دحض الافتراءات المغرضة عن الخليفة هارون الرشيد
17-05-2018, 04:20 PM
دحض الافتراءات المغرضة عن الخليفة هارون الرشيد
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
أعلنت قناة:" الشروق العامة" عن شبكة برامجها الرمضانية، وكان منها: المسلسل الديني عن الخليفة العباسي العادل:" هارون الرشيد" رحمه الله، ونأمل أن لا يكون مضمون المسلسل حاملا لبعض الافتراءات التاريخية التي نسجت حول هذا الخليفة العادل رحمه الله، وفي هذا المقال بعض الإشارات العلمية المزيلة لبعض الشبه والأكاذيب التي ألصقت ظلما وزورا بذلك الإمام العادل، وقد نتبع هذا المقال بمقال آخر أكثر تفصيلا إن شاء الله، إن اقتضى الأمر ذلك، فإلى المقصود بتوفيق المعبود:
ورد في:( موسوعة بيان الإسلام) ما يأتي:
لئن كان العصر العباسي الأول قد شهد بعض مظاهر الترف والمجون، فقد حفل بالأعمال المجيدة على يد خلفائه الأقوياء ورجالهم، ولعل أبرز من ارتبط اسمه - في مخيلة العامة وعند ذوي الأحكام المعممة غير المتوازنة - بالإسراف في الترف واللهو هو:" هارون الرشيد" رحمه الله، لكن المدقق يجد الصورة على غير ظاهرها الشائع إلى حد كبير؛ يقول( د. محمد الرفاعي): " وتنسب كتب الأدب إلى الرشيد رحمه الله(170: 193هـ) أحاديث المجون ومجالس اللهو، ومنادمة السكارى والعابثين، وهذا يتنافى مع ما بلغنا من سيرته؛ إذ يقول الطبري رحمه الله:
" إنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة تطوعا إلى أن مات، لا يتركها إلا لعلة، ويتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم.
وكان يحب العلم ويكرم أهله، ويعظم الحرمات، ويكره المراء في الدين أو معارضة النص، وكان يبكي إذا وعظ، وكان يصغي إلى عظات أبي معاوية الضرير المحدث، وابن السماك الواعظ، ومرة كان الرشيد يشرب ماء، وطلب من ابن السماك أن يعظه، فقال له: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذه الشربة لو منعتها؟، قال: بنصف ملكي، فقال: ولو منعت خروجها من بدنك بكم تشتري ذلك؟، قال: بنصف ملكي الآخر، فقال له: إن ملكا لا يساوي شربة وبولة، لخليق ألا يتنافس فيه، فبكى هارون.
وكان الرشيد يكثر من الحج والغزو في سبيل الله، حتى قيل: إنه كان يحج سنة ويغزو أخرى، وقال فيه الشاعر:
فمن يطلب لقاءك أو يرده÷ فبالحرمين أو أقصى الثغور
ومن أشهر غزواته للروم "صائفة سنة 187هـ"، بعد أن نقض ملكهم نقفور الهدنة، وامتنع عن دفع الجزية، فكتب إليه الرشيد قائلا:
" من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه"، وسار من يومه إلى مدينة هرقلة فخربها، وحقق النصر المبين، وأجبر ملكهم على دفع الجزية وهو صاغر، و انطلقت ألسن الشعراء بمدائح الرشيد وتخليد هذا الانتصار( [1]).
وقد ناقش المؤرخ الشهير: ابن خلدون هذه المسألة، فكان من قوله:
" وأما ما تموه به الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر، واقتران سكره بسكر الندمان، فحاشا لله ما علمنا عليه من سوء، وأين هذا من حال الرشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة، وما كان عليه من صحبة العلماء والأولياء، ومحاوراته للفضيل بن عياض وابن السماك والعمري، ومكاتبته سفيان الثوري، وبكائه من مواعظهم، ودعائه بمكة في طوافه، وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصلوات وشهود الصبح لأول وقته!!؟".( 2).انتهى المقصود من:( موسوعة بيان الإسلام).
وقال الأستاذ:" منذر الأسعد" في مقاله الموسوم ب:(هارون الرشيد.. الخليفة المظلوم):
" ذلكم هو عنوان الكتاب القيّم الذي اشترك في تأليفه كل من الشيخ: أحمد القطان، والأستاذ: محمد الطاهر الزين، ونشرته دار الإيمان بالإسكندرية، وجاء في 230صفحة.
