اتجاهات في تطبيق القانون الدولي الانساني بواسطة آليات حقوق الانسان
06-04-2009, 09:45 PM
busted_redاتجاهات في تطبيق القانون الدولي الإنساني بواسطة آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدةbusted_red

دانيال أو دونل هو عضو بنقابة المحامين بنيويورك. وهو النائب السابق لرئيس فريق التحقيق التابع للأمين العام للأمم المتحدة بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية, ورئيس المحققين الأسبق للجنة الإيضاح التاريخي الخاصة بجواتيمالا, والمساعد الأسبق للمقرر الخاص المعني بالإعدام خارج القضاء, أو بمحاكمة موجزة, أو التعسفي وللمقرر الخاص بشأن يوغوسلافيا السابقة ولممثل الأمين العام بشأن الأشخاص النازحين داخليا.

يستمر انتشار آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تصدر العديد من القرارات والتقارير الضخمة. ويستعرض هذا المقال الطرق التي تطبق بها هذه الآليات القانون الدولي الإنساني, بما فيها قانون جنيف وقانون لاهاي. وهو يركز في ذلك بشكل رئيسي على ممارسات المقررين الذين عينتهم لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لتحري أحوال حقوق الإنسان في بلدان معينة, وعلى ممارسات المقررين الموضوعيين والأفرقة العاملة التي عهدت إليها اللجنة رصد أنواع معينة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أينما تحدث, ولا سيما المقرر الخاص المعني بالإعدام خارج القضاء أو بمحاكمة موجزة, أو التعسفي وممثل الأمين العام بشأن الأشخاص النازحين داخليا, واللذان كثيراً ما تؤدي بهما ولايتهما إلى فحص انتهاكات تحدث في سياق منازعات مسلحة. وهناك أيضاً إشارات إلى آليتين مبتكرين عملتا في السلفادور: الأولى, " لجنة تقصي حقائق" تحت رعاية الأمم المتحدة, وأول هيئة لرصد حقوق الإنسان تنشأ كجزء من آلية شاملة لرصد الالتزام بأي اتفاق سلام تحت رعاية الأمم المتحدة. كذلك تذكر ملاحظات معينة جاءت بها هيئات لرصد المعاهدات.

ولا يدعي هذا الاستعراض أنه شامل, ولكنه يسعى فقط إلى تعيين وبيان الاتجاهات الحديثة. والموضوع مهم ويستحق الدراسة بعمق أكبر.

تطبيق القانون الدولي الإنساني

لا تطبق آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة القانون الدولي الإنساني بشكل ثابت. فتقارير كثيرة لا ترجع إليه, حتى عندما تقر بوجود نزاع مسلح. وتضم تقارير أخرى تأكيدات مبهمة عن انتهاك القانون الإنساني, لكنها لا تذكر الوقائع المحددة للحالة أو أحكام ذلك القانون ذات الصلة. ومع ذلك فإن تطبيق آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للقانون الإنساني يتزايد. ويحدث هذا في أربعة أنواع من الأوضاع:

· عندما تكون معايير القانون الإنساني مصممة بصراحة لتكفل ممارسة محددة لا تغطيها معايير حقوق الإنسان إلا بشكل غير مباشر;
·عندما تكون المعايير الإنسانية ومعايير حقوق الإنسان منطبقة بالمثل;
·عندما يكون القانون الإنساني أكثر ملاءمة من قانون حقوق الإنسان بسبب هوية مرتكب المخالفة;
·عندما تندمج المعايير الإنسانية المنطبقة مع قانون حقوق الإنسان.

ولا تبطل هذه الفئات بعضها بعضا, فالواقع أن الحدود بينها غير ثابتة وتعتمد بشكل رئيسي على مدى التوسع في تفسير أحكام القانون الدولي الإنساني ذات الصلة, وسيأتي ذكر أمثلة عن كيفية تطبيق المعايير الإنسانية في كل نوع من الأوضاع.

