المؤامرة على الهوية.. من "دوجلاس دانلوب" إلى "أدعياء الإصلاح"
11-04-2017, 01:25 PM
المؤامرة على الهوية.. من "دوجلاس دانلوب" إلى "أدعياء الإصلاح"
سلطان بركاني


كان "دوجلاس دانلوب": منصّرا اسكتلنديا، انتدب للتّنصير في مصر بدءًا من العام 1889م، وأمكنه بمساعدة:"اللورد كرومر": الحاكم الفعليّ لمصر من قبل الاستعمار البريطاني بين (1882-1906م): أن يترقّى في سلّم المناصب والمسؤوليات، من مدرّس للّغة الإنجليزية والخط اللاّتينيّ، إلى أن عيّن سكرتيرًا عامّا للمعارف سنة 1897م، ثمّ مستشارًا سنة 1906م، وتمكّن من السّيطرة التامّة على شؤون التّعليم في مصر، ووضع مخطّطٍ لتغريب التعليم وإزاحة مقوّمات الهوية المصرية من البرامج التعليمية.
عمل دانلوب خلال الفترة التي سيطر فيها على أزِمّة التعليم في مصر (1906- 1930م) على صعيدين اثنين:
أوّلهما: محاربة مقومات الدين الإسلاميّ، حيث ألغى عددا من الكتب المقررة التي تتحدث عن القيم العربية الإسلامية بحجّة: أنّها لا تُلبّي حاجات التعليم، وأحلّ محلّها كتبا تحتوي أدبا سخيفا وسقيما، جلّه عبارة عن قصص تدور أحداثها على ألسنة الحيوانات والطيور تمّ انتقاؤها من بين القصص التي ألّفها الكاتب الفرنسي:( جان دي لافونتين:ت 1695م) الذي يعدّ أشهر كاتب قصص خرافية في تاريخ الأدب الفرنسي، لخدمة أغراض تغريبيّة تستهدف العقائد الإسلامية والقيم المصريّة!.
وعلى الصّعيد الثّاني: عمل "دانلوب" على التّمكين للّغة الإنجليزية وإحلالها محلّ اللغة العربية، وقد فرض تعليم الموادّ العلميّة كالرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزيائية والكيميائية باللغة الإنجليزية، ثمّ زحف إلى التاريخ والجغرافيا والرسم، وضيّق على معلّمي اللّغة العربية من الأزهريين، وأعلى مكانة معلّمي اللغة الإنجليزية ورفع من شأنهم.. كانت خطّة:"دوجلاس دانلوب" تنفّذ تحت الرعاية السامية للّورد كرومر، الذي يعدّ واحدا من أبرز مهندسي المخطّط التّغريبيّ الذي سار عليه الاستعمار الحديث في محاولاته لاجتثاث مقومات الأمّة الإسلاميّة، ويسير عليه وكلاؤه الذين استلموا الراية من بعده في بلاد المسلمين.
خطّة "دانلوب" في مصر، تبنّاها المنصّرون والمنظّرون للاستعمار الفرنسيّ في الجزائر، وسعى جنرالات الحرب لتنفيذها بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى؛ حيث عملوا على طمس الثقافة العربية والإسلامية، وحاربوا الكتاتيب والمدارس الدينيّة، ثمّ انتقلوا إلى التّضييق على تعليم اللغة العربيّة، وفرضوا تعليم وتعلّم اللّغة والثقافة الفرنسيتين، ولأنّهم علموا أنّ تخلّي الجزائريين عن دينهم: مطلب لا يمكنهم بلوغه، فقد حاولوا الترويج لفكرة الفصل بين الإسلام والعربية، واعتبار اللغة العربية لغة وافدة على حساب اللّهجات الجزائرية الأصلية!!؟، وسعوا لإحلال اللهجات العامية محلّ اللّغة العربية التي أشاعوا في الأوساط العامّة والخاصّة: أنّها لغة ميتة لا تصلح لشيء!!؟.
