"تفنيد شبه الطائفتين حول حديث حفظت وعاءين
31-05-2013, 04:37 PM
"تفنيد شبه الطائفتين حول حديث حفظت وعاءين"
نرحب بالأخت:" دائمة الذكر" – أدامها لجميل الله ذكره وحسن
طاعته – وفق سنة رسوله عليه الصلاة والسلام -، وبعد:
سرني تصفحك لمقالي:" الفوارق الجلية بين التقية الشرعية والتقية الشيعية"، ومشاركتك الطيبة – خاصة – قولك:" أول مرة أرى حوارا هادئا يسوده حسن الأدب و الأخلاق و بعيدا عن اللعن و السب و الشتم. ".
أما فيما يخص مشاركتك التي قلت فيها:{ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هَذَا الْبُلْعُوم رواه البخاري (رقم/120)هل هذه تقية شرعية ام شيعية لابي هريرة رضي الله عنه و أرضاه!!!!!!!!!!!!!}، وأيضا قولك بعدها:{ أنا رفعت حديثا صحيحا من البخاري( باب حفظ العلم ) (الرواية 120)
أنا لم أناقش الحديث أصلا فماذا نسبت للصحابي الجليل و الصندوق الأسود للمصطفى الكريم !!!!!!!}، وإقرارك:{ أنا لا اعرف معنى الحديث و ارجوا منك آن تشرحه لي فانا جاهلة ابحث عن ديني فهل هذه خطيئة !!!!}
فنقول لك:" طرقت بابنا،فاسمعي جوابنا ".
بالفعل: الحديث الذي أوردتيه يتضمن معناه بعض الإشكال!؟، وقد كان تعجبك بريئا لو أضفت له علامة تعجب واحدة، لكننك وضعت أمامه:(ثلاثة عشرة علامة!!؟)، وهذا يدل على أن تعجبك:"مبالغ فيه!!!!!؟؟؟؟"، وقد يكون لتلك المبالغة دلالة!!؟، كما يقرره علماء البلاغة وغيرهم.
وقبل أن أخوض في حل إشكال قول:"أبي هريرة" رضي الله عنه:
أنبه إلى أمر هام جدا، وهو أن ردي على:"الشيعة والصوفية":
الطائفتين اللتين استدلتا بهذا الحديث:لا يعني بالضرورة أن كل من استشكل هذا الحديث، فهو بالضرورة:" صوفي أو شيعي!!؟" فلننتبه لهذا،ولننتقل الآن إلى المقال:
يستدل بهذا الحديث طائفتان هما:
الأولى:"الشيعة": لتبرير تقيتهم غير المشروعة التي اتخذوها دينا،وأيضا للطعن في الصحابة رضي الله عنهم بحجة أنهم كتموا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم!!!؟؟؟.
الثانية:"الصوفية":لتبرير ثبوت" العلم اللدني"،وجعله حجة لإسقاط بعض الأحكام الشرعية،وإثبات خرافاتهم وأساطيرهم التي يسمونها:"كرامات!!؟"،وإن كنا – نحن أهل السنة -: لا ننكر "كرامات الأولياء"،وإنما ننكر منها ما خالف الشريعة،وللتفصيل في المسألة موضع آخر.
ويقال لكلا الطائفتين اللتين استدلتا بهذا الحديث الصحيح لتمرير شبهاتهما:" ما أحسن الدليل،وأقبح الاستدلال!!؟".
وللرد على شبه الشيعة والصوفية،كان هذا البيان،فنقول وبالله نصول ونجول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم، يعني مجرى الطعام " رواه البخاري(حديث: 117).
