سلوكنا بين القرآن والجوال!!؟
16-11-2017, 09:50 AM
سلوكنا بين القرآن والجوال!!؟
د.حمزة بن فايع الفتحي
جالَ جوالٌ لنا وتجولُ÷ كل أنفاسٍ لنا وتصولُ
جال جوالنا وذكر لربي ÷ قد هجرناه وبئس الأفولُ
• نعمة الجوال تتعاظم منافعا ومحاسن وروائعا، ويجعل الله فيها أسبابا للخير وقضاء الحوائج، وديمة التواصل:( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).
• ولكننا بالغنا في العناية بها والالتصاق إلى درجة أنها غطت على شؤوننا وعبادتنا وصلاتنا وقرآننا: موطن السعادة ومنارة الحياة الطيبة.
• فأحسسنا بالتقصير والضيقة وشيء من الإفلاس!، وأي إفلاس سيعيشه المرء، وقد طال به العهد عن الكتَاب العزيز ووعظه ودرسه!!؟.
• لأننا صُنفنا في مستودع الهجر والهجران، وباتت الأيام تتوالى والقرآن عنا بعيد، والذكر في جفاء، والروحانيات محدودة:( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا).
• فجُلّ سلوكنا ومسالكنا في غمرة الجوالات واكتشافاتها وإرهاصاتها!!؟.
• ونستطيع الخروج بالصرامة وتنظيم الوقت واستشعار حاجة القلب للقرآن كحاجة الزرع والسمك للماء!.
• تتجاوز روعة القرآن مجرد الثواب إلى مرافئ الحياة الطيبة ومنازل الحدائق المنيفة، والتي تنفي عن روادها مراتع الحزن والضيقة:( إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه:" من أحب القرآن، فهو يحب الله ورسوله".
• سابقاً: زُوحم القرآن بالطعام والنزهة، ثم التلفاز والمسلسل، فالعلاقة والصداقة، إلى أن بتنا في عالم الجوالات، فاختطفتنا اختطافا شديدا: أنسانا دينَنا والتزامنا!!؟.
• وأصبح صديق الإنسان الجوال، يسامره ويناجيه، ويحادثه ويخاويه!.
• فوا خيبةَ من آثر جواله على قرآنه، ورجع لآلته، وترك كتابه، واهتم باتصاله، وأهمل أوراده!.
• وبات القرآن يتيماً في حياتنا، وغريبا عن جدولنا اليومي!، وإذا قراناه أحيانا: لم نستطِب حلاوته، ولم نشعر ببيناته!، لأن القلب في وادي الرسائل، ومنتزه الدردشة، وتعليقات الظرفاء والمفرفشين!!؟.
• قسَت القلوب وحصلت التوترات، واشتدت المحن والأزمات!، والقلب لا يصلحه إلا الذكر، ولا يلم شعثه إلا الإقبال على الله والمعرفة به.
• وأعتقد أن هجران القرآن زاد مع عجلة الاتصالات وعالم الجوالات المتفننة والمشغلة.
• وانسحب تقصيرنا تجاه القرآن على الكتب العلمية، فالمعرفة الجادة، فصيانة الأوقات من الضياع (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ).
• وباتت الأعين ملتصقة بالجوالات، منها ترد وتغرد وتدردش، وتحاور وتراسل وتعقد الصفقات، وصرنا أسرى لها نوما وطعاما ورفاهية وجدا!!؟.
• وبرغم أن المصاحف ملونة وصوتية في الأجهزة الحديثة، ولكن داء الغفلة سابغ، وأسبابها فاتكة، والله المستعان.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
" الغفلة نوم القلب، ولذلك تجد كثيراً من اﻷيقاظ في الحس: نياما في الواقع، فتحسبهم أيقاظا، وهم رقود!!؟".( مدارج السالكين: 3-284).
ومن يكن نام بهذا الواقعِ ÷ فقلبُه في غفلة المراتعِ
• تخيل لو أن هذا الالتزام وذاك اللصوق الجاثم على القرآن، لكان ماذا!!؟. القرآن سيُحفظ والعلم سيُفقه، والمعرفة ستُضبط، والاطلاع سيُستدام.
• أما مطالعة الجوالات ورسائل الواتس، فهو اطلاع بارد، وتعلم بلا نية وقصد، ومعرفة بلا استجماع، ودراية هوائية، واستبصار هش: يُنسي بعضه بعضا، والله المستعان .
• حينما صرنا أسرى لهذه الأجهزة، تغيرت قلوبنا ونفوسنا وأخلاقنا، وعشنا ظاهرة التأزم الخلقي، والنائي عن القرآن ومواعظه ومعالمه:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وفي الحديث:" كان خلقه القرآن".
• ومن المؤسف: أن بعضنا يتنازل عن قرآنه ويسوّف، ولا يستطيع ترك الجوال في مكان وهو في آخر، ولو نسيه لعاد إليه، وهذا شيء عجيب!!؟.
• أثمر الجوال لنا غفلة شديدة، وقسوة مريرة، وانشغالا عجيبا، وشرودا ذهنيا، ومعلومات هشة، وسوء تركيز، وتباعدا عن معالي الأمور، ومن أشنعها: هجر القرآن والتباعد عنه:( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ).
• قال ابن قدامة رحمه الله:
" يكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوما، وقال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين.
ولأن تأخيره أكثر من ذلك: يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به، فكان ما ذكرنا أولى، وهذا إذا لم يكن له عذر، فأما مع العذر، فواسع له". (المغني:1/459).
• ووقوع الهجر الطويل هذه الأيام :مرده لغفلة اعترتنا من أسبابها الجوالات وجاذبيتها وتأثيرها على النفوس.
• ويضاعف آلامنا: أن هذه الآلة صارت مقدمات لذنوب وغفلات، صدّتنا عن الذكر الحكيم، ولا تعالى مأساتها في الحوادث عن مأساة الهجر والانقطاع، فتلك اغتيال حسي، وهذه اغتيال معنوي، والله المستعان .
• اللهم أصلح قلوبنا، واحفظ علينا أوقاتنا، وجنبنا الغفلة وأسبابها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.