مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
22-03-2009, 01:30 AM
مفكر النهضة
الفيلسوف الجزائري
مالك بن نبي
الفيلسوف الجزائري
مالك بن نبي
بقلم حُسنى
من بين المفكرين العرب المسلمين الذين أبدعوا في مجال الفكر الحضاري؛ الذي لم يطرقه قبل
سوى ابن خلدون ، مفكر جزائري لم يوفَّ حقه من التعريف والاهتمام بما تركه من كتابات تنيف عن العشرين مؤلفا، إنه “مالك بن نبي”
لقد ولد مالك بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي سنة 1905 م في مدينة تبسة؛ وهي مدينة صغيرة أقرب إلى البداوة آنذاك منها إلى المدنية، وتربى داخل أسرة فقيرة ومتدينة؛ حيث تأثر بما كانت تحكيه له جدته من حكايات دينية، كما تأثر بوالدته التي كانت تعمل بالخياطة لتوفير مصاريف البيت وتعمل كل ما في وسعها ليدخل ابنها المدرسة ويتعلم .
كان وجود الاستعمار الفرنسي في تبسة ضعيفا؛ ولذلك لم تنتشر هناك تلك العادات الذميمة التي نقلها الاستعمار للجزائريين من تدخين و تصعلك وارتداء للزي الغربي الغريب بدل الزي المحلي الذي يرمز للتشبت بالهوية العربية الإسلامية آنذاك، فثابر الناس هناك على تعلم العربية و التشبت بالإسلام لمقاومة ذوبان الهوية الجزائرية في هوية المستعمر.
تلقى مالك تعليمه الابتدائي والإعدادي في تبسة ثم انتقل إلى قسنطينة ليدرس بالثانوية بعد حصوله على منحة دراسية لا يحصل عليها عادة من هم من طبقته الاجتماعية.
هناك ؛ في قسنطينة؛ اتسع أفقه المعرفي،فكان يدرس بالمدرسة الفرنسية بالموازاة مع حضوره للدروس بالمسجد، فتعلم تذوُّق القراءة بفضل أستاذه الفرنسي، كما تعرف على مجلة الشهاب التي تصدرها جمعية العلماء المسلمين، برئاسة عبد الحميد بن باديس، كما اكتسب منهجا عقلانيا في التفكير انتزعه من الخرافات التي كانت سائدة في مجتمعه آنذاك .
عندما أتم دراسته الثانوية هاجر إلى فرنسا بحثا عن عمل لكن خيبة الملل كانت في انتظاره، ممَّ جعله يعود للوطن ليعمل في وظيفة بمحكمة آفلو بالجنوب الجزائري ، لكن لم يمضِ سوى عام واحد حتى غادرها ليدخل مشروعا تجاريا فاشلا؛ ومن ثَـم َّيعود مرة أخرى بعد إلحاح من والديه لفرنسا ؛ ولكن هذه المرة لإكمال الدراسة لا للعمل.
ذهب وكله طموح ورغبة في أن يتابع دراسته من أجل أن يتخرج محاميا، وأعد نفسه للامتحان جيدا ولكن إدارة المعهد لم تكن لتقبلَ بولوج جزائري إلى مجال حساس كهذا، مثَّلَ هذا الحادث ضربة قاسية له جعله يحس بمدى الظلم و القهر الذي يعيشه المواطن الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي ، عدَّل مالك من أهدافه لكي لا يعود أدراجه مرة أخرى إلى الجزائر خاوي الوفاض.فالتحق بمعهد اللاسلكي ليتخرج منه مساعد مهندس.
تزوج مالك من امرأة فرنسية ساعدها حتى اعتنقت الإسلام؛ فكانت عونا له، واستقر بفرنسا مع تردده على الجزائر من حين لآخر.
في هذه الفترة تعرف على عدد من مفكري وأدباء الأمة بفؤنسا واحتك بهم عن كثب؛ فألف كتبه :”الظاهرة القرآنية” و”شروط النهضة” و”وجهة العالم الإسلامي”.
لكنه عند بداية المقاومة المسلحة بالجزائر انتقل للإقامة بالقاهرة؛ فألف كتابه”فكرة الإفريقية الأسيوية“ .