معايير القانون الإنساني باعتبارها أكثر الأطر القانونية ملاءمة

كثيراً ما تطبق المعايير الإنسانية فيما يتعلق بممارسات لا تتناسب بسهولة مع المؤشرات التقليدية لانتهاكات حقوق الإنسان, وبخاصة عندما يريد أحد المقررين اتخاذ موقف بخصوص وسيلة من وسائل الحرب بذاتها وليس من أفعال محددة تؤثر على حقوق ضحايا ظاهرين: وبكلمات أخرى, عندما يركز التحليل على واجبات الدولة وليس على الحقوق بذاتها.

واستخدام الألغام مثال لذلك. ففي 1993, خلص المقرر الخاص, مشيرا إلى الوضع في شمال العراق, إلى ما يلي:

"… في بعض الحالات, زرعت الألغام … لمنع المدنيين من العيش والفلاحة بأساليبهم التقليدية. وبهذه الطريقة, لا يكون لكثير من المدنيين خيار سوى الانتقال إلى القرى المجمعة التي بنتها الحكومة. وبهذا الشأن, يوجه المقرر الخاص الانتباه إلى بروتوكول الألغام الأرضية لعام 1981. فطبقاً لهذا الصك الإنساني, ينبغي اتخاذ الإجراءات لحماية المدنيين من آثار الألغام مع حظر استخدام الألغام دون تمييز." [1]

ويمثل استخدام الأسلحة الكيميائية مثالاً آخر. ففي عام 1994,إذ خلص المقرر الخاص بشأن العراق إلى أن استخدام العراق لتلك الأسلحة ضد قرى الأكراد قد أظهر "مسؤولية الدولة عن الانتهاكات الخطيرة لبروتوكول جنيف لعام 1925 لحظر استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو الوسائل البكتريولوجية كوسائل للقتال" [2]. وبينما يمكن في ضوء قانون حقوق الإنسان النظر إلى استخدام الأسلحة الكيميائية على أنه لا يتفق والحق في الحياة, والحق في الصحة, وعلى أنه شكل من أشكال التعذيب أيضاً, يبدو الاحتجاج بهذه المعايير طريقاً ملتوياً على نحو غير ضروري في مثل هذه الحالة. وبافتراض أن متطلبات تطبيق المعايير الإنسانية ذات الصلة متوفرة, فإن النهج الذي اتبعه المقرر الخاص بشأن العراق يتسم بالوضوح والبساطة.

والنزوح القسري للسكان مثال ثالث. ويميل المقررون إلى عدم اعتبار هذا النزوح انتهاكاً للمعايير الدولية إلا عندما ينطبق البروتوكول الثاني [3]. ويعد تقرير ممثل الأمين العام بشأن الأشخاص النازحين داخليا عن بوروندي أحد تلك الأمثلة [4]. إن النزوح القسري هو أحد المجالات التي يمكن فيها استخدام القانون الدولي الإنساني لتفسير القانون الدولي لحقوق الإنسان, حيث أن الأحكام ذات الصلة هي المعايير الموضوعية الواردة في المادة 17 من البروتوكول الثاني وأحكام قانون حقوق الإنسان المتعلقة بحرية التنقل والإقامة (مثال للنوع الرابع من الأوضاع).والواقع أن المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي تنص على أن النزوح الذي لا يتفق والمادة 17, الفقرة 1, من البروتوكول الثاني, يمثل حرماناً تعسفياً أو تقييداً لهذه الحرية [5]. ومن المثير للدهشة أن هذه النتيجة لم يتم التوصل إليها في تقارير الممثل عن البلدان التي ليست أطرافاً في البروتوكول الثاني.

