الخبيرة البيداغوجية التونسية:" سلوى العباسي بن علي":
التعليم بالعامية يؤدي إلى تأخر الوعي عند الطفل
تعتبر:" سلوى بن علي العباسي"، وهي: واحدة من أبرز خبراء التربية والبيداغوجيا التعليمية في تونس، أنََّ طرح:" فكرة التعليم باللغة الأم، أو العامية": مشروع مردود ومرفوض علميا، وتؤكد في مقابلة مع “الخبر” أن الأبحاث البيداغوجية: أثبتت أن التعليم بالعاميّة لا يؤدي ضرورة إلى تعلم قواعد اللغة الفصيحة ونظامها السليم، بل بالعكس: سيؤدي إلى نتائج عكسية تؤخّر حصول الوعي لدى الطفل.
هل سبق أن طُرح مقترح التدريس باللغة الأم والعاميّة في تونس؟.
لم تطرح المدرسة التونسية على مدى الأنظمة السياسية المتعاقبة، منذ الاستقلال وخلال كلّ المشاريع الإصلاحيّة المقترحة لسنة 1958 وسنة 1991 وسنة 2002 وحتّى بعد ثورة جانفي 2011 وإلى سنة 2015، قضيّة التدريس باللهجة العاميّة. المسألة أثيرت ثقافيا وإبداعيّا في إطار مباحث لسانيّة معجميّة في بداية السبعينيات ضمن ما عُرف وقتها بمعركة “الدّارجة والفصحى”، وفي إطار النقاشات الفكريّة التي فجّرها مثّقفو “حركة الطّليعة” وأغلبهم من الجامعيين والباحثين اللسانيين، حتّى حسم الوزير الأديب ذو التوّجه الصفويّ محمود المسعدي الأمر، وكان الانتصار بيّنا للفصحى الذي انعكس مباشرة على الخيارات التربويّة الكبرى.
يحتدم في الجزائر جدل حول التدريس باللغة الأم أو العامية في السنوات الأولى؛ كخبيرة بيداغوجية هل يستند هذا إلى أساس بيداغوجي وعلمي؟
لكي نحسم الأمر تعليميا وبيداغوجيا علينا أن نميّز في البدء بين ثالوث من المفاهيم: “الاكتساب” و«التعلّم” و«التملّك”، أمّا الاكتساب فمجاله التعلّم الطبيعيّ للسان من الألسنة، وينشأ دون حاجة مباشرة إلى الوعي الصناعي أو العلميّ بمكوّنات ذلك اللسان ونظامه النحويّ لأنّه مخزون الذّاكرة التواصليّة من الأصوات ومعانيها بعد إنجاز كمّ هائل من التبادلات الخطابية بين الأفراد في محيطهم اللغويّ الأصليّ أو “الأصيل”، فهو تعلّم فطريّ حدسيّ تنتجه الملكة وجوهره “تحصيل المعاني”، وهو الذي أجاز اعتبار العاميّة أسبق من الفصحى ومعاملتها معاملة اللغة الأمّ.
أمّا “التعلّم” فهو فعل واع يحدث استجابة لفعل يسبقه هو “التّعليم” فمجاله مؤسسّي مبرمج ومدروس، تنشئه المدرسة على نحو ما، وتسعى قدر الإمكان إلى أن تكسب متعلميها جرّاءه قواعد لسان مقروء مكتوب، ومنها التركيز على الأشكال والقوالب وعلى قواعد ذلك النّظام.
بيداغوجيا هل يمكن الاعتماد على اللغة العامية لتعليم اللغة الفصحى؟
علينا أن نعترف- تعليميّا وعلميّا- أنّ تعليم الفصحى بالعاميّة لا يؤدّي ضرورة إلى تعلّم قواعدها الفصيحة ونظامها السليم،بل بالعكس سيؤدي إلى نتائج عكسية تؤخّر حصول الوعي النظاميّ أو الصناعيّ بقواعدها، مثلما أنّ تعليم القواعد النحويّة للفصحى بصفتها أشكالا وقوالب مجرّدة من المعاني مفصولة عن سياقاتها التداوليّة الحيّة وعن ذاكرتها الخطابيّة لا ينجم عنه تعلّم يضاهي اكتساب ما هو فطريّ أو طبيعيّ أو عاميّ، فهو لا يعني حصول الدرجة المطلوبة من “التملّك” التي نلاحظ فيها تقلّص الأخطاء وتحسّن المستوى، فالأمر منحصر بين استعمال القاعدة وقاعدة الاستعمال.