لقد أراد:"أبو هريرة" رضي الله عنه:" اجتناب قطع أهل الجور رأسه، إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، فالوعاء الذي لم يبثه هي:" الأحاديث التي تبين أسماء أمراء السوء، وأحوالهم وزمنهم".انظر: "فتح الباري":( 1/216). وقد كان:" أبو هريرة" رضي الله عنه:" يمشي في السوق ويقول:" اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان"."فتح الباري":(13/10). لقد أخفى عنهم:" إمارة الصبيان ورأس الستين"ـ وهو زمن خلافة:" يزيد" فاستجاب الله له، ومات قبل خلافة:"يزيد" بسنة
قال الحافظ:" حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على:" الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله:" أعوذ بالله من رأس الستين": يشير إلى خلافة:" يزيد بن معاوية": لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة، قال:" ابن المنير":" جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا، وذلك الباطن إنما حاصله:" الانحلال من الدين!"، قال:" وإنما أراد أبو هريرة بقوله :"قطع": أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة، لو كانت من الأحكام الشرعية: ما وسعه كتمانها، لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم"، وقال غيره:" يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور: ما يتعلق بأشراط الساعة، وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان، فينكِر ذلك من لم يألفه، ويعترض عليه من لا شعور له لا به".انظر: "فتح الباري":(1/216).
وقال الذهبي:" هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح والذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه، فإنه من البينات والهدى". وفي:" صحيح البخاري": قول الإمام علي رضي الله عنه:" حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله!!؟". وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء: لأوذي بالقتل، ولكن العالم: قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث : إحياء للسنة، فله ما نوى، وله أجر وإن غلط في اجتهاده". انظر:"سير أعلام النبلاء":(2/596).
ونقلب على الشيعة سوء فهمهم،وسيء قصدهم في طعنهم في عدالة الصحابة بهذا الحديث!!؟، بادعائه أن:"أبا هريرة" رضي الله عنه: كتم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فنقول إن:" الشيعة أنفسهم ادعوا بأن عليا رضي الله عنه:" أخفى عن الصحابة القرآن، وأقسم أنهم لن يروا كتاب الله بعد يومهم هذا!!؟"، فيقال لهم افتراضا وتنزلا:" أي إخفاء أعظم: إخفاء تفاصيل أمراء السوء، أم إخفاء القرآن!!؟"، هذا نقوله جدلا فقط، ولإبطال مذهبهم، ذلك أننا نعلم بأن الصحابة كلهم عدول يستحيل في حقهم:ثبوت تلك التهم المغرضة فيهم".
تزعم الشيعة بأن المصحف الكامل كتبه علِيٌّ - رضي الله عنه - بعد انتقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرفيق الأعلى.
قال محدثهم وفقيههم الكبير ـ نعمة الله الموسوي الجزائري ـ ما نصه: «إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل، لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين - عليه السلام -، بوصية من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلًا بجمعه، فلما جمعه كما أنزل، أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وآله ـ فقال:" هذا كتاب الله كما أنزل"، فقال له "عمر بن الخطاب": "لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك"،فقال لهم
عليٌّ - عليه السلام -:" لن ترَوْه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولَدِي المهدي - عليه السلام –".قال الموسوي:" ... وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف".انظر كتاب [شرح الصحيفة السجادية: ص 43.].
وقال أيضا:"... أرسل "عمر بن الخطاب" زمن تخلفه إلى "علي عليه السلام": بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي كان ألفه، وكان عليه السلام يعلم أنه طلبه لأجل أن يحرقه كقرآن ابن مسعود، أو يخفيه عنده حتى يقول الناس:" إن القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير"، فلم يبعث به إليه، وهو الآن موجود عند مولانا:" المهدي عليه السلام" مع الكتب السماوية، ومواريث الأنبياء، ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام على سرير الخلافة: لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن، وإخفاؤه هذا راجع لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه...".[ الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ج2 ص357 وما بعد].
