تحذير الأبرار من مسالك المشركين أهل النار
12-10-2017, 10:07 AM
تحذير الأبرار من مسالك المشركين أهل النار
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله قال:
" من لقي الله لا يشرك به شيئاً: دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً: دخل النار ". رواه مسلم.
إذا تأمل كل مؤمن عاقل هذا الحديث حق التأمل: وجب عليه أن يظل خائفا من أعظم ذنب عصي الله به، ألا وهو:" الشرك"، لأنه موجب لدخول النار، وإن كان صغيرا، ف:" النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق"، أي: صغير الشرك وكبيره، هذا إن لم يتب منه مقترفه قبل الغرغرة.
وإن موضوعا بهذه الأهمية، لجدير بأن يعتنى به حق العناية: علما وعملا، لأن:" الهداية الدنيوية، والسعادة الأبدية": لا تتحققان لطالبهما إلا باجتناب الشرك، والإتيان بالتوحيد.
وإنّ مما يجلب الخوف من الشرك إلى القلوب المؤمنة: أن نتأمل في حال الصالحين وحال الأنبياء المقربين وخوفهم من هذا الذنب العظيم، فقد يهون بعض المكلفين المسلمين من شأن الخوف والتحذير من الشرك بشبهة:" أننا في زمن التقنية وانتشار العلم، وطقوس الشرك طقوس جاهلية لأزمنة غابرة!!؟".
إن أصحاب هذه النظرة يغفلون عن كون الشرك باقيا في الأمة إلى يوم القيامة كما سيأتي بيانه بالدليل الصحيح، وقد قرر الخبير العليم في القرآن الكريم: مبينا حال كثير من المكلفين قائلا:
[ومَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ].
[وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ].
ولمزيد توضيح لهذه القضية الهامة جدا: أحببت أن أنثر هذا المتصفح بين يدي القراء الأفاضل، وقد جمعته من أقوال أهل العلم، خاصة فضيلة الشيخ:" عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر" حفظه الله وجزاه خير الجزاء، وإلى المقصود بتوفيق المعبود:
إن الواجب على المسلم: أن يعيش حياته خائفا من أن يقع في أيِّ ذنب يغضب الله جل وعلا ويسخطه، وأعظم ما يجب أن يخاف منه العبد، وأن يحرص على اتقائه، وأن يجاهد نفسه على البُعد عنه هو: الشرك بالله جل وعلا.
نعم:
الشرك بالله جلّ وعلا هو: أعظم الذنوب وأخطرها، وهو: أظلم الظلم، وأكبر الجرائم، وهو: الذّنب الذي لا يُغفر.
الشرك بالله جلّ وعلا فيه: هضم للرّبوبية، وتنقص للألوهية، وسوء ظن برب البرية جل وعلا.
الشرك بالله جل وعلا فيه: تسوية غيره به، تسوية للناقص الفقير بالغني العظيم جلّ وعلا.
إن الشرك بالله جل وعلا: ذنب يجب أن يكون خوفُنا منه: أعظمَ من خوفنا من أيِّ أمر آخر، وثَمَّةَ نصوصٌ ودلائل في كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه: إذا تأمّلها العبد، ونظر إليها نظرة المتأمل: جلبت لقلبه خوفا من الشرك، وحذرا منه، وتوقيا للوقوع فيه، ومن ذلك:
قول الله جل وعلا في موضعين من سورة النساء:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
فالآية: فيها بيان بيِّن أن من لقي الله تبارك وتعالى مشركا به، فإنه لا مطمع له في مغفرة الله، بل إن مآله ومصيره إلى نار جهنم خالدا مخلدا فيها، لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفف عنه من عذابها، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}.
ينادي المشرك يوم القيامة، ويطلب أن يعاد للدنيا مرة ثانية، فلا يجاب ليعمل صالحا غير الذي كان يعمل، ويطلب أن يُقضى عليه فيموت، فلا يجد جوابا لذلك، ويطلب أن يخفف عنه يوما من العذاب، فلا يجد جوابا لذلك، وإنما يبقى في نار جهنم مخلدا فيها أبد الآباد، بل: إن من أعظم الآيات وأشدها على أهل النار: قول الله تعالى في:( سورة عم)، يقول جل وعلا:
{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}.
وقال تعالى:{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
وقال:{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}.
وقال:{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}.
وقال:{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
فكيف لا نخاف من الشرك!!؟، وكيف لا يحتاج الأمر إلى تحذير منه، وقد خافه على نفسه وعلى ذريته:" أب الأنبياء، وإمام الحنفاء: إبراهيم عليه السلام: كما أنبأنا بذلك الخبير العلام"!!؟:
[وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ].
قرأ الإمام:" إبراهيم التيمي" رحمه الله تعالى هذه الآية، وقال:
"من يأمن البلاء بعد إبراهيم!!؟".
أي: إذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام الذي اتخذه الله خليلا، وحطّم الأصنام بيده، ودعا إلى توحيد الله، وقام في هذا الأمر مقاما عظيما: قد خاف من الشرك، ودعا الله تعالى بهذه الدعوة العظيمة، فكيف يأمن البلاءَ غيرُه!!؟.
قال الشيخ:" عبد الرحمن بن حسن" - رحمه الله -:
" فلا يأمن من الوقوع في الشرك، إلا من هو جاهل به، وبما يخلصه منه، مع العلم بالله، وبما بعث به رسوله من توحيده، والنهي عن الشرك به".(فتحالمجيد: ص 47).
إذن أيها المؤمن الموحد:
لا تأمن الشرك، ولا تأمن النفاق، إذ لا يأمن النفاق إلا منافق، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، ولهذا قال ابن أبي مليكة:
" أدركت ثلاثين من أصحابالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخاف النفاق على نفسه".(البخاري: كتاب الإيمان/ باب خوف المؤمن أن يحبط عمله).
