المستشرقون والمجامع العلمية واللغوية
05-04-2016, 02:31 PM
المستشرقون والمجامع العلمية واللغوية

د. إسماعيل علي محمد

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



استطاع المستشرقون: أن يتسللوا إلى بعض المجامع العلمية الرسمية في بعض البلاد العربية والإسلامية مثل:( مصر ودمشق وبغداد)، وهم يعتبرون التمثيل في هذه المجامع:" وسيلة لتحقيق أهدافهم"؛ حيث يعملون جاهدين على تحويل هذه الأهداف إلى مناهج براقة، تتدثر بعباءة البحث العلمي، مثل:" قيامهم بالدعوة إلى إحياء العاميات"، أو:" الدعوة إلى تعديل النحو العربي"، أو:" اللغة الوسطى أو الكتابة العربية المعاصرة"، وكلها محاولات ترمي إلى إيجاد فجوة بين لغة القرآن ولغة الكتابة.
ولقد سبق لهم: أن تسللوا من قبل للبحث عن العاميات، ولبسوا ملابس التجار والدبلوماسيين، وصاروا يعملون بشتى الوسائل لجمع الأمثال العربية والمواويل، بهدف مسموم هو: الزعم بأن العامية لغة لها تراث!!؟[1].
وبالإضافة إلى هذا، فإن اشتراكهم في المجامع العلمية الرسمية واللغوية، واهتمامهم باللغة العربية: يرجع في بعض أسبابه إلى:" التمهيد للحملات الاستعمارية، ومحاولة فهم الشرق الإسلامي من جميع نواحيه، وإدراك أسرار الشعوب التي يتسلطون عليها، ومعرفة مكامن القوة والضعف لديها"، ولا شك في: أن دراسة اللغة تعين على تحقيق هذا كله.

بعض المستشرقين الذين التحقوا بمجمعي القاهرة ودمشق، وعداوتهم للإسلام ولغته:
ومن المستشرقين الذين كانوا أعضاء في المجمع اللغوي بمصر؛ " جب " و" مرجليوث "، و" نيكلسون"، وثلاثتهم من انجلترا، و" لوي ماسنيون " الفرنسي [2].
ومنهم أيضا: " أ. ج. فينسينك"، وهو عدو لدود للإسلام: كان عضوا بالمجمع، ثم أخرج منه على إثر أزمة أثارها الدكتور الطبيب:" حسين الهواري " مؤلف كتاب:[المستشرقون والإسلام. صدر في سنة 1936م"، وحدث بعد ذلك أن نشر " فينسنك ": رأيه في القرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم -، مدعيا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ألف القرآن من خلاصة الكتب الدينية والفلسفية التي سبقته " [3].
ومن المستشرقين الذين كانوا أعضاء في المجمع العلمي بدمشق: " جريفني الإيطالي"، و" جوتهيل الكولومبي"، و" جويدي الإيطالي"، و" جي سو الفرنسي"، و" نالينو الإيطالي"، و" هارتمان الألماني الأصل"، و" م. هوتمان الهنولدي"، وكذلك " ماسنيون "، و" مرجليوث "[4].
وجدير بالذكر: أن أولئك المستشرقين الذين اشتركوا في عضوية مجمعي القاهرة ودمشق، منهم: من اشتهر عنه العداوة الشديدة والكراهية للإسلام ولغة القرآن من خلال كتاباتهم ومواقفهم، بل إن بعضهم لا يعد من المستشرقين المعادين للإسلام فحسب؛ وإنما من المتطرفين في عداوته، مثل:" ماسنيون "، و:" مرجليوث "، و:" فينسنك ".
ونشير على سبيل المثال لعداوة أحدهم للغة العربية، وهو " ماسنيون ": الذي عمل مستشارا لوزارة المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا، وكان: الراعي الروحي للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر، وخدم بالجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى [5].
نجد محاضرة " ماسنيون " الشهيرة عام 1931م في بيروت:" للدعوة إلى العامية، وإلى كتابة هذه العامية بالحروف اللاتينية"، وكان قد ألقاها قبل ذلك في جمع من شباب العرب في باريس عام 1929م.
ولقد وقف " ماسنيون " يخطب في بيروت، وكان همه: أن يبث سمومه في الشباب السوري، فزعم لهم: أن كرامة اللغة العربية توجب أن تتفرغ إلى لغات عديدة كما تفرعت اللغة اللاتينية!!؟، فيا سعادة الشرق العربي عندما تصير اللغة العربية إلى ما صارت إليه اللغة اللاتينية!!؟.
وقال هذا المستشرق في محاضرة له في [الكوليج دي فرانس ]:" إنه لا حياة للغة العربية إلا إن كتبت بحروف لاتينية " [6].
من هنا: يستطيع المرء أن يدرك مدى خطورة المستشرقين وتداخلهم في المجالات العلمية، وهم يعملون وفق خطة مدروسة، حيث يجتمعون في هيئة مؤتمرات بين الحين والحين [7].
إن الباحث لا يستطيع أن يخفي دهشته من وجود أمثال هذا المستشرق في مجامع اللغة العربية التي ما أنشئت إلا للحفاظ على لغة القرآن الكريم، ومواجهة التحديات التي تصدر عن خصومها، وحراستها من مكائد دعاة العامية، سواء أكانوا من المستشرقين، أم من أتباعهم وأذيالهم في بلداننا العربية والإسلامية!!؟.