وتأتي أهمية الكتاب من تصديه لركام من الأكاذيب ألصقها أهل الأهواء بالخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد، وشاعت تلك المفتريات متجاوزةً العوام إلى كثير من المتعلمين الذين يتلقون التاريخ مزيفاً على أيدي متغربين لا خلاق لهم، أو أساتذة طائفيين يستترون وراء ألقاب علمية براقة!!؟.
ولعل المتابع لمسيرة الرافضة المصرّة على بث السموم وتلفيق الأراجيف وتشويه سيرة أعظم شخصيات عرفها البشر بعد الأنبياء، ونعني أصحاب نبينا الأكارم!!؟، فما البغض الشعوبي المجوسي للرشيد سوى استمرار لنهج الحقد وثقافة الكراهية التي تنهش صدور القوم وقلوبهم.
فموضوع الكتاب-إلى درجة بعيدة-موضوع معاصر، وليس تاريخياً محضاً كما قد يظن بعض الناس المنشغلين بدنياهم أو المنخدعين بشعارات التقريب الكاذبة الخاطئة.
منذ المقدمة يبين المؤلفان صراحة: أنهما سوف يدافعان-بالحق-عن مسلم ظلمه الخصوم وسواهم على حد سواء، ويحتكمان إلى المنطق ابتداء، إذ يعرف الناس في العصور الحديثة ساسة كفرة فجرة امتنعوا عن الشهوات بسبب مشاغل الحكم مع أنهم يقودون دولاً صغيرة لا تُقارَن باتساع الدولة التي حكمها الرشيد رحمه الله.
يتكون الكتاب من ثمانية أبواب هي:
1- الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية(في عصر الرشيد).
2- نَسَبُ هارون الرشيد وأسرته وحياته من الولادة حتى توليه الخلافة ثم فترة حكمه حتى وفاته.
3- خلافة الرشيد وأبرز الأحداث التي وقعت في أثنائها.
4- علاقات الرشيد الخارجية.
5- صفات الرشيد وسجاياه الحميدة.
6- ثناء العلماء وأهل التاريخ (القدماء منهم والمعاصرون)عليه.
7- بطانة الرشيد.
8- شبهات حول الرشيد والرد عليها.
وقد أثنى عليه من القدماء:( شيخ المؤرخين: ابن جرير الطبري وابن كثير والذهبي وابن خلدون والسيوطي)، وأنصفه بالحجة القاطعة من المُحْدَثِين:( يوسف العش وشاكر مصطفى ومحمود شاكر وعبد العزيز السيد سالم وفريد وجدي وحسن إبراهيم حسن ومنير البعلبكي...).
وأما الشبهات الشائعة التي طالما روّج لها المغرضون، والتي تصدى لها المؤلفان بمنطق رائع وحجة قوية موثقة بالبرهان التاريخي والعقلي، فأهمها:( أقصوصة أخته العباسة الملفقة مع جعفر البرمكي، واتهامه بشرب الخمر، ونعته بازدواج الشخصية، ودعوى سماعه الغناء).
ويخلص القارئ إلى أن:( هارون الرشيد خليفة موفق، ورجل دولة حازم، وهو: شخص ورع كان يغزو عاماً ويحج عاماً، وكان حريصاً على العلم والدعوة ورجال القضاء، وهو: سخي جواد يبذل المال في سبل الخير الكثيرة والمتنوعة).
من هنا، يعد هذا الكتاب جديراً بالقراءة والمناقشة، وهو لا يقل أهمية عن كتاب شوقي أبو خليل:( هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه)، وإن كان لكل منهما أسلوبه، لكنهما يلتقيان في الغاية، ويجتمعان في تنقية صورة الرشيد بالحجة الحاسمة، وليس بالقيل والقال ولا بالظنون والتمنيات.
هوامش:
[1] الخلافة العباسية والمشرق الإسلامي، د. محمد عبد الحميد الرفاعي، مكتبة النصر، القاهرة، 1999م، ص36، 37.
[2] مقدمة ابن خلدون، تحقيق: د. علي عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر، القاهرة، ط3، 1981م، ص303، 304.