وبعد الاستقلال يعود للوطن ليعمل مديرا للتعليم العالي لكنه يستقيل من عمله هذا سنة 1967 ليتفرغ للتأليف فكان كتابه “مذكرات شاهد من قرن” الذي هو في الحقيقة سيرة ذاتية تروي أحداث كل محطات حياته .
وقضى نحبه رحمه الله في يوم 31 أكتوبر 1973م عن سن يناهز ثمانية وستين سنة…..
كان وجود الاستعمار الفرنسي في تبسة ضعيفا؛ ولذلك لم تنتشر هناك تلك العادات الذميمة التي نقلها الاستعمار للجزائريين من تدخين و تصعلك وارتداء للزي الغربي الغريب بدل الزي المحلي الذي يرمز للتشبت بالهوية العربية الإسلامية آنذاك، فثابر الناس هناك على تعلم العربية و التشبت بالإسلام لمقاومة ذوبان الهوية الجزائرية في هوية المستعمر.
تلقى مالك تعليمه الابتدائي والإعدادي في تبسة ثم انتقل إلى قسنطينة ليدرس بالثانوية بعد حصوله على منحة دراسية لا يحصل عليها عادة من هم من طبقته الاجتماعية.
هناك ؛ في قسنطينة؛ اتسع أفقه المعرفي،فكان يدرس بالمدرسة الفرنسية بالموازاة مع حضوره للدروس بالمسجد، فتعلم تذوُّق القراءة بفضل أستاذه الفرنسي، كما تعرف على مجلة الشهاب التي تصدرها جمعية العلماء المسلمين، برئاسة عبد الحميد بن باديس، كما اكتسب منهجا عقلانيا في التفكير انتزعه من الخرافات التي كانت سائدة في مجتمعه آنذاك .
عندما أتم دراسته الثانوية هاجر إلى فرنسا بحثا عن عمل لكن خيبة الملل كانت في انتظاره، ممَّ جعله يعود للوطن ليعمل في وظيفة بمحكمة آفلو بالجنوب الجزائري ، لكن لم يمضِ سوى عام واحد حتى غادرها ليدخل مشروعا تجاريا فاشلا؛ ومن ثَـم َّيعود مرة أخرى بعد إلحاح من والديه لفرنسا ؛ ولكن هذه المرة لإكمال الدراسة لا للعمل.
ذهب وكله طموح ورغبة في أن يتابع دراسته من أجل أن يتخرج محاميا، وأعد نفسه للامتحان جيدا ولكن إدارة المعهد لم تكن لتقبلَ بولوج جزائري إلى مجال حساس كهذا، مثَّلَ هذا الحادث ضربة قاسية له جعله يحس بمدى الظلم و القهر الذي يعيشه المواطن الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي ، عدَّل مالك من أهدافه لكي لا يعود أدراجه مرة أخرى إلى الجزائر خاوي الوفاض.فالتحق بمعهد اللاسلكي ليتخرج منه مساعد مهندس.
تزوج مالك من امرأة فرنسية ساعدها حتى اعتنقت الإسلام؛ فكانت عونا له، واستقر بفرنسا مع تردده على الجزائر من حين لآخر.
في هذه الفترة تعرف على عدد من مفكري وأدباء الأمة بفؤنسا واحتك بهم عن كثب؛ فألف كتبه :”الظاهرة القرآنية” و”شروط النهضة” و”وجهة العالم الإسلامي”.
لكنه عند بداية المقاومة المسلحة بالجزائر انتقل للإقامة بالقاهرة؛ فألف كتابه”فكرة الإفريقية الأسيوية“ .
وبعد الاستقلال يعود للوطن ليعمل مديرا للتعليم العالي لكنه يستقيل من عمله هذا سنة 1967 ليتفرغ للتأليف فكان كتابه “مذكرات شاهد من قرن” الذي هو في الحقيقة سيرة ذاتية تروي أحداث كل محطات حياته .
وقضى نحبه رحمه الله في يوم 31 أكتوبر 1973م عن سن يناهز ثمانية وستين سنة…..
مقارنة بين مالك وابن خلدون
لقد تبنى مالك ابن نبي منهجا لم يسبقه إليه سوى القليل.
وكان رائدهم العلامة العربي المسلم ابن خلدون، فهو يشترك معه في العديد من الأفكار،
لقد تركز بحث كليهما على القضايا الأساسية التي تشغل المسلم بغض النظرعن انتمائه الإقليمي
لذلك جاءت أفكارهما متجاوزة للحدود الضيقة بين الأقطارالمسلمة
كما جاءت شمولية وكلية وبعيدة عن التفكيك و التجزئة
في عالم الأفكار
أبدع المفكر مالك بننبي أفكارا متميزة في البناء الحضاري
سواء بخصوص الاستعمار أو التبعية أوالنهضة أو الثقافة أو الحضارة…
فدرس هذه القضايا من جميع جوانبها وأبدع فيها وطورها بعيدا عن أي عصبية أو مذهبية
ممَّ خولها من الانتشار و القبول
قوة الحضارة في عودتها لمنبعها
ومن بين أفكاره العبقرية أن أي حضارة لن تنهض من جديد إلا في ظروف نشأتها الأولى
ثم انتقل ليقرر خصوصية الحضارة الإسلامية التي انبنت على الفكرة الدينية ،
ومن ثَمَّ فتحقيق النهضة الإسلامية حديثا لن تتم إلا بالرجوع لمنابع الدين
ولهذا جاء في الآية الكريمة ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد 11
الإنسان بين ثلاثة عوالم
اكتشف مالك أن الإنسان يتردد بين ثلاثة عوالم: عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأفكار
وضرب مثالا بالطفل يولد فيلتقم ثدي أمه
الذي لا يمثل بالنسبة له سوى شيئا يمكن أن تقوم الرَّضاعة مكانه،
ولكنه لن يلبث أن يتعرف على أمه ثم باقي المحيطين به
أي أنه ينتقل من الأشياء إلى الأشخاص ،
ثم يكبر شيئا فشيئا فيبدأ في التفكير ويمارس جميع عملياته من تحليل وتركيب وتجريد ..
والإنسان أمامه طريق ثان لملء فراغه
فإما أن ينشغل بما هو على الأرض من أشياء فتتولد لديه الرغبة في امتلاكها
وإما أن ينظر للسماء فيبحث عن الحقيقة ويتطلع للمعرفة
ثقافة الأفكار وثقافة الأشياء
هاتان الطريقتان هما المتمثلتان في العملين الأدبيين و الفلسفيين :
حي بن يقظان للفيلسوف العربي عامر بن طفيل
وروبانسون كروزو Robinson crosoé للكاتب دانيال دوفوي Daniel de foé
فالقصة الأولى تمثل ثقافة الأفكار التي تنشأ عنها حضارة أخلاقية
تتمحور فيها الأشياء حول الفكرة ،
بينما قصة روبنسون كروزو تمثل ثقافة الأشياء التي تنشأ عنها حضارة تقنية
تتمحور فيها الأفكار حول الشيء .
انحطاط الحضارة قرين بظهور ثقافة الأشياء
لكن من سنن الله الحضارية (أي القوانين التي تحكم الحضارات)
أن أفول حضارة ما يبدأ بظهور الأصنام والأوثان و التراجع في عالم الأشخاص
وهذا ما حدث إبان تدهور الحضارة الإسلامية
حيث توازى الانحطاط معظهور المشعوذين و الدجالين وتحكمهم بعقول الناس
ولم تعد هناك سلطة للعقل والفكرة ..