كيف يمكن تجاوز المشكلات اللغوية في التعليم في السنوات الأولى، وما هي الحلول التي يجدر اتّباعها؟
أن تستثمر الفصحى المؤسسيّة صلاتها القريبة والبعيدة بالعاميّة، باستدعاء الرّصيد اللسانيّ المودوع في الذّاكرة الخطابيّة للمتعلّم عبر توظيف التواصل وتنويع أوضاع الخطاب. فالاستثمار يكون استثمارا دلاليا بالأساس يستعير الأنساق والعمليات التبادليّة التي تقع في محيط الاكتساب، ويوظّف مفهوم “النّشاط اللغويّ” ليشغّل المهارات التواصلية ويلبّي أغراض الكلام، لكن مع العمل على تخليص الألسنة من آثار ذلك التلهيج وتقليص عدد الأخطاء ومجابهة ضعف المستويات اللغوية وضمور سجلاتها، إضافة إلى شحذ السماع والتلقيّ باللغة الفصحى وتكثيف تمارين القراءة والكتابة وتنويع المقروء والمكتوب باستخدام الوسائط والبرمجيات الرقمية والألعاب والخارطة الذّهنية والمسرحة والفنون واتباع مناويل استكشافية وتفاعلية تبني المشاريع وتستعين بالبرمجيات الرقمية الحديثة، وتنفتح على المحيط الثقافي الاجتماعي للمتعلّم الجزائريّ لتصبح اللغة العربية أداة تواصل مع ذلك المحيط وأفق تفاعل مع العالم.
إلى أي حد يمكن أن يشكل التدريس بالعامية الهويّة التعليميّة للمجتمعات المغاربية؟
الخطر محدق بالمدرسة وبقيمة المعرفة وبالذاكرة الثقافية للمجتمعات المغاربية،وهذا يتطلب أولا تحديد مكانة تلك اللغة العربية وحماية تشريعيّة ثانيا، كما هو الحال في تونس، فالتشريع اللسانيّ يعطي مشروعية لحسم المسألة شرط أنتقع الاستفادة من محصلات علوم النفس و«اللسانيات العرفانيّة” والأبحاث التعليمية من أجل بلوغ نتائج بيداغوجيّة مقنعة سهلة التجريب والتطبيق والتطوير.
هل يثار في تونس جدل حول أولوية تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية بدلا من اللغة الفرنسية؟
اللغة العربية في تونس محميّة قانونا، وإن كانت تزاحمها اللغة الفرنسيّة بدرجة أولى وبقيّة اللغات الأجنبيّة بدرجة ثانية في علاقتها بالموادّ العلمية المدرسة. لكن الإشكال قائم حول مدى وجاهة تقديم تدريس الفرنسية والإنجليزية في الأقسام الأولى من المرحلة الابتدائيّة ومدى خطر ذلك التقديم أو أثره في تلك اللغة الوطنيّة الأمّ، مما لا يجعل العربية في منأى عن قضايا التداخل اللسانيّ.
منقول بواسطة الأخ الفاضل:" بلحاج بن الشريف".
وليد بوعديلة:( أستاذ بجامعة سكيكدة)
لم نصح بعد من الانهيار اللغوي في الإعلام الجزائري بكل أنواعه حتى خرجت هذه التوصية، وإني أسأل:
لماذا لم يتدخل خبراء وزارة التربية لإقناع منتجي المسلسلات الجزائرية بتوظيف المفردات الجزائرية القريبة من الفصحى؟.
أين هم من نقل المسلسلات التركية بلهجة جزائرية كما فعل السوريون و المغاربة؟.
ثم أين إسهامات وأفكار هؤلاء الخبراء في تعريب المحيط والقوانين والمؤسسات: لتجاوز التلوث اللغوي البصري الذي نعانيه، ويقدم صورة مشوهة عن وطن الشهداء لكل زائر!!؟.
وفي ظل كل هذا النقاش:
أين هو المجلس الأعلى للغة العربية؟.
