النائب البرلماني بحزب العدالة والتنمية:" حسن عريبي":
على سلال أن يلزم جميع الوزراء بالحديث باللّغة العربية
دعا، أمس، النائب البرلماني بحزب العدالة والتنمية، حسن عريبي الوزير الأول عبد المالك سلال، إلى إجبار جميع الوزراء على الحديث باللغة العربية في مخاطبتهم للشعب وتصريحاتهم لوسائل الإعلام وردّهم على أسئلة نواب البرلمان، واتخاذ إجراءات تأديبية في حقّ المخالفين وفق لما ينص عليه الدستور.
وتساءل عريبي في سؤال شفوي عن عدم التزام وزراء حكومته بالمادّة الدستورية التي تشير إلى أنّ اللغة العربية والأمازيغية، هما لغتان وطنيتان رسميتان، فيما يلاحظ حسب المصدر، أنّ أغلب الوزراء يفضّلون الحديث إلى الشعب باللغة الفرنسية وأيضا في تصريحاتهم لوسائل الإعلام أو ردّهم على أسئلة البرلمانيين، من بينهم وزيرة التربية ووزير الصناعة والمناجم ووزير الداخلية والجماعات المحلية ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي، وحسب عريبي فإنّ "وزارة الشؤون الدينية هي الأخرى ترسل رسائل نصيّة قصيرة للحجاج باللغة الفرنسية!"، معتبرا ذلك إغفالا للغة العربية والأمازيغية كلغتين وطنيتين رسميتين، ومساسا بالدستور الذي ينّص على ذلك، فيما يلاحظ اجتهاد وزراء آخرين مثل وزير العدل ووزير المالية ووزير الثقافة ووزير التعليم العالي في استعمال اللغة العربية، وفي هذا الصدد، طلب نائب المجلس الشعبي الوطني، من الوزير الأوّل عبد المالك سلال، إجبار جميع الطاقم الحكومي على الحديث باللغة العربية حين إدلائهم بتصريحات للشعب عبر وسائل الإعلام أو في ردّهم على البرلمانيين، مع اتخاذ إجراءات تأديبية ضدّ كلّ من يرفض الالتزام بهذه التعليمات، وذلك من أجل إرجاع مكانة اللغة الوطنية التي يفهمها جميع الجزائريين واحتراما للدستور وعدم الدوس عليه بتمجيد اللغة الفرنسية والترويج لها وكأنّها لغة وطنية رسمية.
كما يلاحظ في هذا الشأن أنّ أغلب المواقع الإلكترونية الرسمية للوزارات تستعمل اللغة الفرنسية على خلاف اللغة الأكثر تداولا ما بين الجزائريين وهي العربية.
لا لكارثة لاهثة ما بعدها كارثة
"عبد الرحمن عزوق":( مفتش التربية الوطنية -سابقا- / رئيس فرع اتحاد الكتاب لولاية تيبازة -حاليا-).
يظل الحديث عن قطاع التربية والتعليم يثير في النفوس آلاما حقيقية، فهذا القطاع الهام جدا، يعاني منذ الاستقلال من وطأة ما يشبه العذاب ويحيا في ظروف أقل ما يقال عنها إنها بائسة وغير تربوية، لقد شهد هذا القطاع موجات من التجارب واستمر ذلك إلى أيامنا هذه عندما جاءت طائفة من الناس لتتولى الدور المكروه ومازال دورها مستمرا إلى غاية كتابة هذه السطور، لذلك أقول:
نتيجة لسياسات التربوية الانفعالية والنيات السيئة والممارسات التي وصلت إلى درجة الاستفزاز التي اتبعتها وزارة التربية في المدة الأخيرة أخطرها استعمال العاميات في التدريس في المراحل الأولى من التعليم، خصوصا بعد إعلان هذه الوزارة المنكوبة الحرب الضارية على الفصحى العمود الفقري للسيادة الوطنية ووحدتها، بإيعاز من أعداء الجزائر القدامى والجدد وحلفائهم داخل الوطن.
انتاب أحرار الجزائر وكل المواطنين المخلصين حالة من التوتر والقلق وعدم استقرار نظامنا التربوي، خاصة في المدة الأخيرة، بشكل لم يشهده في تاريخه من قبل.
وقد تجسدت هذه السياسات التربوية والممارسات الخاطئة، بل والمنحرفة واللاوطنية في الصيغ العبثية والمتخلفة التي تتناقض مع روح العصر والمفاهيم الجديدة وطموحات الشعب التواق إلى التحرير اللغوي والاستقلال الكامل والتنمية والتقدم المرجو.
ومنذ مجيء أركان وزارة التربية اليوم، اتخذوا جملة قرارات وإجراءات استفزازية للشعب ورجال التربية خصوصا، كما حاربت الفصحى والقيم الدينية والوطنية، بل والعلمية الحديثة، والتصدي بقوة لتيار أنصار الفصحى، والاستخفاف بها، ومنعها من احتلال مكانتها اللائقة بها، وإرجاع المجتمع مئات السنين إلى الوراء، ومنع أبناء المجتمع من التعرف على لغتهم ولغة أجدادهم ولغة ثقافتهم وحضارتهم العريقة التي تعرفها المجتمعات المتطورة، زيادة على إثارة النعرات الجهوية والطائفية والإقليمية، بل والطبقية بين أفراد الشعب الواحد، وفتح باب للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، وشن الحملات الإعلامية الملأى بالكذب والتزوير.
إن مثل هذه الأفكار الضالة والسياسات التربوية الخاطئة والملتوية التي ارتكبها أركان وزارة التربية في المدة الأخيرة، قد خلقت ظروفا سياسية سلبية عند الأغلبية الساحقة في صفوف الشعب. وأحدثت حالة من القلق النفسي والاجتماعي أربكت المواطن وقتلت آماله وطموحاته المشروعة.
ومثل هذه السياسات التربوية الشاذة قد تؤثر بصورة فعالة وخطيرة في الظواهر الاجتماعية والحضارية والسلوكية للمجتمع، ولا سيما ما يتعلق منها بقوانين التربية والتعليم، وهي من صميم قوانين السكون الديناميكية الاجتماعية والفعل ورد الفعل بين الظواهر الاجتماعية المستقلة والظواهر الاجتماعية المعتمدة، ثم التفاعل الجدلي، فيما بعد، بين الجزء والكل، أي بين الفرد والمجتمع.
والأوضاع المتردية التي ستسود، إذا سادت العامية في التدريس، الذي يهدف إليه هؤلاء والذين يتسترون وراء تطوير المناهج التعليمية كل يوم، وتطوير المناهج منهم براء، سيؤثر في علاقات الأفراد والجماعات تأثيرا سلبيا، وسيحطم ما تبقّى من الأنماط السوية والمثالية للسلوك الاجتماعي وسيعرقل نشاطات وفعاليات المؤسسات البنيوية الفوقية والتحتية، وستصدع الوحدة الوطنية، وستعرض البلاد برمتها إلى جملة مشكلات اجتماعية معقدة نحن في غنى عنها.
أما إذا طبقت هذه السياسات التربوية -أملي كبير في فشلها- فالأضرار التي ستلحق بالأفراد والمجتمع فكثيرة ومعقدة، منها تصدع وحدتنا الاجتماعية والنفسية وفقدان أهدافنا وطموحاتنا وسوء إدارتنا وقيادتنا وضعف علاقاتنا بالمجتمعات العربية والإسلامية، وتفكك تركيبنا الهيكلي، وعجزنا عن أداء وظائفنا أفرادا ومجتمعا.
إن حالة متفسخة كهذه لابد أن تقود إلى سقوط النظام الاجتماعي برمته بعد انهيار النظام التربوي التعليمي، وظهور سياسات تربوية متعددة هزيلة، واحتدام الصراعات الجهوية والاجتماعية والطبقية والانقسامات الفكرية والإيديولوجية، وظهور تناقضات فردية ومصلحية، وتلك هي الكارثة ما بعدها كارثة.
لعل أبرز أسباب الظروف البائسة التي يعيشها رجال التربية عندنا، فقدان الثقة المتبادلة بين الأساتذة والمعلمين وأركان وزارة التربية في المرادية، فهؤلاء لا يحترمون قرار الأساتذة والمعلمين، الذين هم جزء من الشعب، ولا يريدون لقطاع التربية والتعليم الطمأنينة والتقدم، ولم يقدموا للقطاع أي مكاسب تذكر، بل على العكس يردونهم حتى عن لغتهم وثقافتهم التي كانوا يتمتعون بها حتى في وقت الاستعمار، إذ كل الزوايا والمدارس الحرة كانت تعلم باللغة العربية الفصحى في جميع أنحاء الجزائر بما في ذلك المناطق التي لا يعرفون حتى العامية العربية.
واليوم يريد أركان وزارة التربية في المرادية فرض الذل والهوان ويعطلون اللغة العربية الفصحى وطاقاتها الخلاقة، ويقتلون آمال أبناء الشعب وطموحاته، لهذا لا نثق بهذه الأركان ويظهر ذلك جليا فيما نقرأه من المقالات التي تنشرها الجرائد، ولا يريد أصحابها التعاون والتضامن مع وزارة التربية وأركانها، بل سيعمل هؤلاء الكتاب التخلص منهم كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وما هذه المقالات الاحتجاجية والاستنكارية إلا مؤشرات مادية توضح طبيعة التناقض بين الشعب وأركان وزارة التربية الوطنية، وتشير إلى طبيعة الرفض القاطع لهذه السياسات التربوية الضالة المضللة التي تجتاح الجزائر في الوقت الحاضر، بيد أن هذا الرفض بين قوى الجماهير وأركان وزارة التربية، وفقدان الثقة بينهم وبين إطارات قطاع التربية نتيجة هذه السياسات المتخلفة والخطط الخاطئة والأساليب اللا وطنية التي يعتمدها مسؤولوا وزارة التربية مع أبناء الشعب، تشغل بال كل مواطن وفكره، وتجلب له الحيرة والقلق وتلزمه على التنصل من هؤلاء الجهلة والوقوف ضدهم وضد برنامجهم المتخلف الذي يقتل عند رجال التربية روح المثابرة والعمل الخلاق وتدفعهم على التذمر وعدم الرضى والعصيان كما رأينا في السنة الماضية.
ومما يزيد قلق المواطن وارتباكه علمه بالتناقضات والصراعات والانقسامات بين أركان وزارة التربية ورجال التربية وتنافسهم على فرض رأيهم.
ومثل هذه الانقسامات بين الطرفين تجعل أركان هذه الوزارة في حالة فوضى وعدم استقرار، ومن ثم غير قادرين للتفرغ لشؤون القطاع ومشكلاته الحقيقية.
صحيح أن الصراعات الأيديولوجية كانت موجودة في هذا القطاع الحساس قبل مجيء دعاة العاميات للتدريس بها، إلا أن هذا الصراع الجديد أخذ قالبا خطيرا وبات يهدد سلامة البلاد واستقرارها.
فدعاة العاميات يعتقدون بأنهم أعلى منزلة من غيرهم من رجال التربية وأفضل طرحا وأكثر أنصارا من غيرهم، ومستعدون لينكلوا بهم ويغمطوا مطلبهم المشروع والمتمثل في الإبقاء على التدريس بالفصحى ويبقوا ضد طموحاتهم وأهدافهم المتمثلة في تعميم التعريب في جميع مراحل التعليم من الروضة إلى الجامعة.
وإجراءات جائرة كهذه تؤجج روح الحماس الوطني ويدفع أنصار الفصحى إلى الدفاع عن مطلبهم والتصادم المتوقع مع دعاة العاميات في التدريس.
وهذا الصراع الأيديولوجي المتوقع لا يختلف عن الصراع الجهوي والمذهبي فتصبح بلادنا مقسمة إلى طبقات اجتماعية متناقضة كطبقة المثقفين والطبقة البورجوازية المسيطرة على المصالح والأعمال الاقتصادية والطبقة العمالية الكادحة التي لا تمتلك أي شيء سوى الجهود والطاقات البشرية لقاء أجور زهيدة.
ومثل هذا الصراع اللغوي والتناقض الثقافي سيتسبب في تصدع الوحدة الاجتماعية والنفسية والفكرية للمجتمع الجزائري الذي نريده أن يكون واحدا موحدا، الأمر الذي يثير شعور الحيرة والقلق مهما تكنْ انحداراتهم وخلفياتهم الاجتماعية.
ومما يزيد من تفاقم الأوضاع التعليمية في بلادنا تدهور المستوى التحصيلي العلمي والأدبي نتيجة سوء الإدارة البيداغوجية والإدارية واضطرابات عناصر القيادة والتوجيه البيداغوجي وتناقض أفكار سياسات المسؤولين عن القطاع مع حاجات وطموحات المعلمين والأساتذة.
إنّ ما ينبغي على أركان وزارة التربية أن تعرف بأن التكوين المستمر للمناهج، وبلغة رسمية واحدة، أصبح ضرورية وحتمية للعديد من المتغيرات التي تلاحق المجتمع مثل التطورات في الفكر التربوي والتجارب الحديثة جدا في عملية التدريس وغيرهما من جوانب التعلم، وبناء على هذا فالمعلم يجب أن يراجع كفاءته واكتساب الجديد بحيث يصبح قادرا على الدوام على تنفيذ المناهج الجديدة، مما تنعكس نتائجه في نهاية المطاف على مدى كفاءة العملية التعليمية التعلمية ونتائجها بالنسبة للفرد والمجتمع، إلى غير ذلك من المهام، وليس الرجوع إلى الوراء بمئات السنين، بفرض العاميات في التدريس.
من كل هذا نستنتج بأن وزارة التربية سائرة في طريق التخلف والانحطاط والدمار.
المدرسة الجزائرية ليست ملكية خاصة
" بشير شعلال":( مفتش سابق للتربية والتكوين)
اللغة العربية من ثوابت الشعب الجزائري ومقدساته ورُمُوزِهِ كالعَلَم الوطني والْوَحْدَة الوطنية بِنَصِّ الدستور. لا يمكنُ أيَّ واحدٍ مهما كان مركزُهُ أن يعبثَ بها. إنَّ دعوة وزيرة التربية إلى استعمال العامية في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي قفزةٌ نحو المجهول، لا يقول بهذا عاقل، تريد بها القضاء على ما بقي في المنظومة التربوية من عناصر الحياة، ألاَ تعلمُ الوزيرة تلك القاعدة الذهبية التي تقول: (العلمُ في الصغر كالنقش في الحجر)، ذلك أن ما ينطبع في ذهن التلميذ في سنواته الأولى من الصعب أنْ يفارقَهُ طول حياته:
وينشأُ ناشئُ الفتيان فينـا ÷ على ما كانَ عَوَّدَهُ أبُوهُ
ونَعْنِي بالأب هنا المعلمَ الذي يُعَدُّ المثل الأعلى للتلميذ.
وليكنْ في علم السيدة الوزيرة بن غبريط أن المدرسة الجزائرية والتربية الوطنية ليست ملكية خاصة بالوزيرة، تتصرف فيها كما تشاء، وتقرر ما تشاء، وتنزع منها ما تشاء، إنها ملك كل الجزائريين والجزائريات، أسندت إليها هذه الأمانة والمسؤولية لتحقق فيها إرادة الشعب من خلال مؤسساته، تكونُ الكلمة الفصل لمؤسسات الدولة، والخبراء والمختصين. ولا يكون الأمر نتيجةَ هَوًى أوْ مِزَاجٍ شخصي. ما كان لابن غبريط أن تُحييَ فكرة التدريس بالعامية، إنها وُلِدَتْ ميتةً لدى أصحابها من غُلاةُ الاستعمار والمستشرقين الحاقدين الْمَوْتُورِينَ وأتباعهم من دعاة التغريب والتخريب. إنها مؤامرة حِيكَتْ خيوطها من وراء البحر، أهدافُها قَطْعُ الطريق في وجه هذه الأمة وقطعها عن جذورها وطُمُوحِها إلى مستقبل أفضل، فشلت قوى الاستدمار رغم كل الوسائل والدسائس، كما أن منطلق هذه الدعوة الْهدَّامَة إيديولوجي سياسي، لا علاقة لها بالتربية والتعليم والتبسيط والتيسير، ولُغَةِ الأمِّ كما يزعمون، لأن أطفالَنَا يتابعون ما يقدمه التلفاز من برامج ورسوم متحركة باللغة الفصيحة، ويستوعبونها ويتجاوبون معها. وها نحن نسمع في جزائر الشهداء وزيرة التربية تفكر في إدخال العامية إلى المنظومة التربوية لِتضيفَ محنةً أخرى إلى هذه المنظومة المظلومة التي تنتظر مَنْ يخرجها من هذا المأزق أو على الأقل يوقف انهيارها وضعفها، لكن ابن غبريط (خطبتْ فكانتْ خَطْبًا لا خطيبًا أُضيفَ إلى مصائبِنا الْعِظام)
لها عقدة مع اللغة العربية، ومَنْ جَهِلَ شيئا عادَاهُ. ولا شك في أنها بعدَ أشهر أو سنة... تغادر الوزارة وتذهبُ لتستريح، وتتركَ لنا كارثةً عواقبُها وخيمة، يكون حصادها مُرًّا على الأمة كلها، لأنَّ مَنْ زرع الشوك يجني الجراح.
العامية التي تريدها بن غبريط أختُ الْعَمَى (أقصد عَمَى الْبَصيرة) وستنتجُ لنا أعْمَى يقودُهُ الضرير.
لقد كشفت هذه الوزيرة أوراقها، تريدها مدرسة عامية في مستوى العامة، في أقصى دركات الرداءة، تتأخر ولا تتقدم، تنتج لنا أجيالا ممسوخة بلا مرجعية، لا هم جزائريون ولا هم جنس آخر، أجيالا متخلفة، بعيدة عن أصولها تتلاعب بها رياح الجهل والتغريب، لو كانت هذه الوزيرة في بلد آخر لقدمت للمحاكمة.
كانت سياسة التعليم في عهد الاستدمار - كما وصفها الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو- (قائمة على فلسفة عميقة جِدًّا وهيَ تَعلَّمْ لِتَجْهَلَ). وها هي ابن غبريط تريدُ أن تعيد التعليم إلى عهد الاستعمار أوْ أشد، أليست فكرتُه التي تبناها فيما سماه المدرسة الفرنكو إسلامي. (انظر تصريح المجاهد عمار بن عودة عضو لجنة 22 التي فجرت الثورة، الشروق اليومي بتاريخ (10/8/2015).
طردنا الاستعمار من الباب وبن غبريط وأمثالها يريدون إعادته من النافذة، بعد أن فشل عن طريق إثارة الفتن والقلاقل. والهدف واضح هو تفكيك الوحدة الوطنية وفق سياسة (فرق تسد).
مؤامرة بن غبريط خيانة لمبادئ أول نوفمبر الذي أسس لدولة جزائرية موحدة (تصريح المجاهد عمار بن عودة).
وهذهِ الْهَرْطَقَة (الْبِدْعَة) تُعَدُّ نوعًا من العنف اللفظي الخطير في رأي علم النفس، لأنها تَسْتَفِزُّ مشاعر ملايين الجزائريين والجزائريات.
أما الفئة القليلة التي تتظاهر بتأييدها، فَهُمْ إمَّا من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة باعوا ضمائرهم، وإمَّا مُغَفَّلون أو مُعَقَّدون مثلها ضد اللغة العربية (فَمَنْ جهلَ شيئًا عادَاهُ).
خُذُوا العبرة من فرنسا التي تَتَمَلَّقُونَ لها وتعتبرونها المثل الأعلى لكم. فكم فيها من أصول وأجناس ولهجات، هل تجدون فيها من يدعو إلى استعمال لغة الأم؟ هذه المغالطة الكبرى التي تنسبونها إلى الأمم المتحدة؟ متى كانت الأمم المتحدة مرجعيةً لنا في التربية؟ هل عدتُمْ إلى العالم تسشومكي الأمريكي من أكبر خبراء علم اللسانيات ورأيِهِ في موضوع تدريس اللغات؟ وهل سمعتم بالأستاذ الجزائري الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح التلمساني عالم اللسانيات الكبير؟ وما هو عَنَّا ببعيد، والذي يعد مرجعًا في الموضوع، يتقن عدة لغات، ويعرف لهجات بعض الشعوب حتى الشعوب الإفريقية.
ويبدو أن الوزيرة لا تميزُ الْجُرأَة من الْوَقَاحَة التي تميزُها عَمَّنْ سبقها من الوزراء الذين تنتقدهم، فالاعتداء على اللغة العربية، والعمل على إبعادها من مختلف المؤسسات التربوية حتى من خارج قطاع التربية ليسا جرأةً، بل هو مخطط لضرب الشعب الجزائري في أهَمِّ مُكَونَاتِهِ. فالعامية هي لغةُ مَنْ لُغَةَ لَهُ، ونحن لدينا لغة القرآن والعلم، فَمَنْ خانَ لغة القرآن فقد خانَ أمانة الشهداء وخان الله ورسوله، وخان الشعب الجزائري، وضربَ الوحدة الوطنية في عُمْقِها؛ ذلك أن اللغة العربية عنوان الوَحدة الوطنية وصمامُ أمانٍ لهذه الوحدة من التَّاءِ إلى التَّاءِ: من تبسة إلى تلمسان، ومن تيزي وزو إلى تمنراست، وبغير اللغة العربية تصبح الوحدة وَخْذَة.
ولْيَعْلَمْ دعاة التغريب والتخريب أن اللغة العربية ليست ملكَ الإسلاميين كما يزعمُ الْفَرَنْكُوفِيلِيُّون، هي ملك الشعب الجزائري كله. وأنا لا أناقش القضية من منطلق حزبي لأني لستُ متحزبا،بل هي لغة العقل والمنطق ومصلحة البلاد.
ثُمَّ بأيِّ عاميةٍ يكون التدريس؟ مع وجود لهجة عامية خاصة بكل منطقة، إن هذه المؤامرة تهدف إلى تحويل التربية عندنا إلى تَغْبِيَة.
وفي لَهجاتِ بعض مناطق الجزائر، كلماتٌ تعتبر قبيحةً تخدش الحياء في منطقة أخرى.
ولْتَحْذَرِ الوزيرة من اللعب بالنار، وفتحِ المجال لمعركة وهمية تستنفدُ مِنَّا الطاقات والإمكانات في أمور تافهة ثَبَتَ فشلُها في الأساس: ما بُنِيَ على باطل فهو باطل. بلادنا أمام تحديات كبرى. والتربية والتعليم عندنا بحاجة إلى البحث عن أساليب وطرائق ناجعة نافعة لتحسين العملية التّعلِيمية التَّعَلُّمِية، بحاجة إلى إصلاحات جادة يصنعها الخبراء والمختصون، واضعين نصب أعيننا المصالح العليا للوطن، بعيدا عن الإيديولوجيا الْمَقيتَة والمصالح الضيقة والأمزجة الشخصية.
فالمناهج التربوية عندنا بحاجة إلى خطة إصلاح وتحسين وفق مرجعية وطنية تستجيب لِتَحَدِّيَاتِ العصر ومتطلبات الواقع الجزائري، تنتج لنا متعلمًا يكون فاعلا متفاعلا مع الواقع والعصر والعالم، وليس مفعولا به، تكون الكلمة في ذلك لأهل العلم والاختصاص والخبرة، بعيدا عن الجدال العقيم والكلام الإنشائي.
حفظَ الله جزائرَنا من شَرِّ الْفِتَن ما ظهرَ منها وما بَطَن.
المنظومة التّربوية والمكر المتدرّج!!؟
سلطان بركاني
لا حديث هذه الأيام في وسائل الإعلام وفي الأوساط العامّة والخاصّة، إلا عن الدّخول المدرسيّ، وعن واقع المنظومة التربوية التي أريد لها -عن سبق إصرار وترصّد- أن تصبح حقلا لتجارب أصحاب الولاءات والمشاريع المشبوهة، الذين استغلّوا انشغال الأساتذة والمعلّمين بحظوظهم المادية، وانشغال الأولياء والتلاميذ والطّلبة بمشاكل التعليم العَرضيّة، ليُجلبوا بخيلهم ورجلهم على عناصر الهوية في المنظومة التربوية.
لقد استطاعت الجهات العلمانية المتنفذة وعلى مدار عقود متوالية من المكر المتدرّج، فرض توجهاتها، وأمكنها تحقيقُ مآربها في علمنة التّعليم وفصله عن الدّين، ولم يعد للدّين من حظ في التعليم سوى مادة مهمّشة لا تؤصّل عقيدة ولا تعلّم شريعة، ولا تصنع ولاءً ولا انتماءً، ومع ذلك فالعمل جارٍ لإلغائها، أو استبدالها بموادّ تؤصّل لهويات جديدة لا مكان بينها للدّين الإسلامي واللغة العربية، ولعلّنا لا نكون مبالغين إن قلنا إنّ الجهات المشبوهة استطاعت إلهاء المنافحين عن الثّوابت، بالدفاع عن اللغة العربية، بينما هي ترّكز مكرها على التربية الإسلامية، وعلى قطع ما بقي من خيوط رفيعة تربط التّعليم بالدّين.
لقد أصبح لزاما علينا أن نعترف بأنّ الأقلية المستغربة في هذا البلد، نجحت في الوصول إلى كثير من مآربها، وتمكّنت من إخراج جيل لا مكان للدّين ولا للّغة في حياته ولا في مساحة اهتماماته؛ ولا حظّ لواقع الأمة ومستقبلها من همومه وآماله؛ جيل أصبح الحديث عن الدّين والقيم والمبادئ حديثا لا يعنيه ولا يسترعي انتباهه، والكلام عن مآسي الأمّة ونكباتها لا يحرّك شيئا من مشاعره، لا يحبّ سماع كلمة "حرام" أو "عيب"، وينفر من كلّ حديث عن "الفرض" و"الواجب".
ألقي الحبل على الغارب في المدارس والمؤسّسات التعليمية، وغُضّ الطّرفُ عن الانحدار الأخلاقيّ الحاصل بين أسوارها، حتى أصبحت المخدرات تروّج بين بعض المتمدرسين والمتمدرسات في الإكماليات والثانويات، وتحوّلت الساحات الخلفية لبعض الثانويات، ناهيك عن الجامعات إلى نوادٍ للقاءات والخلوات، وغدت الطرق والشّوارع المؤدية إلى الإكماليات والثانويات والجامعات ملاذا للطائشين المتشبّبين بأعراض الغاديات والرائحات اللاتي لا يهمّ كثيرا منهنّ ما يحملنه في محافظهنّ، بقدر ما يهمهنّ ما يناسب القدّ من ألوان الملابس وأشكالها.
إنّ هذه الظّواهر والمظاهر، وهذا الحال الذي آلت إليه المؤسّسات التعليميّة، تتحمّل مسؤوليته الجهات الوصية، ويتحمّل مسؤوليته أيضا الآباء والمعلمون والأساتذة؛ الآباء والأمهات مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر، مسؤولون عن أبنائهم وبناتهم، فليس اقتناء المآزر والأدوات المدرسية هو نهاية المطاف، وإنّما لا بدّ من متابعة ومراقبة ونصح متواصل، وزجر وتأنيب كلّما بدر خطأ مهما كان بسيطا.. كثير من الآباء -هدانا الله وإياهم- لا يعلم الواحد منهم عن حال بناته وأبنائه المتمدرسين شيئا، لا يعلم إن كان أبناؤه يقضون ساعات اليوم في المدارس أم في الخلوات، لا يهمّه ولا يضرّه أن تتعرّض بناته في طريق المدرسة للمضايقات والتحرّشات، لا يسأل أبناءَه عن دراستهم، ولا يسأل بناته عن مشاكلهنّ في المدرسة وفي طريقها، المهمّ عنده أن يشتري الكرّاس والقلم، وألا يثقل أبناؤه كاهلَه بكثرة الطلبات.
المعلمون والأساتذة أيضا مسؤولون بين يدي الله عن هذه المظاهر والظّواهر التي شوّهت صورة التّعليم، فهم أصحاب رسالة ومربّون قبل أن يكونوا أستاذة ومعلّمين، بل إنّ رسالتهم أهمّ وأخطر من رسالة الأئمّة والدّعاة؛ لأنهم القدوة الأولى لأجيال المستقبل، فإذا كان المعلّم يدخن فإنّ تلاميذه سيتعاطون المخدرات، وإذا كان لا يحترم الوقت ولا يتقي الله فيما يتقاضاه من راتب، فلا ينبغي أن ينتظر من تلاميذه إلا العقوق والكلام الفاحش والبذيء، وإذا كان لا يكلف نفسه عناء البحث والاجتهاد لتطوير قدراته في الإلقاء وإدارة الدروس ليحبب الحصص إلى تلاميذه ويجعلها متعة بدل أن تكون سجنا موحشا، ولا يهمه أن يثمّن معلوماته ويبحث عن الجديد كلّ عام، فإنّه سيكون حملا ثقيلا على طلبته وتلاميذه.
إنّ من واجب الأولياء والمعلّمين والأساتذة الفضلاء أن يربّوا التّلاميذ والطّلبة على أنّ الشهادة ليست هي الهدف عند من يحمل عقيدة بين جنبيه، الهدف ليس أن نُخرّج أطباء ومهندسين بغضّ النظر عن الهمّ الذي يحملونه، الهدف من التعليم هو أن نربي جيلاً يفخر بدينه، وينافح ويدافع عنه، وينشره في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته، لا أن نربي جيلاً مهزوز العقيدة، لا يحمل قيَما ولا هدفا، المال دينه والدنيا غاية همّه.
إنّ الإسلام في أمسّ الحاجة إلى الطبيب المسلم العفيف الذي يكون أميناً على أرواح الناس وأعراضهم، وإلى الأستاذ الذي يحمل رسالة وهدفا بين جنبيه، وإلى الموظّف الأمين الذي يجتهد ويفرح بقضاء حوائج إخوانه المسلمين، وإلى التاجر الأمين الذي يثق الناس به وببضاعته، تماما كما هو في حاجة إلى العالم بالشرع البصير بدين الناس ودنياهم.. وهؤلاء جميعا يتمّ إعدادهم في المدرسة.
فتنة العامية وشعلة الغضب النبيل
حمزة يدوغي
لاشك أن كل جزائري أصيل قد ابتهج وهو يتابع بكل اعتزاز تأجج تلك الشعلة من الغضب النبيل، التي نفخ فيها كل أولئك الذين هبوا للدفاع عن ثوابتنا والرد علىدعاة اعتماد العامية في التدريس، وتفنيد حججهم وفضح فكرهم الشاذ والتبصير بمخاطره..
المضحك المبكي، أوقل الأدهى والأمر أن يكون هؤلاء ممن استؤمنوا علىتكوين الجيل الناشئ، وإعداده ليعيش بمنطق الألفية الثالثة التي تهدد فيها العولمة بتذويب الخصوصيات الدينية والثقافية والحضارية، فلم تتفتق عبقرية هؤلاء علىوسيلة يحصنون بها هذا الجيل من هذه التحديات سوى مسخ فكره وتسميم وجدانه باقتراح تدريسه بالعامية.
إنني لا أكتب هذه الأسطر لآتي في الرد علىهؤلاء بما لم يأت به من "خاضوا" هذه المعركة علىاختلاف تخصصاتهم العلمية، فقد كتبت في هذا الركن أقول إن اقتراح هؤلاء هو رغبة في تعميم المسخ الذاتي الذي يمارسونه علىأنفسهم، وإنما أردت من خلالها أن أعرض بعض الملاحظات التي أرى أنها جديرة بالتأمل، منها أننا أصبحنا اليوم نألف مثل هذه"الخرجات" بفعل تواليها وتكرارها، ومن الألفة ما قتل .. لأن الألفة تهوّن من الخطر ومن ضرورة مواجهته بما يستوجبه من جد وحزم.
فعلا! إن مثل هذه"المبادرات" الشاذة الغريبة لم تخل منها فترة من فترات حياتنا ولم يسلم منها مجال له علاقة وثيقة بعناصر هويتنا الوطنية ومقومات شخصيتنا الحضارية.
