عملية جراحية تجميلية أمريكية
10-11-2015, 09:10 PM
الرأي لكم
كان أكبر فشل سياسي واستخباراتي واجهته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، هو ارتماء من دربتهم ومولتهم في الحضن الإيراني، حتى إياد علاوي ضحّت به لسواد عيونهم، عندما اعترضوا عليه وقالوا إنه لازال يحــمل أفكار البعث.
وآخرون غيرهم لم تمد إليهم يدها أو حتى تحميهم من الطابور الخامس والسادس والسابع الإيراني، على الرغم من أنهم كانوا من ضمن الحلفاء الصدوقين الذين قدموا معها بعد الغزو، بسبب عدم حصولهم على تزكية الأحزاب الإسلامية التابعة لإيران، ومنهم على سبيل المثال رئيس المخابرات السابق عبدالله الشهواني، الذي عاد أدراجه إلى أمريكا. وحدهم الأكراد من أثبتوا أنهم حلفاء حتى العظم لها.. نعم هم أيضا تعاملوا وتحالف البعض منهم مع إيران، لكنهم لم يخونوا الولايات المتحدة، بل عرضوا عليها إقامة قواعد سرية وعلنية على الأراضي التي يحكمون سيطرتهم عليها، عندما أشيع بأن الحكومة المركزية لا تنوي التجديد لبقاء القوات الأمريكية، ثم اكتشف الأمريكان بعد فوات الأوان، أن العراق الامريكي قد انزلق من بين أيديهم وبات في رحل إيران، لأنهم كانوا قد لعبوا دور كاسحة الغام أمام سيطرة الأحزاب الاسلامية على كل مرافق الحياة في العراق.
تسونامي «تنظيم الدولة» الذي اجتاح ثلثي مساحة العراق وفرض سيطرته عليها، كان الصاعق الذي أيقظ الامريكان من غيبوبتهم، كما أنه أوجد فرصة ذهبية لهم كي يعيدوا حساباتهم في هذا البلد. عاد الحلفاء الإسلاميون الذين تنكروا للحضن الأمريكي، متوسلين العون بعد أن بات الشك لديهم أكبر من اليقين بأن سلطتهم في خطر. صانع القرار في البيت الأبيض قال لا عون من دون شروط، وأولها لا ولاية ثالثة لنوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، فقفز رئيس الوزراء الحالي إلى المنصب بمؤهل وحيد، أنه لم يكن من ضمن المجموعة التي تقع ضمن اهتمام مركز بؤرة صانع القرار السياسي والأمني الإيراني. صحيح أنه من حزب الدعوة الذي أمينه العام نوري المالكي، لكن هذا هو الذي يريده الأمريكان. هم يريدون شخصا من الحزب نفسه، كي يطمئن الحزب أن السلطة مازالت في يده، ولا تثير إيران العراقيل في وجهه، كذلك هم يضمنون عدم اعتراض الآخرين عليه، ثم بمرور الوقت يتم البناء عليه وتعزيزه بعناصر ذات ولاء أمريكي لا غبار عليه، عماد الخرسان مثلا، إلى الحد الذي يشكل كيانا جديدا ماديا ومعنويا في العملية السياسية، يجُبُّ ما قبله.
كان الشرط الثاني الذي وضعه الأمريكان لتقديم الدعم للحكومة ضد «تنظيم الدولة»، هو إعادة فتح وتفعيل ملف المصالحة العراقية، وقد استمزجوا رأي بعض حلفائهم العرب، خاصة الأردن ومصر، الذين أبدوا حماسة كبيرة في إقناع بعض المعارضين على أراضيهم، وسفاراتهم في بغداد التي فتحت حوارا مكثفا مع شخصيات قيادية في الاحزاب الاسلامية، ومنها حزب الدعوة. فانطلق قطار المصالحة باجتماعات علنية وسرية، وبطاولات جماعية حينا وفردية أحيانا، وحقق خروقات كبيرة على بعض الجبهات، خاصة جبهة أصحاب الفكر القومي، ومنهم البعثيون بأجنحتهم المختلفة على سبيل المثال، وكان دور بعض حلفاء أمريكا من العراقيين كبيرا في هذا الحقل، حيث أن البعض منهم يرتبط بعلاقات قديمة مع تيارات المعارضة للنظام العراقي الحالي، وهم من سهل التواصل بينهم. كما أن الحزب الإسلامي العراقي، كان له دور في عملية الاتصال وتقريب وجهات النظر بين بعض الأطراف، خاصة أنه أول من وضع يده ومصيره بيد الامريكان حال دخولهم إلى بغداد، وكان على الرغم من أنه وضع إحدى قدميه في الحقل المحسوب على إيران، كي يستر على نفسه بعد انسحاب القوات الامريكية، لكنه بقي حريصا على أن يكون أحد الذين يقدمون المشورة إلى الامريكان، حتى وإن لم يطلبوها منه.
أما في الجانب العسكري فقد ترددت الولايات المتحدة الأمريكية، ترددا مقصودا، في عدم الإسراع بتقديم الدعم في هذا الجانب، كي تشكل ضغطا كبيرا على من وعد بتنفيذ الإصلاحات السياسية أولا، وثانيا تعطي فرصة أكبر لرئيس الوزراء الجديد كي يلح في الطلب، حتى يظهر بمظهر الفاعل في تقديم الدعم العسكري الأمريكي، وبالتالي هذا يشكل عنصر قوة له أمام الشركاء، ثم بدأت بتدريب مجاميع صغيرة زرعت إحداها في خط التماس مع «تنظيم الدولة» في كركوك، والاكراد على علم ودراية بها وبواجباتها، وكان اعتقال اثنين من عناصرها من قبل «تنظيم الدولة» مع عدد آخر من المختطفين، علما بأن «تنظيم الدولة» لم يكن لديه علم بانتماء هؤلاء إلى هذه المجموعة، هو السبب الذي أجبر الامريكان عل التدخل لإطلاق سراحهم في العملية التي جرت في قضاء الحويجة التابع إلى محافظة كركوك، وقد قتل في الهجوم جندي أمريكي، كان عنصرا في وحدة الكوماندوز (دلتا)، وهي وحدة من قوات النخبة محاطة بسرية تامة، ومتخصصة على وجه التحديد في عمليات تحرير الرهائن المهمين ومكافحة الإرهاب. كما تم زرع مجاميع صغيرة أخرى في خط التماس مع عناصر التنظيم في الأنبار، وصلاح الدين. هذه المجاميع الصغيرة كانت هي المجسات الأولى لعودة الامريكان إلى العراق مرة أخرى، بأسس جديدة قائمة على احتواء وإضعاف «تنظيم الدولة» إلى أدنى مستوى، من دون السماح لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي من السيطرة على الوضع بشكل كامل، وخلق توازن داخل العراق بين ما تسمى المكونات. وقد أعطى التدخل الروسي عامل دفع كبير للخطة الامريكية، حيث كانت الولايات المتحدة تحاول فصل «تنظيم الدولة» في العراق عن تنظيم الدولة في سوريا، وها هم الروس يتولون الوضع في سوريا.
السؤال الآن هل أن هذه المجاميع المسلحة الصغيرة هي وحدها من سيقاتل به الامريكان عناصر «تنظيم الدولة»؟ الجواب جاء من وزير الدفاع الامريكي أشتون كارتر قائلا «أتوقع أن نقوم بالمزيد من هذه العمليات»، مؤكدا أن هجوم الحويجة «أتاح إنقاذ حياة سبعين محتجزا وجمع معلومات استخباراتية ثمينة»، لكن هذا التصريح قد يفهم منه على أنه متناقض مع ما قاله أوباما عام 2014، من أن القوات الأمريكية لن تكون في قتال في العراق. لكن هذا التناقض هو في الحقيقة مقصود كي تبقى العودة الامريكية إلى العراق في حالة ضبابية، بهدف عدم إثارة أي طرف من أطراف الحشد الشعبي، الذي يعرف الامريكان بأنه قوة فاعلة على الارض، تسعى لاستثمار سلاحها وارتباطاتها الإقليمية كي تكون فاعلا سياسيا كبيرا قد يسقط رئيس الوزراء الحالي، حيث بدأ البعض يفهم اللعبة الامريكية الجديدة، فراح يسعى إلى التهديد بسحب تفويض البرلمان للعبادي، بالقول إنه تخلى عن مبدأ التشاور، ومفاجأتهم بقرارات العزل والتعيين والإعفاء، في عدد من مراكز الدولة الحساسة العسكرية والمدنية والامنية. هل يسقط رئيس الوزراء الحالي بالضربة القاضية من قبل من فهموا اللعبة الامريكية الجديدة، أم أن العمليات الجراحية الأمريكية ستشكل مشهدا سياسيا وعسكريا جديدا في العراق؟ الجواب مقبل.
٭ باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله


سحر الحرف والكلام


شكرا للأخ صقر الأوراس على التوقيع