قال ابن تيمية رحمه الله في:"مجموع الفتاوى":(3/182):"
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ: " حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِرَابَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْته فِيكُمْ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْته لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْبُلْعُومَ ". وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي يُخَالِفُ الظَّاهِرَ شَيْءٌ ؛ بَلْ وَلَا فِيهِ مِنْ حَقَائِقِ الدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْجِرَابِ: الْخَبَرُ عَمَّا سَيَكُونُ مِنْ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ فَالْمَلَاحِمُ: الْحُرُوبُ الَّتِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْفِتَنِ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ"، وَلِهَذَا قَالَ:" عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ" :" لَوْ أَخْبَرَكُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ خَلِيفَتَكُمْ، وَتَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا"، لَقُلْتُمْ:" كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ"، وَإِظْهَارُ مِثْلِ هَذَا مِمَّا تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ وَأَعْوَانُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِتَغَيُّرِ دُوَلِهِمْ ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الدِّينِ مِنْهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُهُ وَغَيْرَهُ بِالْحَدِيثِ فَيَسْمَعُونَهُ كُلُّهُمْ وَلَكِنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ:" أَحْفَظَهُمْ لِلْحَدِيثِ بِبَرَكَةِ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، لِأَنَّ :" النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": حَدَّثَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ حَدِيثًا فَقَالَ :" أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ :"أَبُو هُرَيْرَةَ "، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ :" يُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : ثُلُثًا يُصَلِّي، وَثُلُثًا يَنَامُ، وَثُلُثًا يَدْرُسُ الْحَدِيثَ "، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا يُوَافِقُ الْبَاطِنِيَّةَ وَلَا حَدِيثًا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمَعْلُومَ مِنْ الدِّينِ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا: لَمْ يَكُنْ بُدٌّ أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْهُ، بَلْ النُّقُولُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ كُلُّهَا:" تُصَدِّقُ مَا ظَهَرَ مِنْ الدِّينِ، وَقَدْ رَوَى مِنْ أَحَادِيثِ صِفَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَحْقِيقِ الْعِبَادَاتِ مَا:" يُوَافِقُ أُصُولَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَيُخَالِفُ قَوْلَ أَهْلِ الْبُهْتَانِ" .
و هذا الأثر عن علي كرم رضي الله عنه أسنده البخـاري (رقم127) في باب: "من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية ألاَّ يفهموا". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله -: "و ممن كره التحديث ببعض دون بعض "أحمد": في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، و:" مالك" في أحاديث الصفات، و:" أبو يوسف" في الغرائب. و من قبلهم:" أبو هريرة": كما تقدم عنه في الجرابين، و أن المراد ما يقع من الفتن، و نحوه عن :"حذيفة" و عن :"الحسن": أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه:" اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي". و ضابط ذلك:" أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، و ظاهره في الأصل غير مراد"، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره: مطلوب" .انظر" فتح الباري " ( 1/297) .
و هذا كلام يكتب بماء الذهب، فللَّه در أئمتنا الأعلام:" ما كان أفقههم لمقاصد الشريعة، و لَحَى الله الجهلة الطِّغام: الذين يريدون أن يفسدوا علينا ديننا بالجهل و الشبه التافهة".
ويقال للطاعن في أبي هريرة رضي الله عه:" إن أبا هريرة لم ينفرد بشيء عن غيره من الصحابة، و إنما جمع محفوظات تفرقت عند غيره، و أنه ما من شيء حفظه هو إلا و شاركه فيه غيره، و أن مخالفته لهم هي في:" كثرة محفوظه دونهم، ليس إلاَّ، فافهم و لا تكن من الغافلين!!".
و يوضح هذا و يبينه ما رواه:" عامر بن سعد بن أبي وقاص" رضي الله عنهما:" أنه كان قاعدًا عند "عبد الله بن عمر" رضي الله عنهما ، إذ طلع خباب صاحب المقصورة، فقال:" يا عبد الله بن عمر": ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسـول الله  يقول: "من خرج مع جنازة من بيتها، و صلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن، كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحـد، و من صلـى عليها، ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد"، فأرسل ابن عمر خبابًا إلى عائشة فسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، و أخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة:" صدق أبو هريرة"، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة" . رواه البخاري ( 1325) و مسلم ( 945).

و في رواية قال ابن عمر: "أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله  و أحفظنا لحديثه". " طبقات ابن سعد " ( 2/118 قسم 2) و انظر " البداية " ( 8/503).
فهذه عائشة رضي الله عنها تصدق أبا هريرة، و هذا ابن عمر على جلالته و إكثاره من الرواية:" يعزب عنه حديث هام كهذا"، بل قد قال الإمام:" الصنعاني" رحمه الله تعالى: "هذا الحديث رواه اثنا عشر صحابيًّا" ("سبل السلام"( 3/296).) ، وفيهم ثوبان و أبي بن كعب و أبو سعيد الخدري و عبد الله بن مغفل و أنس بن مالك و ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين ، فهؤلاء علماء المهاجرين و الأنصار.[ "أبو هريرة في ضوء مروياته" ( ص.181).]
و قد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة فيحدث ثم يقول: " يا صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئًا؟ " فلما قضت صلاتها لم تنكر ما رواه، لكن قالت:" لم يكن رسـول الله  يسرد الحديث سردكم". رواه مسـلم: ( 2493) في فضـائل أبي هـريـرة بلفظ قريـب، و رواه ابن عسـاكر في "التــاريخ": ( 29/195).

و معلوم أن عائشة من المكثرات في الرواية، فقد ذكر لها المحدثون:" ألفين و مائتين و عشرة أحاديث"، اتفق الشيخان منها على:" مائة و أربعة و سبعين"، و انفرد البخاري بأربعة و خمسين، و مسلم بثمانية و ستين .انظر: "تدريب الراوي" ( 2/217)، و "الرياض المستطابة" (ص 310).
و هذا طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول عنه " لا نشك أنه سمع ما لم نسمع ". "تاريخ الإسلام" ( 3/336).
فتأمل هذا جيدًا ثم أخبرني بربك أليست هذه الآثار و النصوص، و غيرها كثير، تدل على أن أبا هريرة كان باتفاق كبار الصحابة و علمائهم أوسعهم رواية، و أنهم كانوا يقرون له بذلك، و أنه لم ينفرد عن جملتهم بعلم لا يعلمونه، و أنَّ كلاًّ بلَّغ ما عنده من علم على قدر طاقته و جهده و أدائه فرض الكفاية عليه، إذ تبليغ العلم باتفاق العلماء فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.وبالله التوفيق.
وقال الشيخ:" تقي الدين الهلالي" رحمه الله في كتابه:" الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية":(ص:74):" وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قيل له :" هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم معشر أهل البيت بشيء"، فقال : " والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا فهما يُعطاه رجل في كتاب الله، وإلَّا ما في هذه الصحيفة"، فقرأت فإذا فيها:" العقل وفكاك الأسير وألا يُقتل مسلم بكافر ". فإن قيل:" قد صح عن حذيفة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهما بأمور كان يكتمانها". فالجواب:" أن الذي أخبر به حذيفة أسماء المنافقين، ولم يكن يكتمها عن جميع الناس، إنما كان يكتمها عن عامة الناس، بدليل قوله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله فقال:" أنشدك الله: هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمي في أسماء المنافقين"، فقال:" لا ولا أزكي بعدك أحد". وإنما كتم حذيفة أسماء المنافقين، لأن المفسدة التي في ذكرها: تفوق المصلحة التي في كتمانها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأما أبو هريرة، فقد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن التي تقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقول كما في صحيح البخاري :" حملت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدها: فبثثته لكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم "، ومع ذلك باح به للخاصة فقال:" أعوذ بالله من حدود الستين وإمارة الصبيان"، وقد روى الأئمة الشيء الكثير من أخبار الفتن التي وقعت في زمن :"بني أمية" عموما وخصوصا، فثبت بذلك أن أبا هريرة لم يكن يكتمها عن الخاصة.
بهذا:" البيان الصريح،والتبيين الفصيح": من علماء أهل السنة والجماعة الأفاضل – رحمهم الله جميعا -: يزول كل إشكال حول حديث:" أبي هريرة"،وهو ما:" يبطل سعي كل مغرض يحاول الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،ورضي عنهم أجمعين"،والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات.