليمية والمحيط الحضاري، وهذه الردّة مسّت كذلك الاتجاهات التربوية القائمة على أسس ميدانية صحيحة، وهذه الردة سبقتها ردة في مستوى الأفكار الموجهة لنظام التعليم، وقد برزت هذه الردة منذ التفكير في تغيير النظام القائم وإلغاء التعليم الأساسي والتوجهات التي جاء بها هذا التعليم، حيث حاول بعضهم جعلنا نقبل هذه الردة لنساير العالم، ونغير أوضاعنا التربوية لنتجنب الضغوط السياسية والاقتصادية التي تواجه بلادنا، ولكن الحقيقة التي تدفعهم إلى التغيير، والتي تجعلنا نتخلى عن بعض المبادئ التي تميز مجتمعنا، ليست هي الضغوط الخارجية، إنما هي موافقتنا المترددة التي جعلتنا نتأثر برياح العولمة، وبعبارة أخرى أن تأثير الثقافة الفرنسية وما تحمله هذه الثقافة ما يزال يؤثر في توجهات بعض المسؤولين الذين يحركون قطاع التربية، والدعوة إلى العامية جانبٌ من هذه التوجهات.
الأخطر من ذلك كيف ننظر إلى تخوفات الرافضين لهذا الاقتراح الذي يرون فيه مقدمة لكسر الوحدة الوطنية، ما رأيك؟
إن الذي يتتبع الحديث عن تبني الدارجة في التعليم، ويتأمل التحليلات التي تطرحها الوزيرة ومن معها، لا يملك إلا أن يستنتج أن البلاد مقبلة على تشتيت الوحدة الوطنية، وتقسيم الوطن إلى بيئات لغوية، مما ينتج عنه بيئات مجتمعية؛ فالذين يتحدثون عن هذا الاقتراح ويتحمسون له هم في الأساس مواطنون ويعيشون الحقائق التي تبنى عليها وحدة الوطن، فكيف يسمح لهم ضميرهم بأن يسعوا إلى تطبيق هذا الإجراء الذي من نتائجه كسر الوحدة الوطنية وقتل الإحساس بقيمة هذه الوحدة ؟ هذا ما حرصت عليه الإدارة الاستعمارية حين كانت تسيّر أمور البلاد، فقد ركزت في نظامها على رفض وجود لغة مزاحِمة للغتها، لذا منعت التلاميذ أن يتحدثوا بغير اللغة الفرنسية، وهذا هو السبب الذي جعل النظام الفرنسي في الجزائر يحقق النجاح في المجال اللغوي، وهو النجاح الذي جعل المسؤولين عندنا يرفضون تغيير هذه اللغة، أو إعطاءها مكانة غير المكانة التي وُضعت فيها.
ما هو العمل المطلوب الآن من أنصار المدرسة الأصيلة والمتفتحة؟ وما هي وسائل الدفاع عما تبقى من حصونها التي شيّدتها وفق مبادئ ثورتها وموروثها الحضاري؟
العمل المطلوب هو أن تتكاتف جهود الهيئات التي لها دور في بناء وحدة الوطن وترقية ثقافته والدفاع عن شخصيته، وهي الهيئات التي لها صلة بقضايا اللغة وبالثقافة الإسلامية وبالبحث العلمي، وكذا هيئات البرلمان وجمعيات أولياء التلاميذ، والأحزاب السياسية التي تتأهل من أجل ترقية المجتمع وبناء فكره السياسي، ولابد أن يسهم البرلمان ونقابات المعلمين، ويطلب من المفكرين والمسؤولين عموما أن يكون لهم دورٌ في الإسهام في الدفاع عن الوحدة الوطنية ومحاربة الأفكار التي تكسر هذه الوحدة، يطلب من هؤلاء جميعا أن يقفوا ضد هذه الفكرة التي لها تأثير مباشر على الوعي القومي وتربية الفكر الوطني.
وحتى الحكومة يجب أن يكون لها موقفٌ صريح، إذ لا يجوز لها أن تسكت عما يُراد بلغتنا، وعليها أن ترفض إدراج هذا الاقتراح في مشاريعها إن عُرض عليها، لأن الموضوع فوق الجميع لأنه أساس الهوية الوطنية والرمز المعبّر عن شخصية المجتمع، ولا يجوز أن نسمح بالتعدي عليه ولا يجوز لأي كان أن يكون له موقف مضاد، فاللغة هي الوعاء الذي يحمل القيم القرآنية وأسس العقيدة التي يؤكدها الدستور، ويعزز مكانتها في بناء الدولة، فهي التي تربط المجتمع بأصوله الحضارية، وموضوع مثل هذا لا يجوز أن تطرحه الوزيرة أو رئيس الحكومة، أو يُعرض على رئيس الجمهورية، فالرئيس نفسه له موقف واضح من اللغة الدارجة، لأنه يدرك أن الموضوع فوق الجميع، لذا نستبعد أن يقبل الرئيس المناقشة في هذا الملف.