المسلم بين السلفية و الحداثية
لقد شغلت مالكا مشكلة المسلم الخامل الذي غرق في سبات عميق فدرسها دراسة معمقة بحثا عن اسبابها وجذورها حتى يتمكن من وصف العلاج لها، فاكتشف انها مشكلة متعلقة بالحضارة فبينما كل العالم يتقدم إلى الأمام يجد المسلم نفسه في تقهقر مستمر إلى الخلف فاستسلم لذلك معتقدا أن الرجوع لصف الريادة أصبح مستحيلا
فانقسم المسلمون إلى قسمين
قسم كلما حدثته عن التقدم و الحضارة عاد ليعيش في الماضي وامجاده يقص عليك كيف كان المسلمون الأولون وكيف بنوا حضارة بلغت جميع اقطار العالم وان ما يوجد الآن قد استمد منها ….ويمضي في الحنين إلى الماضي دون ان يفكر في مستقبله وفي وضع المسلمين الحالي وان ما فعله اجداده إنما كان نتيجة تمسكهم بمنهج متقن ليس فيه حظ للكسل و التقاعس والاستسلام فغاب عنه أن الحل ليس في الكلام عم مضى بل في اتباع منهج الأجداد لنسترجع المجد و التقدم
وقسم آخر رأى في الغرب النموذج الناجح الذي يجب ان يحتدى ونسي تماما ماضيه و جذوره
بل رغب في محو كل ذلك معتقدا ان هذا الماضي هو من يجره إلى الخلف ويمنعه من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة ، هؤلاء هم دعاة الحداثة المبهورون بكل ما هو غربي، المعادون لكل ما هو أصيل
حين عالج مالك مشكلة الحضارة عند المسلمين لم يوافق لا هؤلاء ولا أولئك ، فهو ليس مع السلفية السطحية التي لا تدخل لجوهر الماضي لتستنبط منه اسباب النجاح فتطبقها على حاضرها ، بل تتعلق بالماضي كقشور جوفاء
كما انه ليس مع من الفكر الحداثي الذي يجعل المسلم جاهلا بماضيه مجثتا من جذوره كل همه أن يقلد الغرب في كل ما ذهبوا إليه دون أي تمييز
إن كون مالك لم يوافق كلا الفريقين هو ما جعل أفكاره تُغيَّبُ على المسلم العادي الذي يصنع التغيير المنشود من اجل التقدم ، فلا السلفيون نشروا أفكاره ولا الحداثيون فعلوا، وبقيت الحلول الحضارية التي طرحها حبيسة كتبه
وكما يعتقد مالك فانتشار الفكرة لا علاقة له بصحتها بقدر ما له علاقة بتفجرها وخروجها عن المصدر الذي ولدت فيه إلى عقول أفراد المجتمع حتى يؤمن بها وتترسخ فيها وتصبح جزء من ثقافتها
فيمكن آنذاك تطبيقها
كما انه كان على وعي تام من أن الفكرة حين تكون غريبة عن وسطها فإنها ستحتاج لوقت حتى تفهم ثم يتسنى لها التطبيق
العقل و العلم هما السبيل لرفع التحديات
كلا المنهجين اللذين انتقدهما مالك بن نبي ( المنهج السلفي الماضوي و النمهج الحداثي المتغرب) قد فشلا في صنع التغيير
إذ الأول عانى من غربة في الزمان لأنه حاول حل مشكلات القرن العشرين الحديثة بآليات اجتهاد قديمة، أما الثاني فقد عانى من غربة في المكان لأنه حاول زرع بذور مستوردة من الغرب في تربة شرقية فلم تفلح زراعته
كما أن الغرب نفسه يعيش أزمة حقيقية تمثلت في الاندحار الأخلاقي الذي أوضح بقوة أن الفلسفة الغربية المنطلقة من الماديات لم تعط سوى بنيانا حضاريا هشا
يتحول العالم كله في وقتنا الحالي تحولا سريعا مبنيا على المعرفة أكثر من الصناعة التي احتلت الصدارة في وقت من الأوقات
لذا نرى أن سيلا كبيرا من المعارف و المعلومات يطرح في العالم كل يوم وللأسف لا يشارك العالم الإسلامي في كل هذا السيل سوى بنسبة قليلة جدا تكاد تتجاوز بالكاد الصفر
ولهذا صار العقل هو السلاح الوحيد الذي يكفل تقدم أمة على أخرى ، فالأمة التي يحسن أفرادها استعمال عقولهم لبناء المعرفة هي الأمة التي تستحق التقدم و الريادة
فرصة للانطلاق من جديد
كل هذا جعل الآن الفرصة مواتية لتبني فكر مالك بن نبي في عصر المعلومات و العولمة
ولم يبق لنا سوى نشر فكر هذا المفكر النابغة وإخراجه من بطون مكتبات النخبة إلى أيدي المسلمين العاديين بالمجتمع ليتحول من مجرد أفكار نظرية إلى أفعال وممارسات وسلوكيات يومية ( فقوة الكلمة ليست في وجودها بين الكتب بل في رسوخها في عقول الناس العامة وإيمانهم بها واتخاذهم لها مبادئ في حياتهم يعيشون بها ويدافعون عنها ويجسدونها في سلوكهم كل يوم بل كل لحظة)
كفانا حديثا عن أصالة الإسلام وكونه الحل، فهذا أمر أعتقد أن أغلبية الناس العاديين مقتنعون به
علينا الآن أن ننتقل من مجرد الكلام والدفاع عن الإسلام إلى الفعل الذي سيعيد للإسلام إنتاجيته وللمسلمين قوتهم وتقدمهم
فكرة العولمة التي تميز هذا العصر أراها في خدمة المسلم لأنه آمن واعتقد بوحدة الأصل الإنساني وأن لا فرق لأبيض على اسود إلا بالتقوى في وقت شاعت فيه القوميات و العصبيات
كما أنه آمن بقيم العدالة و الحق و الخير و المساواة المطلقة منذ وقت كان غيره يرى أن العدالة لا يستحقها سوى جنس من بين باقي الأجناس وأن المساواة لا تنطبق إلا عليهم فيما بينهم ….
من هنا يتوجب على المسلمين الدخول إلى التاريخ وممارسة دورهم فيه ، فبدونهم لا يمكن للإنسانية الخروج من الأزمة بأمان حتى يتسنى لها الوصول إلى الحقيقة الكبرى في الكون ألا وهي الله
فالعالم اليوم رغم الانفجار المعرفي المذهل إلا أنه يمشي بدون هدف وحاجته موجودة عند المسلم ألا وهي الإسلام الذي ينير له الطريق ليقوم مساره ويجد غاية له ….
وكان رائدهم العلامة العربي المسلم ابن خلدون، فهو يشترك معه في العديد من الأفكار،
لقد تركز بحث كليهما على القضايا الأساسية التي تشغل المسلم بغض النظرعن انتمائه الإقليمي
لذلك جاءت أفكارهما متجاوزة للحدود الضيقة بين الأقطارالمسلمة
كما جاءت شمولية وكلية وبعيدة عن التفكيك و التجزئة
في عالم الأفكار
أبدع المفكر مالك بننبي أفكارا متميزة في البناء الحضاري
سواء بخصوص الاستعمار أو التبعية أوالنهضة أو الثقافة أو الحضارة…
فدرس هذه القضايا من جميع جوانبها وأبدع فيها وطورها بعيدا عن أي عصبية أو مذهبية
ممَّ خولها من الانتشار و القبول
قوة الحضارة في عودتها لمنبعها
ومن بين أفكاره العبقرية أن أي حضارة لن تنهض من جديد إلا في ظروف نشأتها الأولى
ثم انتقل ليقرر خصوصية الحضارة الإسلامية التي انبنت على الفكرة الدينية ،
ومن ثَمَّ فتحقيق النهضة الإسلامية حديثا لن تتم إلا بالرجوع لمنابع الدين
ولهذا جاء في الآية الكريمة ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد 11
الإنسان بين ثلاثة عوالم
اكتشف مالك أن الإنسان يتردد بين ثلاثة عوالم: عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأفكار
وضرب مثالا بالطفل يولد فيلتقم ثدي أمه
الذي لا يمثل بالنسبة له سوى شيئا يمكن أن تقوم الرَّضاعة مكانه،
ولكنه لن يلبث أن يتعرف على أمه ثم باقي المحيطين به
أي أنه ينتقل من الأشياء إلى الأشخاص ،
ثم يكبر شيئا فشيئا فيبدأ في التفكير ويمارس جميع عملياته من تحليل وتركيب وتجريد ..
والإنسان أمامه طريق ثان لملء فراغه
فإما أن ينشغل بما هو على الأرض من أشياء فتتولد لديه الرغبة في امتلاكها
وإما أن ينظر للسماء فيبحث عن الحقيقة ويتطلع للمعرفة
ثقافة الأفكار وثقافة الأشياء
هاتان الطريقتان هما المتمثلتان في العملين الأدبيين و الفلسفيين :
حي بن يقظان للفيلسوف العربي عامر بن طفيل
وروبانسون كروزو Robinson crosoé للكاتب دانيال دوفوي Daniel de foé
فالقصة الأولى تمثل ثقافة الأفكار التي تنشأ عنها حضارة أخلاقية
تتمحور فيها الأشياء حول الفكرة ،
بينما قصة روبنسون كروزو تمثل ثقافة الأشياء التي تنشأ عنها حضارة تقنية
تتمحور فيها الأفكار حول الشيء .
