التواصل بين الأجيال وضرورة ردم الفجوة
27-09-2018, 10:42 AM
التواصل بين الأجيال وضرورة ردم الفجوة
نايف عبوش


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



تعيش مجتمعاتنا المعاصرة اليوم مأزقَ استلابٍ واضح، لم يكن مألوفًا حتى فترة متأخرة مِن ثمانينيات القرن الماضي؛ إذ تسبَّب ذلك الاستلاب في فجوةواسعة بين جيل السلف وجيل الخلف؛ فقد كان التواصلُ الحيُّ قائمًا بين الأجيال في كلِّ المجالات، فهناك اللقاء المباشر في مجالس الدواوين، وفي المناسبات العامة، وهناك لقاءات السمر والتعاليل اليومية... وغيرها، حيث كان دفءُ العلاقة بين كبار السن والشباب يومذاك حارًّا، سواء تم ذلك بصيغة حوار، أم نقد، أم توجيه، أم تصحيح، ولذلك لم يكنْ جيلُ الشباب يشعر بأي عزلة أو فجوة بينه وبين سلَفه.

على أنه ما إنْ غزت ثقافة العولمة بفضائها المفتوح في كلِّ المجالات ساحتنا الاجتماعية، لتُخلخِل الكثير مِن قيم مجتمعنا - حتى بدأت ظاهرةالانفصام بين الأجيال تبرز بشكلٍ واضح إلى الوجود، وتتَّسع الفجوة بينهما باستمرار، ولأنَّ تيار العصرنة جارف، وحيث إن عوامل التحصين كانتْ ضعيفة - فقد انتزعتْ عوامل المسِّ بثقافة الموروث المجتمعي خصوصية مرموزاتها، بالإضافة إلى ما لازمها مِن حالة الانبهار الصارخ بالثقافةالوافدة، الأمر الذي بلَّد بدوره الذوقَ المجتمعيَّ العامَّ والشبابي منه بشكلٍ خاص؛ ليجدَ نفسه خارج إطار معطيات حركة المجتمع، فبدأ يعيش واقعًامشوشًا، وضياعًا مقرفًا، يتسم بفجوةٍ سحيقة.

ولا شك: أنَّ ظُهور وسائل عصرية منافسة للأسرة والمجتمع تأخذ دورها الحاسم في التأثير؛ مثل: الفضائيات والإنترنت - قد نجح في زرع قيم مغايرة وغريبة عن مجتمعاتنا، فأدى ذلك إلى تضارُبٍ في الفكر بين الجيل الذي تربَّى على القيم الحسنة والتقاليد النبيلة الموروثة، والجيل الحالي الذي تربى على قيم دخيلة، لا صلة لها بالموروث والأصالة، وهكذا انهارتْتقاليدالتربية التراثية نتيجة لعوامل كثيرة، لعل من بينها: انشغالَ الوالدين بالسعي وراء العمل، في زحمة حياة عصرية صاخبة تتطلب العمل المتواصل؛ لتأمين لقمة العيش، ونشوء طموحات شبابية عصرية جديدة، تغذِّيها وتشعل أوارها وسائلُ التواصل الرقمية التي اخترقتْ كلَّ الحدود، الأمر الذي أسهم في تعميق هذه الفجوة، واتساع رقعتها.

وتجدُر الإشارة إلى أنَّ هذه الفجوة أو القطيعة - إذا صحَّ التعبير - قد ظهرتْ بأنماط سلوكية شاذة؛ حيث أخذ الجيلُ الجديد في جانب منها يظهر للناس بملابسَ لا تمتُّ بصلة إلى ما اعتاد المجتمع أن يلبسه في الحياة اليومية؛ فبدأ يلبس سراويل متدلِّية، أو مُمزَّقة، أو ضيِّقة، ويرتدي قمصانًا ضيقة بألوان صارخة، وقبعات تغطي الرأس، بعد أن شرع بقص الشعر، وحلقه قزعًا، وتسريحه بطرق غريبة، واعتاد وَضْع سلاسل غليظة حول المعصم أو العنق، ناهيك عن المشي بحركات متمايلة، واستخدام طريقة كلام خاصة تعج بمصطلحات (عربيزية)، وذلك في عملية تقليد مقرفللنموذج الآخر، الذي تلهمه إياه تلك الوسائل الجديدة في التربية والتنشئة العصرية!!؟.

ولذلك بات الأمرُ يَتطلَّب مِن الجميع:(آباءً، ومجتمعًا، ومدرسةً، وكتابًا، ومفكرين، ودعاة): الانتباه الجاد إلى خطورة هذه الهُوة، والعمل على ردمالفجوة بأساليب عصرية تُحاكي تطوُّر العصر، وتستجيب في نفس الوقت لتطلعاتالجيل الجديد بالانتفاع مِن معطيات الحداثة، دون تفريط في مُتطلبات الأصالة، وبالشكل الذي يضمن الحفاظ على الهُوية، ويؤدي إلى ترسيخالقيم الأصيلة.