تأثر حتى النخاع بالعقلانية الفكرية المناهضة للنص الديني بوكروح وقع في خطيئة علمية حين تبنّى أفكارا
22-04-2015, 02:55 PM
تأثر حتى النخاع بالعقلانية الفكرية المناهضة للنص الديني
بوكروح وقع في خطيئة علمية حين تبنّى أفكارا سبقه إليها المستشرقون / الحلقة الأولى
سبق لنا أن نشرنا على هذا المنتدى مقالات عديدة تتناول بعض مقاصد المستشرقين من خلال دراساتهم وبحوثهم ومؤلفاتهم التي تعرضت لأصول التشريع الإسلامي، وأعظمها دون شك:" القرآن الكريم"، وأن يأتي:" العبث بالقرآن الكريم والطعن فيه" من هؤلاء، فذلك:" أمر مفهوم"، لأن:" الشيء من معدنه لا يستغرب"، وكما قيل:" لا ذنب بعد الكفر!!؟"، ولكن: أن يأتي:" العبث والتلاعب بالقرآن الكريم" ممن ينتسب للإسلام، ويحسب من مثقفيه، فذلك أمر يدعو للتعجب والاستغراب!!!!!!؟؟؟؟؟؟.
ولكن:" التعجب والاستغراب": يزولان حين ندرك بأن ذلك:" المنتسب للإسلام": ليس في حقيقة الأمر سوى:" مجتر لكلام المستشرقين!!؟"، وحينئذ حق لنا نتساءل بمثل سائر:" متى يستقيم الظل، والعود أعوج!!؟"، وصدق من قال:" كل إناء بالذي فيه ينضح!!؟".
إن الضجة التي أحدثها:" بوكروح" مؤخرا حول القرآن الكريم: ليست في حقيقتها سوى:" رجع ورجيع صدى!!؟" لما سبقه إليه المستشرقون، وقد أجاد الأستاذ الفاضل:"خير الدين هني" في الرد عليه من خلال هذا المقال:" الماتع الرائع": الذي ننشر حلقته الأولى، فجزاه الله خير الجزاء، وإلى المقال:
إن فكرة:" إعادة ترتيب القرآن": التي دعا إليها السيد بوكروح، هي فكرة للمستشرقين:( نولدكه ـ وهنري ماسي ـ وبر وكلمان ـ وجاك بيرك ـ وبلاشير وغيرهم...).
وقد رأيت من المفيد: أن أصدر هذا المقال بما يشبه المدخل، للدكتور البروفسور والأكاديمي الأمريكي (ريموند فارين)، المتحصل على الدكتوراه في الآداب من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية. المتحصل على الدكتوراه في 2006.
يقول هذا الأستاذ:" لقد أذهلتني دقة نظم القرآن الكريم، وتماسك هيكله في التناظر والتناسق. وكلما قرأت القرآن زادت دهشتي بسبب سمو لغته، وعمق معانيه وتدرج استدلالاته. لقد استحوذ علي حتى صرت مهووسا به. وأصبح محور تركيزي بحثا ودراسة". ثم أرفد قائلا: "ومما أدهشني أن الكثير من المستشرقين اعتقدوا أن قصائد الشعر الجاهلي الفصيحة تفتقر إلى البنيوية". ووضح عكس هذا الزعم لأن الحقيقة غير ذلك، لأن العديد من قصائد الشعر الجاهلي المتميزة تمتلك التماسك في شكل نسق هيكلي تمثل حلقة.
وكانت الجماهير تدرك البنية المركزية للشعر الكلاسيكي بوضوح، وكذلك رأيت الكثير من المستشرقين ينتقدون القرآن ويفترضون عدم وجود هيكل رئيس تنسجم فيه مفاصل الآيات والسور. ورأيي هو عكس ذلك، حيث إن ترتيب القرآن جاء وفقا للتناظر والتناسق ويحدث التماثل في القرآن الكريم في شكل تواز متماسك الصلابة، على سبيل المثال: abab وعلى مثال abba وبتركيز شديد على abcba، ثم يقول الشكل الأخير هو الأكثر شيوعا. وقدم أمثلة رائعة يقابل فيها بين التناظر والتماثل. وهي دراسة فريدة من نوعها أدهشت العلماء في العالم.