انحطاط الحضارة قرين بظهور ثقافة الأشياء
لكن من سنن الله الحضارية (أي القوانين التي تحكم الحضارات)
أن أفول حضارة ما يبدأ بظهور الأصنام والأوثان و التراجع في عالم الأشخاص
وهذا ما حدث إبان تدهور الحضارة الإسلامية
حيث توازى الانحطاط معظهور المشعوذين و الدجالين وتحكمهم بعقول الناس
ولم تعد هناك سلطة للعقل والفكرة ..
المسلم بين السلفية و الحداثية
لقد شغلت مالكا مشكلة المسلم الخامل الذي غرق في سبات عميق فدرسها دراسة معمقة بحثا عن اسبابها وجذورها حتى يتمكن من وصف العلاج لها، فاكتشف انها مشكلة متعلقة بالحضارة فبينما كل العالم يتقدم إلى الأمام يجد المسلم نفسه في تقهقر مستمر إلى الخلف فاستسلم لذلك معتقدا أن الرجوع لصف الريادة أصبح مستحيلا
فانقسم المسلمون إلى قسمين
قسم كلما حدثته عن التقدم و الحضارة عاد ليعيش في الماضي وامجاده يقص عليك كيف كان المسلمون الأولون وكيف بنوا حضارة بلغت جميع اقطار العالم وان ما يوجد الآن قد استمد منها ….ويمضي في الحنين إلى الماضي دون ان يفكر في مستقبله وفي وضع المسلمين الحالي وان ما فعله اجداده إنما كان نتيجة تمسكهم بمنهج متقن ليس فيه حظ للكسل و التقاعس والاستسلام فغاب عنه أن الحل ليس في الكلام عم مضى بل في اتباع منهج الأجداد لنسترجع المجد و التقدم
وقسم آخر رأى في الغرب النموذج الناجح الذي يجب ان يحتدى ونسي تماما ماضيه و جذوره
بل رغب في محو كل ذلك معتقدا ان هذا الماضي هو من يجره إلى الخلف ويمنعه من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة ، هؤلاء هم دعاة الحداثة المبهورون بكل ما هو غربي، المعادون لكل ما هو أصيل
حين عالج مالك مشكلة الحضارة عند المسلمين لم يوافق لا هؤلاء ولا أولئك ، فهو ليس مع السلفية السطحية التي لا تدخل لجوهر الماضي لتستنبط منه اسباب النجاح فتطبقها على حاضرها ، بل تتعلق بالماضي كقشور جوفاء
كما انه ليس مع من الفكر الحداثي الذي يجعل المسلم جاهلا بماضيه مجثتا من جذوره كل همه أن يقلد الغرب في كل ما ذهبوا إليه دون أي تمييز
إن كون مالك لم يوافق كلا الفريقين هو ما جعل أفكاره تُغيَّبُ على المسلم العادي الذي يصنع التغيير المنشود من اجل التقدم ، فلا السلفيون نشروا أفكاره ولا الحداثيون فعلوا، وبقيت الحلول الحضارية التي طرحها حبيسة كتبه
وكما يعتقد مالك فانتشار الفكرة لا علاقة له بصحتها بقدر ما له علاقة بتفجرها وخروجها عن المصدر الذي ولدت فيه إلى عقول أفراد المجتمع حتى يؤمن بها وتترسخ فيها وتصبح جزء من ثقافتها
فيمكن آنذاك تطبيقها
كما انه كان على وعي تام من أن الفكرة حين تكون غريبة عن وسطها فإنها ستحتاج لوقت حتى تفهم ثم يتسنى لها التطبيق
العقل و العلم هما السبيل لرفع التحديات
كلا المنهجين اللذين انتقدهما مالك بن نبي ( المنهج السلفي الماضوي و النمهج الحداثي المتغرب) قد فشلا في صنع التغيير
إذ الأول عانى من غربة في الزمان لأنه حاول حل مشكلات القرن العشرين الحديثة بآليات اجتهاد قديمة، أما الثاني فقد عانى من غربة في المكان لأنه حاول زرع بذور مستوردة من الغرب في تربة شرقية فلم تفلح زراعته
كما أن الغرب نفسه يعيش أزمة حقيقية تمثلت في الاندحار الأخلاقي الذي أوضح بقوة أن الفلسفة الغربية المنطلقة من الماديات لم تعط سوى بنيانا حضاريا هشا