وتعد أنشطة شعبة حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة للمراقبة في السلفادور مثالا فريداً لتطبيق القانون الإنساني بواسطة آلية لحقوق الإنسان تتبع الأمم المتحدة. وكأول بعثة ميدانية للأمم المتحدة تكلف بولاية تتعلق بحقوق الإنسان, أصبحت شعبة حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة للمراقبة في السلفادور عاملة بينما كانت المفاوضات تجري لتسوية النزاع المسلح الداخلي في هذا البلد. وبالرغم من أنه كانت لديها ولاية واضحة برصد انتهاكات القانون الدولي الإنساني بالإضافة إلى انتهاكات قانون حقوق الإنسان, فإن شعبة حقوق الإنسان التابعة لبعثة الأمم المتحدة للمراقبة في السلفادور قررت إعطاء الأولوية للمهمة الثانية. وارتكز هذا القرار جزئياً على تفسيرها لنية أطراف الاتفاق في تعريف ولايتها, ولكنه اتخذ أيضاً من منطلق احترام دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولأن شعبة حقوق الإنسان أرادت تفادي أية ازدواجية في الجهود غير ضرورية, وربما ضارة بالنتائج [6] .

ومع ذلك قررت شعبة حقوق الإنسان التحقيق في بعض انتهاكات القانون الإنساني وأدرجت في المبادئ التوجيهية التي اعتمدتها فيما يتعلق بنطاق ولايتها تلك الانتهاكات كفئة منفصلة. وقد تضمنت هذه الفئة ما يلي:
‌أ- الهجمات على السكان المدنيين, وعلى الأفراد المدنيين;
‌ب- أعمال العنف أو التهديد به, بغرض رئيسي هو إرهاب السكان المدنيين;
‌ج- الأعمال التي تتضمن مهاجمة المستلزمات العينية الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة أو إعاقة عمليات الإغاثة;
‌د- إعادة توطين السكان المدنيين على نحو تعسفي [7].

كانت النية الظاهرة هي تطبيق القانون الإنساني على الحالات أو الأوضاع التي لم تتناولها معايير حقوق الإنسان بشكل مباشر. وعملياً, وسعت هذه الفئة أو فسرت بحيث تشمل أفعالاً كإعدام رجال حرب العصابات لأشخاص غير مقاتلين دون مراعاة لقواعد الإجراءات القانونية, واستخدام الألغام الأرضية دون تمييز [8]. ومما يدعو للسخرية, أنه بالرغم من النية المعلنة لعدم إعطاء أولوية عالية لانتهاكات القانون الإنساني, فإن شعبة حقوق الإنسان ربما طبقت القانون الإنساني مرات أكثر وبطريقة أكثر انتظاماً مما فعلت أية آلية أخرى لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة, ربما باستثناء لجنة تقصي الحقائق بشأن السلفادور.

القانون الإنساني يدعم قانون حقوق الإنسان
في النوع الثاني من الأوضاع, تطبق معايير القانون الإنساني, لا لأن هناك حاجة فعلية لها لتقييم مشروعية ممارسة معينة, ولكن ببساطة لأن ظروف انتهاك ما توحي بأن من المناسب الرجوع إلى هذه المعايير. وتمثل مذابح المدنيين التي ترتكبها الوحدات العسكرية مثالاً نموذجياً: من الثابت أن الإعدام خارج القضاء لمجموعة من الأفراد غير المسلحين بلا سبب غير ميولهم السياسية الحقيقية أو المفترضة أو الدعم المادي الذي قدموه إلى حركة مسلحة غير مشروعة ينتهك الحق في الحياة بمقتضى صكوك حقوق الإنسان. ومع ذلك, فكون أعمال القتل هذه قد ارتكبها أفراد القوات المسلحة باستخدام أسلحة وتكتيكات عسكرية في سياق نزاع مسلح يجعل من المناسب تطبيق معايير القانون الإنساني ذات الصلة بالإضافة إلى قانون حقوق الإنسان.

وقد لاحظ أول مقرر خاص بشأن الإعدام خارج القضاء, والإعدام بمحاكمة موجزة, والتعسفي (سيشار إليه فيما يلي "المقرر الخاص بشأن الإعدام"), في تقريره عن كولومبيا عام 1990, أن "قوات القانون والنظام تفشل في الحملات المضادة للتمرد في الالتزام بمبادئ أساسية معينة من القانون الدولي الإنساني مثل مبدأ عدم استخدام العنف ضد السكان المدنيين" [9]. وكانت الأمثلة التي جاء ذكرها هي المذابح المتعمدة لسكان القرى العزل وإعدام رجال العصابات الذين قبض عليهم [15]. وبالمثل, وجد المقرر الخاص بشأن مينامار أن العمل والتشغيل القسري في العتالة أثناء عمليات مكافحة التمرد يخرق كلاً من القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية. [11]