وفي هذا الموضوع أثار الأستاذ بوكروح: مشكلة إعادة ترتيب القرآن الكريم ترتيبا زمنيا، أي حسب مناسبة النزول. لاعتبارات علمية ومعنوية حسبما فهمته من تحليله الذي تضمنه مقاله المنشور في جريدة الشروق بتاريخ 14 / 4 / 2015.
وقد قدم في مقاله تحليلا مقتضبا، ولكنه كان وافيا للغرض المراد. عما بدا له مما يمكن أن يظهر من تناقض في معاني بعض الآيات. حينما نقرأها حسب الترتيب الحالي بالمصحف العثماني. بينما يظهر ـ من وجهة نظره ـ معناها جليا وفي وضوح تام تربطه علاقة التسلسل المنطقي والانسجام التام فيما لو أعدنا ترتيبه ترتيبا زمنيا. ونحن لا نشك في حسن نية الأستاذ ونبل قصده. وحبه لدينه وقرآنه. ولكننا نخالفه الرأي للأسباب التالية:
أولا: الأستاذ بوكروح تلقى تعليما نظاميا حتى انتهى إلى الجامعة، وهو كاتب وسياسي، مع أنني لم أحظ بقراءة بعض ما كتبه لنطلع على منهجه في البحث وأسلوبه في الكتابة وتوجهات أفكاره وبعد نظره، لأن الكتابة هي المرآة التي تعكس عقل الإنسان وصورته الباطنية.
ولكن مع ذلك يمكن أن نستنبط فكر الأستاذ وتوجهاته من خلال تدخلاته وطريقة تحليله للمشكلات المطروحة في العالم الإسلامي، إذ يظهر على تفكيره التوجه العقلاني الحداثي الذي استقاه من المصادر الغربية من خلال احتكاكه ومطالعاته لكونه مثقفا باللغة الأجنبية.
فدرجة التأثر بادية عليه وبشكل واضح، فهو بدون شك مطلع على السيرورة التاريخية للنهضة الأوروبية، وما انبثق عنها من ثورة في مناهج البحث العلمي، حينما أعلنوا ثوراتهم على التقليد ومركزية العقل. ووضعوا مبادئ جديدة لصيغ الأنظمة التي تنقل العقل من التبعية للموروثات الدينية والأخلاقية المحافظة، إلى الحرية والانعتاق من سلطة النص الديني والتحرر من أغلاله التي كبلت العقل وجعلته رهينة خرافات لأفكار بالية.
إذن، فالسيد بوكروح: مـتأثر حتى النخاع ب:" العقلانية الفكرية": التي بمقتضاها ينشط الفكر بتصورات سليمة تناهض العقل الديني المتزمت والمرتبط ـ حسب رأيه ـ بعصور الانحطاط التي اشتغلت بالدروس الصوفية والدروس النصية. ومازالت تضرب بثقلها إلى يوم الناس هذا، ظهر ذلك في تعريضه المتضمن في قوله: "العودة بنا إلى ستة قرون مضت- والعودة بنا إلى إسلام قرطبة!!؟": في إشارة إلى تزمت فكر:" السيد وزير الشؤون الدينية".
وفي رأيه دائما، فإن تلك السلطة، قد بقيت تدور حول ثقافة نصية ميتة موروثة ومستهلكة في دوائر مغلقة، من غير تطعيمها بحياة جديدة تضفي عليها مسحة من روح العصر الذي نعيشه، فصارت هذه السلطة لا تهتم إلا بالنقول والشروح والتعليقات والحواشي وسندات العنعنة، وما اختلف فيه العالم الفلاني مع العالم الفلاني في كلمة أو مصطلح، أو فتوى في مسألة بسيطة لا تتجاوز فقه الوضوء والغسل.
فالسيد بوكروح - حسب اعتقادي إذا لم أكن مخطئا- تثيره مسألة الحداثة بشكلها العام، وما صاحبها في مسيرة المجتمعات الغربية منذ عصر النهضة. التي شملت مختلف مظاهر الحياة ( علمية ـ فنية ـ ثقافية ـ اجتماعية- اقتصادية ـ سياسية... ). وهو على حق إذا كان يقصد الحداثة العلمية المتعلقة بالعلوم التقنية التي تمكن المسلمين من بناء حضارة مادية (بناء مصانع ومعامل ومخابر... ) تنتج التكنولوجيا العسكرية والمدنية، مثلما فعلته إيران وباكستان اليوم.
