العلم المغشوش.للشيخ محمد الغزالي
14-03-2014, 09:12 PM
العلم المغشوش
الجزء الاول
للشيخ :محمد الغزالي



الصحوة الإسلامية المعاصرة مهددة من أعداء كثيرين، والغريب أن أخطر خصومها نوع من الفكر الديني يلبس ثوب السلفية، وهو أبعد الناس عن السلف إنها إدِّعاء السلفية وليست السلفية الصحيحة !!
إن حب السلف دين وكرههم نفاق، إنهم دعائم حضارتنا، ومعالم رسالتنا، من أجل ذلك يجب أن نحسن التأسي بهم، وأن ندفع عنهم كل ما يؤذي سمعتهم.
كنت يوماً أتحدث في موضوع غير ذي بال، وفي المجلس رجل موصوف بالسلفية، وجرت على لساني كلمة موهمة لم أقصد إلى شيء بها ! وتلفتُّ فإذا الرجل يحسب في نفسه مسار فكري، ويقدِّر أني سأتورط في كذا وكذا، وكشَّر عن أنيابه واستعد للفتك !! غير أن الحديث انعرج إلى ناحية أخرى، وشعرت بأن الرجل آسف لأني أفلتُّ منه.
قلت له: فلان ! قال: ما تريد ؟ قلت: رأيتك متحفزاً للنـزال، ثم كفى الله المؤمنين القتال ... قال: نعم، حسبتك ستقول ما لا أوافق عليه ...
قلت: إنكم تتربصون بالخطأ، لتأكلوا صاحبه، فإذا فاتكم شعرتم بالحزن، ليست هذه يا صاحبي خلائق المؤمنين ! إنكم تجمعون جملة من صفات العناد والتحدي والحقد وتلمُّس العيب للبرّاء، وهذا كله مرفوض في ديننا ...
قال: نحن ندافع عن السنن ونحارب المحدثات والناس تأبى إلا الابتداع. وما يرموننا به باطل ...
قلت: ليت الأمر يكون كذلك، إنكم تهاجمون المذاهب الفقهية، وتخدشون أقدار الأئمة، وتتركون انقسامات عميقة بين الناس بـاسم السلفية، والعلم الصحيح لا يأخذ هذا المنهج ..
قال: نحن نرفض التقليد المذهبي، ونعلّم الناس الأخذ المباشر من الكتاب والسنة أتأبى أنت ذلك ؟
قلت: لا يأبى مسلم الارتباط بكتاب ربه وسنة نبيه، وتصوركم أن الفقه المذهبي يستقى من نبع آخر غير الكتاب والسنة غير صحيح .. ومن الممكن للعلماء الراسخين أن يناقشوا بعض القضايا، ويتعرفوا ما جاء فيها من آثار، ويستنبطوا ما يطمئنون إليه من أحكام، وذلك كله في إطار من الإخاء والحب وإيثار الحق على الخلق ..
والفقهاء الأربعة الكبار، نماذج رفيعة لاحترام الكتاب والسنة، ولا يلام مسلم تبع واحداً منهم، كما لا تلامون أنتم في اتباع الشوكاني أو الألباني أو الصنعاني ... الخ.
قال: ذاك ما نقول ! قلت له: لا، إنكم ترون رأيكم -الذي تابعتم فيه أحد الناس- هو الحق وحده، ثم تشنون هجوماً على من خالفه بوصفه خارجاً على السنة !! كأن السنة وقف عليكم أنتم لا غير !
أحب أن تعلموا أن الاجتهاد الفقهي خطؤه وصوابه مأجور، وأن الأمر لا يتحمل عداوة أو فرقة ! ولو سلمنا أن ما لديكم هو الصواب، فمخالفكم ما حُرِمَ ثواب الله ! فلماذا تريدون إحراجه، وإخراجه من دائرة السلف، لتبقى حكراً عليكم ؟
الرأي عندي أن المأساة (خُلُقية)، لا علمية، وأولى بكم أن تتواضعوا لله وتصلحوا نيتكم معه، وتتطامنوا لإخوانكم المؤمنين، وتحسنوا الظن بهم ...
إذا اقتنعتم برأيي فمن حق غيركم أن يقتنع بضدِّه، ولا مكان لحرب، ولا ضرب، والخلاف الفقهي لا حرج منه، أما الإثم ففي التعصب المذهبي الضيق ! والعالم الإسلامي رحب، والمذهب الذي يضيق به قطر يتسع له آخر، والذي ينبو عنه عصر تتسع له عصور أخرى ...
إن زعيم السلفية الأسبق في مصر الشيخ حامد الفقي حلف بالله أن أبا حنيفة كافر، ولا يزال رجال ممن سمعوا اليمين الفاجرة أحياء، وقد ندَّدت أنا في كتاب لي بمحاضرة ألقيت في حي الزيتون بالقاهرة تحت عنوان "أبو حامد الغزالي الكافر" والمكان الذي قيلت فيه هو مقر السلفية !! والطلبة السلفيون هنا -في جامعة الأمير عبد القادر بالجزائر- يقولون عن مالك بن أنس: إنه يفضل عمل أهل المدينة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لهم :هذاكذب، إن مالكاً رضي الله عنه يرى عمل أهل المدينة أدل على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث واحد قد يحفظ أو ينسى، قد يخطئ أو يصيب !!.
هذا التفكير المريض المتحامل لا نتيجة له، إلا تمزق الأمة المثخنة بالجراح، والزعم بأنه سلفي لون من الدجل والجرأة ...
وقد لاحظت ثلاث ثمار مُرَّة لهذا العلم المغشوش:
الأولى: أن بعض الطلاب الذين لا يحسنون إعراب جملة يقولون عن الأئمة المتبوعين: هم رجال ونحن رجال !
قلت: إن الشعب الإنجليزي لا يتناول رئيسته "تاتشر" بهذا الأسلوب السمج ! ليت شعري أين هذا السلوك من قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" !!
الثانية: أن نفراً من العمّال والفلاحين فرَّطوا في أعمالهم الحرفية، أو الفنية، مكتفين في إثبات تدينهم بثوب قصير، ولحية مشوشة، وحمل عصا حينا، أو ارتداء عمامة ذات ذنب عندما تكون "المشيخة" قد ثبتت لصاحبها ..!
أما الملاحظة الثالثة، وخطرها شديد فإن عملاء روسيا وأمريكا أيقاظاً في محاربة الإسلام، مهرة في إطفاء صحوته الجديدة ! وهم يجتهدون في إبراز الجماعات المتطرفة والتغاضي عن نشاطها لأنها وجه دميم للإسلام ودعاية حقيقية ضده، وهدم للوحدة، وتسجيل للفرقة !
من أجل ذلك يحاربون الفكر المعتدل، أو الإسلام الصحيح، ويطاردون أتباعه على حين يترك هؤلاء الغلاة يثيرون الشبه، ويشعلون حروباً داخلية تقضي على الإسلام ومستقبله، وذاك سر انتشارهم في آسيا وإفريقية !
إنهم لو نجحوا قضوا على الإسلام في مهده بقصورهم العقلي.