صلاة تحية المسجد.للعلامة عبد الوهاب مهية
28-07-2013, 09:31 PM
صلاة تحية المسجد في أوقات النهي
لعلامة الجزائر :عبد الوهاب مهية
من الظواهر المحدثة ، و ما أكثرها ،صلاة تحية المسجد في أوقات النهي ،و المواظبة على ذلك ، بل و تحرّيه و الإنكار على من لم يفعله...و ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فجعله فيصلا بين أهل السنة و المبتدعة، و بالغ أقوام فصلوا الركعتين و الشمس بين قرني الشيطان
فما هو وجه الصواب في المسألة ؟ و كيف كان مذهب السلف في هذاالباب؟ و ماذا قال العلماء ؟
اعلم أنّ جمهور علماء الأمة سلفا و خلفا ، يكرهون النوافل في أوقات النهي ، التي هي ما بين صلاة الصبح إلى بُعيد شروق الشمس ،و ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، و وقت الزوال ، و دليلهم الأحاديث الناهية و هي كثيرة
منها قوله صلى الله عليه و سلم :" لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ،و لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس " متفق عليه
و عن عمرو بن عبسة قال : قلت : يا نبي الله أخبرني عن الصلاة ؟ قال : " صل صلاة الصبح ثم أقصر (أي كُف) عن الصلاة حتى تطلع الشمس و ترتفع ، فإنها تطلع بين قرني شيطان، و حينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإنّ الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح(أي لا يبقى منه شيء على الأرض)، ثم أقصر عن الصلاة فإنّ حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب، فإنها تغرب بين قرني شيطان و حينئذ يسجد لها الكفار"
و عن عقبة بن عامر قال :ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نصلي فيهن و أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة (أي ظاهرة ) حتى ترتفع ، و حين يقوم قائم الظهيرة ، و حين تضّيّف (أي تميل ) للغروب حتى تغرب" رواه الجماعة .
فهذا مذهب الجمهور و هذه أدلتهم ، و ذهب الإمام الشافعي إلى جواز صلاة ما له سبب كتحية المسجد متمسكا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " رواه الجماعة
فأنت ترى أن مذهب السلف هو عدم الصلاة في تلك الأوقات، فعدم الإكتراث بتلك الأدلة الصحيحة الصريحة ، و حشر صاحبها في زمرة الإبتداع هو هدر لنصوص الشريعة و إخلال بالفقه
قال الشوكاني في (النيل3/69):" و التحقيق أنه قد تعارض في المقام عمومات النهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة من غير تفصيل ، و الأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل ، فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم ، و كذلك ترجيح أحدهما على الآخر ، مع كون كل واحد منهما في الصحيحين بطرق متعددة ، و مع اشتمال كل واحد منهما على النهي أو النفي الذي في معناه"
ثم قال في الأخير:" و المقام عندي من المضائق ، و الأولى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة.اهــ
قلت : هذا مذهب عجيب من هذا الحبر النحرير، لأن كلامه يعني أنّ الدخول في تلك الأوقات هو خلاف الأولى ، و هذا لم يقل به أحد و لا دليل عليه
و إذ تبيّن لك ضعف تلك النتيجة ، فالصواب ما هو مقرر في الأصول ، قال في ( الروضة الندية 1/76)
" إذا تعارض عمومان وجب المصير إلى الترجيح ، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر وجب العمل به ، و إن لم يمكن وجب المصير إلى الترجيح بأمور خارجة ، فإن تعذر من جميع الوجوه فالإختيار...إلخ
قلت: الراجح فيما يبدو لي- والله أعلم - حديث النهي على حديث الأمر بالتحية لأسباب ثلاثة
أما أولا: فإن حديث النهي أكثر رواة و أجل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :"شهد عندي رجال مرضيون ، و أرضاهم عندي عمر ، أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى...إلخ"و الرجال المرضيون الذين عناهم ابن عباس هم الصحابة كما صرح بذلك عند الترمذي
و أما ثانيا : فإنّ صيغ النهي في حديث (النهي) متنوعة ، مما يجعله أبلغ و أقوى ، ،بينما ورد حديث (التحية) بصيغتي الأمر و النهي ، من حديث أبي قتادة نفسه مما يغلب على الظن أن الصيغتين من تصرف الرواة عنه
و أما ثالثا: فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر بالاقتداء بخليفتيه أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، فأما أبو بكر فلم يُرو عنه شيء، و أما عمر فقد صح عنه ، أنه كان ينهى عن النافلة مطلقا في الأوقات المنهي عنها ، و يضرب من يفعل ذلك و يزجره