فلقد استطاعت هاتان الدولتان المسلمتان امتلاك الروح الحقيقية للحداثة، (مع تمسكهما بموروثهما الثقافي)، فانتقلتا من التحديث (استيراد التكنولوجيا وتركيبها) إلى الحداثة الصناعية التي تكسب المسلم المعاصر المهارات والتقانة، فيتمكن من امتلاك أسرار التكنولوجيا بالاختراع والابتكار والاكتشاف.
أما الحداثة التي تدعو في ثورتها الفكرية إلى وجوب التخلي عن معايير القيم الدينية والأخلاقية والثقافية، وإلى فرض سلطة العقل على النقل بالمطلق، وإخضاع ماهية وجود ما وراء الطبيعة إلى الحس، وتقييد وظيفة الإنسان بالمتعة واللذة الدنيوية. وتحليل النّصوص بالمنهج الموضوعي، وإلغاء المناهج القديمة التي وضعت للتحقيق في الرواية والخبر. وأسانيد العنعنة... والخروج على إجماع الأمة في أمر متفق عليه......الخ. فأعتقد أن الحداثة بهذا المفهوم تدخل في الدوائر الحمراء عند المسلمين. ولا يقبلها مسلم عميق الإيمان بإسلامه. ولقد استبطنت هذا كله من مفرداته ومصطلحاته.، وكذا من التسمية التي أطلقها على حزبه ذات يوم "حزب التجديد".
ثانيا: وبناء على هذا كله، فإن المستوى الفكري والجامعي للأستاذ بوكروح، وكونه كاتبا مفكرا، يمنعانه من الوقوع في الخطيئة العلمية والمنهجية.
فالأمانة العلمية تقتضي منه أن يعرض على القارئ مصادره التي استقى منها أفكاره، ويوثق كلامه وآراءه ويؤصلها من مصادر ومراجع لمؤلفين قدامى ومعاصرين. ثم يعرض أفكاره ومواقفه ومناهجه في البحث. حتى يتمكن القارئ من معرفة مصدر الفكرة من أين استقاها.
وبذلك يكون منسجما مع مبادئ البحث العلمي التي تتطلب التوثيق والتأصيل. ويكون قد حافظ على الأمانة العلمية وأصّل الفكرة، فتصير المعلومة ذات قيمة علمية تعتمد في البحوث والدراسات والرسائل الجامعية.
لقد وقع الأستاذ بوكروح في خطيئة علمية ومنهجية، حينما نسب إلى نفسه أفكارا سبقه إليها كثير من المستشرقين والكتاب المسلمين المعاصرين وحتى بعض القدماء ( ولم يوثقها).
ثالثا: ظهر هذا الخطأ واضحا، حينما سأله بعض من تواصل معه بالسؤال التالي: قال السيد بوكروح: "سألني آخرون أيضا لماذا لم يتطرق أحد لموضوعنا هذا منذ 14 قرنا؟ أجاب: أعتقد أنه ينبغي إن بقي ذلك ممكنا أن يطرح السؤال على أولئك الذين لم يتطرقوا إليه. وليس علي فيما يخصني أنا لا يسعني إلا أن أنبه أنه لو سألنا كل من اكتشف شيئا، لماذا لم يفكر فيه 8 مليارات من البشر الذين سبقوه إلى الحياة لما تمكنا من التواصل اليوم عبر المواقع التي تطرح علي فيها السؤال، لأنها لم تكن لتوجد أصلا مع أذهان تفكر على هذا النحو. اعتراض مثل هذا لا يمكن أن يصدر إلا عن واحد من العلماء المزيفين. كما لا يمكن أن يعجز إلا شخصا من مستوى التفكير والتعبير الذي يحمله أمثال وزير الشؤون الدينية الذي يعدنا بالعودة إلى إسلام قرطبة". جريدة الشروق14/4/2015.
من هذا المثال الواضح المنقول من مقاله، يتضح لنا أن الأستاذ بوكروح، يؤكد للقراء بما ليس فيه شك أن مسألة الدعوة إلى إعادة ترتيب القرآن الكريم ترتيبا زمنيا هو من ابتكار واختراع جادت به قريحته ومواهبه.
ولم يكتف بإظهار هذه المواهب فحسب، بل مضى في تجاوز العلماء الذين نقدوه ووصفهم بأوصاف غير لائقة،( العلماء المزيفون )، لا يمكن أن تصدر عن رجل مثقف مثله.