لقد سعى المستعمر الفرنسيّ جاهدا بمبشّريه ومنظّريه وجنرالاته، لاجتثاث مقومات الأمّة الجزائرية، لكنّه كان في كلّ مرّة يعود بخفّي حنين، حتى خرج يجرّ أذيال الخيبة، ومع ذلك لم يستسلم ولم يتخلّ عن هدفه الذي أوحى إليه شياطينه بأنّه: يمكنه الوصول إليه بأيد جزائرية ربّاها على عينه، أشربت حبّ لغته وثقافته، وكان له أن استغلّ الفتنة التي عصفت بالبلد في تسعينات القرن الماضي، ليوسوس إلى أوليائه بأنّ الثقافة الإسلاميّة واللغة العربية هما: سبب تلك الفتنة التي اكتوى بها الجزائريون!!؟، ويوعز إليهم بالإسراع في إعادة استنساخ تجربة دانلوب، مستعينين بالإعلام المأجور الذي صوّر سعيهم على أنّه:"إصلاحات" تقتضيها المرحلة وتدعو إليها الحاجة إلى اجتثاث أسباب التطرّف ودوافعه!.. مَنّوا الأمّة الجزائرية بتعليم متطوّر يواكب التّعليم في الدّول المتحضّرة، لكنّ الأمّة فوجئت بهم يزهدون في كلّ ما هو نافع من العلوم الطبيعية والتكنولوجية: لينشغلوا بإعلان معارك جائرة على مقوّماتها لزحزحتها عن مكانتها وإبدالها بثقافة غربية منحطّة وآداب سقيمة وأساطير لا تختلف كثيرا عن أساطير لافونتين!!؟.
ربّما ينتشي:" أدعياء الإصلاح ودعاة التّغريب"، ويفركون أيديهم بعض الوقت، وهم يرون بعض أهدافهم تتحقّق، لكنّ فرحتهم هذه لن تدوم طويلا، -خاصّة- وأنّ مآربهم الخائنة بدأت تتكشّف، وقريبا سينقلب السّحر على السّاحر:[ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين].


المؤامرة على التعليم القرآني لم تبدأ اليوم
سلطان بركاني


لم يكتف أدعياء الإصلاح بالتّآمر على التعليم النّظاميّ: لقطع صلاته بعناصر الهوية التي عجز الاستعمار عن اجتثاثها، حتى ولّوا وجوههم شطر التعليم الدينيّ القرآنيّ، ليجعلوه تحت وصايتهم، ويعملوا فيه مباضعهم، على أمل إعلان وفاته إثر عملية جراحية فاشلة!!؟.
أرّقهم أنّ التلاميذ الذين ينضوون في الكتاتيب والمدارس القرآنية التّحضيريّة قبل الالتحاق بالتعليم النظاميّ، يتميّزون عن غيرهم بتفوّقهم اللّغويّ والدّراسيّ وتحلّيهم بمكارم الأخلاق، فأجمعوا أمرهم بأنّه لا بدّ من إبطال مفعولها حتى لا تظلّ حجر عثرة في طريق "الإصلاحات" التي يبشّرون بها.
في أحد لقاءاتها التلفزيونيّة، أماطت الدكتورة المصرية:(سهير أحمد السكري: أخصائية اللغويات في جامعة جورج تاون بواشنطن): اللّثام عن حقيقة المخطّطات التي يجري تنفيذها في عدد من الدّول العربيّة: لتحجيم دور التّعليم القرآنيّ، وأكّدت أنّ هذه الإجراءات ليست جديدة، فقد عمل بها الاستعمار الفرنسيّ والاستعمار الإنجليزيّ في القرن الماضي، عندما استولى الإنجليز والفرنسيون على الدولة العثمانية، حيث قاموا بدراسة سبب قوة الفرد المسلم التي جعلت المسلمين يغزون العالم، فوجدوا أنّ الطّفل المسلم من 3 إلى 6 سنوات، يدخل إلى الكُتّاب ويحفظ القرآن، ومن 6 إلى 7 سنوات يدرس ألفية ابن مالك، التي تحتوي كلّ قواعد اللغة العربية، وبذلك يكون قد تعلّم من القرآن 50 ألف كلمة عربية، وألمّ بقواعد اللّغة العربيّة...