وأين هو البرلمان ورئيسه:" محمد العربي ولد خليفة": المفكر والعالم الاجتماعي الذي كتب كثيرا عن اللغة والهوية، وكتابه:(المسألة الثقافية وقضايا اللسان والهوية): معروف ومشهور في هذا المجال؟.
إنها:" ردة، ولا ابن باديس لها"، فعذرا شيخا ألف عذر، إننا في زمن الخيانة والنكر للرجال.
وعلى ذكر:" ابن باديس"، فلماذا لم يعد خبراء بن غبريط إلى النماذج التربوية الباديسية!!؟، يقول الدكتور عمار طالبي: { اتخذ ابن باديس وجماعته أسلوبا واضحا سهلا، لا يخاطبون التلميذ من أول يوم إلا بالعربية، وكان ابن باديس: لا يخلط لغته في الدرس بأية لغة دارجة أو هجينة أبدا، ويمنع استعمالها مادام التلميذ في المدرسة ويعتني باختيار أروع النثر وأجمل القطع الشعرية}.( جريدة البصائر عدد 768 ).
قد لا يلجأ معلم المدرسة الجزائرية -إن تجسدت توصيات الندوة- إلى شعر :" مفدي زكريا"، أو:" محمد العيد آل خليفة"، أو نثر:" الإبراهيمي والعربي التبسي" في دروس العربية، وسيستعين بكلمات راقية من أغاني الشاب:" خالد، الزهوانية، الشاب مامي.!!؟".. ولن يقرأ غزليات:" عنترة"، أو:" نزار قباني"، بل سيمتع المعلم تلميذه بشعر مثل:" نديك ونروح، ولا أطيح روح!!؟".
أعجبني قول العالم اللساني الدكتور:" عبد الجليل مرتاض":
{إن لغة القرآن في جميع مراحل تعليمنا تمثل خطا أحمر للشرف الجزائري غير قابل لأية توصية أو ميثاق أو دستور}. (الخبر عدد7879).
وأقنعني قول:" محمد المامون مصطفى القاسمي الحسني":
{ العربية لا تصدم إلا الأطفال الذين رضعوا الفرنسية مع حليب أمهاتهم}. (الشروق اليومي: عدد4817).
ولقد صدمني ما ذهبت إليه البروفيسور:( نصيرة زلال: أستاذة علم النفس التربوي بجامعة الجزائر) من:{ أن نصوص الكتاب المدرسي الجزائري في المرحلة الابتدائية تستعمل في الدول الغربية كتمارين للنطق بالنسبة للأطفال الذين بلغوا 18 شهرا، وكذلك للتأهيل الذهني للمصابين بالإعاقة الذهنية!!؟ ، و تذكرت ما يخبرني به الطلبة الذين درسوا عندنا في الجامعة -وأصبحوا أساتذة في مستوى الابتدائي- بأنهم يجدون في أقسام بعض المدارس تلاميذ متأخرين ذهنيا، وبدل توجيههم لمدارس متخصصة أو تخصيص أقسام خاصة بهم يتم دمجهم مع العاديين؟ فهل تعلم السيدة الوزيرة بهذا الأمر!!؟}.
إن بعض توصيات الندوة الوطنية التي نظمتها وزارة التربية:هامة جدا (للعلم هي أكثر من 200 توصية)، لأن المدرسة الجزائرية تشهد الكثير من السلبيات والممارسات الخطيرة في التسيير وطرق التعليم ووضعية المتعلمين والمدارس...، ولا داعي لإنكار الصورة السيئة لمديريات التربية عبر الوطن من أهل التربية قبل المواطن البعيد عن القطاع، ويجب تأمل تلك التوصيات، وإيجاد حلول وأدوات للإصلاح، لكن توصية تعليم الدارجة في التحضيري والابتدائي: خطيرة، وتمس بالهوية مباشرة، وقد تسهم في تشكل تلميذ معوق لغويا، ومشوه فكريا و...
أخيرا:
لقد عدت -في خضم النقاش الكبير حول المسألة- إلى البرنامج الانتخابي للرئيس بوتفليقة (2014-2019)، فوجدت أن مواقف بن غبريط تنسف أهم محور في برنامج الرئيس، وهو: محور ترسيخ ديمقراطية مطمئنة عبر ترقية الديمقراطية التشاركية، وتعزيز الحكم الراشد، وقد غيب خبراء بن غبريط الطمأنينة علينا في ظل انهيارات اقتصادية، وتهديدات داعشية وتراجعات دينارية(...)، وكأن الوزيرة ضد برنامج الرئيس!!؟.
هل فهمت المعادلة يا رئيس الوزراء!!؟.
وهل عرفت الحل لإعادة الطمأنينة الديمقراطية حتى لا يتأخر غياب الحكامة وتعود المواطنة!!؟.
نسأل الله: أن يحفظ الجزائر، ويبقيها وفية لعهود الشهداء.
أين يتعلم أحفادنا الفصحى في 2060!!؟
أستاذ بوعقبة: سلام اللّه عليكم.
من خلال ما تناولته الصحافة حول مقترح:( استعمال العامية): أردت أن أقاسمك المعلومات التالية:
- مستقبل اللغات:
يحضرني هنا مناقشة كانت بيني وبين أحد أساتذتي في إحدى جامعات نيويورك، في اللغة الإنجليزية وهو مختص في اللسانيات، في السبعينيات وأنا طالب آنذاك عندما سألني عن اللغة الأم في الجزائر فأجبته إنها العربية، فقال لي: “أنتم من المحظوظين”، وأخبرني أن سبب غيابه عنا لفترة كان بسبب مشاركته في مؤتمر حول اللغات وأثرها على مستقبل تخزين المعلومات وادخارها، أما ما انتهت إليه تلك الأيام الدراسية فأخبرني أنه التالي: “سيشهد العالم مستقبلا مشكل تخزين المعلومات وكيفية إيصالها للأجيال الآتية، وستندثر معظم اللهجات واللغات ذات الانتشار المحدود حيث لا تستجيب لمتطلبات العصر، وسنشهد مع منتصف القرن 21 المنعطف الحاسم ونقطة التحول الكبرى فحوالي سنة 2060 لن تبقى من اللغات الحية المتداولة سوى أربع: الإسبانية والإنجليزية والعربية والصينية. وسينتهي القرن 21 واللغة العربية هي اللغة الأولى بما تتمتع به من خصائص وقابلية للاستيعاب المفاهيم الجديدة، أما فيما يخص الأمازيغية فهو يرى أنها تفتقد لخصائص اللغة وهي مرشحة للزوال، وأما الفرنسية إن بقيت فلن تكون لغة حية. فهلا تكلم أصحاب الاختصاص ويشهدوا بالحق؟
- اللغة كعامل جيواستراتيجي في المخططات الدولية: دائما وأنا طالب في الفترة المذكورة أعلاه، ولكن سنتين من بعد، تعرفت على جزائري يدرس في واشنطن ودعاني لزيارته حيث تعرفت على بعض أساتذته وزملائه.
من بين الزملاء كان هناك تونسي ومغربي يحضران للدراسات العليا بمنحة من الجامعة نفسها، فالمغربي كان يبحث في طرق استعمال وتطوير الأمازيغية في المغربي العربي، أما التونسي فكان يعكف على سبل استعمال العامية، وكان مؤطرهما، وهو أحد الأساتذة بتلك الجامعة، قد أخبرني أنه أنهى حديثا دكتوراه في دراسة شمال إفريقيا وأثرها على مستقبل الولايات المتحدة في دراسة لحساب وزارة الخارجية الأمريكية. وعلمت فيما بعد أن ذلك الأستاذ أصبح دبلوماسيا وتقلد مناصب عليا، وكان يشرف على مشروع الشرق الأوسط الجديد، فالمستعمِر يوظف كل شيء من:( لغة ولهجة وبترول..)، والساكت عن الحق: يلجم يوم القيامة بلجام من نار.
- استعمال العامية في التدريس وجدلها: إلى أي دراسة أو مرجعية يستند الاقتراح!!؟.
ربما إلى ما ذُكر أعلاه من حيث لا ندري!!؟.
- سؤال: إلى متى نبقى منطقة نفوذ وتمدد للقوى الخارجية؟.
وأين يذهب أحفادنا لتعلم الفصحى في 2060؟.
ربما في جامعة اكسفورد أو كولومبيا؟ والسلام عليكم.
أبو عمران– الجزائر.
في:( 1982 ): قابلت عالما هنديا مسلما في مسجد نيودلهي الكبير، فقال لي:{ أتعجب منكم، كيف لم تتطوروا!!؟.
لديكم لغة واحدة متطابقة مع لغة الدين، ولكم دين واحد، وأنتم جغرافيا أقرب مناطق العالم إلى الحضارة الغربية، ومع ذلك لم تتطوروا!!؟.
هذا غريب!!؟}.
سعد بوعقبة 13 أغسطس 2015 / الخبر الجزائرية
و لا أجد أحسن ما أعلق به على هذا الكلام القيم، الذي ينطق بالحكمة العلمية و الدليل الواقعي، متنزها عن كل هوى إلا ما يلي :
-يذكر أن كاتبا غير عربي يدعى " جون فارن" كتب قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية، ليغوصوا في عمقها ، حتى إذا اقتربوا من وسطها ، توقفوا ، ثم قرروا العودة إلى سطح الأرض، و لكن قبل الشروع في رحلة العودة ، بدا لهم أن يتركوا وراءهم أثراً يخلدون به رحلتهم ، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية ، ولما سئل:" جون فارن" عن اختياره للغة العربية , قال:{ إنها لغة المستقبل , ولاشك أنه يموت غيرها , وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه } .
منقول بواسطة الأخ الفاضل:" بلحاج بن الشريف".
يا دعاة العامّية هكذا كونوا أو لا تكونوا!!؟
هشام سعد الدين:( أستاذ بجامعة الجلفة)
قرأنا في الصّغر:( وصايا فذّة) لإمام العربية:" البشير الإبراهيمي" يقول فيها:
" يا شباب الجزائر هكذا كونوا أو لا تكونوا... أتمثّله برًّا بالبداوة التي أخرجت من أجداده أبطالا، مزْوَرًّا عن الحضارة التي (رمتْه بقشورها)، فأرْخَت أعصابه، وأنَّثت شمائله، وخنَّثت طباعه، وقيَّدته بخيوط الوهم، ومجَّت في نبعه الطاهرِ السموم، وأذهبت منه ما يُذهِب القفص من الأسد من بأسٍ وصَولة... أتمثَّلُه كالغصن المروح، مطلولا بأنداء العُروبة،... حتّى إذا امتدّت الأيدي إلى وطنه بالتخوّن،واستطالت الألسنة على دينه بالزِّراية والتنقُّص، وتهافتت الأفهام على تاريخه بالقلب والتَّزوير، وتسابق الغرباء إلى كرائمه باللص والتدمير، ثار وفار، وجاء بالبرق والرَّعد، والعاصفة والصاعقة، وملأ الدنيا فِعَالا، وكان منه ما يكون من اللَّيث إذا ديس عرينُه، أو وسم بالهون عِرْنينُه".
هكذا تعلّمنا من:" الإبراهيمي" وغيره من علماء الجزائر وأبنائها الذين ضحّوا بالغالي والنَّفيس، ليعيش هذا الوطن المُفدَّى آمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا من كل مكان,هكذا كانوا يتمثَّلُون الشاب الجزائريَّ ويرونه بعيون بصائرهم ويستشرفون مستقبله وإن لم يُخلق بعدُ:(عربيَّ الفكر واللسان، قويَّ العزيمة في بناء صرح أمته، غيورًا على ثوابتها، يرون أن لغته هي فكره هي دينه هي حياته... ).
ولكنْ جاءنا اليوم مـِمَّنْ هم من بني جِلدتنا -فيما أظنّ- ويتكلمون بفرنسيّتهم وعاميَّتنا: يريدون هدم هذا الصرح، أعني:" صرح اللّغة العربية": خدمةً لأسيادهم الذين يُمْلون عليهم قراراتهم بكرةً وأصيلا، ولأنهم عجزوا عن مواكبة هذا اللسان؛ فالواحد منهم لا يكاد يُبِين!!؟.
ويحكم يا:" دعاة العامية": ما لكم كيف تحكمون!!؟.