ومع ذلك، فأنا لا أختلف معه كثيرا في هذا التوصيف الذي ينطبق على البعض وليس على الكل، فهو عمم الحكم رغم أنه كان يقصد أناسا هو يعرفهم ويقصدهم وله معهم خصومة، وإذا كان في ذلك ذنب، فلا يقع عليهم بقدر ما يقع على وسائل الإعلام. التي لمعت صورهم وخصصت لهم جلسات وندوات، ونوهت بهم وروجت لهم ورفعت مقامهم، وأغدقت عليهم بالعطايا والإكراميات، ومنحتهم الألقاب العلمية مجانا ( العلامة الفهامة الجهبذ الأديب...) من غير جهد علمي بذلوه في كتابة أو تأليف أو دراسة وتحقيق. ومن ثم يصدق عليهم قول علماء الإعلام المناسباتي.
والسيد بوكروح، يعتب على غيره ممن يسميهم العلماء المزيفين، لكونهم لا يقدرون على الكتابة والتـأليف، ويقع في أشنع مما وصفهم به، لأن من باب الأمانة العلمية كان عليه أن يشير في كتاباته وإجاباته عن السائلين إلى المصادر التي أخذه منها فكرته. وهي مصادر المستشرقين الذين أخذ عنهم هذه الفكرة ونسبها إلى نفسه من غير أن يتحرج.
لقد طرح هذه الفكرة منذ بداية القرن الماضي الكثير من المستشرقين المعروفين، حتى عند طلاب الثانوي والقراء العاديين. وليس معقولا أن يقول لنا الأستاذ بأنه غير مطلع على أبحاثهم في هذا الموضوع، لأن تأثيرهم على تفكيره واضح جدا. حتى أسلوبه في الكتابة صورة مطابقة لكتابتهم (انظر مقاله في جريدة الشروق ولاسيما المقطع الأخير) 14/4/2015.
ولقد استفاض المستشرقون في هذا الموضوع أيما استفاضة. دعوا إلى وجوب إعادة كتابة القرآن الكريم بالمنهج الموضوعي الذي يراعي وحدة الموضوع، وتناسق الأفكار وترابط المعاني وانسجامها مع المناسبة. ولا يتيسر لهم ذلك- حسب مذهبهم - إلا بإعادة ترتيب القرآن الكريم حسب نزوله، أي: بترتيبه ترتيبا زمنيا. لأن ذلك حسب زعمهم يجعله مقبولا من الوجهة العلمية في الغرب.
آراء المستشرقين ودوافعهم:
وإليكم بعض هذه الآراء المضللة التي استند إليها غلاة الاستشراق، لتقفوا بأنفسكم على التوافق العجيب بين آراء هؤلاء المستشرقين وآراء الأستاذ بوكروح. لتروا الفرق بينهما يكمن في أن السيد بوكروح استخدم التورية والمراوغة اللفظية والمعنوية للتستر على نحله لتلك الأفكار.
أولا:
وضعوا خططا محكمة في المخابر السرية المستقاة من القساوسة والأديرة عبر المراحل التاريخية، بحسب الزمان والمكان والهدف والغاية. وحددوا الوسائل والأدوات والتقنيات التي ينفذون بها تلك الخطط، للالتفاف على المحاور الكبرى التي يقوم عليها عمود الإسلام.
فكانت (العقيدة والنبوة والقرآن الكريم والثقافة والعلوم، ومناهج البحث ومصادر التوثيق وأصل العرب). هي المحاور الأساسية في عملهم لغرض التشكيك في كل ما يتعلق بالإسلام، حتى يضعفوه في نفوس المسلمين، وهذا بعض ما خططوه:
النبوة الخاتمة: تجندت الحركة الاستشرافية التبشيرية في الغرب والشرق ـ إلا أقلهم ـ عبر الجامعات والملتقيات والمحاضرات والكتابات، كأدوات ملائمة لخدمة الأهداف المرسومة في الدوائر الرسمية، في مجالها السياسي والاقتصادي والديني والثقافي، ولقد آلت على نفسها العمل في نطاق سري تكتمي، إذ تتظاهر في العلن والسر وكأنها تعمل على تحقيق أهداف نبيلة، تتمثل في وجوب إعادة النظر في دراسة الآثار الشرقية، اعتمادا على مناهج علمية بعيدة عن الأوهام والخرافات والقداسة الدينية التي أضفاها العلماء المسلمون على النصوص.
