هام: صفات التاجر المسلم
10-04-2016, 01:59 PM
هام: صفات التاجر المسلم



الحمد لله الذي خلق كل شيءٍ فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينامحمدٍ الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:

فإن معاملات الناس اليومية تقوم على البيع والشراء، ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية بأمور المعاملات بين الناس؛ فوضَعت ضوابط ربانية المنهج ليسير عليها الناس في معاملاتهم، فيسعدوا في حياتهم الدنيا، ويفوزا في الآخرة برضوان الله تعالى، وجنة عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛من أجل ذلك قمت بجمع الصفات التي ينبغي أن يتصف بها التاجر المسلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

1) صحة الاعتقاد:
يجب على كل تاجر مسلم: أن يؤمن بأن شهادة لا إله إلا الله تعني:" أنه لا معبود بحق إلا الله، وأن شهادة أن محمدًا رسول الله تعني: أنه لا متبوعَ بحق إلا النبي صلى الله عليه وسلم"، وأن يعلَم أن الغاية من خلق الناس هي: عبادة الله وحده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾.
فعليه: أن يخلِص أعماله في تجارته لله تعالى وحده، وأن يتجنَّب الشرك والرياء؛ لأن ذلك محبِط للأعمال الصالحة.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكَه". (مسلم: حديث2985).

2) حسن التوكل على الله:
على التاجر المسلم: أن يتوكل على الله، ويأخذ بأسباب الرزق الحلال له ولِمن يعولهم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾.
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أنكم كنتم تَوَكَّلون على الله حق توكله، لرُزِقْتم كما يرزق الطير، تَغْدو خِماصًا، وتَرُوح بِطانًا"؛ (صحيح الترمذي للألباني: حديث 1911).

(3) الإكثار من الدعاء:
" الدعاء سَلْوى المحزونين، ونجوى المتقين، ودأب الصالحين"، فإذا صدر عن:( قلب سليم، ونفس صافية، وجوارح خاشعة): وجد إجابةً كريمة مِن ربٍّ رحيم.
فاحرص أخي التاجر المسلم على الدعاء في جميع الأوقات، وخاصة الأوقات الفاضلة، فقد حثنا الله تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم، وكذلك نبيُّه صلى الله عليه وسلم في سنَّته المطهَّرة - على الإكثار مِن الدعاء.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾.
وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾.
عن سَلْمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن ربكم تبارك وتعالى حَيِيٌّ كريمٌ؛ يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفرًا (صحيح أبي داود للألباني: حديث 1323).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلَموا أن الله لا يستجيب دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ (صحيح الترمذي للألباني: حديث 2766).

(4) المحافظة على إقامة الصلوات المفروضة جماعة في المساجد:
إن إقامة الصلوات المفروضة جماعة في المساجد: واجبٌ على كل مسلم ذكَر، بالغ، عاقل، قادر على الذهاب إلى المساجد، ولو بمساعدة الآخرين له، ولا يجوز التخلُّف عنها إلا لعذر شرعي.
إن الله تعالى قد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم: أن يصلي بأصحابه جماعة وهم في المعركة، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾.
هذه الآية دليل على أن وجوب صلاة الجماعة في حال الأمن مِن باب أَوْلى.
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، لقد هممتُ أن آمرَ بحطبٍ فيحطب، ثم آمرَ بالصلاة فيؤذَّنَ لها، ثم آمرَ رجلًا فيؤُمَّ الناس، ثم أخالِفَ إلى رجالٍ فأحرِّقَ عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مِرْمَاتَيْنِ حسَنتينِ لشَهِد العِشاء"؛ (البخاري: حديث 644مسلم: حديث 651).
قال ابن حجر العسقلاني:" وأما حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين؛ لأنها لو كانت سنَّة لم يهدِّد تاركها بالتحريق"؛ (فتح الباري لابن حجرالعسقلاني: جـ 2 صـ 148).
عن أبي هريرة قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرخِّصَ له فيصليَ في بيته، فرخَّص له، فلما ولى دعاه فقال: " هل تسمع النداء بالصلاة؟!"، قال: نعم، قال:" فأجِبْ"؛ (مسلم:حديث 653).
قال ابن قدامة:" وإذا لم يرخَّصْ للأعمى الذي لم يجد قائدًا له، فغيرُه أَوْلى"؛ (المغني لابن قدامة: جـ 3 صـ 406).
وعن عبدالله بن مسعود قال:" مَن سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهدى، وإنهن مِن سُنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتم سنَّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمِد إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحط عنه بها سيئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادَى بين الرَّجلين حتى يقامَ في الصف"؛ (مسلم: حديث 654).
عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مَن سمع النداءَ فلم يأتِه، فلا صلاة له، إلا مِن عُذرٍ"؛ (صحيح ابن ماجه للألباني: حديث 645).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: " لا أرخِّص لِمَن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا مِن عذر"؛ (الأم للشافعي:جـ 1 صـ 154).
فما أجمل: أن نرى بعض المحلات قد أغلقها أصحابها، وذهبوا لأداء الصلاة المفروضة، وقد تركوا على محلاتهم لوحة مكتوبًا عليها: (مغلقٌللصلاة).
إن قولَ المؤذن عند النداء للصلاة المفروضة: (الله أكبر، الله أكبر) يعني: أن الله تعالى: أكبرُ مِن المال والأهل والولد، وأنه سبحانه أكبر من كل شيء.