المستشرقون ليسوا أصحاب كفاءات علمية في معرفة لغتنا وديننا:
ثم إن هؤلاء المستشرقين: لا يمكن أن يصلوا إلى:" درجة إتقان اللغة العربية، وفقه البيان العربي، وإدراك أسرار البلاغة العربية" بدرجة تؤهلهم لأن يكونوا في مصاف علماء اللغة المقتدرين، فضلا عن أن علماءنا في مجال اللغة كثر، والحمد لله - فلسنا في حاجة ألبته إلى هؤلاء الأعاجم الحاقدين الماكرين.
تقول:( الدكتورة بنت الشاطئ):
" إن اللغة العربية بالنسبة للمستشرقين لغة أجنبية عنهم، ومهما أتقنوها وأجادوا تعلمها، فهم يعجزون عن تذوق بعض أساليبها، ويحول تركيبهم الاجتماعي، وتكوينهم الحضاري دون النفاذ إلى ما وراء الكلمات والحروف من شفافية وحسن، وأسرار مبثوثة، وهذا أوقع بعضهم في أخطاء دفعتهم إلى إصدار أحكام مجحفة، سجلوها ظلما على مفاهيم الإسلام، فادعى:" فيليب فونداس " [8]: أن الأموال عند المسلم من أصل شيطاني نجس!!؟:استنادا على الآية الكريمة ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، وادعى آخرون: أن الحكم الديني الإسلامي: كان ينظر إلى المحكومين الأعاجم كقطيع من الغنم!!؟، ويستنبط هذا الاكتشاف من فهم لمعنى الراعي والرعية!!؟" [9].
بل إن جهل بعضهم المطبق باللغة العربية: أوقعهم في تفسيرات خاطئة، ومضحكة في آن واحد.
يقول:" العقاد"- حاكياً بعض تفسيراتهم الخاطئة لكثير من أمور اللغة الدين -:
"ومنها ما كتبه بعض المستشرقين تفسيراً لاسم "أبي بكر" رضي الله عنه من أنه: [أبو العذراء ]"!! [10].
ومنها ما قالوه في تفسير لمعنى " القصيد " [11]. من أنه: القصود!!؟.
" و " الصعيد " معناها: السعيد!!؟، كما في دائرة المعارف البريطانية " [12].
ويعلل:" العقاد" ذلك قائلا:
" ذلك أنهم على غير علم دقيق باللغة العربية، وليس هذا غريبا، فهم لا يفهمون أدب أمتهم، ولا يجيدون معرفة هذا الأدب في لغتهم، فمن باب أولى أن لا يحسنوا فهم الأدب العربي!!؟.
وقد كانت لهم مكانة: أكثر مما يستحقون، حتى وقفنا أمامهم، ووضعناهم في موضعهم!!؟" [13].

ألا ليت المفتونين بأولئك المستشرقين: يخففون من غلوائهم وافتتانهم بهم، ويضعونهم في أحجامهم الطبيعي، بعد الذي تكشف من أخطائهم وتعصبهم وجهلهم!!؟.
[1] يراجع تفصيل هذا الكلام وأدلته في: مقدمات العلوم والمناهج، للأستاذ أنور الجندي - يرحمه الله -، 4/ 59 وما بعدها.
[2] الاستشراق والتبشير، إبراهيم خليل أحمد، ص 61 باختصار وتصرف.
[3] الفكر الإسلامي الحديث، ص 45.
[4] الاستشراق والتبشير، ص 61 - 62 باختصار وتصرف.
[5] الفكر الإسلامي الحديث، ص 450 بتصرف.
[6] مقدمات العلوم والمناهج، أنور الجندي 4/ 62.
[7] الاستشراق والتبشير، ص 62.
[8] فرنسي من ألد أعداء الإسلام، ومن كتبه: " الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء ".
[9] مقدمات العلوم والمناهج 4/ 63، وانظر: الاستشراق والمستشرقون للسباعي، ص 64، حيث ذكر أن ممن فهم هذا الفهم لمعنى الرعية المستشرق " بروكلمان " في كتابه: تاريخ الشعوب الإسلامية، وقد رد عليه الدكتور السباعي بما بدد شبهته وسوء فهمه.
[10] البكر - بالفتح -: الفتي من الإبل، بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة، وقد يستعار للناس، النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري ابن الأثير [المتوفى 606ه-]، 1/ 149، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية بيروت 1399ه- 1979م.
[11] " القصيد: جمع القصدة، واللحم اليابس، والقصد من الإبل: الناقة السمينة الممتلئة الجسيمة، والعصا، والسمين من الأسنمة، والقصيد من الشعر: المنقح المجود المهذب، الذي قد أعمل فيه الشاعر فكرته ولم يقتضبه اقتضابا، تاج العروس، محمد بن محمد عبد الرزاق الحسيني، الملقب بمرتضى الزبيدي [المتوفى 1205ه-]، 9/ 37 وما بعدها باختصار وتصرف، دار الهداية. وبيت القصيد: الأمر المهم، وخلاصة الموضوع، وأحسن أبيات القصيدة وأنفسها. معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد عمر، 2/ 1820، عالم الكتب، ط الأولى 1429ه- 2008م.
[12] أوربا والإسلام، د/ عبد الحليم محمود ص 137، دار المعارف - القاهرة، ط الرابعة.
[13] الإسلام دعوة عالمية، العقاد 6/ 195.