أدرك الإنجليز والفرنسيون أنّ الكُتّاب هو: السّبب، فقرّروا التآمر عليه، فأمّا فرنسا، فقد حاربت التعليم القرآني في مستعمراتها من دون هوادة، وأمّا الإنجليز، فإنّهم عرفوا أنّ مهمّتهم في مصر ستكون صعبة، وبدل أن يعلنوا الحرب مباشرة، سعوا لإماتة القرآن وصرف أبناء المسلمين عنه؛ فأنشؤوا مدارس أجنبية لتعليم أبناء الأغنياء تكون بمناهج أضعف من المناهج المعتمدة في إنجلترا، وأنشؤوا مدارس نظامية يلتحق بها أبناء العامّة بدءًا من سنّ 6 سنوات، وبدؤوا يشيعون بين النّاس: أنّ التعليم قبل هذه السنّ يعود بأثر سلبيّ على الطفل، وأنّه ينبغي أن يترك ليلهو ويلعب، وألا يضمّ إلى أيّ مدرسة.. وقد آتت خطّتهم بعض أكلها، وكانت النتيجة: أنّ أبناء المسلمين باتوا يضيّعون أهمّ فترة في حياتهم، يتعلّمون فيها القرآن واللغة، وأصبحوا بدلا من ذلك يتعلّمون لغات عامية ضعيفة لا تتجاوز مفرداتها 3 آلاف كلمة، تؤدّي دورها في الحيلولة بينهم وبين تعلّم اللغة العربيّة الفصيحة بعد ذلك، حيث يرون اللغة العربية عند الالتحاق بالمدارس: لغة أجنبية عنهم، يجدون صعوبة في تعلّمها، ما يؤدّي بهم إلى كرهها!!؟.
هذا الذي عمل عليه البريطانيون والفرنسيون في مستعمراتهم هو: ما يسعى أولياؤهم لتطبيقه في بلدان المسلمين، أين رأينا وسمعنا أصواتا نشازا تندّد بإلحاق الأطفال بالمدارس القرآنية قبل سنّ السّادسة!!؟، فلمّا لم تجد آذانا صاغية، راحت تمكر لإحلال التعليم التحضيريّ محل التعليم القرآني بدءًا من سنّ الخامسة.. وبعد تعميم تجربة التعليم التحضيريّ بدءًا من سنّ الخامسة، ربّما يفكّر أدعياء الإصلاح الآن في فرضه بدءًا من سنّ الرّابعة، لقطع الطّريق أمام التحاق الأبناء بالتعليم القرآنيّ، وهو: ما يسعى هؤلاء إلى تكريسه بشكل متدرّج وغير علني!!؟.
ليس غريبا: أن يتداعى دعاة التّغريب لإنجاح هذا المخطّط، ويتطوّع الإعلام المأجور لتبريره والتّغطية عليه، لكنّ الغريب في الأمر: أن يذعن لهذا المسعى الخطير بعضٌ ممّن يفترض أنّهم مؤتمنون على دين الأمّة وهويتها، لأجل مناصب زائلة ولعاعة فانية!!؟
أمر مؤسف للغاية: أن يقعد الخيّرون من هذه الأمّة عن نصرة ثوابتهم وينشغلوا ليس فقط بملفّات ومواضيع هامشية أخرى، وإنّما أيضا بتنظيم دورات في كرة القدم، يتنافس فيها من يفترض أن يكونوا في الصّفوف الأولى للذّود عن عناصر الهوية، على الرّكض وراء الجلد المنفوخ، ليثبتوا للمنشغلين باجتثاث مقومات المجتمع، بأنّهم متفتّحون ومسالمون ولا تعنيهم قضايا أمّتهم ومجتمعهم!!؟.