يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا أحكَامَ اللَّهِ
16-08-2018, 01:49 PM
يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا أحكَامَ اللَّهِ!!؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
بختام نزول القرآن العظيم، ووفاة رسولنا الكريم: أتم الرحمن الرحيم نعمته على عباده المؤمنين، بأن أكمل لهم دينهم حين رضي لهم الإسلام دينا، فقال وهو أصدق القائلين:
[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا].(المائدة:107).
إن دين الإسلام: دين تام كامل في تشريعاته الحكمة والرحمة والعدل، لأنها:
[تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ].(فصلت:42).
وقد انقسم الناس أمام دين الله وأحكامه الشرعية إلى طائفتين:
طائفة: آمنت وصدقت، فعملت بأحكام ربها ولها انقادت:[وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ].(البقرة: 285).
[إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ].(النور:51).
وطائفة: كفرت بنعمة الله وكذبت بآياته، فأعرضت عن أحكام ربها وعصته:[خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا](البقرة:93).
[وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ].(النساء: 46).
[وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(50)].(النور).
إن ما حدث ويحدث في:( تونس الشقيقة) هذه الأيام: لأمر يندى له الجبين، حيث اقترحت ما سميت ب:( لجنة الحريات الفردية والمساواة): توصيات واقتراحات للدستور الجديد، وجاءت التوصيات في تقرير متكون من 230 صفحة، ومضامينها فيها:"تهديد للسلم الاجتماعي عبر تقنين نشر الفاحشة والإباحيةوتغذية الإرهاب والتطرف الديني عبر استفزاز المسلمين بالاعتداء على أصول دينهم"، وتلك:" محاداة صريحة لله، ومحاربة صريحة لشريعته بحجة الحداثة!!؟"، وقد غفل أعضاء تلك اللجنة عن قول العزيز الجبار في كتابه المختار:
[إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)].(المجادلة).
[إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)].(المجادلة).
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)].(الصف).
قال الأخ الإعلامي:( قادة بن عمار):
" لقد أوصت هذه اللجنة في تقريرها النهائي بعدة توصيات:[ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ] على غرار:( المساواة التامة في الميراث بين الرجل والمرأة، والاعتراف بحقوق المولودين خارج إطار الزواج، وإسقاط تجريم المثلية الجنسية، وإباحة الشذوذ، وأيضا: إلغاء أحكام الإعدام، وإلغاء المهر، وإعفاء الأرملة من عدة الوفاة قبل الدخول، وغيرها من التوصيات التي وضعتها هذه اللجنة، وتريد فرضها على الشعب التونسي، بل وعلى كل العرب والمسلمين فيما بعد!!؟.
أمّا لمن يقول بأن الأمر:" تونسي بحت أو شأن داخلي!!؟"، فنرد عليه، بأن كل الأمور “الانقلابية” بدأت هكذا، ثم سرعان ما انتشرت بين الدول والشعوب في المنطقة، على غرار قضية المساواة في الميراث التي شجعت البعض على استيراد الفكرة ذاتها في مصر والمغرب والجزائر.
إنهم يريدون جعل تونس بالون اختبار، فإذا أفلحوا، سنجد عشرات الـ(بشرى بالحاج حميدة: رئيسة لجنة المساواة) يخرجن علينا عبر الإعلام للمطالبة بنفس المطالب، ولرفع نفس التوصيات!!؟.
يبقى أن تذرّع البعض بوجود قراءة تقدمية للقرآن الكريم من أجل تبرير تلك المواد التي أتى بها:( تقرير بشر بلحاج حميدة) هو: حق يراد به باطل على غرار ما قيل من كلام قبل 6 عقود بخصوص منع تعدد الزوجات، حيث جاء ذلك القرار، ليزيد من مشكلة المجتمع التونسي خطورة وتأزما، فلا الرجال ارتاحوا، ولا النساء تخلصن من:" وجع الراس!!؟". انتهى كلام الأخ:( قادة) بتصرف يسير، جزاه الله خير الجزاء.
لم نستغرب صدور مثل تلك التوصيات من لجنة علمانية تدعي الحداثة والتنوير، ولا ترى تطوير الأمة إلا في التفسخ والانحلال الأخلاقي في نسخة مشوهة للانحلال الغربي، وهيتعبر عن رغبة إيديولوجية لفئة قليلة منفصلة ثقافيا ومجتمعيا عن اهتمامات الرأي العام للمسلمين ومشاغلهم، فضلا عن إملاءات أجنبية.
وقد اعتبرت:(جامعة الزيتونة) التي أقصيت من تلك اللجنة: تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بأنه:" التفاف مشين على قيم الإسلام".
وقال مفتي الديار التونسي السابق:( حمدة سعيد): بأن ما تضمنه تقرير لجنة الحريات الفردية من مقترحات وتصورات، يعد:" مسخا وطمسا واعتداء على حق الله ومقدساته، وعلى أحكام ونصوص قطعية في القرآن لا تقبل لا التأويل ولا الاجتهاد؛ على غرار مسألة المواريث والعدة والمهر واللواط"، مستنكرا في الآن ذاته: عدم دعوة متخصصين من رجال الدين وعلوم الشريعة في نقاش اللجنة، ووضع تصورات تتماشى وعقيدة المجتمع التونسي".
كما انتقد:( المفكر التونسي: أبو يعرب المرزوقي) تقرير:" لجنة الحريات الفردية والمساواة" الرئاسية، قائلا:" إنه أدخل تونس في حالة صدام حضارات داخلي".
واعتبر:( المرزوقي):" أن الشعب التونسي في عمومه عبّر عن رفضه مقترحات اللجنة لتعارضها مع مقومات هويته وقيمه الثقافية والحضارية والمجتمعية".
وأشار:( المرزوقي) إلى:" أن صدام الحضارات الذي يقصده هو: صدام بين قلة تدعي الحداثة، وبقية تتبنى قيمها الثقافية والمجتمعية التاريخية".
من ناحيته شدد:( رئيس المركز العلمي للبحوث والاستشارات: عبد المجيد النجار) على:" أن القضايا الجدلية التي اقترحتها اللجنة ينبغي أن تكون مؤسسة على المخزون القيمي والثقافي للمجتمع التونسي، لا أن تكون مسقطة على الشعب من خارج ثقافته، وأكد أن الشعب التونسي لا يمكن أن يقبل هذه الإسقاطات التي تجرى عليه".
ومن البشائر بفشل هذا المشروع التغريبي التفسيخي التخريبي، أن:( إذاعة موزاييك التونسية): أجرت سبر آراء حول مقترحات اللجنة، فكانت النسبة هي:( رفض 96% من المستجوبين لتلك التوصيات)، وتلك نتيجة طبعية، لأن الشعب التونسي في أغلبيته الساحقة مسلم متمسك بأصول إسلامه، وقد رأينا في التجمعات والمسيرات المناهضة لتوصيات تلك اللجنة: نساء تونسيات غير متحجبات، وهذا يدل على الفطرة الدينية السليمة التي تغار أن تنتهك أصول إسلامها.
ولأن الشعبين الجزائري والتونسي يعتبران بمثابة الشعب الواحد بحكم الجيرة وتطابق الدين واللغة والعادات والتقاليد: ترقبنا ردود فعل النخب الجزائرية على ما يحدث في تونس، فجاء أول رد بما يثلج صدور الجزائريين، خاصة أنه صادر من:( الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات) على لسان الأمينة العام:( نورية حفصي) التي عبرت عن رفضها التام لمسالة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل في الجزائر، وفق ما نقلته وسائل إعلام جزائرية يوم الثلاثاء 14 أوت 2018.
وقالت:( حفصي):" إن اتحاد النساء يلتزم بما جاءت به النصوص القرآنية في هذا الموضوع، ولا نريد أن نغير ما جاءت به الشريعة الإسلامية في هذا المجال''.
ومن باب:( لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، لا نملك في هذا المقام إلا أن نوجه الشكر للسيدة:( نورية حفصي) على موقفها المشرف الذي يعبر عن الحكمة والرزانة في مسألة حساسة كهذه التي يمكن أن يستغلها بعض أصحاب النيات السيئة لإثارة البلبلة في بلدنا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الاستقرار والسكينة في محيط مضطرب بأمواج الفتن والقلاقل.
وما نأمله هو: أن يستفيد المسؤولون عن وزارة التربية في الجزائر من موقف السيدة:( نورية حفصي) المنضبط المتوازن الموافق للتوجه العام للشعب الجزائري المسلم، وذلك بأن يكف هؤلاء المسؤولون عن الكيد لمنظومتنا التربوية بمحاربتهم لهوية الشعب الجزائري، فبعد استهداف اللغة العربية، ها هي ذي وزارة التربية تسعى لفصل الدين عن المدرسة!!؟، وقد فضح هذا المشروع المشين:( التنسيقية الوطنية لأساتذة العلوم الإسلامية) في بيانها الأخير.
حقا وصدقا: إنه لغريب عجيب مريب شأن مسؤولي قطاع التربية في بلد مسلم كالجزائر!!؟، يسعون بشتى الطرق والأساليب للتضييق على مواد الهوية الوطنية، وآخرها:" محاولتهم الماكرة لفصل الدين عن المدرسة"، بينما وجدنا عدة دول غربية -أوربية خاصة- قررت تخصيص حصص للدين الإسلامي في مؤسساتها التربوية مراعاة للجالية المسلمة المقيمة عندها، بل إن هناك مدارس إسلامية خاصة – بريطانيا نموذجا-، رأينا ذلك يحدث في تلك الدول الغربية، بينما مقلدوهم عندنا ممن يسمون ب:" التنويريين والحداثيين يسعون جاهدين لمسخ هوية المسلمين بحجة: الحداثة!!؟".
إن ما تقوم به وزارة التربية في الجزائر: لا يقل خطورة عن توصيات لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس، لذلك يجب على كل مسؤول جزائري عاقل محب للخير والاستقرار للجزائر وأهلها: أن يكف يد هؤلاء العابثين بمنظومتنا التربوية، لأن قراراتهم مستفزة مثيرة للتشنجات والاضطرابات، وقد تفتح بابا لتغذية التطرف الذي يقتات على مثل تلك القرارات التي تناقض هوية أغلبية الشعب الجزائري المسلم، فالحذر الحذر، و:" السعيد من وعظ بغيره!!؟".
ختاما:
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: أن يحفظ الجزائر وتونس وكل الدول المسلمة وأهلها من كل سوء، وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم، وأن يوفق أولياء أمورهم للرشد، ويرزقهم البطانة الصالحة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.