إنهم يعملون بدون كلل ولا ملل من أجل زرع بذور الشك في نفوس المسلمين، مما يؤدي إلى ضعف العاطفة الدينية في نفوسهم ولا سيما المتنورين منهم ممن درسوا بلغاتهم، وتشبعوا بثقافات بلدانهم، وانبهروا بعلومهم وفنونهم وتكنولوجياتهم. وهي الغاية النهائية التي يسعون إليها. لأن هؤلاء المتنورين هم من ستسند إليهم المسؤوليات السامية في بلدانهم. فيصبحون وكلاء يعملون لصالح بلدانهم.
وبعد أن شككوا في نبوة محمد (ص) معتبرين النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلا رجلا مصلحا متقولا على الله، قاده طموحه السياسي إلى ابتداع دين أتى به العرب ليسودهم.
ثانيا: وبعد أن نفوا عنه النبوة، انتقلوا إلى فكرة أخرى ليضلوا بها الناس، وهي الادعاء بأن النبي (ص) أخذ الإسلام من اليهودية والمسيحية.
قال سيدني فيشر: في كتاب (الشرق الأوسط في العصر الإسلامي)، إن الإسلام نسخة مشوهة عن اليهودية. وأيده في هذا القول (نفتالي فيدر) في كتابه (محاضرات للشرق الوسط)، الذي جاء فيه: "واتفق لمحمد في أثناء رحلاته أن يعرف شيئا قليلا عن عقائد اليهود والنصارى، وقال (جولد تزهيمر) في كتابه (العقيدة والشريعة)، ترجمة الدكتور موسى وزميله ص15، "تبشير النبي محمد ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثرا عميقا"، وقال (نيكل سون) في كتابه الصوفية في الإسلام: "والإسلام الذي وضعه محمد تأثر فيه بالتعاليم الدينية السابقة تعاليم اليهودية والمسيحية". وبالأخص مسيحية الكنيسة السريانية. ثم إن محمدا في اقتباسه حرّف الفهم فيما اقتبسه لأنه حكم ناتج عن منزلته وقيمته الإنسانية في فهمها. (يقصد أن النبي لم يفهم حقيقة الوهية عيسى، يؤلهون عيسى وينفون النبوة عن محمد. هذا هو المنهج والمنطق العلمي عندهم.
ولقد رددت بإسهاب واستفاضة على هذه الأضاليل في كتابي:(الرد على شبهات المستشرقين) ط،1/2005. فندت فيه هذه الأقاويل المزيفة بالدليل العلمي والبرهان المنطقي والشاهد التاريخي.
ثالثا: التشكيك في مناهج البحث التوثيقية، وصحة النقول من المصادر التاريخية التي وضعها العلماء المسلمون قديما، وفي نقل الروايات والأخبار وتحقيق الحوادث وضبط التواريخ وكتابة السيرة النبوية.
رابعا: نفي الشعر الجاهلي برمته، لكونه مادة وضعها المسلمون للاستدلال به على صحة معجزة القرآن الكريم. وكتب في هذا الموضوع المستشرق الانجليزي (مرجليوث) ونشره سنة 1925. واقتفى أثره طه حسين في كتابه (الشعر الجاهلي) سنة 1926.
خامسا: اتهام العرب بالطوطمية، قال مرجليوث في رسالة بعث بها إلى جورجي زيدان، حينما طبع كتابه الشهير تاريخ التمدن الإسلامي: "إن مسألة الأمومة دونت فيها مجلدات كثيرة عندنا ذهب أكثر أصحابها إلى أن العائلة القديمة للعرب ليس فيها أب معلوم، بل ترأسها أم كثيرة الرجال، (يعني سفاحا)، وحق الأبوة أمر مستحدث إدخاله عند العرب، لم يسبق عهد النبي بكثير. وأنساب العرب كلها أكاذيب.....إلى أن قال: إن قبائل العرب أكثرهم يشبه المسمى طوطم عند الأمم المتوحشة. أعني حيوانا ينتسبون إليه بجهلهم بترتيب الطبيعة، فيصدر عن انتسابهم إليه سنن وقوانين لا تخفى آثار بعضها عند العرب الجاهليين". [الرد على شبها المستشرقين لكاتب هذا المقال.ص12]. والقصد من هذه الفرية، أن العرب أبناء زنى، ولا نسب لهم ولا أصل ولا فصل. ومن كان هذا أصله فلا يمكن أن تكون فيه النبوة.
انتهت الحلقة الأولى، وتتبع بالثانية إن شاء الله.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.