(5) الإيمان بأن الله تعالى ضَمِنَ الأرزاق لجميع المخلوقات:
قال الله تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾.
عن أبي أمامة: أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:" إن رُوح القُدس نفَث في رُوعي: أن نَفْسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فاتقوا اللهَ وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق: أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعتِه"؛(صحيح الجامع للألباني/ حديث: 2085).
عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرِّزقَ ليطلُبُ العبدَ: أكثرَ مما يطلُبُه أجَلُه"؛ (صحيح الجامع للألباني/ حديث: 1630).

6) التفقُّهُ في الدِّين ومعرفة أحكام التِّجارة:
يجب على التاجر المسلم: أن يتفقه في دين الله تعالى بالقدر الذي يساعده على تصحيح عقيدته وعبادته لله تعالى، ولقد كان كثير من العلماء من التجار ، ويجب على التاجر أيضًا: أن يعرف الأحكام الشرعية الخاصة بالتجارة التي يمارسها، وذلك بسؤال أهل العلم؛ حتى يتجنَّب الشُّبهاتِ والوقوعَ في الحرام، واعلَمْ - أخي الكريم - أن طلب العلوم الشرعية يرفعُ منزلتَك عند الله تعالى وعند الناس.
قال الله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾.
عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَن يُرِدِ الله به خيرًا، يُفقِّهْهُ في الدِّين"؛ (البخاري، حديث:71 / مسلم: حديث 1037).

7) حسن اختيار التاجر لمعاونيه:
يجب على التاجر المسلم: أن يُحسِنَ اختيار من يساعده، بحيث يكون من أهل العقيدة الصحيحة، ومن أهل الصلاة والصدق والأمانة؛ لأن الإنسان عادةً يتأثر بمن يلازمه.
روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تصاحِبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكُلْ طعامَك إلا تقيٌّ"؛ (صحيح الترمذي للألباني، حديث:1952).
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الرجل على دِين خليله؛ فلينظُرْ أحدُكم مَن يخالِلُ"؛ (صحيح أبي داود للألباني، حديث:4046).

(8) استخارة الله تعالى، ومشاورة أهل الخبرة الصالحين:
ينبغي على التاجر المسلم: أن يعتاد على استخارة الله تعالى في جميع أمور حياته، وأن يستشير أهل الخبرة من الصالحين في الأمر الذي يريد أن يقدم عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه الاستخارة.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:" إذا هَمَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجِله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدُرْ لي الخير حيث كان، ثم أرضني، قال: ويسمِّي حاجته"؛ (البخاري، حديث: 6382).

(9) الاستيقاظ مبكرًا لطلب الرزق:
ما أجملَ: أن يستيقظ المسلم مبكرًا لطلب الرزق الحلال، متبعًا في ذلك سنَّة نبينا محمدٍصلى الله عليه وسلم.
عن صخرٍ الغامدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم بارِكْ لأمتي في بكورها"، قال: وكان إذا بعث سريةً أو جيشًا: بعثهم أول النهار،وكان صخرٌ رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارةً: بعثهم أول النهار، فأَثْرَى وكثُرَ مالُه؛ (صحيح الترمذي للألباني، حديث: 968).

(10) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر بالحكمة والموعظة الحسنة:
على التاجر المسلم: أن يكون في تجارته من الدعاة المخلِصين إلى الله تعالى، فيحث الناس على الخير، ويمنعهم ويحذرهم من الشر، قدر استطاعته، بالحكمة والموعظة الحسنة.
قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾.
عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَن رأى منكم منكرًا، فليُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان"؛ (مسلم، حديث:49).

(11) الابتعاد عن الشبهات:
يجب على التاجر المسلم: أن يسأل أهل العلم عما يجهله من أمور الحلال والحرام، وأن يتجنَّبَ الوقوع في شبهات البيع والشراء.
عن النعمانِ بن بشيرٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وأهوى النعمانُ بإصبعيه إلى أذنيه -:" إن الحلال بينٌ، وإن الحرام بينٌ، وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمَن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملِكٍ حمًى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلبُ"؛ (البخاري، حديث: 52 / مسلم، حديث:1599).

12) الإكثار من ذِكر الله تعالى في جميع الأحوال:
ينبغي على التاجر المسلم: أن يكون لسانه رطبًا بذكر الله تعالى في كل وقت، فيحرص على أذكار ختام الصلاة، والصباح والمساء، وأذكار السفر وغيرها من الأذكار الثابتة من سنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليعلَمْ كل تاجر مسلم: أن هذه الأذكار المشروعة هي: سبيل مرضاة الله تعالى، واطمئنان قلب العبد المسلم.
قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ .
وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ بشِبرٍ تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً"؛ (البخاري، حديث:7405 / مسلم، حديث:2067).
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلمتانِ خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمدِه، سبحان الله العظيم"؛ (البخاري، حديث: 6406 / مسلم، حديث:2072).
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرةٍ، حُطَّت خطاياه وإن كانت مِثلَ زَبَدِ البحر"؛ (البخاري، حديث: 6405 / مسلم، حديث:2691).
عن مصعب بن سعدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيعجِزُ أحدُكم أن يكسِبَ كل يومٍ ألف حسنةٍ؟!"، فسأله سائلٌ مِن جلسائه: كيف يكسِبُ أحدنا ألفَ حسنةٍ؟!، قال:" يسبِّحُ مائة تسبيحةٍ؛ فيُكتَب له ألف حسنةٍ، أو يُحَطُّ عنه ألف خطيئةٍ"؛ (مسلم، حديث: 2698).

(13) الالتزام بالصدق والأمانة في جميع المعاملات:
إن الصدق مع الله ومع الناس، وأداء الأمانة لأهلها هما: شعار التاجر المسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ ، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾.
روى البخاري عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" البَيِّعان بالخيارِ ما لم يتفرقا، فإن صدَقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كذَبا وكتَما، مُحِقَتْ بركةُ بيعهما"؛ (البخاري، حديث: 2079).

(14) اجتناب الحلف بالله تعالى عند البيع والشراء:
ينبغي على التاجر المسلم: أن يتجنَّب الحلف، ولو كان صادقًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: قد نهانا عن الحلف في البيع والشراء.
روى مسلمٌ عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الحلف مَنْفَقةٌ للسلعة، مَمْحَقةٌ للربح"؛ (مسلم، حديث: 1606).
وليحذَرْ كل تاجر مسلم: أن يشتريَ بأيمان الله: مالًا حرامًا.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

(15) الإنفاق في سبيل الله تعالى:
اعلم - أخي التاجر الكريم - أن الإنفاق في سبيل الله تعالى هو: التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة؛ فاحرص على الإنفاق من مالك في قدر استطاعتك، في وجوه الخير، وهي: كثيرة، مثل:( بناء المساجد وعمارتها، ونشر كتب العلم النافع، ومساعدة الفقراء، وكفالة الأيتام المحتاجين، وتفطير الصائمين في رمضان، وغير ذلك من أبواب الخير).
اعلم - أخي الكريم - أن الصدقاتِ تَزيد الحسناتِ والمالَ.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾.
وقال جل شأنه: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾.
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفعه الله"؛ (مسلم، حديث:2588).
احذَرْ - أخي التاجر الكريم – من:" وسوسة الشيطان"؛ فإنه سوف يوسوس لك قائلًا:" لا تنفق من مالك، وأمسكه عليك؛ فإنك محتاج إليه لتربية أولادك!!؟".
وصدق الله تعالى حيث قال: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

(16) السماحة والرِّفق في البيع والشراء:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" رحِم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضَى"؛ (البخاري، حديث: 2076).
عن عائشة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزَعُ مِن شيءٍ إلا شانَه"؛ (مسلم، حديث: 2594).

(17) الصبر على المعسِرين والتجاوز عنهم:
مِن الأخلاق الحميدة للتاجر المسلم: أن يصبِرَ على المعسِرين؛ قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾.
وليتذكَّر كل تاجر مسلم: أن الصبر على المعسِرين: له فضلٌ عظيم عند الله يوم القيامة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كان تاجرٌ يُداين الناسَ، فإذا رأى معسِرًا قال لفتيانه: تجاوَزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوَز الله عنه"؛ (البخاري، حديث: 2078 / مسلم، حديث:1562).

(18) كتابة الوصية الشرعية:
إن الإنسانَ: لا يدري متى، وأين، وكيف ينتهي أجلُه!!؟، ولذا ينبغي على التاجر المسلم: أن يكتب وصيَّتَه، فيكتب ما له وما عليه، حتى إذا ما جاءه الموت بغتة: لا تضيع حقوق الناس عنده، ولا حقوق ورثته عند الناس؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده"؛ (البخاري، حديث: 2738 / مسلم، حديث:1627).

وختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى: أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا: أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

منقول بتصرف يسير.
جزى الله خيرا راقمه.