نصيحة لزوار قبور الأولياء في البلدان الإسلامية يا أهل التوحيد احذروا الشرك
03-09-2017, 04:29 PM
نصيحة لزوار قبور الأولياء في البلدان الإسلامية
يا أهل التوحيد احذروا الشرك
تمهيد:
إن أوجب الواجبات على العبد معرفته هو:" توحيد الله"، لأن الإنسان خلق لتحقيقه، وعليه تترتب الهداية في الدنيا والنجاة في الآخرة.
ولأنه بضدها تتميز الأشياء، فإن معرفة التوحيد تكتمل بمعرفة مضاده، وهو:" الشرك"، فهو سبب الشقاء في الدنيا والخلود في النار في الآخرة.
ولا ريب بأن أمرا هذا هو شأنه: كان حريا بكل عاقل يبحث عن النجاة: أن يسأل عنه ويتعلمه ليعيش به، فحياته الحقيقية به، وأما الحياة دونه، فهي حياة الأنعام كما وصف الخبير العلام به المشركين في محكم القرآن.
وهذه رسالة نافعة في هذا الباب خطها يراع الشيخ:" أبي عمار علي الحذيفي "، جزاه الله خير الجزاء، ننشرها على حلقات لتعم به الفائدة، فإلى المقصود:
المقـدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلىآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه رسالة صغيرة فيها نصيحة ممن يحب الخير للمسلمين كما يحبه لنفسه، ويكره لهم الشر كما يكره لنفسه، فيها التنبيه على ما يفعله زوار الأولياء في بعض البلدان الإسلامية من غلو، والتحذير من هذا الغلو الذي ذمه الله وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها بيان: أن بعض هذا الغلو هو: من الشرك الذي حذر الله منه، ومع هذا، فنحن لا نرى ولا نقول: إن كل من وقع في مثل هذا العمل، فهو كافر، معاذ الله من ذلك، فإننا نعلم أن كثيرا من الناس جاهل بالشريعة، ولا يعرف حقيقة دعوة الرسل، ولكن مع هذا نرى: أنه يجب على المسلم أن يتعلم أمور دينه ويتبصر بها، ويسأل عن التوحيد الذي كلفه الله بتعلمه وتفهمه.
وإن مما ينبغي: أن يعرف أننا نحب أولياء الله الصالحين الذين أخبر الله تعالى عنهم فقال: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، ولكننا نكره الغلو فيهم: كدعائهم من دون الله والاستغاثة بهم: لقضاء الحوائج، وتفريج الكرب، وسؤال الولد، والذبح لهم، والطواف حول قبورهم ونحو ذلك من مظاهر الغلو، ونكره أن يصفهم الواصفون بما لا يليق إلا بالله تعالى كما سيأتي معنا إن شاء الله.
وهذه نبذة مختصرة عن حقيقة الشرك الذي حذر الله منه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما فيه من خطورة عظيمة.
وتتكون هذه النبذة من عدة فصول، وهي:
الفصل الأول: حقيقة الشرك.
الفصل الثاني: وقت وقوع الشرك في الأمم، وكيفية وقوعه.
الفصل الثالث: سد ذرائع الشرك.
الفصل الرابع: مظاهر الشرك.
الفصل الخامس: التعامل الصحيح مع أهل القبور.
الفصل الأول: حقيقة الشرك:
المبحث الأول: تعريف الشرك:
الشرك لغة: هو النصيب، ومنه قوله تعالى: (وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) وقوله: (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ).
والشرك شرعاً هو:" تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى"، ومن المعلوم: أن خصائص الله ترجع إلى "الربوبية"، و"الألوهية"، و"الأسماء والصفات"، وعليه، فإن الشرك يدخل في هذه الأبواب الثلاثة.
والشرك: تسوية المخلوق بالخالق، سواء كان هذا المخلوق من الملائكة أو من الإنس أو من الجن، فلا فرق بين مخلوق ومخلوق.
ومن المهم: أن يعرف المسلم حقيقة الشرك، لأنه تترتب عليها أمور أخرى من أهمها: وقاية الإنسان لنفسه من أن يقع في شيء من صور الشرك أو شيء من فروعه، ومنها: المقدرة على التمييز بينه وبين غيره، بل التمييز بين صوره المختلفة، بحيث يعرف الطالب أن هذه المسألة من الشرك أو أنها ليست كذلك، إلى غير ذلك من الفوائد.
المبحث الثاني: خطورة الشرك:
إن بيان خطورة الشرك وسوء آثاره على الأفراد والمجتمعات يعتبر فرعاً من بيان حقيقة الشرك، فخطورة الشرك لا تخفى على موحد، فمخاطره عظيمة وعواقبه وخيمة، ونعرف ذلك من عدة أوجه:
1- أنه أعظم الظلم، لأنه تعلق بحق الله تعالى، قال تعالى:[إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ]، والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله، فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.
2- أن الله لا يغفر لمن مات عليه ولم يتب منه، قال تعالى:[ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]، وعليه، فالمشرك خالد مخلد في نار جهنم، قال تعالى:[ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ].
3- إن الشرك: أكبر الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين". متفق عليه.
قال العلامة: ابن القيم رحمه الله في:(الجواب الكافي):
" فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود: كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له في الآخرة دعوة، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه نداً، وذلك غاية الجهل به، كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك لم يظلم ربه، وإنما ظلم نفسه" أ.هـ باختصار.
4- أن الشرك يفسد القلوب ويقطع الطريق عليها، ولا ينجو العبد إلا بالسلامة من الشرك كما قال تعالى:[ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ].
5- والشرك أيضا يفسد العقول، فعقول أهل الشرك هي: أفسد العقول وأضلها عن سواء السبيل، وقد قال الله فيهم:[ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ].
6- والشرك يفسد الأخلاق، ولذلك فإن أفسد الأخلاق هي: أخلاق المشركين، وفيهم من الفواحش بقدر تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.
قال شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله كما في:"مجموع الفتاوى" (10/135-136):
" ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين: لم يبتل بذلك، بل قال تعالى عن يوسف:[كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]، وأما: امرأة العزيز، فكانت مشركة هي وقومها، فلذلك ابتليت بالعشق، وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه: فيه صارفان يصرفانه عن العشق:
أحدهما: إنابته إلى الله ومحبته له، فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء، فلا تبقى مع محبة الله: محبة مخلوق تزاحمه.
والثاني: خوفه من الله، فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه" أ.هـ.
فظهر لنا من هذه الأوجه: أن الشرك: أعظم الظلم، وأنه: أكبر الكبائر، وأنه: يفسد القلوب والعقول والأخلاق، وأن له تأثيراً عظيماً على مصير الإنسان في الآخرة.
يتبع إن شاء الله.