الاستغاثة.للعلامة حسن السقاف
28-07-2013, 09:13 PM
الاستغاثة
للعلامة:حسن بن علي السقاف
ومثال الاستغاثة المشروعة أن يقول شخص وقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يغفر لي.
ودليلها أحاديث كثيرة، منها ما يُثبت الاستغاثة به صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، ومنها ما يثبتها بعد وفاته فيما فعله بعض الصحابة وأقرَّه الباقون منهم دون نكير حتى مِن كبارهم رضي الله عنهم.
فمما جاء في حياته: ما رواه (2/501) عن سيدنا أنس قال: " إنَّ رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وِجًاهَ المنبر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً فقال: يا رسول الله: هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا (أي يمطرنا).
قال سيدنا أنس: فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه فقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا".
قال سيدنا أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَةٍ ولا شيئاً، وما بيننا وبين سَلْعٍ من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرس ثمّ انتشرت، ثم أمطرت...
قلت: هذا الرجل أُصيب ماله بالهلاك وجاء مستغيثاً بالنبي صلى عليه وآله وسلم أن يدعو الله في أن يمطرهم، فلم يقل له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عليك أن تدعو الله أنت لأن الله يقول: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب﴾ أو: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾ بل دعا له فأُجيب.
وفي البخاري (3/338) في حديث الشفاعة أنَّ الخلق يوم القيامة: "بينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق..."
فدلَّ ذلك على أن الاستغاثة ليست شركاً ولا كفراً.
وأما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم: فقال الحافظ ابن حجر في "الفتح (2/495)": (روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحطٌ شديد في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأُتِيَ الرجل في المنام فقيل له: " ائت عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون"). وقد حاول بعضهم عبثاً أن يضعِّف هذا الأثر، ورددت عليه مفندًا ما قال في مقدِّمة "إرغام المبتدع" ص 7-8 فارجع إليه إن شئت.
قلت: حصل هذا الفعل في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة ومعرفتهم معه فلم ينكروا عليه، أي فأقروه، فدلَّ على إجماع سكوتي منهم رضي الله تعالى عنهم.
ولنا رسالة في هذه المسألة أسميناها "الإغاثة بأدلة الاستغاثة" فلتراجع.
قال الإمام النووي أيضاً في "المجموع" (8/274) مُبَيِّناً ما يستحب أن يقوله من يزور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقف أمام القبر الشريف مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما نصه: ( ثم يرجع إلى موقفه الأول قُبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا – يعني سائر الشافعية - عن العُتبي مستحسنين له قال: " كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي...) انتهى كلام النووي.
فانظر رحمك الله تعالى وهداك كيف استحسن العلماء ومنهم الإمام النووي هذه الصيغة في نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطلب العفو وأن يستغفر الله له، ونحن لا نفعل إلا ذلك ولا نستحب إلا هذا، ولا نزيد على ما ورد في الأحاديث المتقدمة أو ما جاء عن العلماء الكبار في العلم !! ولا نعتقد في المخلوقين أنهم يرزقون بذاتهم أو يحيون ويميتون، فالله تعالى بيَّن لنا في كتابه أنَّ إسناد الفعل لغيره على طريق المجاز ليس شركا ولكن ماذا نصنع بمن لايُدرك المجاز وينكره أشد الإنكار، قال تعالى في شأن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام:﴿وأُبرئُ الأكمه والأبرص وأُحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وتدّخرون في بيوتكم﴾ آل عمران: 49.
فلو قال شخص أنَّ سيدنا عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، لم يكن كافرا، مع أنَّ الله تعالى هو محيي الموتى حقيقة وهو الذي يبرئ الأكمه والأبرص، وكلنا يعتقد أن التأثير لله لا لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام في الإحياء وفي الإبراء، وكذلك إذا استغاث رجل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راجيا أن يدعو الله له في تفريج مصيبته أو كربه معتقدا أنه حي في قبره يَبْلُغُه سلام أمته أينما كانوا وتُعرض عليه أعمالهم، لم يكن ذلك شركا عند من تجرَّد من العصبية واتقى الله تعالى، بل سيتحقق أن ذلك سنة وردت بها الأحاديث الصحيحة ونص عليها علماء الأمة الثقات من السلف والمحدثين.
ومن باب قولهم من فمك ندينك نقول: قال ابن تيمية في "مجموعة الرسائل الكبرى 01/485" وذلك في رسالته "الاستغاثة" ما نصه: (والاستغاثة بمعنى أن يُطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وأما مخطئ ضال، وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها).
فتأمل !! وهذا موافق لما قررناه.
وأما حديث:"إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله تعالى" رواه أحمد (5/317) والطبراني كما في"المجمع8/40" ففي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف عن غير العبادلة، فلا يصح الاحتجاج به.
فتبين بذلك أن الاستغاثة ليست شركا ولا كفراً بالله تعالى وقد وردت بجوازها الأحاديث الصحيحة، ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق.