التربية على طريقة الحسنة بين السيئتين
14-07-2016, 11:39 AM
التربية على طريقة الحسنة بين السيئتين


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


حكايتان..والبون شاسعُ!!؟.
يقول راوي الحكاية الأولى :
كنت جالساً مع أفراد أسرتي في غرفة خاصة في مطعم مرموق في عاصمة عربية، وإذا بنا نسمع من الغرفة المجاورة صوت صحن أو كأس وقع على الأرض، والظاهر أنه انكسر، وإذا بنا نسمع أصوات ضربات متوالية وصوت طفل صغير يبكي ويشهق، فتأثرنا لهذا غاية التأثر إلى درجة أن بعض بناتي صرن يبكين تعاطفاً مع الطفل والأم المسكينة تحاول إسكات الصغير حتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ، وطلبت الأسرة الحساب بسرعة، وخرجت من المطعم، فإذا بنا بطفلة، عمرها أقل من ثلاث سنوات، أما الأب الذي بطش بها، فقد كان فارع القامة ضخم الجثة!!؟.
وقد قال صاحب الحكاية الثانية:
كنت أنا وزوجتي في منتزه في ماليزيا، وكان إلى جوارنا أسرة لا أعرف من أي بلد قدمت، وقد قام أحد أطفالها بتحريك الطاولة التي أمامهم، فأدى ذلك إلى كسر عدد من الصحون والكؤوس فارتاع الطفل، وإذا بوالدة الطفل تحتضنه وتقبله، وتقول لمن حولها : لا عليكم هو بخير ..!!

عزيزي المربي..
لا نبالغ إذا قلنا أنّ تربية الأبناء اليوم أصبحت أشبه بإدارة العمليات الصعبة في فترات الحروب، تحتاج إلى الرجل المِكيث الصبور، وإنّ كثيراً من الآباء والأمهات يقدمون على الإنجاب دون أهلية أو استعداد، فهم لا يملكون الثقافة التربوية التي تمكنهم من تربية أبنائهم على الوجه المطلوب، ولا يملكون من الخصائص النفسية ما يساعدهم على تحمل أعباء التربية، وهي أعباء كبيرة جداً .
وقد يظنون أن واجبهم تجاه أبنائهم شبيه بواجب مُربي الماشية: حظيرة وعلف وماء، ولا شيء بعد ذلك !، هؤلاء يقدمون للأمة جيلاً معوقاً ومشوهاً ذهنياً ونفسياً، حيث أفادنا:"حديث القصعة": أنّ مشكلة الأمة في آخر الزمان ليست مشكلة أعداد، وإنما مشكلة نوعية: " أنتم يومئذ كثيرون، ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
فاسمحوا لنا أن نستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التربية والتعامل مع الطفل حتى نتجنبها، ونصحح مسارنا التربوي مع الأبناء.

-التربية بالشدة والصرامة:
من أنواع التربية الخاطئة، والتي تهدم ولا تبني، تلك التربية التي تبني علي العنف والشدة والتسلط حيث يعتبر علماء التربية والطب النفسي هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة، فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك، أما العنف والصرامة، فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها؛ ففي لحظة الانفعال: يفقد المربي صوابه، وينسى الحِلْم وسعة الصدر، وينهال على الطفل معنفا وشاتما له بأقبح وأقسى الألفاظ ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن ذلك بالضرب ...
وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس، كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت )، ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا!!؟.
وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة!!؟، ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي، فيكره الطفل الدراسة، أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات، أو يصاب بنوع من البلادة، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها، ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض ( العصاب ) الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل ..
وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيئ ) والعدوانية تجاه الآخرين، أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه.

