أصول حفظ الكليات الخمس في بيّنات القرآن
13-02-2018, 02:26 PM
أصول حفظ الكليات الخمس في بيّنات القرآن
خبَّاب بن مروان الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
حين نتلمّس ملامح المقاصد الشرعيَّة على مبدأ حفظ الضرورات الخمس التي جاءت بها مقاصد الشريعة، فسنجد ما يسعفنا كثيراً من كتابالله تعالى، حين نتدبَّره لاستخراج عدد من الآيات المتعلِّقة بها، والتي لم يأت بها أهل العلم اعتباطاً، وإنَّما ذكروا هذه الضرورات الخمس؛ كونهم قد استخرجوا من القرآن الكثير من النصوص التي استنبطت هذه الضرورات بناء على النظر فيها.
إنَّ هذه الضرورات الخمس مرتَّبة على النحو التالي:
( حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسب، حفظ المال).
قال الغزالي رحمه الله: "إن مقصود الشرع من الخلق خمسة:
" أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة، فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول، فهو مفسدة، ودفعها مصلحة" ([1]).
ويُبيِّن أبو عبد الله بن الأزرق سبب الاهتمام بهذه الضرورات الخمس:
" لأن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها، بحيث لو انحرفت: لم يبق للدنيا وجود من حيث الإنسان المكلف، ولا للآخرة من حيث ما وعد بها، فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى، ولو عدم الإنسان لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدبير، ولو عدم النسل لم يمكن البقاء عادة، ولو عدم المال لم يبق عيش"([2]).
وإنَّ من أهم مهمَّات قضايا بحثنا في تدبُّر مقاصد القرآن الكريم، ألاَّ نُدير طرفنا عن قضيَّة أولاها أهل العلم – عليهم الرحمة والرضوان - في البحث الاستخراجي من نصوص القرآن الكريم ما يسند مبدأً عظيماً بمعرفة حفظ الضرورات الخمس التي حثَّت عليها مقاصد الشريعة وتضمَّنتها، بما يجعلنا نجزم أنَّه ما من صفحة من كتابالله تعالى إلاَّ ونقرأ فيها آية كريمة تحثُّ على ذلك.
وقد حاولت النظر في كتاب الله تعالى، فجمعت بعض النصوص الدالَّة على كلِّ ضرورة من هذه الضرورات الخمس التي تُعبِّر عن مقاصد القرآن في حفظ هذه الضرورات الخمس لكلِّ بني الإنسان.
1.حفظ الدين:
لقد جاءت النصوص القرآنية متوالية تترى في حفظ الدين وحمايته، وحماية كيانه، وصيانة بيضة الإسلام من أن يخدشها أي خادش، فوضع الحمى التي تحمي حظيرة هذا الدين، وصان كرامة المسلمين؛ لئلا يقع منهم ما يُغضبربَّهم تبارك وتعالى.
وفي هذا يقول العلاَّمة المقاصدي الطاهر بن عاشور:
" مراد الله في كتابه: بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين، وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطاباً بيناً، وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه"([3]).
وقد قرَّر الإمام الشاطبي - رحمه الله- أنَّ حفظ الدين يقوم على قضيتين:
الأول:حفظ الدين من جانب الوجود، وذلك بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده.
الثاني:حفظ الدين من جانب العدم، وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع"([4]).
من أجل ذلك جاءت نصوص كثيرة زاخرة مُزهرة تحثُّ على حفظ الدين وحمايته، وحفظ كيانه، تأسيساً وتثبيتاً لوجوده، ودفعاً ورفعاً لكلِّ ما يُقصد إليه من مجاوزة حدوده.
إنَّ الآيات التي جاءت قاصدة بالحث على حفظ الدين كثيرة، سواء أكان ذلك من حيث التأكيد والتوكيد على الالتزام به والتديُّن، أو النهي عمَّا يُضادُّه من ألوان الكفر والشرك والنفاق، ولعلَّنا نذكر طرفاً منها في هذا الصدد:
فلقد بيَّنت شرعة الإسلام: أنَّه لا دين إسلامي صحيح غير الإسلام، فقال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.[آل عمران: 85].
وقال:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُر بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَريعُ الْحِسَابِ}.[آل عمران: 19].
وبيَّن لنا أنَّ هذا الدين كامل، فلا يجوز لعبد أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه، لأنَّ من شرعه هو: ربُّ العالمين، وليس للعبد أن يتدخَّل في شريعته، فقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}.[المائدة: 3].
لأجل ذلك كانت دعوة الأنبياء والمرسلين إلى عبادة الله والكفر بالطاغوت، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. [النحل: 36].
ولهذا حثَّنا تعالى على الدعوة إليه، فقال:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.[النحل: 125].
وحفاظاً على الدين: شرع الله الجهاد للدفاع عن عقيدة التوحيد، فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}.[الأنفال: 39].
وأمرنا الله تعالى بتحكيم شريعته، فقال:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.[المائدة: 50 ].
وبيَّن أنَّ من لم يتحاكم إلى شريعته جحودا وإعراضا، فهو غير مؤمن، قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.[النساء: 65].
كما أنَّه تعالى نهى عباده عن الشرك وحذَّرهم منه، فقال:{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.[يونس: 105].
وقال عزَّ وجل:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.[آل عمران: 64].
وقال عزَّ من قائل:{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.[النساء: 36].
ونهى عن طاعة المشركين، وبيَّن أنَّه المرء يُشرك به في طاعتهم، فقال:
{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.[الأنعام: 121].
إلى غير ذلك من النصوص المتتابعة الحاثَّة على قضية هذا الدين، وأهميّة حفظه وحياطته، والنهي عمَّا يُماسُّه من الشرك والنفاق والكفر بالله.
يتبع إن شاء الله.
من مواضيعي
0 مهما.. ومهما!
0 عالمية الدور الحضاري للعربية
0 صانعة الأجيال
0 هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا
0 كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية!!؟
0 23 تغريدة في رحلة مع حياة نوح وأسلوبه في التأثير والتواصل
0 عالمية الدور الحضاري للعربية
0 صانعة الأجيال
0 هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا
0 كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية!!؟
0 23 تغريدة في رحلة مع حياة نوح وأسلوبه في التأثير والتواصل
التعديل الأخير تم بواسطة أمازيغي مسلم ; 20-02-2018 الساعة 01:37 PM