لمَّا قرأت بالأمس القريب مقالا في جريدة (الشروق) جاء فيه:
" إنَّ الوزيرة تريد إدخال العامية في تدريس السنة الأولى والثانية ابتدائي!!"، تعجبت وقلت:
" يا معالي الوزيرة: لِـمَ تريدين إدخال العاميّة في مدارسنا!؟، وهل خرجت منها!؟، ألم نجد في كتاب اللغة العربية في الابتدائي كلمات عامية ككلمة: (ياوورت) في السنة الأولى ابتدائي، و:(بورتريه) في السنة الثانية ابتدائي، ووجدنا أنّ جملة:(لا تجتازوا السكة): تحولت إلى:(لا تقطعوا السكّة)، وجملة:(قم بجولة): تحولت إلى(قم بدورة)، وهكذا يبدأ بإقحام العامية بالتدريج إلى أن يتم ترسيمها كلغة وطنية...
واليوم جاء التصريح بعد التعريض، والجهر بعد الإسرار...
وظاهِرُ التدريس بالعامية الرحمة بالثقافة العربية وبالمتعلّم، وباطنه من قبله العذاب، وهو:" تغريب المجتمع بدءا بأصغر أفراده!!؟".
وليس الذنب ذنب الوزيرة، بل هو: ذنب الأمة ومن يتبع سياسات الغرب الممنهجة لتحطيم اللغة العربية، وبالتالي الهوية الوطنية، ومما أذكى ذلك: أن صار:" دعاة العامية والنافخون في قِرَبهم من الإعلاميين": يروِّجون أنَّ اللغة العربية: لغة الإسلاميين!!؟، ولذلك يخشون عليها منها: أن تصل إلى مضامين إرهابية!!؟، فالشائع اليوم كما تعلمون: أنه إذا أردت التخلص من شيء قل: (هو إرهابي)، فهذه الكلمة الطيّعة هي:( عصا موسى): التي تفعل بها ما تريد... فاللغة لا تمتُّ للإرهاب بصلة، وكذا الدين، بل ما غُزيت الدول اليوم إلا بحجة الإرهاب، وهكذا يحاولون القضاء على لساننا العربي وهويتنا الجزائرية بشتى الوسائل والطرق، وصدق:" ابن نباتة السعدي" حين قال:
ومن لم يمت بالسيفِ ماتَ بغيرهِ ÷ تعددت الأسبابُ والموت واحِدُ
إنّ:" ترقية تدريس اللغة العربية": يتطلب ترقية طرائق تدريسها ومناهجها، وتكاتف كل أبناء هذه الأمة:( أساتذة ومدرسين آباء ومربين، قضاة ومحامين، أطباء ومهندسين، مثقفين وبطالين...): الكل يسعى لترقية لغة العلم على حسب طاقته، ولكن بدل الاهتمام بذلك، يقولون: إنّ الطفل يصطدم باللغة العربية عند الدخول إلى المدرسة!!؟، وعليه: اقترحوا التدريس بالعامية، ولا علاقة لصعوبة العربية على الأمازيغ، ولا على أبناء العرب كون لغتهم الأم العامية، بل فنَّد الأستاذ الباحث:" محمد الهادي الحسني" ذلك ضاربا بنفسه مثالا حيا بقوله:"أمّي أمازيغية، وأنا أتكلم العربية أحسن من اليمنيين".
لقد بدأ طمس هويتنا ولساننا العربي مبكرا، وترجع بداياته إلى ما قبل:( سنة 1830م) من طرف فرنسا حين بدأت التخطيط وقتها للاستيلاء على الجزائر، وكرست وجودها لمحو كل مقومات الهوية الإسلامية والوطنية من:" قانون التجنيس" إلى:" قانون الإدماج"، فأصدرت العديد من الكتب لتعليم اللغة العامية الجزائرية، ومن ذلك كتاب:( تعليم اللهجة الجزائرية في الجزائر): الطبعة الثانية الصادر سنة 1923 تحت عنوان:
(Cours moyen d'arabe parlé):للمؤلف:" محمد صوالح"، وقد كرست فيه إضافة للعامية:" سياسة التفرقة بين الجزائريين!!؟".
ولطالما كانت:" جمعية العلماء" ومن وقف معها: سدا منيعا، وحصنا حصينا يأوي إليه كل جزائري يفتخر بدينه ووطنه وعروبته...
وبعد الاستقلال حرص الرئيس:" بومدين" على أن تكون اللغة العربية هي: لغة العلم، حيث قال في خطابه الشهير:
{ نحن لنا طموح ليس في أن نعرّب فقط، بل أن نطوّر هذه اللغة حتى لا تبقى لغة الشعر والغراميات حتى تصبح لغتنا لغة قوية، تصبح لغة التعامل في سكيكدة مصانع الغاز والبيتروكيماويات، حتى تصبح لغة التعامل في الأوساط العمّالية والفنيّين والمهندسين في الحجار...}.