يتحول العالم كله في وقتنا الحالي تحولا سريعا مبنيا على المعرفة أكثر من الصناعة التي احتلت الصدارة في وقت من الأوقات
لذا نرى أن سيلا كبيرا من المعارف و المعلومات يطرح في العالم كل يوم وللأسف لا يشارك العالم الإسلامي في كل هذا السيل سوى بنسبة قليلة جدا تكاد تتجاوز بالكاد الصفر
ولهذا صار العقل هو السلاح الوحيد الذي يكفل تقدم أمة على أخرى ، فالأمة التي يحسن أفرادها استعمال عقولهم لبناء المعرفة هي الأمة التي تستحق التقدم و الريادة
فرصة للانطلاق من جديد
كل هذا جعل الآن الفرصة مواتية لتبني فكر مالك بن نبي في عصر المعلومات و العولمة
ولم يبق لنا سوى نشر فكر هذا المفكر النابغة وإخراجه من بطون مكتبات النخبة إلى أيدي المسلمين العاديين بالمجتمع ليتحول من مجرد أفكار نظرية إلى أفعال وممارسات وسلوكيات يومية ( فقوة الكلمة ليست في وجودها بين الكتب بل في رسوخها في عقول الناس العامة وإيمانهم بها واتخاذهم لها مبادئ في حياتهم يعيشون بها ويدافعون عنها ويجسدونها في سلوكهم كل يوم بل كل لحظة)
كفانا حديثا عن أصالة الإسلام وكونه الحل، فهذا أمر أعتقد أن أغلبية الناس العاديين مقتنعون به
علينا الآن أن ننتقل من مجرد الكلام والدفاع عن الإسلام إلى الفعل الذي سيعيد للإسلام إنتاجيته وللمسلمين قوتهم وتقدمهم
فكرة العولمة التي تميز هذا العصر أراها في خدمة المسلم لأنه آمن واعتقد بوحدة الأصل الإنساني وأن لا فرق لأبيض على اسود إلا بالتقوى في وقت شاعت فيه القوميات و العصبيات
كما أنه آمن بقيم العدالة و الحق و الخير و المساواة المطلقة منذ وقت كان غيره يرى أن العدالة لا يستحقها سوى جنس من بين باقي الأجناس وأن المساواة لا تنطبق إلا عليهم فيما بينهم ….
من هنا يتوجب على المسلمين الدخول إلى التاريخ وممارسة دورهم فيه ، فبدونهم لا يمكن للإنسانية الخروج من الأزمة بأمان حتى يتسنى لها الوصول إلى الحقيقة الكبرى في الكون ألا وهي الله
فالعالم اليوم رغم الانفجار المعرفي المذهل إلا أنه يمشي بدون هدف وحاجته موجودة عند المسلم ألا وهي الإسلام الذي ينير له الطريق ليقوم مساره ويجد غاية له ….
بعد التعريف بالمفكر والفيلسوف الإسلامي الجزائري مالك بن نبي أنتقل بكم إخوتي الأكارم إلى بعض أفكاره غيرالمسبوقة…
يعد “مالك بن نبي” رائدا من رواد الإصلاح في العالم الإسلامي ،
فقد أسس مدرسة أصيلة في الفكرالإسلامي الحديث ،
تنطلق من الإسلام لكنها تستلهم روح العصر و العلم
وخصوصا علم النفس و علم الاجتماع وسنن التاريخ .
لقد بحث في مشكلات العالم الإسلامي، واستطاع أن يكتشف سبب تأخر المسلمين
كما استطاع أن يضع منهجا متكاملا في النهوض الحضاري ؛
فكانت كل مؤلفاته في مشكلات الحضارة .
__________________يعد “مالك بن نبي” رائدا من رواد الإصلاح في العالم الإسلامي ،
فقد أسس مدرسة أصيلة في الفكرالإسلامي الحديث ،
تنطلق من الإسلام لكنها تستلهم روح العصر و العلم
وخصوصا علم النفس و علم الاجتماع وسنن التاريخ .
لقد بحث في مشكلات العالم الإسلامي، واستطاع أن يكتشف سبب تأخر المسلمين
كما استطاع أن يضع منهجا متكاملا في النهوض الحضاري ؛
فكانت كل مؤلفاته في مشكلات الحضارة .
مافي حب بهذا الزمن مين قال غلطان..
مليت حياتي حياتي ملتني..