- التربية بالتدليل والتسامح الزائد:
على المربي أن يكون حكيماً في تربيته، ولا تدفعه العاطفة الفطرية لتدليل ولده أو التساهل في تربيته؛ لأن التربية بالتدليل والتسامح: لا تقل خطرا عن التربية بالشدة والتسلط، فالتدليل الزائد يقلل فرصة حصول الطفل علي الخبرات اللازمة لمواجهة الحياة، وتحمل المسئوليات، واتخاذ القرارات الصائبة.
ويظهر هذا التدليل الزائد في الخوف الشديد علي الطفل، فلا يسمح للطفل أن يلعب مع أقرانه، أو اللعب بأي شيء من أدوات البيت، وهذه حماية زائدة تؤثر سلبيا علي شخصيه الطفل، ومنها: عدم إعطاء الفرصة للطفل ليتخذ القرار.
والصحيح: إعطاؤه الفرصة ليقوم ببعض الأعمال، مثل: خلع الحذاء أو تركه يربط حذائه بنفسه، وإن لم يجد ذلك، أو تركه يلبس وحده ملابسه، هذا كله له اثر في تنميه الثقة في نفس الطفل، ويزيد خبراته، فتنمو تلك الشخصية، أما التدليل إذا زاد، فله خطره على شخصية الطفل.

- عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
قد يكون هناك تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات بين الأطفال حتى وإن كانوا أشقاء، وفي هذه الحالة: يلزم على الآباء: مراعاة هذه الفروق بينهم، ومعاملة كل طفل بما يتناسب مع شخصيته وميوله وقدراته، يقول:" أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي" في كتابه:( جامع بيان العلم وفضله).
" تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه، فيكون أثر التربية: أتم وأعظم ثمرة ".

- السماح للدخلاء بالاشتراك في التربية:
البعض من الآباء والأمهات لا يحكمون السيطرة على عملية التربية؛ فيتركون الثغرات التي تسمح بدخول عناصر وأشخاص آخرين يشاركونهم في تربية أبنائهم، مما يعرض الأبناء للكثير من التأثيرات الضارة، والتي قد لا تنمحي بسهولة من ذاكرة الطفل، بل وتؤثر على جوانب شخصيته المختلفة، ومثال ذلك: ترك الأبناء أمام الشاشات لتربيهم بدون رقابة أو توجيه؛ فيتربى الطفل علي المناهج الإعلامية السلبية، التي تفرز لنا طفل له توجه كبير نحو العدوان والعنف، أو السماح والترحيب بتدخل الأقارب والجيران في توجيه الطفل.
تقول الخبيرة التربوية:(شيلي هيرولد):"ينتاب الأطفال الارتباك والحيرة حين يقوم على رعايتهم سلسلة من الأشخاص متضاربين في أسلوب تفكيرهم، فلا يستوعب الأطفال بشكل واضح: ماذا يفعلون؟، ولا كيف يستجيبون للأمور؟، ولا كيف يرضون شخصاً ناضجاً؟، وإن الاستقرار الناجم عن قيام شخص واحد بتقديم الرعاية للطفل: يدعم الثقة والأمان، والتناغم والحب".
لذلك يجب أن يبقى زمام التربية بيد الوالدين فقط، لأنهما المسئولان عن ولدهما أمام الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله سائل كل راعٍ عمّا استرعاه، حفظ أم ضيّع ؟".

- التذبذب في أسلوب التعامل مع الطفل:
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية، ويشرحوها للطفل، ثم يكون هناك ثبات في إلزام الأبناء بتلك القواعد، فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله، ثم نعود في اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون، بل ونعاقب الطفل المخالف له!!؟.
فهذا التذبذب: قد يسبب الإرباك للطفل، ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه، وما هو مرفوض؟، وفي بعض الحالات: تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات، بينما يكون الأب عكس ذلك؟، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد: يدفعه لارتكاب الخطأ!!؟.

- عدم العدل بين الأبناء :
يتعامل الكبار أحيانا مع الأبناء بدون عدل، فيفضلون طفلاً على طفل: لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر؟، مما يزرع في نفس الطفل: الإحساس بالغيرة تجاه إخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل: بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

وأخيراً عزيزي المربي..
إنّ تربية الأبناء الحقيقية هي: تربية ذلك الكائن المكرم، ليكون عبدا لله، فيفوز مع الفائزين، ويكون سببا لدخول والديه الجنة أيضاً، ثم إعداد الابن: ليصنع المستقبل الواعد بيده لنفسه ولأمته إن شاء الله تعالى .
وفق الله كل والدين لحسن تربية أولادهما.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

منقول بتصرف يسير.