رد: نظراتُ في سِفر الحكمة
15-05-2017, 04:31 PM
لماذا يبتليه، وهو قادر على إثابته دون ابتلاء!!؟:
س:إذا كان الله لا يتضرر بمعصية العبد، ولا ينتفع بطاعت، ولا يتوقف إحسانه على فعل يصدر من العبد، وهو قادر على إثابته وإدخاله الجنة بلا توسط تكليف، فلماذا يكلفه!!؟.
توضيح فى البداية:
كون الله سبحانه وتعالى قادرا على الإثابة دون تكليف، وإدخال الجنة بلا اختبار، وكونه لا تضره المعصية، ولا تنفعه حسنات العباد.
كل هذا مقرر، ولا خلاف عليه بحال من الأحوال.
لكن: تركُ التكليفِ، وترك العباد هملاً كالأنعام لا يؤمرون ولا يُنهون: منافلحكمته وحمده، وكمال ملكه وألوهيته، فيجب تنزيهه عنه، ومن نسبه إليه، فلم يقدره حق قدره.
وتوضيح ذلك:
أن الله تعالى أنعم على العباد ابتداء بالإيجاد، وإعطاء الحياة والعقل والسمع والبصر والنعم التي سخرها لهم، وإنما فعلها من أجل عبادتهم إياه، وشكرهم له، كما قال تعالى:[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]،
وقال تعالى:[ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ].
أي: ما يصنع بكم ربى لولا عبادتكم إياه، فهو لم يخلقهم إلا لعبادته،
فكيف يقال بعد ذلك: إن تكليفه إياهم عبادته غير حسن في العقل إذا كان
قادراً على إثابتهم دون عبادته!!؟.
وتوضيح ذلك:
وقال تعالى:[ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ].
أي: ما يصنع بكم ربى لولا عبادتكم إياه، فهو لم يخلقهم إلا لعبادته،
فكيف يقال بعد ذلك: إن تكليفه إياهم عبادته غير حسن في العقل إذا كان
قادراً على إثابتهم دون عبادته!!؟.
وتوضيح ذلك:
أن قدرته تعالى على الشيء، وتقدير خلافه: لا ينفى حكمته البالغة من وجود هذا الشيء.
فإن الله تعالى يقدر على مقدورات: لا يفعلها لحكمة كقدرته على قيام الساعة الآن، وإرسال الرسل بعد محمد، وقدرته على إماتة إبليس وجنوده، وإراحة العالم منهم، وقد ذكر الله تعالى قدرته على ما لا يفعله لحكمته في غير موضع من القرآن الكريم، فقال:
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُم]ْ، [
وقوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ].
وقوله: [وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ].
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُم]ْ، [
وقوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ].
وقوله: [وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ].
فهذه مقدورات له سبحانه، وإنما امتنعت لكمال حكمته، فهي التي اقتضت عدم وقوعها، فلا يلزم من كون الشيء في قدرة الله تعالى: أن يكون حسناً موافقاً للحكمة، بل تكون الحكمة هي: عدم إمضاء الله تعالى له، ووضعه على الصورة التي تراها.
وهذا إنما ينشأ من التفريق بين ما يتعلق بالحكمة، و ما يتعلق بالقدرة،
وانعدام التفريق بين :
متعلق الحكمة :( وهو فعل الله عز وجل الجاري في الكون).
ومتعلق القدرة:( ومنه ما لا يجرى في هذا الكون وإن كان مقدوراً لله عز وجل)
هو الباب الذي أُتى منه المعترضون هنا:
ولو قدر أن الأمر كما يقولون:"وهو أن يترك العبد لزمام الاختيار يفعل ما يشاء: جرياً على رسوم طبعه المائل إلى لذيذ الشهوات، ثم يجزل له العطاء من غير حساب"، وظنهم: أن هذا مستحسن للعقل وأفضل للإنسان، فإن كلامهم هذا منأبطل الباطل، يبطل عقلاً ونقلاً .
أما العقل،فهو أقبح شيء وأعظمُ نقص في الآدمي، ولو ترك لرسوم طبعه: لكانت البهائم أكمل منه، ولم يكن مكرماً مفضلاً على كثير من خلقِ الله،ولصار شراً فى الطباع من الذئاب والخنازير والحيات.
وأما الشرع، فالله أنكر هذا الأمر، فقال :[ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى].
وأخبر أن الحكمة تقتضى الحساب، فقال:[أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ].
ثم أخبر قائلاً:[فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ].
لأن مقتضى حكمته وربوبيته وإلهيته:" عدم العبث".
والخلق والإثابة:" بدون حساب".
ومثيله قوله تعالى:[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ].
والحق هنا هو: إلهيته وحكمته وأمره ونهيه وثوابه وعقابه،فمصدر ذلك كله: الحق وبالحق وجد، وبالحق قام ، وغايته الحق، وبه قيامه، ولو خالف هذا الوجه من الأمر والنهى والثواب والعقاب، لكان عبثاً وباطلاً :
[رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].
انتهى بحمد الله مختصراً من كلام الإمام:" ابن القيم" رحمه الله.