قد يكون هناك دافع نفساني, إرادي أو لا إرادي, وراء الميل لتطبيق القانون الدولي الإنساني في هذه الظروف. وتخدم الإشارة إلى القانون الإنساني تأكيد خطورة الجرم : فلا يخرق عمل معين قانون حقوق الإنسان فقط, لكنه يخرق أيضا القانون الإنساني. وإذا نحينا الاعتبارات الفنية جانباً, نجد أنه يوجد تصور عام بأن القانون الدولي الإنساني قد صمم ليغطي الحرب, بينما قانون حقوق الإنسان قد صمم ليغطي المواقف المعتادة; وحيث أن الحروب يسمح فيها بأكثر مما يسمح به وقت السلم, فإن تأكيد انتهاك القانون الإنساني – أي أن ما حدث محظور حتى أثناء النزاع المسلح - يحمل دلالة استنكار أخلاقي أعظم.

ويتمثل أحد الأمثلة في إعدام جيش السلفادور لممرضة قبض عليها في هجوم على مستشفى تابع لجبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير, الذي خلصت لجنة تقضى الحقائق إلى كونه "انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان." من المؤكد أن اللجنة كانت ستخلص إلى كون الإعدام خارج القضاء لشخص محروم من حريته لا يتفق والقانون الدولي لحقوق الإنسان, حتى وإن كان القانون الإنساني غير منطبق. ومع ذلك, فإن الانتهاء إلى كون مقتل الراهبة يعد انتهاكاً لقوانين الحرب – ولا سيما في ظل الوضع الخاص الذي يكفله القانون الإنساني لأفراد الخدمات الطبية العاملين في نزاع مسلح - يبرز خطورة الخروج على واجب أخلاقي وقانوني مقبول عالمياً.

ويهتم المقررون أيضاً بالتأثير العام للنزاع على السكان وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الجماعية. ويمكن تناول هذه القضايا أيضاً من خلال قانون حقوق الإنسان أو القانون الإنساني أو كليهما. وفي تقرير صدر في 1993, أعلن المقرر الخاص بشأن العراق : "من الواضح أن الطوق الاقتصادي المفروض ضد منطقة الأكراد لا يتفق والتزامات العراق طبقاً لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان (فيما يختص بالحقوق الاقتصادية, بقدر ما يهدد البقاء على قيد الحياة وحق الحياة) والقانون الدولي الإنساني, بالقدر الذي يرقى فيه الطوق إلى مرتبة الحصار"[12] .

وأدان المقرر الخاص بشأن يوغوسلافيا السابقة في تقريره الأول الحصار المضروب حول سراييفو وبيهاتش في عبارات كانت النية الواضحة منها الإشارة إلى معايير القانون الإنساني. فقد ذكر أن المستشفى في سراييفو "قد تعرض للقصف المتعمد في عدة مناسبات بالرغم من العرض الواضح لشارة الصليب الأحمر المتعارف عليها دولياً" [13]. وفيما يتعلق بالوضع في بيهاتش, ذكر المقرر: "يجري القصف يوميا. وليست هناك أهداف عسكرية تذكر في المدينة, ويبدو أن السبب الرئيسي للقصف هو إرهاب السكان المدنيين" [14] . وقد سبقت الملاحظة التالية هذه المقولة "معظم مناطق يوغوسلافيا السابقة, وخاصة البوسنة والهرسك, هي في الوقت الحالي مسرحاً لانتهاكات منتظمة لحقوق الإنسان إلى جانب انتهاكات خطيرة وجسيمة للقانون الإنساني"[15] .