وخطب رحمه الله باللغة العربية:( سنة 1973م) في هيئة الأمم المتحدة... وبعد وفاته بأشهر: ظهرت على السطح:" الدعوة إلى استعمال الدارجة في التدريس"؛ فقد جاء بها لأول مرة:" بن زاغو": كاقتراح تقدم به عندما كان عضوا في لجنة التربية خلال المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني سنة 1979م، أين لم يجد ولا مساند له في أفكاره: مما دفعه للانسحاب، وعدم إكمال حضور فعاليات المؤتمر.
وبعد ذلك: توالت الصيحات المنادية إلى إدراج العامية كلغة وطنية... ولما تسلّم الرئيس:" بوتفليقة" زمام الأمر قال:
{ إنّ الإصلاحات التربويّة تقوم على أساس اللّغة العربيّة، وليس من دونها، ولا إصلاح بتهميش اللّغة العربيّة، مَن نحن حتّى لا نطبّق، ونتقيّد باللّغة العربيّة!!؟}.
فاستبشرنا خيرا؛ ولكن أيادٍ من تحته اغتالت:" مشروع التعريب"، وتدّرج الأمر شيئا فشيئا حتى استبدلت تلك الأيادي:( تراث المتنبي وبن هدوڤة ومولود معمري) بوجوه أخرى، وبقصص مأخوذة من الشبكة العالمية -الانترنت كما يسمونها- سمجة لقيطة: لا مؤلف لها، ولا تمت لوطننا بأي صلة!!؟، ولازالوا يعملون على الترويج لها...
لقد استبدلوا:( يانغ وماساكا وبوطنجا) بنصوص:( الشعب الجزائري ومن شهداء مارس وشجاعة أدبية).
إنّ المشكل ليس تربويا فحسب، وإنما مشكل حضاري، فاللغة العربية هي: اللغة العلمية التي ينبغي أن يسمعها الطفل الجزائري من أول يوم له في المدرسة، واللغة المكتسبة لا ينبغي تعليمها للطفل، فهو يعرفها أصلا، وهذا مضيعة للوقت، بالإضافة إلى أن اللغة الدارجة ليس لها قواعد نحوية ولا صرفية، وهي خليط من عدة لغات على غرار الإسبانية والإيطالية والتركية والفارسية وغيرها، وعلى الرغم من أن أمم الأرض جميعا لديها لغة عامية، إلا أننا لا نجد أي أمة تعلم أبناءها العامية، ولو فرض تعليمها - ولن يكون ذلك- لهجةُ من تُعلّم!!؟، فلكل ولاية لهجتها، إن لم نقل لكل بلدية...
يا:" دعاة العامية": إنكم إن فعلتم ذلك: تمزق وطننا شذر مذر، وأحييتم العصبية المقيتة التي قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم:(مَا بَال ُدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ... دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ).
يا:" دعاة العامية": لِمَ لم تنقلوا التطور ممن تتبعونهم وما ينفع وطننا..
ألم تجدوا غير ما انتهت صلاحيته عندهم، لتعطوه لأبناء أمتنا المجيدة!!؟.
يا:" دعاة العامية": أما كان خيرا لكم: أن تتعلموا لغتكم بدل محاولة القضاء عليها!!؟، فلا عيب في التعلم بعد الكبر، فذلكم خير من الإجرام في حق لغة سيد البشر!!؟.
وأخيرا أقول:
يا:" دعاة العامية": إن كنتم صادقين في انتمائكم إلى دينكم ووطنكم، وتحبون الخير لأبنائه، فلتحاولوا: إيجاد حلول لمناهج التعليم، وتطوير اللغة العربية، وإشاعة استخدامها في شتى القطاعات، وتعريب التعليم في الجامعات، وتنقية الإعلام من لوثة الزلات والجرائم المرتكبة من قبله في أشرف اللغات...
إنكم إن فعلتم ذلك: كانت لأمتكم السيادة والريادة، ودانت لكم العرب والعجم...
يا:" دعاة العامية": هكذا كونوا، أو لا تكونوا.