حديث الصباح..في الثابت و المتغير.. أو الصراع المتجدد بين التقليديين و المجددين
03-12-2017, 07:45 AM
خلال زيارتي للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بحي باب القنطرة التي سميت على اسم الأديب الراحل مصطفى نطور، و سبق تدشينها من طرف المسؤول الأول على ولاية قسنطينة، و زرت أجنحتها جناحا جناحا، هالني تصميمها الهندسي، الذي كان في مستوى مدينة العلامة ابن باديس و مالك بن نبي و مالك حداد و كل من يمثلون النخبة المثقفة الحقيقية الأصيلة، التي كرست حياتها في الدفاع عن هوية المدينة و أصالتها، و هذا ما يعطي للمدينة بوصلتها الثقافية، دون أن ننسى دور الثقافة الأخرى التي أنشأت حديثا في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 ، لكن المؤسف أنها ما تزال مغلقة إلى اليوم، فهذه الدور و الهياكل الثقافية تعتبر الأداة المثلى لخدمة القيم الروحية و الفكرية، و مواكبة التحديث و العصرنة و الانفتاح على الثقافات الأخرى..، لكن السؤال الذي ينتظر الإجابة عليه هو: هل حددت الوزارة الوصية أهداف هذه المؤسسات؟ و ما نوع النشاطات التي ستقام فيها، من أجل إعادة الإشعاع الثقافي المُغَيَّبُ أو المَفْقُودُ للمدينة ، أم أنها ستتحول مع الوقت إلى فضاء لعرض الألبسة التقليدية و بيع الحلويات التقليدية، أو لتنظيم الحملات الانتخابية، التي أخرجت دور الثقافة من مضمونها، و أداء مهامها الأصلية و هي المعرفة و التثقيف، بمفهومهما الحقيقي؟
في هذا الإطار يدفعنا الحديث عن دور الثقافة إلى معرفة ماهية الثقافة باعتبارها مجموعة من السلوكات تعبر عن قيم و مبادئ صاحبها ، و تعمل على ترقية الفرد و تهذيبه و غرس فيه الروح الجمالية ، و تجعل منه إنسانا ذا فكر منير و عقل راجح و نفس متفتحة على التعايش مع الآخر في إطار حضاري، كما تدفعنا للبحث عن دور المثقف في عملية البناء الثقافي و الحضاري، و كذلك دور الإعلام في هذه العملية، في ظل التحولات التي تشهدها الجزائر و محاولة تكيفها مع ما يحدث خارج قطرها، هذه المسائل لا يمكن طبعا إغفالها أو التقليل من أهميتها ، لاسيما و هي تتعلق بإشكالية "الثابت" و "المتغير" و هذا يتطلب معرفة الإطار المرجعي للسياسة التي وضعتها وزارة الثقافة في إطار التخطيط الثقافي الشامل، ففي ظل التحديات الرقمية و انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، التي استقطبت الكبار و الصغار و سيطرت على عقولهم و تفكيرهم، يقتضي الأمر الوقوف على سلبياتها أو بالأحرى مساوئها بشكل أدق، للنهوض بالفعل الثقافي لدى الكبار و الصغار، خاصة و قد تميزت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية على غرار دور الثقافة الأخرى بتخصيص جناحا خاصا للأطفال، و فتح لهم مكتبة و ورشات خاصة بهم، هي في الحقيقة تشكل منارة علمية، لترقية فكرهم و تشجيعهم على الإبداع.
يركز بعض الباحثين الأكاديميين على إشكالية الثابت و المتغير في جانبهما الديني فقط و حصرهما في قضية الإيمان و الكفر، و في أمور الشريعة..، و كعامل ثقافي ربطها البعض بمفاهيم أخرى عديدة مثل التقليد و التجديد، الإصلاح و التغيير، المعاصرة و الحداثة و ما بعد الحداثة، و فسرت هذه المفاهيم عند المحافظين ( حتى لا نقول التقليديين كما يسميهم البعض) على أساس أنها دعوة لاختراق حدود الآخر و تغيير فكره و معتقداته و عاداته و تقاليده، و حتى في مأكله و ملبسه و طريقة عيشه ، أي إخراجه من نظامه "الرجعي"، كما وصفه الفكر الغربي، في المقابل خضع البعض منهم إلى التقليد الأعمى ، و حمل فكرا لا يتماشى مع خصوصيات المجتمع الذي يعيش فيه، مجتمعا أغلق الأبواب تجاه عوامل التغيير، و جعل من التزمت و التعصب الفكري و الديني قاعدة أساسية يطبقها في حياته اليومية، فنتج عن ذلك ثقافة مُشَوَّهَة، لا هي ثابتة و لا هي متغيرة تواكب التغيير، و حدث لنا ما حدث للغراب الذي حاول أن يقلد مشية الحمامة، فلا هو تعلم مشيتها و لا حافظ على مشيته الأصلية ، ففقد الاثنان معا، و من هنا ظل الصراع بين المحافظين و المجددين قائما إلى حد الساعة و على كل المستويات الدينية، الفكرية و الثقافية و السياسية أيضا، و غرقت الساحة الدينية و الفكرية في حرب دموية لا نهاية لها.
علجية عيش
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg SAM_0004.jpg‏ (17.6 كيلوبايت, المشاهدات 1)
عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..
التعديل الأخير تم بواسطة علجية عيش ; 03-12-2017 الساعة 08:48 AM