ويمكن أيضاً أن نتبين بعض دلائل لهذا الاتجاه في أعمال أجهزة رصد المعاهدات. وفي تعليق على الحق في المسكن, الذي اعتمد في 1997, أعلنت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن "الإخلاء القسري وتدمير المنازل كإجراء عقابي … لا يتفقان مع معايير العهد" الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. "وبالمثل", تسترسل الفقرة, "تشير اللجنة إلى الالتزامات المكرسة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 فيما يختص بحظر نزوح السكان المدنيين وتدمير الممتلكات الخاصة, حيث إنهما يتصلان بممارسة الإخلاء القسري" [16] . ويبين ذلك جهداً واعياً لتأكيد تكاملية القانونين وأهمية تطبيقهما المتناسق والمتناغم.

تطبيق القانون الإنساني على أفراد من غير عملاء الدولة
في النوع الثالث من الأوضاع, تقدم حجة بأن هناك حاجة إلى توسيع تطبيق القانون الإنساني ليشمل الأفعال التي تقع خارج نطاق القانون الدولي الإنساني نتيجة لهوية من يقومون بارتكابها. وتقر العقيدة التقليدية لحقوق الإنسان أن قانون حقوق الإنسان ملزم للدول فقط, وأن معايير حقوق الإنسان لا يمكن تطبيقها على الأفعال التي يقوم بارتكابها أفراد أو جماعات إلا إذا كان هناك تحريض أو مشاركة أو إجازة من قبل بعض المسؤولين الرسميين أو السلطات. وقد تعرضت هذه النظرة للتساؤل في السنوات الأخيرة, لكن أغلبية آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مازالت تشترك فيها [17]. وبالرغم من ذلك, يعتقد معظم مقرري الأمم المتحدة أن التحليل الدقيق المحايد والموضوعي لوضع حقوق الإنسان في بلد معين لابد أن يأخذ في الاعتبار الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها جماعات مسلحة ليست لها صلة بالحكومة القائمة, وكذلك تلك التي ترتكبها الحكومات والجماعات المرتبطة بها.

وعند وجود حالة نزاع مسلح, يوفر القانون الدولي الإنساني الحل. وقد تفيد في توضيح هذه النقطة بعض القرارات التي اعتمدتها لجنة تقصي الحقائق في السلفادور فيما يتصل بعمليات القتل والاختطاف التي ارتكبتها جبهة فارابوندو مارتي الوطنية للتحرير أثناء الحرب الأهلية في السلفادور. فقد خلصت اللجنة إلى أن اختطاف ابنة رئيس الجمهورية ومبادلتها (مع 25 من المسؤولين العامين المحليين الذين تم اختطافهم) بعدد من رجال العصابات الجرحى, يمثل أخذاً للرهائن, وهو انتهاك للقانون الإنساني (18). كما خلصت اللجنة إلى أن جبهة فارابوندو مارتي انتهكت القانون الإنساني بقتلها أحد القضاة وأحد رجال العصابات الفارين وأربعة من حراس سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في غير أوقات الخدمة واثنين من المستشارين العسكريين الأمريكيين قبض عليهما عندما أسقطت الطائرة المروحية التي كانت تقلهما.(19)

وقد وجد أن إعدام جبهة فارابوندو مارتي لـ 11 عمدة يعتبر انتهاكا لكل من القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وجاء تفسير هذا الاستنتاج بأن جبهة فارابوندو مارتي تخضع لقانون حقوق الإنسان في العبارات التالية : "عندما يتولى المتمردون سلطات الحكومة في المناطق التي تخضع لسيطرتهم, يمكن أن يطلب منهم أيضا مراعاة التزامات معينة بحقوق الإنسان تلتزم بها الدولة بموجب قانون حقوق الإنسان … وكان الموقف الرسمي لجبهة فارابوندو مارتي أن أجزاء معينة من الإقليم الوطني كانت تحت سيطرتها, وأنها مارست هذه السيطرة بالفعل. (20) ولم تؤيد معظم آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا الموقف, ولم تقدم اللجنة أي تفسير عن السبب في أن عمليات الإعدام الأخرى التي ارتكبتها الجبهة لم تخرق قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني.