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاف على نفسه النفاق، فقال لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي أسر إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأسماء أناس من المنافقين، فقال له عمر رضي الله عنه:
" أنشدك الله، هل سماني لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع من سمى من المنافقين؟، فقال حذيفة رضي الله عنه: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا". أنظر:(طريق الهجرتين) لابن القيم آخر الطبقة الخامسة عشرة.
أراد عمر بذلك زيادة الطمأنينة، وإلا، فقد شهد له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجنة.
"اللهم إني أعوذ بك من الكفر ومن الفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر". (صحيح الكلم الطيب:49 ): يردِّد هذه الدّعوة ثلاث مرّات في الصباح وثلاث مرّات في المساء.
وكان يقول في دعائه كما في الصّحيحين وغيرهما:
"اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تُضِلَّني، فأنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون".
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، بل قالت أمُّ سلمة رضي الله عنها:
" كان أكثرُ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهمّ يا مصرّف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك". قالت: قلت يا رسول الله: أو إن القلوب لتتقلب؟. قال: " نعم، ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه".(الصحيحة:1689).
ومن الأدلة في هذا الباب ما جاء في المسند وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصّحابة رضي الله عنهم:
"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر؟. قال:الرياء؛ يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاء". ( الصحيحة:951).
قال العلماء رحمهم الله::
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام خاف على الصحابة رضي الله عنهم- وهم: من هم في الطاعة والتوحيد - من الشرك الأصغر، فكيف الشأن بمن هو دونهم، ومن لم يبلغ عُشْرَ معشارهم في التوحيد والعبادة!!؟.
بل، صح في (صحيح الجامع:3731): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لَلشرك فيكم أخفى من دبيب النّمل"، فقال بعض الصحابة: أوليس الشرك يا رسول الله: أن يتخذ ند مع الله وهو: الخالق، فقال عليه الصلاة والسلام:" والذي نفسي بيده، لَلشرك فيكم أخفى من دبيب النمل"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: " أولا أدلكم على شيء إذا قلتموه: أذهب الله عنكم قليل الشرك وكثيره؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تقولون:" اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم".
وهذه دعوة عظيمة ينبغي أن نحفظها ونحافظ عليها.
ومما يجلب الخوف من الشرك: ما ثبت في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من إخباره: أن من الأمّة مَنْ سيرجعون إلى عبادة الأوثان، وقد جاء في هذا أحاديث عديدة:
منها: ما ثبت في:( صحيح الجامع: 1773) عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال:
" لا تقوم السّاعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان".
وجاء في حديث:( متفق عليه) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ".
وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية.
كل ذلك قاله عليه الصلاة والسلام: نصحا للأمّة، وتحذيرا لها من هذا الذنب العظيم، والجرم الوخيم، أعاذنا الله جميعا منه.
ومما يجلب الخوف من الشرك:
أن المشرك ـ عياذاً بالله ـ ليس بينه وبين النار إلا أن يموت، وتأمّلوا في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث في صحيح البخاري:
"من مات وهو يدعو من دون الله ندا: دخل النار".
قال العلماء رحمهم الله:
في هذا الحديث دلالة على أن النار قريبة من المشرك، أي: ليس بينه وبينها إلا أن يموت.
كل هذه الدلائل تدعوا المؤمن إلى أن يخاف من الشرك: خوفا عظيما، ثم إن هذا الخوف يحرك في قلبه معرفة هذا الذّنب الوخيم، ليكون منه على حذر، وليتقيه في حياته كلها، ولهذا جاء في صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:
" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافته".
ولقد دلت نصوص الكتاب والسنة أن الشرك نوعان: أكبر وأصغر، وهما يختلفان في الحد والحكم.
أما حد الشرك الأكبر، فهو:" أن يُسويَ غيرَ الله بالله: سواء في الربوبية أو الأسماء والصفات أو الألوهية"، فمن سوَّى غير الله بالله في شيء من خصائص الله، فإنه يكون بذلك أشرك بالله شركا أكبر ينقل صاحبَه من ملة الإسلام.
وأمّا حدُّ الشرك الأصغر، فهو:" ما جاء في النصوص وصفه بأنه شرك، ولا يبلغ حد الشرك الأكبر"، كالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت، وقول: لولا كذا: لكان كذا وكذا، ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها شرك لا يقصده قائلها.
وأمّا من حيث الحكم في الآخرة، فإنهما يختلفان، فالشرك الأكبر صاحبه مخلد في النار أبد الآباد: لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفف عنه من عذابها، وأما الشرك الأصغر، فشأنه دون ذلك، وإن كان في وضعه هو: أكبر من الكبائر، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " لأَن أحلف بالله كاذبا: أحبُّ إلي مِن أن أحلف بغيره صادقا"، لأن في الحلف بغير الله صادقا: شرك بالله عز وجل، وفي الحلف به كاذبا: وقوع في كبيرة الكذب، ولا تقارن الكبيرة بالشرك، وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم.
ثم إنّ هذه المسألة أعني مسألة الشرك ومعرفته هي: من أعظم الأمور التي ينبغي أن نُعنى بها، ولما جهِل كثيرٌ من الناس هذا الأمر العظيم: وقعوا في أعمال وأمور هي من الشرك، يجهلون حقيقة أمرها، وربما لُبِّس على بعضهم بأسماء ونحوها: صُرفوا بها عن العبادة الخالصة لله إلى أنواع من الأعمال المحرمة، بل إلى أنواع من الأعمال الشركية، عياذا بالله.
ختاما:
نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: أن يُبَصِّرنا جميعا بدينه، وأن يوفقنا جميعا لاتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.