يحدث هذا بعد ثلثي قرن من الزمن يفترض أن تكون مرجعيتنا - بعد هذه العقود- قد ازدادت رسوخا وتجذرا يؤمن بها كل جزائري، يلهج بها لسانه وينبض بها وجدانه.
إن هؤلاء"الشواذ" وأمثالهم ممن يقفون إلى جانبهم أو من ورائهم لن يفلحوا أبدا في محاولاتهم للنيل من ثوابتنا مهما تتعدد أساليبهم وتتنوع حيلهم وحججهم، لكن السؤال الذي يظل قائما وملحا، بعد انهزامهم في كل "معركة" وانسحابهم وخفوت صوتهم إلىحين هو: إن هؤلاء جزائريون تخرجوا من جامعات ومعاهد جزائرية بشهادات عالية في شتى العلوم والمعارف، فما الذي يفسر فكرهم الشاذ المنحرف وجراءتهم مع ذلك على عرضه والدفاع عنه بثقة عجيبة، وخروجهم علىإجماع أمتهم واستهانتهم بثوابتها؟!
ما الذي نستخلصه من مثل هذه"الظواهر"؟! وماذا ينبغي فعله لعلاجها، لا بمجرد"مواجهتها" وإنما بالقضاء على أسبابها أصلا واجتثاث بواعثها من الأساس حتىلا تتكرر؟!
إن الدفاع عن ثوابتنا حق وواجب، ولكن ما الذي ينبغي فعله - بموازاة ذلك - لتحصين جيلنا الناشئ من مثل هذا "التفكير الشاذ المنحرف" فلا يضطر جزائريون في المستقبل إلىتبديد طاقتهم في"مجادلة" جزائريين آخرين حول مسلمات وبديهيات، لأنه لن يكون هناك جزائريون "تغريبيون علمانيون فرانكوفيليون مستلبون" وإنما جزائريون وكفى.. جزائريون قوّتهم في تماسكهم وتشبثهم بثوابتهم"الإسلام والعربية والأمازيغية" وتفتحهم بعد ذلك من دون عقدة علىلغات العالم وعلومه.
إن معظم هذه الظواهر الشاذة التي يفرزها التفكير المنحرف لبعض الجزائريين، التي نواجهها اليوم، مما له علاقة بعناصر هويتنا يعود إلى سبب واحد تمتد جذوره إلى السنوات الأولى للاستقلال التي شهدت "تمييع" المبادئ التي صاغ منها نوفمبر مشروع المجتمع الجزائري و "تفريغها" من محتواها، وقد تجلى ذلك كله في التناقض القائم بين ما نسطره في دساتيرنا وما نرفعه من شعارات وبين ما نعيشه ونطبقه في الواقع.
إن الهزة العنيفة التي عرفتها منظومة قيمنا الدينية والوطنية بسبب هذا التناقض امتدت شقوقها وتصدعاتها عبر السنين، وكانت لها "هزات ارتدادية" هي التي نشهد بعض انعكاساتها اليوم. والنتيجة الحتمية لذلك كله هو انفتاح المجال أمام ما يسمى"تعدد مصادر التلقي" في مجال المبادئ والقيم، أي تعدد المرجعيات، وهذا أخطر ما يمكن أن يصيب مجتمع هو في أمس الحاجة إلىطاقات جميع أبنائه من أجل النهوض وتحقيق الذات.
فإذا كان قدرنا نحن اليوم أن نواجه هذا الإرث المضطرب وهذا الوضع المهزوز فإن من حق الجيل الناشئ علينا ومن واجبنا نحوه أن نحصنه من ذلك كله ولا يكون ذلك إلا بإحكام صلته بمرجعيته الدينية والثقافية والحضارية، أي بتوحيد "مصدر التلقي" في مجال المبادئ والقيم الخالدة خلود العقيدة التي أثمرتها، وبتعبير آخر نقول إن ذلك يكون بتحقيق ما يعرف اليوم "بالأمن الفكري" الذي يستند إلىهذه المرجعية الواحدة الموحدة التي تتفرع عنها "منظومة قيم" يؤمن بها جميع الجزائريين ويقدسونها، فيعيشون حينئذ ـ بشكل صحي ـ بتعدد النسيج الثقافي والاجتماعي واللغوي كعنصر ثراء وغنى لا كعامل تشتت وفرقة لأنه يكون في إطار هذه الوحدة المقدسة الجامعة. وهذا ما يجعل تحقيق هذا الأمن الفكري مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع التي ينبغي أن تجسد هذه المرجعية لكي يحس كل جزائري بأن منظومة قيمه الفكرية والقانونية والأخلاقية التي تنظم علاقاته بمجتمعه ودولته منظومة متماسكة غير مهزوزة ومضطربة كما يشهده واقعنا البائس اليوم.