وجادلت جبهة فارابوندو مارتي بأن إعدام العمد مسموح به وفقاً للقانون الإنساني, لكن اللجنة رفضت هذه الحجة قائلة : "لا يتضمن القانون الإنساني الدولي ما يحظر على المتحاربين معاقبة الأفراد الذين يرتكبون في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم أفعالا تعد طبقاً للقوانين السارية ذات طبيعة إجرامية.. وتذكر اللجنة أنه عند معاقبة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم, يلزم مراعاة العناصر الأساسية للإجراءات القانونية. ولا يعفي القانون الدولي الإنساني بأي حال من الأحوال أطراف النزاع من هذا الالتزام…

ولا يوجد في أي من الحالات التي سبق ذكرها أعلاه أي دليل على أن محاكمات سليمة قد عقدت قبل تنفيذ الإعدام, كما لا توجد أية أدلة على أن أيا من الأفراد قد لقي حتفه أثناء عملية قتالية أو أنهم قاوموا الذين أعدموهم. (21)

وقام المقرر الخاص بشأن السودان بتطبيق المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على جيش التحرير الشعبي للسودان ووجد أن كلا الفصيلين مسؤول عن انتهاكات للقانون الإنساني أثناء القتال بين الفصيلين, وكذلك أثناء الصراع ضد القوات الحكومية (22). وتضمنت الانتهاكات الهجوم دون تمييز على السكان المدنيين, والاغتصاب, والتشويه, والنهب (23). كما تأكد تجنيد جيش التحرير الشعبي للسودان للأطفال بالرغم من أن المقرر لم يفسر كيف يمكن اعتبار ذلك خرقا للمادة 3 المشتركة أو لأي حكم آخر من أحكام القانون الإنساني الملزم لجيش التحرير الشعبي للسودان (24). وقد وقع حزبا جيش التحرير الشعبي للسودان ما يعتبر اتفاقا لاحترام البروتوكول الثاني, بالرغم من أن حكومة السودان لم تقره (25). كذلك أدان المقرر استيلاء أحد حزبي جيش التحرير الشعبي للسودان على طائرة تخص اللجنة الدولية للصليب الأحمر واحتجاز ركابها وطاقمها كرهائن, واصفا هذا العمل بكونه "انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني". (26)

ويضم التقرير المشترك عن كولومبيا الذي أعده المقررون الخاصون بشأن التعذيب وعمليات الإعدام خارج القضاء, إشارات متكررة لخرق القانون الإنساني ولتجاوزات قامت الجماعات المتمردة بارتكابها. ويشير التقرير بوضوح إلى أن جماعات العصابات المسلحة انتهكت القانون الإنساني باقترافها ممارسات مثل اغتيال المخبرين وصديقات أفراد القوات المسلحة والرهائن الذين اختطفوا بغرض الحصول على فدية (27).

وأشارت المقررة الخاصة بشأن العنف ضد النساء إلى أن القانون الإنساني يشكل جزءا من الإطار القانوني لولايتها, ويتضمن تقريرها لعام 1998 فصلاً عن العنف ضد النساء فى زمن النزاع المسلح مما يوحي بأن هذا النوع من الانتهاك للقانون الإنساني سيلقى اهتماما خاصاً (28). ويتضمن ذلك الفصل معلومات عن حالات تنسب إلى عملاء حكوميين وغير حكوميين, لكن التقرير يوحي بأن القانون الإنساني مهم بشكل خاص كأساس قانوني لمواجهة الانتهاكات التي يرتكبها عملاء غير حكوميين. (29)

وفيها يتعلق بالدول, فإنها اعتبرت مسؤولة, لا عن سلوك قواتها المسلحة والمليشيات المعترف بها رسمياً وحسب, ولكن أيضاً عن سلوك المليشيات غير النظامية التي وإن كانت ليست تحت السيطرة المباشرة للحكومة فهي تساند الحكومة وتتمتع بالعفو عند انتهاكها القانون الإنساني (30). وذكر المقرر أن السودان مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني التي ارتكبتها جماعات الثوار المتمركزة في السودان وتسعى لإسقاط حكومة أوغندا (31).


busted_red